بسم الله الرحمن الرحيم
سيف الدين قطز في ... خاطري
كتبه / الجديد أبومحمد
إخوتي الكرام ..
هل سمعتم بذلك الرجل الذي أرغم التاريخ ليتوقف عنده ويغترف من بحره وليتعجب من فكره وفروسيته وحنكته ..
إنه الشاب الفتّى الذكي الحرُ المملوكي النقي الشجاع الأبيّ ..
ولد حراً وعُبّد ظلماً وبيع رقاً ..
كان _ رحمه الله _ مسلماً تقياً ورعاً متنسكاً كريماً وذو قلباً رحيماً..
إنه محمود بن ممدود وهو من عائلة مالكة، إبن أخت الملك المشهور خوارزم شاه ..
أسترقاه التتار وهو صغير وباعوه بالشام عبداً في وقت كانت مصر يحكمها المماليك.
تدرب على الفروسية ونبغ فيها وكانت له هيبة حتى أطلق عليه التتار(قطز) بلغتهم تعني الكلب الشرس..
تقلد مقاليد الحكم بمصر عام657 هـ وضج المسلمون كيف يحكم بلاد الإسلام مملوك ..
حكم مصر عاماً واحداً وبقيت سيرته مئات الأعوام..
فجمع الناس فأخبرهم بأنه لم يحكم مصر إلا لهدفٍ واحد وهو حرب المغول (التتار) الذين كانوا في حينها قد سيطروا على مُعظم بلاد المسلمين..
ضج الناس ثانية وثاروا .. كيف نقاتل التتار !! فكان للتتار حينها أخبار عجيبة !! لقد أشتهر جيش التتار في ذلك الزمان بالجيش الذي لا يُهزم !! وقد سمعوا مافعل أولئك القوم في بغداد والشام وغيرها من البلاد !! كان تخرج المراءة التترية بسيفها ويصطف المسلمون لها متطئتين رؤسهم تقتل مائة رجل واحد تلو الآخر فلايستطيع أحد أن يفعل شيئاً بسبب الخوف الذي غلب عليهم..
أتدرون لماذا كل هذه الذلة والمهانة !! إنه بسبب البُعد عن منهج الله ..
إنه بسبب حب الدنيا وكراهية الموت..
إنه بسبب حب الرياسة والزعامة ..
إنه بسبب التفرقة والتشتت والتحزب والتشرذم ..
إنه بسبب ترك السُنة ونسيان القدوات و ترك التدبر في كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أصحابة الأخيار الذين عاشوا هذا الدين واقعاً ..
المسلمون في مصر أضطربوا من هول ذلك الخبر الذي سمعوه من هذا القائد المُظفر ..
أضطربت مصر بأكملها ولم تستوعب هذا القرار أنحن نقاتل التتار ؟
لم يتأثر القائد بردود فعل إصدار القرار وبداء يستعد للقتال..
ومن الإشكالات التي واجهت هذا القائد الوضع الإقتصادي السئ في البلاد وكان بسبب الظلم وأكل أموال الناس بغير حق وكان ذلك من العوائل المالكة والوزراء وغيرهم ..
قرر القائد المظفر (قطز) أن يفرض على كل المسلمون حصة مالية ..
فرفض العلماء ذلك وقرروا بأنه لاتؤخذ من المسلمين إلا الذكاة فقط وأشترطوا لذلك إخراج بيت المال وأن يخرج جميع الوزراء والعوائل المالكة ماعندهم من أموال ثم إذا لم تكفي للإستعداد للقتال فُرض على الناس الحصة.
وكانت المفاجاء !! عندما أخرج الوزراء أموالهم أنها زادت عن الحاجة ..
بداء القائد المُظفر (قطز) بتجهيز الجيش الإسلامي وكان يشرف على تدريب العسكر بنفسه ويذكرهم بغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ومالاقه المسلمون من تكالب الأحزاب عليهم ومن تححق وعد الله عليهم بالنصر وأنها إحدي الحُسنيين وعن مكانة الشهداء عند الله ..ووو .. وو
جُهز الجيش حسياً ومعنوياً وعسكرياً للمعركة فكان القرار الثاني من القائد وهو الخروج لقتال التتار خارج مصر بأرض الشام ..
