كتبة الجديد أبو محمد
رؤية تصويرية
(الحلقة الأولى)
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
هذه رؤية تصويرية للمناظرة العلمية التي نُقلت في كتاب ((الحيدة والإعتذر)) الذي هو عبارة عن سرد لقصة المناظرة كاملة،ومما دعاني إلى هذا العمل هو القيمة العلمية والفوائد الغزيرة في المناظرة لكونها تشتمل على جانبي التأصيل والتنزيل، فالترتييات والطرق التي صاحبت المناظرة والتأصيلات العلمية لفهم النصوص الشرعية بمثابة أصول لكل مناظر ومحاور، وممارسة الحوار نفسه في المسالة المطروحة يمثل قيمة علمية كبيرة في موضوع المناقشة نفسها (خلق القرءان).
نبذة عن المناظرة والمتناظرين:
المناظرة كانت في القرن الثالث الهجري في مسألة ((خلق القرءان)) بين علم من أعلام أهل السُنّة وهو الإمام العالم أبي الحسن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز أبن مسلم بن ميمون الكناني المكي المتوفى سنة 240هـ والذي وضع بصماته على جدار الزمن فكم من غائب أصبح مسك المكان:
فلا الموت يعني غياب الوجوه * * * ولا الحق يعرف قيد الزمان
ومناظره كان من أحد كبار مشايخ المعتزلة وهو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة أبي المريسي المعتزلي المتوفى سنة 218هـ. وهذه المناظرة من أفضل ما رأيت وأنصح بقراءتها كل طالب علم وداعية وأنبه أن ماأكتبه جُهد شخصي فإن أحسنت فمن الله وإن أسات فبتقصيري والشيطان وأرجو التصويب من القارئ الكريم.
المشهد الأول : بغداد والفتنة
بشر بن غياث المريسي في بغداد يتضلع فخراً بكفره وفكره الضال القول بخلق القرءان ويفتن عامة المسلمين بهذا القول، بما فيهم المأمون رأس الدولة الذي أُعجب ببشر وأغتر بعلمه فكان بشر يهزم وينتصر على كل من يناظره، فصدق المخبول أنه خليفة الرسول فأزدات جهالته بنفسه وجعل قضية خلق القرءان قضيته،يلهج بها فصدع بها الرؤوس وصمم بها الآذان .. ألم يقل الله عنه نفسه في كتابه أنه (خالق كل شئ) ؟؟ فهل من أحد أن ينفى أن القرءان شئ !! وهل هناك من يستطيع أن يرد علي !! وحوله المشجعون والمتملقين يصفقون له ويصيحون :
أنت العالم وأنت العلم *** ومن يخالفك حتماً ينهزم
المشهد الثاني : مع الكناني بمكة.
قلقٌ شديد وإنزعاج يؤرق المضاجع من علو الباطل وإندثار الحق لما سمعه من أخبار بغداد ..
النوم لامكان له في حياته .. همٌ وغمٌ على الدوام ليس لأجل دنيا أو حطام وإنما في إنتصار شريعة الإسلام ..
خرج من مكة قاصداً بغداد .. وهو يدعوا الله ويذكره ويسأله أن يوفقه أن يبلغه ماأراد وأن يجابه الباطل علاناً ويكسره ويظهر الحق على يديه ..
فعقد البيع مع الله ..
وباع نفسه في سبيل مرضاته وإعلاء كلمته ..
وأخلص نيته لله ..
وجمع همته في سبيل هدفه ..
وأشتد عزمه .. وأشتاقت للجنة نفسه ..
ورسم خطته لتحقيق هدفه ..
المشهد الثالث :بمسجد الجامع
مسجد الجامع أكبر مساجد بغداد في حينها .. وفي يوم الجمعة ..
الجهم بن صفوان وبشر المريسي يجلسان وحولهم أتباعهم ..
وبعد أن سلم الإمام من الصلاة وثب الشيخ الكناني على رجليه كالأسد ونادى بأعلى صوته لإبنه الذي أتفق معه على أن يقف بالجانب المضاد له ليسمع السؤال والجواب كل من في المسجد، ياإبني ((ماتقول في القرءان)) فصاج الإبن ((كلام الله غير مخلوق))..
ما أن سمع الناس بالمسجد سؤال الأب وجواب الإبن إلا وفروا هارعين خائفين خارج المسجد ولم تمضي دقيقة بعد جواب الإبن إلا وجنود السلطان تقف أمام الشيخ الكناني ويسأله أحد وزراء السلطان :
أمجنون أنت ؟؟ قال له : الشيخ في ثبات لا .. قال : له أموسوس أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا .. قال له أمعتوه أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا .. أني لصحيح العقل جيد الفهم ثابت المعرفة والحمد الله كثيراً.. فقال له : أمظلوم أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا.. فأمر الوزير رجاله بأن يحملوه وإبنه إلى منزله ..
