![Photo: شبهـــات وردود ـــــــــــــــــــــــ شبهـــة اشــتراط الشروط والموانع في الشرك الاكبــر جزء من مناقشة مع احد ممن ادّعوا النظر في الشروط والموانع في الشرك الأكبر ـــــــــــــــــــــــــ كما قلت لكَ أن الله جل وعلا لم يعذر أحد البتة في مسائل العقيدة ولو قال ذلك جُل أهل العلم الصادقين وحاشاهم ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (( إعلام الموقعين )) : من ألزم الناس عامة الناس بمذهب معين سواء كان من الأحياء أو من الأموات فهو مبتدع ضال ، لأنه جعل حَكَمًا بين الناس يرجعون إليه دون محمد صلى الله عليه وسلم . فأقوال أهل العلم يستأنس بها فقط وليست حجة على أحد لأن كل يؤخذ منه ويرد دون النبيّ صلى الله عليه وسلم فالعصمة دفنت معه ، ولأن أقوال الرجال ضعيفة تحتاج إلى أن يحتج لها لا أن يحتج بها . ويجب أن يُعرف الحق أولاً ثم توزن الأقوال به، فالرجال يُعرفون بالحق وليس الحق هو الذي يُعرف بالرجال _كما قال عليَّ رضي الله عنه_ والرجال إنما هم أدلاء على الطريق فإذا رأيت أنوار المدينة لم تحتج للأدلاء قال تعالى : (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والناس في الرجال طرفان ووسط فمنهم من ترك اتباع الصحابة ومن اتبعهم بإحسان واعتمد على فهمه القاصر ، ومنهم من اتخذ العلماء أرباباً من دون الله ، والوسط أن يُستدل بهم على الطريق فإن زاغ حكيم أو زل لزمت الحق فإن على الحق نوراً _كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه_ . وهذا لا يخفى عليكم . نأتي الآن للدليل الذي يكذب دعوى (( استيفاء الشروط وانتفاء الموانع في الشرك الأكبر !!! )) قال الله جل وعلا في بيان أنه لآ عذر لأحد البتة بجهله أو خطئه في باب المعتقد في سورة الأعراف : ﴿ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [ الأعراف : 30] . -قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره : إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة (( باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى و حق وأن الصواب ما أتوه وركبوه وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه )) (( لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق )) وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .. اهـ -أيضا قد نقل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ الدرر 10/392 وراجع أيضا كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104 .. -قال ابن كثير : (ولهذا قال تعالى : " فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة " ثم علل ذلك فقال " لإنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله " قال ابن جرير – يعني الطبري – وهذا من أبين الأدلة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عناداً لربه فيها لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد وفريق الهدى فرق, وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .) أ.هـ فتأمل وتدبر هدانا الله إلى صراطه المستقيم . فإن فهمت ما أراده ابن كثير رحمه الله نقلا عن ابن جرير الطبري فاحمد الله على نعمة العقل والفهم . وإن لم تفهم حقيقة المعني المراد في تفسير الآية فلا عجب فإن العجب كل العجب ممن نجا كيف نجا ؟ فهل نفعهم الحسبان ؟؟ الجوابُ : لا هل قامت عليهم الحجة ؟؟ الجوابُ : نعم هل فهموا الحجة ؟؟ الجواب : لا قال ابن تيمية رحمه الله:الفتاوى 16/ 1 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تعليقا على قوله تعالى {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه}: (والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع ففي الكفار من تجنب سماع القرآن واختار غيره) قال ابن تيمية رحمه الله؛كتاب الرد على المنطقيين، ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانع من قيام حجة الله عليهم) قال ابن تيمية؛الفتاوى 28 \125 ـــــــــــــــــــ (ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه) _________ وفي (( تفسير البيضاوي )) : ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم . وقال ابن السعدي : وفيه أن من حسِب أنهم مهتدٍ وهو ضال أنه لا عذر له . يعني بجهله ، لأنه متمكن من الهدى وإنما أتاه حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل إليه . وقال البغوي في الآية نفسها :﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ : فيه دليلٌ على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء لا فرق بينهم البتة .. وقال الرازي عند تفسير هذه الآية : فكل من شرع في باطلٍ فهو يستحق الذم والعذاب سواء حسب كونه حقًّا أو لم يحسب ذلك وهذه الآية تدل على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين ، بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين لأنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين ولولا أن هذا الحسبان مذموم وإلا لَمَا ذمهم بذلك ، والله أعلم . انتهى كلامه رحمه الله تعالى .. إذن الكفر قد يكون عن جهل وقد يكون عن عناد وقد يكون عن خطأ ولآ يُعذر المرء أبدا في وقوعه في الكفر الأكبر في أي حال من الأحوال فكل الأمور التي دون الجهل وهي التقليد والتأويل والاجتهاد هي ناجمة في الأصل عن جهل بأمر معين فهل برهامي يجهل التوحيد ؟ فإن كان الجواب نعم : فالجهل بالله في كل حال كفر به كما سيأتي على لسان أهل العلم ،، وإن كان الجوابُ لا : إذن فهو ارتكب الشرك على علم بأنه شرك بالله جل وعلا ولم يجعل الله رخصة له بذلك فهو ارتكبه معاندا وقرينة هذا علمه بحال الشرك نفسه .. ولسد كل أبواب الاحتمال على أن من أخطأ واجتهد في الشرك الأكبر كمن أخطأ واجتهد في العمليات من الشريعة أنقل لك قول ابن مندة على هذا الأمر قال ابن منده رحمه الله تعالى في كتابه (( التوحيد )) : باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطِئَ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند . ثم ذكر آية الكهف وقال،، قال الله تعالى مخبرًا عن ضلالتهم ومعاندتهم ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ أورد آية الكهف السابقة ، ثم نقل أثر علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه لما سئل عن الأخسرين أعملاً فقال : كفرةُ أهل الكتاب ، كان أوائلهم على حقٍّ فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم ، فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى . ضلالة أهل الكتاب أولئك يظنون أنهم على الهدى وكذلك كل صاحب ملةٍ يعتقد في قرارة نفسه أنه على هدى وأنك أنت على ضلالةٍ ، فحينئذٍ هل ينفعه ظنه وحسبانه ؟ الجواب : لا . ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حقٍّ ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا . أيضآ يقول بن جرير رحمه الله تعالى التفصيل في معالم الدين الصفحة السادسة عشرة بعد المائة : " فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة في الدلالة عليه غير مختلفة ظاهرة للحس غير خفية فتوحيد الله تعالى ذكره و العلم بأسمائه و صفاته و عدله و ذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة و السلامة فلن يعدم دليلا دالا و برهانا واضحا يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه يوضح له حقيقة صحة ذلك . و لذلك لم يعذر الله جل ذكره أحدا كان بالصفة التي وصفت بالجهل به و بأسمائه و ألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكـره والخلاف عليه بعد العلم به و بربوبيته في أحكام الدنيا و عذاب الآخرة فقال جل ثناؤه : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَأَعْمَالاً …) .الآية فسوى جل ثناؤه بين العامل في غير ما يرضيه على حُسبانه أنه في عمله عامل بما يرضيه في تسميته في الدنيا بأسماء أعدائه المعاندين له الجاحدين ربوبيته مع علمهم بأنه ربهم و ألحقه بهم في الآخرة في العقاب و العذاب وذلك لما وصفنا من استواء حال المجتهد المخطئ في وحدانيته وأسمائه وصفاته وعدله، وحال المعاند في ذلك في ظهور الأدلة الدالة المتفقة غير المفترقة لحواسهما، فلما استويا في قطع الله -جل وعز- عذرهما بما أظهر لحواسهما من الأدلة والحجج، وجبت التسوية بينهما في العذاب والعقاب.. وقال رحمه الله في تفسيره جامع البيان : في قوله تعالى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) . [ الكهف : 104]. " و هذا من أدل الدلالة على خطإ قول من زعم أنه لا يكفر أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته و ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصفت صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا و قد كانوا يحسبون أنهم يحسنون في صنعهم ذلك و أخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم .و لو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم بالواجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخذ الله عنهم أنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعه كانوا مثابين مأجورين و لكن القول بخلاف ما قالوا فأخذ جل ثناؤه عنهم أنهم كفرة وأن أعمالهم حابطة " و قال أيضا رحمه الله - نقله عنه الحافظ في الفتح و ذلك في معرض كلامه على حديث الخوارج- : " فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاق حكمه إلا بقصد الخروج منه …فإنه مبطل لقوله في الحديث : "يقولون الحق و يقرؤون القرآن و يمرقون من الإسلام و لا يتعلقون منه بشيء " ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين و أموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه " لازال عندي الكثير والكثير من أقوال أهل العلم من سلفنا الصالح على أنه لآ عذر لأحد البتة في الشرك الأكبر ولكن أكتفي بهذا القدر للرد على باقي قولك تقول : (( ما فائدة موانع التكفير إن كانت في الشرك الأصغر؟ الفكرة فيها أن تمنع من الحكم على شخص بأنه خرج من الملة )) وفي الحقيقة موانع التكفير تكون في كل المسائل دون الشرك الأكبر فتكون فيما هو معلوما من الدينِ بالضرورة لحديثِ عهد بإسلام أو لمن نشأ ببادية بعيدة أو المسائل الخفية التي يعرفها الخاصة ولكن يخفى دليلها على العامي كالصرف والعطف والإرجاء فهنا ننظر في الشروط والموانع وتقام الحجة وتبيّن المحجة فإن أصر المكلف كفر وذلك لأن المعلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات وتحريم المحرمات وما إلى ذلك يسند إلى إخبار الشخص به لكن التوحيد والشرك دلّ عليه دليل الفطرة والعقل قبل الشرع لذلك قال شيخُ الإسلام بن تيمية رحمه الله في الفتاوى [20/38 - 37]: (واسم الشرك يثبت قبل الرسالة، لأنه يعدل بربه ويشرك به لأنه يشرك بربه ويعدل ) والدليل على ما ذكرته لك أعلآه هذآ النقل لـ قال محمد بن نصر بن حجاج المروزي في كتابه وهو من أعظم النقولات وأفضلها في تقرير هذه المسألة حين قال : ولما كان العلم بالله ايمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض ايمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يعلموا الفرائض التى افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا (( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر )) . أكرر عليك (( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر )) (( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر )) وفي (( الفروق )) لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي في كتاب (( الفروق )) ذكر هذه المسألة قال : الفرق الرابع والتسعون بين قاعدة ما لا يكون الجهل عُذرًا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرًا فيه ،، قال رحمه الله تعالى : اعلم أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالاتٍ في الشريعة فعفى عن مرتكبها ، وأخذ بجهالاتٍ فلم يعفو عن مرتكبها قال : وقس على ذلك ما ورد عليك من هذا النحو وما عداه فمكلفٌ به . ومن أقدم مع الجهل فقد أثِم خصوصًا في الاعتقادات ، فإن صاحب الشرع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديدًا عظيمًا . قال : فإن صاحب الشرع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديدًا عظيمًا بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفةٍ من صفات الله تعالى ، أو في شيءٍ يجب اعتقاده من أصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل فإنه آثمٌ كافرٌ بترك ذلك الاعتقاد الذي هو من جملة الإيمان ويخلد في النيران على المشهور [ ص: 151 ] من المذاهب مع أنه قد أوصل الاجتهاد حده . فما أوقع هذا البرهامي في طامته الكبرى إلآ اجتهاده وتأوله فكل صاحب بدعة وشرك متأول كما أن كفار قريش تأولوا وقالوا (( ما نعبدهم إلآ ليقربونا إلى الله زلفى )) وقال الله فيهم أنهم جهالا لا يفقهون ولا يعلمون فلم لم يعذرهم بتأولهم وجهلهم بالله العظيم ؟؟ لمَ لم ينظر الرسول صلى الله عليه وسلم في استيفاء الشروط وانتفاء الموانع قبل إطلاق حكم التكفير عليهم ؟؟ الجواب بسيط هو أنهم جهلوا بالله العظيم فجهلهم هو الذي أوقعهم في هذا التأول وهو أن الله سيقبل منهم عملهم رغم شركهم به وهذا سيحدث إن ولج الجمل في سم الخياط ! لنكمل كلام بن عباس في الفروق وهو سيزيل تلك الشبهة إن شاء الله جل وعلا وينسفها تماما ، يقول : (( وصار الجهل له ضروريا لا يمكنه دفعه عن نفسه ، ومع ذلك فلم يعذر به )) حتى صارت هذه الصورة فيما يعتقد أنها من باب تكليف ما لا يطاق فإن تكليف المرأة البلهاء المفسودة المزاج الناشئة في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان وأقاصي بلاد الأتراك فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير رونق ، ولذلك قال الله تعالى في بلاد الأتراك عند يأجوج ومأجوج )) وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا (( ومن لا يفهم القول وبعدت أهليته لهذه الغاية مع أنه مكلف بأدلة الوحدانية ودقائق أصول الدين أنه تكليف ما لا يطاق ، فتكليف هذا الجنس كله من هذا النوع مع أنهم من أهل اليأس بسبب الكفران وقعوا للجهل . قال : وأما الفروع دون الأصول فقد عفى صاحب الشرع عن ذلك ومن بذل جهده في الفروع فأخطأ فله أجرٌ ومن أصاب فله أجران كما جاء في الحديث . قال : فظهر لك الفرق بين قاعدة ما يكون الجهل فيه عذرًا وبين قاعدة ما لا يكون الجهل فيه عذرًا . أيضآ قال الشيخ عبد اللطيف في "مصباح الظلام" [ص: 123]: (وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد: حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبانا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال: بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون؛ والله ما كنا مشركين، فيقال لهم؛ إنكم أشركتم من حيث لا تعلمون) ثم انظر قول شيخ الإسلآم حينما قآل رحمه الله تعالى في (( الصارم المسلول )) : وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفر كَفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرًا . فالأصل أن من فعل ما هو كفر كفر ! ووجب علينا تنزيل الحكم عليه كما أن الأصل فيمن تلبس بالإسلام وقال الشهادتين وكان كافرا أصليا أنه مسلم أليس كذلك ؟ فالإسلام له حقيقة كما ان الشرك له حقيقة وحقيقة الإسلام عبادة الله وحده وتجنب عبادة الطاغوت والكفر به وحقيقة الشرك صرف العبادة لغير الله وعبادة الطاغوت فمن تلبس بالأول انتفى عنه الثاني ومن تلبس بالثاني أي الشرك بالله انتفى عنه الأول أي الإسلام فغير معقول لآ عقلآ ولآ نقلآ أن نقول على المشرك مسلم وكذا العكس فإن من صام يسمى صائم ومن قام يسمى قائم ومن نام يسمى نائم كذا من أشرك يسمى مشرك ومن أسلم يسمى مسلم فمن تلبس بوصف وجب علينا أن نشتق له من هذا الوصف اسما وإلآ صارت مخالفة واضحة لغويا وشرعيا .. وانظر إلى كلآم شيخ الإسلام بن تيمية حينما قال : (فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، كمثل علي رضي الله عنه أو عدي ونحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس الفتي ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الآلهة مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده أو يقول إذا ذبح شاه: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل) مجموع الفتاوى 3/395،. أكرر : فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل فلم يعذره بجهله بل أطلق عليه حكم الردة وبهذه المناسبة أبين لك أن الفقهاء في باب الردة أول سبب ذكروه من أسباب الردة هو الشرك بالله ولم يستثنوا المتأول أو الجاهل أو المقلد بل كلهم سواء لأن الله أحكم نصوص التوحيد والشرك في كتابه فلم نعذر نحن من تلبسوا بالشرك الأكبر ومن نحن كي نعذرهم ونصادم حكم الله ؟؟ قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى:( أما كلام شيخ الإسلام ـ أي ابن تيميه ـ في عدم تكفير المُعيَّن ، فالمقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء ، فإن بعض اقوالهم تتضمن أموراً كفرية من أدلة الكتاب والسنة المتواترة ، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً ، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل ، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته ، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها ، ولذلك ذكر هذا في الكلام على بدع أهل الأهواء ، وقد نص على هذا فقال في تكفير أناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة قال : وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يُقال بعدم التكفير ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة ، فهذا لا يتوقف في كفر قائله ) . وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( وذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أن الفخر الرازي ، صنف : ( السر المكتوم في عبادة النجوم ) فصار مرتداً إلاَّ أن يكون قد تاب بعد ذلك ، فقد كفَّر الرازي بعينه لما زيَّن الشرك وحسنه وبهذه المناسبة الرازي مات قبل مولد شيخ الإسلام بربع قرن من الزمان تقريبا فلم يكن موجودا لإقامة الحجة عليه والنظر في الشروط والموانع وهذا من أصرح ما يكون على بطلان دعوى أن المشرك شرك أكبر لابد وأن ننظر في الموانع والشروط قبل أن نكفره فلو قلنا ذلك فماذا تركنا للجهمية أحفاد الجهم والجعد ؟؟ ولو قلنا ذلك لزم علينا عدم تكفير اليهود والنصارى وإرجاء ذلك لجهلهم واتباعهم الأحبار والرهبان من دون الله فهم جهّآل مقلدون لماذا لا نعذرهم بالجهل أو التأول إذن ؟؟ فلماذا تبعض وتعذر فلان ولا تعذر اليهود والنصارى وتقول ننظر في الشروط والموانع قبل تكفيرهم ؟؟ فالأصل في كل من وقع في الشرك الأكبر أنه وقع الشرك عليه ولا كرامة لأحد في هذا ونص الثرآن يكذب من تنامى عنده الإرجاء والتجهم وقال بعكس ذلك وأظن أن هذه النقولات تكفي .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ](http://scontent-a-mia.xx.fbcdn.net/hphotos-ash3/t1/s403x403/1620832_625555824158124_1937385724_n.png)
بواسطة د.ماجد كارم
شبهـــة اشــتراط الشروط والموانع في الشرك الاكبــر
جزء من مناقشة مع احد ممن ادّعوا النظر في الشروط والموانع في الشرك الأكبر
ـــــــــــــــــــــــــ
كما قلت لكَ أن الله جل وعلا لم يعذر أحد البتة في مسائل العقيدة ولو قال ذلك جُل أهل العلم الصادقين وحاشاهم ،
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (( إعلام الموقعين )) : من ألزم الناس عامة الناس بمذهب معين سواء كان من الأحياء أو من الأموات فهو مبتدع ضال ، لأنه جعل حَكَمًا بين الناس يرجعون إليه دون محمد صلى الله عليه وسلم .