فقامت مصر حينها ولم تقعد ومازال يحثهم رحمه الله ويذكرهم بوعد الله وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا حتى تقبل الجميع القرار وكانوا أولاً يريدون الدفاع عن أرضهم ولكن كان للقائد شأن آخر أتعلمون ماهو أخوتي ..
وهو هزيمة التتار نفسياً وتعبئة المسلمون نفسياً وإعادة الثقة لقلوبهم بأنه مازال هناك مسلمون يدافعون عن دينهم وعن عرضهم وأرضهم ومنها إحياء عقيدة الولاء للمسلمين الذي كاد أن ينعدم في صدورالمسلمين أنذاك..
وما أن سمع التتار بهذا الخبر حتى دب الرعب في أنفسهم وقالوا ألم يسمعوا بنا أهل مصر؟؟ ألم يسمعوا ببأسنا وقوتنا ومانفعله بالمسلمين؟؟ متى أصبح للمسلمين رجالٌ يدافعوان عن أنفسهم فضلاً على أن يتصدوا لهجومنا فأرسل هولاكو الطاغوت رُسله إلى قطز ليهدده ولكي يغير رأيه في غزو التتار في الشام وهذا هو نص الرسالة كاملاً:
بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه
الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك.."
صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..
أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه..
فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر..
فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم..
قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ..
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى..
فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..
فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب..
فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟
وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟
فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص
فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق..
وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال..
فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع!!
لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..
فأبشروا بالمذلة والهوان..
(فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة..
وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل..
فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب..
قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها..
فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً..
وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..
فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم"..
جمع قطز القادة والمستشارين وأطلعهم على الرسالة ، وكان من رأي بعض القادة الأستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب, فما كان من قطز إلا أن قال :"أنا ألقى التتار بنفسي .. يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين (عن القتال)"، فتحمس القواد والأمراء لرؤيتهم قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه ، بدلاً من أن يرسل جيشاً ويبقى هو.
ثم وقف يخاطب الأمراء وهو يبكي رحمه الله ويقول:
"يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن"
فقام الأمراء يعلنون موافقتهم على الجهاد، وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن.
هل تعلمون مافعل قطز برُسل الطاغوت هولاكو؟؟
قام قطز بقطع أعناق الرسل الاربع و عشرين الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وعلّق رءوسهم في الريدانية في القاهرة و ابقي علي الخامس و العشرين ليحمل الاجساد لهولاكو . وأُرسل الرسل فى الديار المصرية تنادى بالجهاد فى سبيل الله ووجوبه و فضائله وكان العز بن عبد السلام ينادى فى الناس بنفسه.
أصطف الجميع خلف قطز: شعبًا وأمراءً وعلماءً؛ وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا على فجرٍ جديد انبثق من سهل عين جالوت..
فهب نفر كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين اما القوات النظامية من المماليك فكونت الميمنة و أختبأت بقيتها خلف التلال لتحسم المعركة.
و التقى الجيشان: المسلم والتتري،
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر..
كانت الحرب ضارية.. أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وظهر تفوق الميمنة التترية التي كانت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي.
كان قطز يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة, وشاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بآخر الفرق النظاميه من خلف التلال، ولكن الضغط التتري استمر.
فما كان من قطز إلا أن نزل ساحة القتال بنفسه.. وذلك لتثبيت الجنود ورفع روحهم المعنوية, ألقى بخوذته على الأرض تعبيراً عن اشتياقه للشهادة، وعدم خوفه من الموت، وأطلق صيحته الشهيرة:"واإسلاماه وااسلاماه"
رحمك الله ياسيف الإسلام ياقطز كما علمت القادة من بعدك ..
لقد كنت القائد وكنت المُعلم وكنت المُربي..
