د.ماجد كارم
عن حذيفة بن اليمان رضي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا تبقي في الأرض منه آية، وتبقي طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. فقال صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة، فأعرض عنه حذيفة، ثم رده عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) ).
ابن ماجة ( 4049 ) والحاكم ( ج 4 / 473 ) وقال صحيح على شرط مسلم وقال البوصيري في الزوائد ( 1 / 247 ) وقوي سنده الحافظ في الفتح.
وقد خالف أبو معاوية أغلب الحفاظ فرواه موقوفا على حذيفة قال البزار
( 2467 ) وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة موقوفا، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب عن أبي معاوية، حدثنا أبو كامل قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة بنحوه موقوفا. اهـ [ ج7 / 313 ].
وأبو معاوية قد نص أهل العلم أن في روايته عن غير الأعمش ضعف واضطراب كقول (الإمام أحمد في محمد بن خازم الضرير: "أبو معاوية في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظا جيداً". رواه عنه ابنه عبد الله في العلل (1/119) قال أبو داود: "أبو معاوية إذا جاز حديث الأعمش كثر خطؤه. يخطئ على هشام بن عروة وعلى إسماعيل وعلى عبيد الله بن عمر" (سؤالات أبي عبيد الآجري للإمام أبي داود السجستاني في الجرح والتعديل 1/12).
قال أبي الفضل محمد بن أبي الحسين ابن عمار الشهيد ( وسمعت أبا جعفر الحضرمي يقول : سمعت ابن نمير يقول : (( كان أبو معاوية يضطرب فيما كان عن غير الأعمش ))
وسمعت الحسين بن إدريس يقول : سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول
(( أبو معاوية في حديث الأعمش حجة وفي غيره لا)) (علل أحاديث في صحيح مسلم ص 10 ).
استدل بهذا الحديث بعض من يرى العذر بالجهل وقالوا بأن فيه دليلا على العذر بالجهل.
الجواب على هذه الشبهة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونرد على هذه الشبهة بعون الله وتوفيقه من عدة وجوه فنقول : ـ
الوجه الأول :
أنه ليس في نص الحديث أنهم ارتكبوا شركا فعذروا بالجهل، وإنما فيه أنهم لم يعملوا ببعض الشرائع بسبب عدم تمكنهم من تعلمها، لرفع القرآن، واندثار العلم في زمنهم .
الوجه الثاني :
أنه خارج عن محل الخلاف والنزاع الأصلي في أن من تلبس بالشرك ونقض التوحيد جهلا هل يكون كافرا، أم يمتنع وصفه بالكفر لإعذاره بالجهالة، فهؤلاء قوم موحدون بدليل قولهم ( لا إله إلا الله ).
وأما قول من قال بأنهم ( بأنهم لا يعرفون معناها ) فليس في لفظ الحديث ما يدل عليه ويشهد له .
وإن مما يدل على أن القوم كانوا عالمين بمعناها، شهادة حذيفة أنها تنجيهم من النار.
ومن المعلوم أن مجرد قولها ( أي لا إله إلا الله ) دون معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها لا ينجي صاحبه من النار.
وإلا لزم قائل ذلك قول الكرامية من المرجئة ( إن لم يكن منهم ) أن مجرد القول يكفي
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ :
( ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما، بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار ) [ الفتاوى النجدية ج 1 / 85 ].
وقال الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ :
( ومجرد التلفظ بها لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها واعتقاده إجماعا ) [ تيسير العزيز الحميد ص : 154 ].
وأختم الرد على هذه الشبهة بكلام نفيس للشيخ ـ أبي محمد المقدسي فك الله أسره؛؛
( وكذلك حديث حذيفة المذكور؛ (يُسرى على كتاب الله في ليلة فلا تبقى منه في الأرض آية)، فهو إن صحّ يُحمل على أنّ هؤلاء الناس الذين لا يعرفون من الشرائع إلا هذه الكلمة محققين لمعناها غير مشركين بالله لأنّ الله لا يغفر أن يشرَك به.
أمّا تركهم الصلاة والصدقة والنُّسك؛ فإن كانوا موحِّدين فإنهم يعذرون بذلك لأنّ هذه الشرائع لا تُعرف إلا بالحجة الرسالية... وقد ذكر الحديث أن كتاب الله يُرفع في زمنهم فلا تبقى منه في الأرض آية.
وكتاب الله هو الحجّة التي علّق الله النّذارة بها، فقال: {وَأُوحِيَ إلى هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ}، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجّة ومن لم يبلغه فإنه يُعذر بفروع الشريعة لكنه لا يُعذر بترك أصل التوحيد واتِّباع الشرك الصراح والتنديد.
