{لقد رأينا من يزعمون أنهم على منهج السلف وهو منهم براء، فالسلف كانوا يفرون من أبواب السلاطين ومناصبهم في عهد أرباب الشريعة والهدى لا في عهود الجور والكفر والظلمات. فهؤلاء والله ما وضع السيف على رقابهم ولا علقوا من أرجلهم وما أجبروا على ذلك. بل فعلوه مختارين ومنحوا عليه الأموال الطائلة.. والحصانات الدبلوماسية. فنعوذ بالله من هوى النفوس وطمس البصائر. وليتهم أعلنوها وقالوا: فعلناها حرصاً على الدنيا. بل يقولون مصلحة الدعوة ونصر الدين. فعلى من تضحكون . أعلينا نحن الضعفاء؟؟ فإننا وأمثالنا لا نملك لكم ضراً ولا نفعاً. أم على جبار السموات والأرضين، الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم سركم ونجواكم. ولقد سمعناهم يرمون من خالفهم أو انكر عليهم ذلك، بضحالة الفكر وقلة الخبرة وأنهم ليس عندهم حكمة في الدعوة ولا صبر في اقتطاف الثمر أو بصيرة في الواقع والسنن الكونية. وأنهم ينقصهم علم بالسياسة وعندهم قصور في التصورات. وما درى هؤلاء .أنهم لا يرمون بذلك أشخاصاً محددين، وإنما يرمون بذلك دين جميع المرسلين وملة إبراهيم. التي من أهم مهماتها إبداء البراءة من أعداء الله والكفر بهم وبطرائقهم المعوجة فضلآ ان تكون شركية وإظهار العداوة والبغضاء لمناهجهم الكافرة. وما دروا أن كلامهم ذلك يقتضي أن إبراهيم والذين معه لم يكن عندهم حكمة بالدعوة ولا دراية بالواقع. وأنهم كانوا متطرفين متسرعين. مع أن الله عز وجل قد زكاهم وأمرنا بالتأسي بهم. فقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} وقال سبحانه: {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً}ونزه سبحانه إبراهيم من السفه فوصفه بالرشد فقال: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} وأن ملة إبراهيم لا يرغب عنها إلا السفيه}
ما من مصلحة أعظم من المحافظة على توحيد الله عز وجل وتعليمه للناس وتربيتهم عليه..
وأعظم خسارة وأكبر مفسدة أن نخل بالتوحيد من أجل الحصول على بعض المصالح الموهومة..
وإذا أخللنا بالتوحيد فما قيمة المكاسب الأخرى ؟
فإن قضية عبادة الله وحده بلا شريك، وهي قضية لا إله إلا الله، معناها أن يكون الله هو المعبود في الاعتقاد، وهو المعبود في الشعائر التعبدية، وهو المشرع، وهو مقرر القيم والمعايير، وهو واضع منهج الحياة للناس. وهي قضية إلزام لا خيار فيها للمسلم ما دام مقراً بالإسلام، { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
فحين الدخول في لعبة الديمقراطية، فأول فعل هو تحويل هذا الإلزام الرباني إلى قضية يستفتى فيها الناس، وتؤخذ عليها الأصوات بالموافقة أو الرفض، مع إتاحة الفرصة لمن شاء أن يقول: إنكم أقلية، والأقلية لا يجوز لها أن تفرض رأيها على الأغلبية. وإذن فهي مسألة رأي، وليست مسألة إلزام،
مسألة تنتظر أن يصل عدد أصوات الموافقين عليها مبلغاً حتى تتقرر.
إن تحكيم الشريعة إلزام رباني، لا علاقة له بعدد الأصوات، ولا يخير الناس بشأنه، هل يقبلونه أم يرفضونه، لأنهم لا يملكون أن يرفضوه ثم يظلوا مسلمين!
ويجب أن تقدمه الدعوة للناس على هذا الأساس: أنه إلزام رباني، وأن الناكل عنه مرتد في حكم الله، ان ثبت اسلامه والا فانه كافر اصلى وأن جميع الناس مطالبون بتحقيقه، حكاماً ومحكومين، سواء وجدت هيئة أو جماعة تطالب به أم لم توجد؛ لأنه ليس متوقفاً على مطالبة أحد من البشر، بعد أن طلبه رب العالمين من عباده بصيغة الأمر الملزم.
العلماء يمثلون للمفسدة الخالصة بالشرك إشارة منهم إلى أن جميع المصالح التي فيها شرك ملغاة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(إن الشرك والقول على الله بغير علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم لا يكون فيها شيء من المصلحة)
[ الفتاوى (14ًص476) ].
إن المحرمات منها ما يقطع بأن الشرع لم يبح منها شيئا لا لضرورة ولا لغير ضرورة كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالي: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال
فكل هذه الأنظمة القائمة اليوم في الأرض على المناهج البشرية والمذاهب الوضعية؛ والتي لا تستمد شرعية وجودها من الكتاب والسنة؛ هي أنظمة محادة لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأي تقبُّلٍ لها أو خضوعٍ لوضعيتها، أو عملٍ بمبادئها؛ فإن ذلك موالاة صريحة للكفار وبراءة صريحة من الإسلام.والمسلم الذي يعطي ولاءه لتلك الروابط الجاهلية؛ كالوطنية والقومية؛ لم يعد مسلمًا؛ والموالاة على أية آصرة من الأواصر الجاهلية التي يعطي الناس ولاءهم على أساسها- غير آصرة الإسلام- هي آصرة فاسدة باطلة شرعًا، مخرجة لصاحبها عن الإسلام؛ فإن الله يأبى علينا نحن المسلمين أن نعطي ولاءنا إلا لمن يرتبط معنا برباط الإيمان والإسلام؛ فلا ولاء في الإسلام إلا على أساس هذا الدين؛ ومن تولى الكفار فهو منهم.إن موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين هي أصل عرى الإيمان وأوثقها. لا ولاء في الإسلام إلا على أساس هذا الدين ومنطلقاته النظرية والعملية، والمسلم هو الذي يتحلى بالمفاصلة الكاملة بينه وبين من ينهج غير منهج الإسلام، أو يرفع راية غير راية الإسلام، والمسلم لا يخلط بين منهج الله عز وجل وبين أي منهج آخر وضعي، لا في تصوره الاعتقادي ولا في نظامه الاجتماعي ولا في أي شأن من شئون حياته. والمرء لا يكون في حزب الله إلا إذا أعطى ولاءه لله ورسوله والمؤمنين بهذا الدين، ومنع ولاءه عن عدو الله مهما كان نوعه.}
فهل علمتم وعلم اتباعكــم علي اي ارض تقفون وبأي دين الان تنتحلون !!