وقاتل قطز مع الجيش قتالاً شديداً ، حتى صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطأه ولكنه أصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرسُ من ساعته، فترجل قطز على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له. ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز امتنع، وقال: "ما كنت لأحرم المسلمين نفعك!!"وظل يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.
وقد لامه بعض الأمراء على هذا الموقف وقالوا له:"لمَ لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك
فقال قطز: أما أنا كنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قتل فلان وفلان وفلان... حتى عد خلقاً من الملوك (مثل عمر وعثمان وعلي) فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الإسلام.
وبدأت الكفة -بفضل الله- تميل من جديد لصالح المسلمين، وارتد الضغط على جيش التتار، وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيًّا على التتار، وكان يومًا على الكافرين عسيرًا.. وقُتِل الطاغوت كتبغا الذي كان قائد الجيش أنذاك. .
وفرح المسلمون بمقتل قائد معركة التتار لطالما قتل الأنفس وهتك الأعراض ورمل النساء وسبى الذراري عليه من الله ماتستحق.
ووصل التتار الفارُّون إلى بيسان ووجد التتار أن المسلمين جادّون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد، لتدور موقعة أخرى عند بيسان أجمع المؤرخون على أنها أصعب من الأولى، وقاتل التتار قتالاً رهيبًا، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين، وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون، وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية، ورأى قطز -رحمه الله- كل ذلك.. فانطلق يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة : واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه.
ثم مرّغ وجهه وجسده في التراب تذللاً لله ثم قال في تضرع: "يا الله!! انصر عبدك قطز على التتار.. يالله أنصر عبدك قطز على التتار .. يالله أنصر عبد قطز على التتار..
تأملوا أخوتي هذا المشهد تأملوا كمال التوحيد وكمال التذلل للعزيز والإلحاح في الدعاء والإستغاثة بالقوى بالجبار المتكبر الذي بيده ملكوت السماء..
ما إن انتهى من دعائه وطلبه - رحمه الله- إلا وخارت قوى التتار تمامًا..
وقضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر
وأُبِيدَ جيش التتار بكامله، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}
وروي أصحاب التاريخ أنه _ رحمه الله _ لم يعيش بعد هذه المعركة إلى أياماً وقد قُتل غدراً على أثر مكيدة دُبرت له من قبل إخوانه وحلفائه في النصر طمعاً في المُلك من بعده ولاأدري إن كان هذه صحيحاً أم لا..
أنتهت حياة القائد المُظفر والمُحنك السياسي والعابد المتنسك لربه وكانت هذه البطولات التي سجلها التاريخ في عام أي _ إثني عشر شهر _ فقط فللنظر لأنفسنا أخوتي كم مرت السنون والأعوام ولم نفعل شئ ننصر به ديّن الله بتبليغه للناس فهل ياترى هل يُمر علينا التاريخ ويقف عندنا أم نحيا ونموت ولم يسمع بنا أحد ؟؟
ويبدو للناظر في كتب التاريخ التي حفظت لنا هذه القصة أن القائد المُظفر سيف الدين قطز قد جاء لأداء مهمة تاريخية محددة، فما أن أنجزها حتى توارى عن مسرح التاريخ بعد أن جذب الانتباه والإعجاب الذي جعل دوره التاريخي على الرغم من قصر فترته الزمنية كبيراً وباقياً.
إن الناس في كل زمان ومكان قادرون على صنع النصر من رماد الهزيمة، وبناء الحضارة في خرائب العدوان، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا وجدوا من يُحسن قيادتهم ويضرب لهم المثل والقدوة ويتميز بالتضحية والشجاعة وإنكار الذات.
وقد جسد السلطان المظفر سيف الدين قطز هذه المعاني في شخصه -رحمه الله- تعالى وغفر لنا وله ولسائر المسلمين.
والحمد لله رب العالمين ..
*أستعنت بكتاب (التتار من البداية إلى عين جالوت) للسرجاني على هذه الخاطرة ..
إنه الشاب الفتّى الذكي الحرُ المملوكي النقي الشجاع الأبيّ ..