لأن هذا أمر قد أقام الله عليه حجته البالغة من أبواب شتى
وحال هؤلاء إن صحّ الحديث؛ كحال زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم حنيفاً مسلماً من غير أن يأتيه نبي فإنه حقّق التوحيد وكان على ملة إبراهيم كما في صحيح البخاري وكان يقول كما في رواية ابن إسحاق: (اللهم لو أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به، ولكني لا أعلمه).
فمثل هذا يعذر بتفاصيل الشرائع التي لا تُعرف إلا عن طريق الرسل فهو لا يدري كيف الصلاة أو الزكاة ولذلك يُعذر فيهما.
أمّا التوحيد؛ فلا ينجو إلا بتحقيقه لأنه حق الله على العبيد الذي بعث من أجله كافة رسله وأقام عليه الحجج المتنوعة.
وهذا كله يُصار إليه إذا كانت لفظة "تنجيهم من النار"مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم. لكنّ الصواب أنّها موقوفة مدرجة من قول حذيفة كما قرّره أهل العلم في الحديث.
بل قد ذهب بعض المحققين إلى أن الحديث برمّته لا يصحّ، لأن فيه "أبو معاوية خازم الضرير"؛ مدلِّس وفي مروياته عن غير الأعمش ضعف، وقد رواه هنا من غير طريق الأعمش، وهو فوق ذلك رأس من رؤوس الإرجاء، كما ذكر الحافظ ابن حجر وغيره وهذا الحديث مما يتمسك ويستدل به المرجئة ). اهـ
وإليك طائفة من أقوال اهل العلم في ابومعاويه الضرير فيكونه مرجئآ :
(قال العجلي: كوفي ثقة وكان يرى الإرجاء وكان لين القول فيه.
وقال يعقوب بن شيبة: كان من الثقات وربما دلس وكان يرى الإرجاء.
وقال الآجري عن أبي داود: كان مرجئا وقال مرة كان رئيس المرجئة بالكوفة
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان حافظا متقنا ولكنه كان مرجئا خبيثا.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث يدلس وكان مرجئا ) [ تهذيب التهذيب
عن حذيفة بن اليمان رضي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا تبقي في الأرض منه آية، وتبقي طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. فقال صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة، فأعرض عنه حذيفة، ثم رده عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا ) ).
ابن ماجة ( 4049 ) والحاكم ( ج 4 / 473 ) وقال صحيح على شرط مسلم وقال البوصيري في الزوائد ( 1 / 247 ) وقوي سنده الحافظ في الفتح.
وقد خالف أبو معاوية أغلب الحفاظ فرواه موقوفا على حذيفة قال البزار
( 2467 ) وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة موقوفا، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب عن أبي معاوية، حدثنا أبو كامل قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة بنحوه موقوفا. اهـ [ ج7 / 313 ].
وأبو معاوية قد نص أهل العلم أن في روايته عن غير الأعمش ضعف واضطراب كقول (الإمام أحمد في محمد بن خازم الضرير: "أبو معاوية في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظا جيداً". رواه عنه ابنه عبد الله في العلل (1/119) قال أبو داود: "أبو معاوية إذا جاز حديث الأعمش كثر خطؤه. يخطئ على هشام بن عروة وعلى إسماعيل وعلى عبيد الله بن عمر" (سؤالات أبي عبيد الآجري للإمام أبي داود السجستاني في الجرح والتعديل 1/12).
قال أبي الفضل محمد بن أبي الحسين ابن عمار الشهيد ( وسمعت أبا جعفر الحضرمي يقول : سمعت ابن نمير يقول : (( كان أبو معاوية يضطرب فيما كان عن غير الأعمش ))
وسمعت الحسين بن إدريس يقول : سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول
(( أبو معاوية في حديث الأعمش حجة وفي غيره لا)) (علل أحاديث في صحيح مسلم ص 10 ).
استدل بهذا الحديث بعض من يرى العذر بالجهل وقالوا بأن فيه دليلا على العذر بالجهل.
الجواب على هذه الشبهة:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ونرد على هذه الشبهة بعون الله وتوفيقه من عدة وجوه فنقول : ـ
الوجه الأول :
أنه ليس في نص الحديث أنهم ارتكبوا شركا فعذروا بالجهل، وإنما فيه أنهم لم يعملوا ببعض الشرائع بسبب عدم تمكنهم من تعلمها، لرفع القرآن، واندثار العلم في زمنهم .