فأقوال أهل العلم يستأنس بها فقط وليست حجة على أحد لأن كل يؤخذ منه ويرد دون النبيّ صلى الله عليه وسلم فالعصمة دفنت معه ، ولأن أقوال الرجال ضعيفة تحتاج إلى أن يحتج لها لا أن يحتج بها . ويجب أن يُعرف الحق أولاً ثم توزن الأقوال به، فالرجال يُعرفون بالحق وليس الحق هو الذي يُعرف بالرجال _كما قال عليَّ رضي الله عنه_ والرجال إنما هم أدلاء على الطريق فإذا رأيت أنوار المدينة لم تحتج للأدلاء قال تعالى : (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، والناس في الرجال طرفان ووسط فمنهم من ترك اتباع الصحابة ومن اتبعهم بإحسان واعتمد على فهمه القاصر ، ومنهم من اتخذ العلماء أرباباً من دون الله ، والوسط أن يُستدل بهم على الطريق فإن زاغ حكيم أو زل لزمت الحق فإن على الحق نوراً _كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه_ .
وهذا لا يخفى عليكم .
نأتي الآن للدليل الذي يكذب دعوى (( استيفاء الشروط وانتفاء الموانع في الشرك الأكبر !!! ))
قال الله جل وعلا في بيان أنه لآ عذر لأحد البتة بجهله أو خطئه في باب المعتقد في سورة الأعراف :
﴿ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [ الأعراف : 30] .
-قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره : إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة
(( باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى و حق وأن الصواب ما أتوه وركبوه وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه ))
(( لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق )) وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .. اهـ
-أيضا قد نقل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين عن ابن جرير عند تفسير قولة تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) قال ابن جرير وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور اهـ الدرر 10/392 وراجع أيضا كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104 ..
-قال ابن كثير :
(ولهذا قال تعالى : "فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة "ثم علل ذلك فقال "لإنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله "قال ابن جرير – يعني الطبري – وهذا من أبين الأدلة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عناداً لربه فيها لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد وفريق الهدى فرق, وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية .) أ.هـ
فتأمل وتدبر هدانا الله إلى صراطه المستقيم .
فإن فهمت ما أراده ابن كثير رحمه الله نقلا عن ابن جرير الطبري فاحمد الله على نعمة العقل والفهم .
وإن لم تفهم حقيقة المعني المراد في تفسير الآية فلا عجب فإن العجب كل العجب ممن نجا كيف نجا ؟
فهل نفعهم الحسبان ؟؟
الجوابُ : لا
هل قامت عليهم الحجة ؟؟
الجوابُ : نعم
هل فهموا الحجة ؟؟
الجواب : لا
قال ابن تيمية رحمه الله:الفتاوى 16/ 1
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقا على قوله تعالى {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه}: (والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع ففي الكفار من تجنب سماع القرآن واختار غيره)
قال ابن تيمية رحمه الله؛كتاب الرد على المنطقيين،
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانع من قيام حجة الله عليهم)
قال ابن تيمية؛الفتاوى 28 \125
ـــــــــــــــــــ
(ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه)
_________
وفي (( تفسير البيضاوي )) : ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم .
وقال ابن السعدي : وفيه أن من حسِب أنهم مهتدٍ وهو ضال أنه لا عذر له . يعني بجهله ، لأنه متمكن من الهدى وإنما أتاه حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل إليه .
وقال البغوي في الآية نفسها :﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ : فيه دليلٌ على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء لا فرق بينهم البتة ..
وقال الرازي عند تفسير هذه الآية : فكل من شرع في باطلٍ فهو يستحق الذم والعذاب سواء حسب كونه حقًّا أو لم يحسب ذلك وهذه الآية تدل على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين ، بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين لأنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين ولولا أن هذا الحسبان مذموم وإلا لَمَا ذمهم بذلك ، والله أعلم . انتهى كلامه رحمه الله تعالى ..