ولد حراً وعُبّد ظلماً وبيع رقاً ..
كان _ رحمه الله _ مسلماً تقياً ورعاً متنسكاً كريماً وذو قلباً رحيماً..
إنه محمود بن ممدود وهو من عائلة مالكة، إبن أخت الملك المشهور خوارزم شاه ..
أسترقاه التتار وهو صغير وباعوه بالشام عبداً في وقت كانت مصر يحكمها المماليك.
تدرب على الفروسية ونبغ فيها وكانت له هيبة حتى أطلق عليه التتار(قطز) بلغتهم تعني الكلب الشرس..
تقلد مقاليد الحكم بمصر عام657 هـ وضج المسلمون كيف يحكم بلاد الإسلام مملوك ..
حكم مصر عاماً واحداً وبقيت سيرته مئات الأعوام..
فجمع الناس فأخبرهم بأنه لم يحكم مصر إلا لهدفٍ واحد وهو حرب المغول (التتار) الذين كانوا في حينها قد سيطروا على مُعظم بلاد المسلمين..
ضج الناس ثانية وثاروا .. كيف نقاتل التتار !! فكان للتتار حينها أخبار عجيبة !! لقد أشتهر جيش التتار في ذلك الزمان بالجيش الذي لا يُهزم !! وقد سمعوا مافعل أولئك القوم في بغداد والشام وغيرها من البلاد !! كان تخرج المراءة التترية بسيفها ويصطف المسلمون لها متطئتين رؤسهم تقتل مائة رجل واحد تلو الآخر فلايستطيع أحد أن يفعل شيئاً بسبب الخوف الذي غلب عليهم..
أتدرون لماذا كل هذه الذلة والمهانة !! إنه بسبب البُعد عن منهج الله ..
إنه بسبب حب الدنيا وكراهية الموت..
إنه بسبب حب الرياسة والزعامة ..
إنه بسبب التفرقة والتشتت والتحزب والتشرذم ..
إنه بسبب ترك السُنة ونسيان القدوات و ترك التدبر في كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أصحابة الأخيار الذين عاشوا هذا الدين واقعاً ..
المسلمون في مصر أضطربوا من هول ذلك الخبر الذي سمعوه من هذا القائد المُظفر ..
أضطربت مصر بأكملها ولم تستوعب هذا القرار أنحن نقاتل التتار ؟
لم يتأثر القائد بردود فعل إصدار القرار وبداء يستعد للقتال..
ومن الإشكالات التي واجهت هذا القائد الوضع الإقتصادي السئ في البلاد وكان بسبب الظلم وأكل أموال الناس بغير حق وكان ذلك من العوائل المالكة والوزراء وغيرهم ..
قرر القائد المظفر (قطز) أن يفرض على كل المسلمون حصة مالية ..
فرفض العلماء ذلك وقرروا بأنه لاتؤخذ من المسلمين إلا الذكاة فقط وأشترطوا لذلك إخراج بيت المال وأن يخرج جميع الوزراء والعوائل المالكة ماعندهم من أموال ثم إذا لم تكفي للإستعداد للقتال فُرض على الناس الحصة.
وكانت المفاجاء !! عندما أخرج الوزراء أموالهم أنها زادت عن الحاجة ..
بداء القائد المُظفر (قطز) بتجهيز الجيش الإسلامي وكان يشرف على تدريب العسكر بنفسه ويذكرهم بغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ومالاقه المسلمون من تكالب الأحزاب عليهم ومن تححق وعد الله عليهم بالنصر وأنها إحدي الحُسنيين وعن مكانة الشهداء عند الله ..ووو .. وو
جُهز الجيش حسياً ومعنوياً وعسكرياً للمعركة فكان القرار الثاني من القائد وهو الخروج لقتال التتار خارج مصر بأرض الشام ..
فقامت مصر حينها ولم تقعد ومازال يحثهم رحمه الله ويذكرهم بوعد الله وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا حتى تقبل الجميع القرار وكانوا أولاً يريدون الدفاع عن أرضهم ولكن كان للقائد شأن آخر أتعلمون ماهو أخوتي ..