الوجه الثاني :
أنه خارج عن محل الخلاف والنزاع الأصلي في أن من تلبس بالشرك ونقض التوحيد جهلا هل يكون كافرا، أم يمتنع وصفه بالكفر لإعذاره بالجهالة، فهؤلاء قوم موحدون بدليل قولهم ( لا إله إلا الله ).
وأما قول من قال بأنهم ( بأنهم لا يعرفون معناها ) فليس في لفظ الحديث ما يدل عليه ويشهد له .
وإن مما يدل على أن القوم كانوا عالمين بمعناها، شهادة حذيفة أنها تنجيهم من النار.
ومن المعلوم أن مجرد قولها ( أي لا إله إلا الله ) دون معرفة لمعناها ولا عمل بمقتضاها لا ينجي صاحبه من النار.
وإلا لزم قائل ذلك قول الكرامية من المرجئة ( إن لم يكن منهم ) أن مجرد القول يكفي
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ :
( ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما، بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار ) [ الفتاوى النجدية ج 1 / 85 ].
وقال الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ :
( ومجرد التلفظ بها لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها واعتقاده إجماعا ) [ تيسير العزيز الحميد ص : 154 ].
وأختم الرد على هذه الشبهة بكلام نفيس للشيخ ـ أبي محمد المقدسي فك الله أسره؛؛
( وكذلك حديث حذيفة المذكور؛ (يُسرى على كتاب الله في ليلة فلا تبقى منه في الأرض آية)، فهو إن صحّ يُحمل على أنّ هؤلاء الناس الذين لا يعرفون من الشرائع إلا هذه الكلمة محققين لمعناها غير مشركين بالله لأنّ الله لا يغفر أن يشرَك به.
أمّا تركهم الصلاة والصدقة والنُّسك؛ فإن كانوا موحِّدين فإنهم يعذرون بذلك لأنّ هذه الشرائع لا تُعرف إلا بالحجة الرسالية... وقد ذكر الحديث أن كتاب الله يُرفع في زمنهم فلا تبقى منه في الأرض آية.
وكتاب الله هو الحجّة التي علّق الله النّذارة بها، فقال: {وَأُوحِيَ إلى هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ}، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجّة ومن لم يبلغه فإنه يُعذر بفروع الشريعة لكنه لا يُعذر بترك أصل التوحيد واتِّباع الشرك الصراح والتنديد.
لأن هذا أمر قد أقام الله عليه حجته البالغة من أبواب شتى
وحال هؤلاء إن صحّ الحديث؛ كحال زيد بن عمرو بن نفيل الذي كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم حنيفاً مسلماً من غير أن يأتيه نبي فإنه حقّق التوحيد وكان على ملة إبراهيم كما في صحيح البخاري وكان يقول كما في رواية ابن إسحاق: (اللهم لو أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به، ولكني لا أعلمه).
فمثل هذا يعذر بتفاصيل الشرائع التي لا تُعرف إلا عن طريق الرسل فهو لا يدري كيف الصلاة أو الزكاة ولذلك يُعذر فيهما.
أمّا التوحيد؛ فلا ينجو إلا بتحقيقه لأنه حق الله على العبيد الذي بعث من أجله كافة رسله وأقام عليه الحجج المتنوعة.
وهذا كله يُصار إليه إذا كانت لفظة "تنجيهم من النار"مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم. لكنّ الصواب أنّها موقوفة مدرجة من قول حذيفة كما قرّره أهل العلم في الحديث.
بل قد ذهب بعض المحققين إلى أن الحديث برمّته لا يصحّ، لأن فيه "أبو معاوية خازم الضرير"؛ مدلِّس وفي مروياته عن غير الأعمش ضعف، وقد رواه هنا من غير طريق الأعمش، وهو فوق ذلك رأس من رؤوس الإرجاء، كما ذكر الحافظ ابن حجر وغيره وهذا الحديث مما يتمسك ويستدل به المرجئة ). اهـ
وإليك طائفة من أقوال اهل العلم في ابومعاويه الضرير فيكونه مرجئآ :
(قال العجلي: كوفي ثقة وكان يرى الإرجاء وكان لين القول فيه.
وقال يعقوب بن شيبة: كان من الثقات وربما دلس وكان يرى الإرجاء.
وقال الآجري عن أبي داود: كان مرجئا وقال مرة كان رئيس المرجئة بالكوفة
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان حافظا متقنا ولكنه كان مرجئا خبيثا.
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث يدلس وكان مرجئا ) [ تهذيب التهذيب