إذن الكفر قد يكون عن جهل وقد يكون عن عناد وقد يكون عن خطأ ولآ يُعذر المرء أبدا في وقوعه في الكفر الأكبر في أي حال من الأحوال فكل الأمور التي دون الجهل وهي التقليد والتأويل والاجتهاد هي ناجمة في الأصل عن جهل بأمر معين فهل برهامي يجهل التوحيد ؟
فإن كان الجواب نعم : فالجهل بالله في كل حال كفر به كما سيأتي على لسان أهل العلم ،،
وإن كان الجوابُ لا : إذن فهو ارتكب الشرك على علم بأنه شرك بالله جل وعلا ولم يجعل الله رخصة له بذلك فهو ارتكبه معاندا وقرينة هذا علمه بحال الشرك نفسه
..
ولسد كل أبواب الاحتمال على أن من أخطأ واجتهد في الشرك الأكبر كمن أخطأ واجتهد في العمليات من الشريعة أنقل لك قول ابن مندة على هذا الأمر
قال ابن منده رحمه الله تعالى في كتابه (( التوحيد )) : باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطِئَ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند .
ثم ذكر آية الكهف وقال،، قال الله تعالى مخبرًا عن ضلالتهم ومعاندتهم ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ أورد آية الكهف السابقة ، ثم نقل أثر علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه لما سئل عن الأخسرين أعملاً فقال : كفرةُ أهل الكتاب ، كان أوائلهم على حقٍّ فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم ، فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى . ضلالة أهل الكتاب أولئك يظنون أنهم على الهدى وكذلك كل صاحب ملةٍ يعتقد في قرارة نفسه أنه على هدى وأنك أنت على ضلالةٍ ، فحينئذٍ هل ينفعه ظنه وحسبانه ؟ الجواب : لا . ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حقٍّ ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا .
أيضآ يقول بن جرير رحمه الله تعالى التفصيل في معالم الدين الصفحة السادسة عشرة بعد المائة :
"فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة في الدلالة عليه غير مختلفة ظاهرة للحس غير خفية فتوحيد الله تعالى ذكره و العلم بأسمائه و صفاته و عدله و ذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة و السلامة فلن يعدم دليلا دالا و برهانا واضحا يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه يوضح له حقيقة صحة ذلك .
و لذلك لم يعذر الله جل ذكره أحدا كان بالصفة التي وصفت بالجهل به و بأسمائه و ألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكـره والخلاف عليه بعد العلم به و بربوبيته في أحكام الدنيا و عذاب الآخرة فقال جل ثناؤه : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَأَعْمَالاً …) .الآية فسوى جل ثناؤه بين العامل في غير ما يرضيه على حُسبانه أنه في عمله عامل بما يرضيه في تسميته في الدنيا بأسماء أعدائه المعاندين له الجاحدين ربوبيته مع علمهم بأنه ربهم و ألحقه بهم في الآخرة في العقاب و العذاب وذلك لما وصفنا من استواء حال المجتهد المخطئ في وحدانيته وأسمائه وصفاته وعدله، وحال المعاند في ذلك في ظهور الأدلة الدالة المتفقة غير المفترقة لحواسهما، فلما استويا في قطع الله -جل وعز- عذرهما بما أظهر لحواسهما من الأدلة والحجج، وجبت التسوية بينهما في العذاب والعقاب..
وقال رحمه الله في تفسيره جامع البيان : في قوله تعالى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) . [ الكهف : 104].