رُفع الستار ..
الفوائد من هذه المشاهد :
أولاً:
إندثار الحق وقلة العلماء الصادقين سنة كونية كما رأينا في ذلك الزمان القريب من شمس النبوة المحمدي فكيف بزماننا هذا !!
ثانياً:
قلق المسلم وهمه وغمه بظهور الباطل علامة من علامات الإيمان وهذا ماقرره الشيخ بنفسه في الكتاب بقوله :(فأزعجني ذلك وأقلقني واسهر ليلي وأطال غمي وهمي فخرجت من بلدي متوجها إلى ربي عز وجل أسأله سلامتي وتبليغي، حتى قدمت ببغداد فشاهدت من غلظ الأمر واحتداده أضعاف ما كان يصل إلي)
ثالثاً:
الفزع إلى الله عزوجل والإلتجاء إليه والتضرع له وسؤاله الفهم والتفهيم والبيان والتبيين وسؤاله الحجة على مخالفيه وهذا من أجل العبادات وكان هذا في قوله (ففزعت إلى ربي أدعوه وأتضرع إليه راغباً وراهباً، واضعا له خدي، وباسطاً إليه يدي، أسأله أرشادي وتسديدي، وتوفيقي ومعونتي، والأخذ بيدي وأن لا يسلمني ولا يكلني إلى نفسي، وأن يفتح لفهم كتابه قلبي، وأن يطلق لشرح بيانه لساني، وأخلصت لله عز وجل نيتي ووهبت له نفسي)
رابعاُ:
إعمال الفكر في الدعوة وذكاء الداعية وهذا نجده إختياره ليوم الجمعة وبحضور المصلين حتى لايقتل قبل أن تُعقد المناظرة في حضرة المأمون مع مخالفيه وتخطيطه لذلك مع إبنه.
خامساً:
التوكل على الله عزوجل وعدم الخوف من السلطان وبذل النفس والتضحية بها في سبيل الحق.ويتجلي هذا في موقفه وخروجه من مكة قاصداً الدفاع عن الحق ولو كان الثمن إزهاق النفس.
والحمدُ لله رب العالمين ..
رؤية تصويرية
(الحلقة الأولى)
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
هذه رؤية تصويرية للمناظرة العلمية التي نُقلت في كتاب ((الحيدة والإعتذر)) الذي هو عبارة عن سرد لقصة المناظرة كاملة،ومما دعاني إلى هذا العمل هو القيمة العلمية والفوائد الغزيرة في المناظرة لكونها تشتمل على جانبي التأصيل والتنزيل، فالترتييات والطرق التي صاحبت المناظرة والتأصيلات العلمية لفهم النصوص الشرعية بمثابة أصول لكل مناظر ومحاور، وممارسة الحوار نفسه في المسالة المطروحة يمثل قيمة علمية كبيرة في موضوع المناقشة نفسها (خلق القرءان).
نبذة عن المناظرة والمتناظرين:
المناظرة كانت في القرن الثالث الهجري في مسألة ((خلق القرءان)) بين علم من أعلام أهل السُنّة وهو الإمام العالم أبي الحسن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز أبن مسلم بن ميمون الكناني المكي المتوفى سنة 240هـ والذي وضع بصماته على جدار الزمن فكم من غائب أصبح مسك المكان:
فلا الموت يعني غياب الوجوه * * * ولا الحق يعرف قيد الزمان
ومناظره كان من أحد كبار مشايخ المعتزلة وهو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة أبي المريسي المعتزلي المتوفى سنة 218هـ. وهذه المناظرة من أفضل ما رأيت وأنصح بقراءتها كل طالب علم وداعية وأنبه أن ماأكتبه جُهد شخصي فإن أحسنت فمن الله وإن أسات فبتقصيري والشيطان وأرجو التصويب من القارئ الكريم.
المشهد الأول : بغداد والفتنة
بشر بن غياث المريسي في بغداد يتضلع فخراً بكفره وفكره الضال القول بخلق القرءان ويفتن عامة المسلمين بهذا القول، بما فيهم المأمون رأس الدولة الذي أُعجب ببشر وأغتر بعلمه فكان بشر يهزم وينتصر على كل من يناظره، فصدق المخبول أنه خليفة الرسول فأزدات جهالته بنفسه وجعل قضية خلق القرءان قضيته،يلهج بها فصدع بها الرؤوس وصمم بها الآذان .. ألم يقل الله عنه نفسه في كتابه أنه (خالق كل شئ) ؟؟ فهل من أحد أن ينفى أن القرءان شئ !! وهل هناك من يستطيع أن يرد علي !! وحوله المشجعون والمتملقين يصفقون له ويصيحون :
أنت العالم وأنت العلم *** ومن يخالفك حتماً ينهزم
المشهد الثاني : مع الكناني بمكة.