وهو هزيمة التتار نفسياً وتعبئة المسلمون نفسياً وإعادة الثقة لقلوبهم بأنه مازال هناك مسلمون يدافعون عن دينهم وعن عرضهم وأرضهم ومنها إحياء عقيدة الولاء للمسلمين الذي كاد أن ينعدم في صدورالمسلمين أنذاك..
وما أن سمع التتار بهذا الخبر حتى دب الرعب في أنفسهم وقالوا ألم يسمعوا بنا أهل مصر؟؟ ألم يسمعوا ببأسنا وقوتنا ومانفعله بالمسلمين؟؟ متى أصبح للمسلمين رجالٌ يدافعوان عن أنفسهم فضلاً على أن يتصدوا لهجومنا فأرسل هولاكو الطاغوت رُسله إلى قطز ليهدده ولكي يغير رأيه في غزو التتار في الشام وهذا هو نص الرسالة كاملاً:
بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه
الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك.."
صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها..
أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه..
فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر..
فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم..
قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ..
فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى..
فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد..
فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب..
فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟
وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟
فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص
فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق..
وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال..
فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع!!
لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان..
فأبشروا بالمذلة والهوان..
(فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة..
وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة..
فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل..
فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب..
قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها..
فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً، ولا كتاباً ولا حرزاً، إذ أزتكم رماحنا أزاً..
وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية..
فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم"..
جمع قطز القادة والمستشارين وأطلعهم على الرسالة ، وكان من رأي بعض القادة الأستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب, فما كان من قطز إلا أن قال :"أنا ألقى التتار بنفسي .. يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين (عن القتال)"، فتحمس القواد والأمراء لرؤيتهم قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه ، بدلاً من أن يرسل جيشاً ويبقى هو.
ثم وقف يخاطب الأمراء وهو يبكي رحمه الله ويقول:
"يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن"
فقام الأمراء يعلنون موافقتهم على الجهاد، وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن.
هل تعلمون مافعل قطز برُسل الطاغوت هولاكو؟؟
قام قطز بقطع أعناق الرسل الاربع و عشرين الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وعلّق رءوسهم في الريدانية في القاهرة و ابقي علي الخامس و العشرين ليحمل الاجساد لهولاكو . وأُرسل الرسل فى الديار المصرية تنادى بالجهاد فى سبيل الله ووجوبه و فضائله وكان العز بن عبد السلام ينادى فى الناس بنفسه.
أصطف الجميع خلف قطز: شعبًا وأمراءً وعلماءً؛ وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا على فجرٍ جديد انبثق من سهل عين جالوت..
فهب نفر كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين اما القوات النظامية من المماليك فكونت الميمنة و أختبأت بقيتها خلف التلال لتحسم المعركة.
و التقى الجيشان: المسلم والتتري،
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر..
كانت الحرب ضارية.. أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم، وظهر تفوق الميمنة التترية التي كانت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت القوات الإسلامية تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وبدأ الشهداء يسقطون، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون حول الجيش الإسلامي.
كان قطز يقف في مكان عال خلف الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه فِرَق الجيش إلى سد الثغرات، ويخطط لكل كبيرة وصغيرة, وشاهد قطز المعاناة التي تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بآخر الفرق النظاميه من خلف التلال، ولكن الضغط التتري استمر.
فما كان من قطز إلا أن نزل ساحة القتال بنفسه.. وذلك لتثبيت الجنود ورفع روحهم المعنوية, ألقى بخوذته على الأرض تعبيراً عن اشتياقه للشهادة، وعدم خوفه من الموت، وأطلق صيحته الشهيرة:"واإسلاماه وااسلاماه"
رحمك الله ياسيف الإسلام ياقطز كما علمت القادة من بعدك ..
لقد كنت القائد وكنت المُعلم وكنت المُربي..