"و هذا من أدل الدلالة على خطإ قول من زعم أنه لا يكفر أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته و ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصفت صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا و قد كانوا يحسبون أنهم يحسنون في صنعهم ذلك و أخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم .و لو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم بالواجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخذ الله عنهم أنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعه كانوا مثابين مأجورين و لكن القول بخلاف ما قالوا فأخذ جل ثناؤه عنهم أنهم كفرة وأن أعمالهم حابطة "
و قال أيضا رحمه الله - نقله عنه الحافظ في الفتح و ذلك في معرض كلامه على حديث الخوارج- :
"فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاق حكمه إلا بقصد الخروج منه …فإنه مبطل لقوله في الحديث : "يقولون الحق و يقرؤون القرآن و يمرقون من الإسلام و لا يتعلقون منه بشيء "
ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين و أموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه "
لازال عندي الكثير والكثير من أقوال أهل العلم من سلفنا الصالح على أنه لآ عذر لأحد البتة في الشرك الأكبر ولكن أكتفي بهذا القدر للرد على باقي قولك
تقول : (( ما فائدة موانع التكفير إن كانت في الشرك الأصغر؟ الفكرة فيها أن تمنع من الحكم على شخص بأنه خرج من الملة ))
وفي الحقيقة موانع التكفير تكون في كل المسائل دون الشرك الأكبر
فتكون فيما هو معلوما من الدينِ بالضرورة لحديثِ عهد بإسلام أو لمن نشأ ببادية بعيدة أو المسائل الخفية التي يعرفها الخاصة ولكن يخفى دليلها على العامي كالصرف والعطف والإرجاء فهنا ننظر في الشروط والموانع وتقام الحجة وتبيّن المحجة فإن أصر المكلف كفر وذلك لأن المعلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات وتحريم المحرمات وما إلى ذلك يسند إلى إخبار الشخص به لكن التوحيد والشرك دلّ عليه دليل الفطرة والعقل قبل الشرع
لذلك قال شيخُ الإسلام بن تيمية رحمه الله في الفتاوى [20/38 - 37]: (واسم الشرك يثبت قبل الرسالة، لأنه يعدل بربه ويشرك به لأنه يشرك بربه ويعدل )
والدليل على ما ذكرته لك أعلآه هذآ النقل لـ قال محمد بن نصر بن حجاج المروزي في كتابه وهو من أعظم النقولات وأفضلها في تقرير هذه المسألة حين قال : ولما كان العلم بالله ايمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض ايمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يعلموا الفرائض التى افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا (( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر )) .
أكرر عليك
(( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر ))
(( والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر ))
وفي (( الفروق )) لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي في كتاب (( الفروق )) ذكر هذه المسألة قال : الفرق الرابع والتسعون بين قاعدة ما لا يكون الجهل عُذرًا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرًا فيه ،،
قال رحمه الله تعالى : اعلم أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالاتٍ في الشريعة فعفى عن مرتكبها ، وأخذ بجهالاتٍ فلم يعفو عن مرتكبها قال : وقس على ذلك ما ورد عليك من هذا النحو وما عداه فمكلفٌ به . ومن أقدم مع الجهل فقد أثِم خصوصًا في الاعتقادات ، فإن صاحب الشرع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديدًا عظيمًا . قال : فإن صاحب الشرع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديدًا عظيمًا بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفةٍ من صفات الله تعالى ، أو في شيءٍ يجب اعتقاده من أصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل فإنه آثمٌ كافرٌ بترك ذلك الاعتقاد الذي هو من جملة الإيمان ويخلد في النيران على المشهور [ ص: 151 ] من المذاهب مع أنه قد أوصل الاجتهاد حده .
فما أوقع هذا البرهامي في طامته الكبرى إلآ اجتهاده وتأوله فكل صاحب بدعة وشرك متأول كما أن كفار قريش تأولوا وقالوا (( ما نعبدهم إلآ ليقربونا إلى الله زلفى ))
وقال الله فيهم أنهم جهالا لا يفقهون ولا يعلمون فلم لم يعذرهم بتأولهم وجهلهم بالله العظيم ؟؟
لمَ لم ينظر الرسول صلى الله عليه وسلم في استيفاء الشروط وانتفاء الموانع قبل إطلاق حكم التكفير عليهم ؟؟
الجواب بسيط هو أنهم جهلوا بالله العظيم فجهلهم هو الذي أوقعهم في هذا التأول وهو أن الله سيقبل منهم عملهم رغم شركهم به وهذا سيحدث إن ولج الجمل في سم الخياط !
لنكمل كلام بن عباس في الفروق وهو سيزيل تلك الشبهة إن شاء الله جل وعلا وينسفها تماما ، يقول : (( وصار الجهل له ضروريا لا يمكنه دفعه عن نفسه ، ومع ذلك فلم يعذر به ))
حتى صارت هذه الصورة فيما يعتقد أنها من باب تكليف ما لا يطاق فإن تكليف المرأة البلهاء المفسودة المزاج الناشئة في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان وأقاصي بلاد الأتراك فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير رونق ، ولذلك قال الله تعالى في بلاد الأتراك عند يأجوج ومأجوج )) وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا (( ومن لا يفهم القول وبعدت أهليته لهذه الغاية مع أنه مكلف بأدلة الوحدانية ودقائق أصول الدين أنه تكليف ما لا يطاق ، فتكليف هذا الجنس كله من هذا النوع مع أنهم من أهل اليأس بسبب الكفران وقعوا للجهل .