قلقٌ شديد وإنزعاج يؤرق المضاجع من علو الباطل وإندثار الحق لما سمعه من أخبار بغداد ..
النوم لامكان له في حياته .. همٌ وغمٌ على الدوام ليس لأجل دنيا أو حطام وإنما في إنتصار شريعة الإسلام ..
خرج من مكة قاصداً بغداد .. وهو يدعوا الله ويذكره ويسأله أن يوفقه أن يبلغه ماأراد وأن يجابه الباطل علاناً ويكسره ويظهر الحق على يديه ..
فعقد البيع مع الله ..
وباع نفسه في سبيل مرضاته وإعلاء كلمته ..
وأخلص نيته لله ..
وجمع همته في سبيل هدفه ..
وأشتد عزمه .. وأشتاقت للجنة نفسه ..
ورسم خطته لتحقيق هدفه ..
المشهد الثالث :بمسجد الجامع
مسجد الجامع أكبر مساجد بغداد في حينها .. وفي يوم الجمعة ..
الجهم بن صفوان وبشر المريسي يجلسان وحولهم أتباعهم ..
وبعد أن سلم الإمام من الصلاة وثب الشيخ الكناني على رجليه كالأسد ونادى بأعلى صوته لإبنه الذي أتفق معه على أن يقف بالجانب المضاد له ليسمع السؤال والجواب كل من في المسجد، ياإبني ((ماتقول في القرءان)) فصاج الإبن ((كلام الله غير مخلوق))..
ما أن سمع الناس بالمسجد سؤال الأب وجواب الإبن إلا وفروا هارعين خائفين خارج المسجد ولم تمضي دقيقة بعد جواب الإبن إلا وجنود السلطان تقف أمام الشيخ الكناني ويسأله أحد وزراء السلطان :
أمجنون أنت ؟؟ قال له : الشيخ في ثبات لا .. قال : له أموسوس أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا .. قال له أمعتوه أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا .. أني لصحيح العقل جيد الفهم ثابت المعرفة والحمد الله كثيراً.. فقال له : أمظلوم أنت ؟؟ قال : له الشيخ لا.. فأمر الوزير رجاله بأن يحملوه وإبنه إلى منزله ..
رُفع الستار ..
الفوائد من هذه المشاهد :
أولاً:
إندثار الحق وقلة العلماء الصادقين سنة كونية كما رأينا في ذلك الزمان القريب من شمس النبوة المحمدي فكيف بزماننا هذا !!
ثانياً:
قلق المسلم وهمه وغمه بظهور الباطل علامة من علامات الإيمان وهذا ماقرره الشيخ بنفسه في الكتاب بقوله :(فأزعجني ذلك وأقلقني واسهر ليلي وأطال غمي وهمي فخرجت من بلدي متوجها إلى ربي عز وجل أسأله سلامتي وتبليغي، حتى قدمت ببغداد فشاهدت من غلظ الأمر واحتداده أضعاف ما كان يصل إلي)
ثالثاً:
الفزع إلى الله عزوجل والإلتجاء إليه والتضرع له وسؤاله الفهم والتفهيم والبيان والتبيين وسؤاله الحجة على مخالفيه وهذا من أجل العبادات وكان هذا في قوله (ففزعت إلى ربي أدعوه وأتضرع إليه راغباً وراهباً، واضعا له خدي، وباسطاً إليه يدي، أسأله أرشادي وتسديدي، وتوفيقي ومعونتي، والأخذ بيدي وأن لا يسلمني ولا يكلني إلى نفسي، وأن يفتح لفهم كتابه قلبي، وأن يطلق لشرح بيانه لساني، وأخلصت لله عز وجل نيتي ووهبت له نفسي)
رابعاُ:
إعمال الفكر في الدعوة وذكاء الداعية وهذا نجده إختياره ليوم الجمعة وبحضور المصلين حتى لايقتل قبل أن تُعقد المناظرة في حضرة المأمون مع مخالفيه وتخطيطه لذلك مع إبنه.
خامساً:
التوكل على الله عزوجل وعدم الخوف من السلطان وبذل النفس والتضحية بها في سبيل الحق.ويتجلي هذا في موقفه وخروجه من مكة قاصداً الدفاع عن الحق ولو كان الثمن إزهاق النفس.
والحمدُ لله رب العالمين ..