وقاتل قطز مع الجيش قتالاً شديداً ، حتى صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطأه ولكنه أصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرسُ من ساعته، فترجل قطز على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له. ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له عن فرسه، إلا أن قطز امتنع، وقال: "ما كنت لأحرم المسلمين نفعك!!"وظل يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.
وقد لامه بعض الأمراء على هذا الموقف وقالوا له:"لمَ لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك
فقال قطز: أما أنا كنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قتل فلان وفلان وفلان... حتى عد خلقاً من الملوك (مثل عمر وعثمان وعلي) فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضيع الإسلام.
وبدأت الكفة -بفضل الله- تميل من جديد لصالح المسلمين، وارتد الضغط على جيش التتار، وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيًّا على التتار، وكان يومًا على الكافرين عسيرًا.. وقُتِل الطاغوت كتبغا الذي كان قائد الجيش أنذاك. .
وفرح المسلمون بمقتل قائد معركة التتار لطالما قتل الأنفس وهتك الأعراض ورمل النساء وسبى الذراري عليه من الله ماتستحق.
ووصل التتار الفارُّون إلى بيسان ووجد التتار أن المسلمين جادّون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد، لتدور موقعة أخرى عند بيسان أجمع المؤرخون على أنها أصعب من الأولى، وقاتل التتار قتالاً رهيبًا، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين، وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون، وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية، ورأى قطز -رحمه الله- كل ذلك.. فانطلق يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة : واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه.
ثم مرّغ وجهه وجسده في التراب تذللاً لله ثم قال في تضرع: "يا الله!! انصر عبدك قطز على التتار.. يالله أنصر عبدك قطز على التتار .. يالله أنصر عبد قطز على التتار..
تأملوا أخوتي هذا المشهد تأملوا كمال التوحيد وكمال التذلل للعزيز والإلحاح في الدعاء والإستغاثة بالقوى بالجبار المتكبر الذي بيده ملكوت السماء..
ما إن انتهى من دعائه وطلبه - رحمه الله- إلا وخارت قوى التتار تمامًا..
وقضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر
وأُبِيدَ جيش التتار بكامله، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}
وروي أصحاب التاريخ أنه _ رحمه الله _ لم يعيش بعد هذه المعركة إلى أياماً وقد قُتل غدراً على أثر مكيدة دُبرت له من قبل إخوانه وحلفائه في النصر طمعاً في المُلك من بعده ولاأدري إن كان هذه صحيحاً أم لا..
أنتهت حياة القائد المُظفر والمُحنك السياسي والعابد المتنسك لربه وكانت هذه البطولات التي سجلها التاريخ في عام أي _ إثني عشر شهر _ فقط فللنظر لأنفسنا أخوتي كم مرت السنون والأعوام ولم نفعل شئ ننصر به ديّن الله بتبليغه للناس فهل ياترى هل يُمر علينا التاريخ ويقف عندنا أم نحيا ونموت ولم يسمع بنا أحد ؟؟
ويبدو للناظر في كتب التاريخ التي حفظت لنا هذه القصة أن القائد المُظفر سيف الدين قطز قد جاء لأداء مهمة تاريخية محددة، فما أن أنجزها حتى توارى عن مسرح التاريخ بعد أن جذب الانتباه والإعجاب الذي جعل دوره التاريخي على الرغم من قصر فترته الزمنية كبيراً وباقياً.
إن الناس في كل زمان ومكان قادرون على صنع النصر من رماد الهزيمة، وبناء الحضارة في خرائب العدوان، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا وجدوا من يُحسن قيادتهم ويضرب لهم المثل والقدوة ويتميز بالتضحية والشجاعة وإنكار الذات.
وقد جسد السلطان المظفر سيف الدين قطز هذه المعاني في شخصه -رحمه الله- تعالى وغفر لنا وله ولسائر المسلمين.
والحمد لله رب العالمين ..
*أستعنت بكتاب (التتار من البداية إلى عين جالوت) للسرجاني على هذه الخاطرة ..