قال : وأما الفروع دون الأصول فقد عفى صاحب الشرع عن ذلك ومن بذل جهده في الفروع فأخطأ فله أجرٌ ومن أصاب فله أجران كما جاء في الحديث . قال : فظهر لك الفرق بين قاعدة ما يكون الجهل فيه عذرًا وبين قاعدة ما لا يكون الجهل فيه عذرًا .
أيضآ قال الشيخ عبد اللطيف في "مصباح الظلام" [ص: 123]: (وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد: حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبانا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال: بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون؛ والله ما كنا مشركين، فيقال لهم؛ إنكم أشركتم من حيث لا تعلمون)
ثم انظر قول شيخ الإسلآم حينما قآل رحمه الله تعالى في (( الصارم المسلول )) : وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفر كَفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرًا .
فالأصل أن من فعل ما هو كفر كفر ! ووجب علينا تنزيل الحكم عليه كما أن الأصل فيمن تلبس بالإسلام وقال الشهادتين وكان كافرا أصليا أنه مسلم أليس كذلك ؟
فالإسلام له حقيقة كما ان الشرك له حقيقة
وحقيقة الإسلام عبادة الله وحده وتجنب عبادة الطاغوت والكفر به
وحقيقة الشرك صرف العبادة لغير الله وعبادة الطاغوت
فمن تلبس بالأول انتفى عنه الثاني ومن تلبس بالثاني أي الشرك بالله انتفى عنه الأول أي الإسلام
فغير معقول لآ عقلآ ولآ نقلآ أن نقول على المشرك مسلم وكذا العكس
فإن من صام يسمى صائم ومن قام يسمى قائم ومن نام يسمى نائم
كذا من أشرك يسمى مشرك ومن أسلم يسمى مسلم
فمن تلبس بوصف وجب علينا أن نشتق له من هذا الوصف اسما وإلآ صارت مخالفة واضحة لغويا وشرعيا ..
وانظر إلى كلآم شيخ الإسلام بن تيمية حينما قال : (فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، كمثل علي رضي الله عنه أو عدي ونحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس الفتي ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الآلهة مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده أو يقول إذا ذبح شاه: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل) مجموع الفتاوى 3/395،.
أكرر :
فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل
فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل
فلم يعذره بجهله بل أطلق عليه حكم الردة
وبهذه المناسبة أبين لك أن الفقهاء في باب الردة أول سبب ذكروه من أسباب الردة هو الشرك بالله ولم يستثنوا المتأول أو الجاهل أو المقلد بل كلهم سواء لأن الله أحكم نصوص التوحيد والشرك في كتابه فلم نعذر نحن من تلبسوا بالشرك الأكبر ومن نحن كي نعذرهم ونصادم حكم الله ؟؟
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى:( أما كلام شيخ الإسلام ـ أي ابن تيميه ـ في عدم تكفير المُعيَّن ، فالمقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء ، فإن بعض اقوالهم تتضمن أموراً كفرية من أدلة الكتاب والسنة المتواترة ، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً ، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل ، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته ، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها ، ولذلك ذكر هذا في الكلام على بدع أهل الأهواء ، وقد نص على هذا فقال في تكفير أناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة قال : وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يُقال بعدم التكفير ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة ، فهذا لا يتوقف في كفر قائله ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( وذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أن الفخر الرازي ، صنف : ( السر المكتوم في عبادة النجوم ) فصار مرتداً إلاَّ أن يكون قد تاب بعد ذلك ، فقد كفَّر الرازي بعينه لما زيَّن الشرك وحسنه وبهذه المناسبة الرازي مات قبل مولد شيخ الإسلام بربع قرن من الزمان تقريبا فلم يكن موجودا لإقامة الحجة عليه والنظر في الشروط والموانع وهذا من أصرح ما يكون على بطلان دعوى أن المشرك شرك أكبر لابد وأن ننظر في الموانع والشروط قبل أن نكفره
فلو قلنا ذلك فماذا تركنا للجهمية أحفاد الجهم والجعد ؟؟
ولو قلنا ذلك لزم علينا عدم تكفير اليهود والنصارى وإرجاء ذلك لجهلهم واتباعهم الأحبار والرهبان من دون الله فهم جهّآل مقلدون لماذا لا نعذرهم بالجهل أو التأول إذن ؟؟
فلماذا تبعض وتعذر فلان ولا تعذر اليهود والنصارى وتقول ننظر في الشروط والموانع قبل تكفيرهم ؟؟
فالأصل في كل من وقع في الشرك الأكبر أنه وقع الشرك عليه ولا كرامة لأحد في هذا ونص الثرآن يكذب من تنامى عنده الإرجاء والتجهم وقال بعكس ذلك
وأظن أن هذه النقولات تكفي ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