Quantcast
Channel: الخلافة الاسلامة على منهج المهدي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

الانخــــراط في جيش الطاغــوت

$
0
0

أخي الكريم ...السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...
اما بعد: - سؤالي حول مسألة الانخراط في الجيش الطاغوت النظامي بحجة المصلحة ومنها النكاية فيهم او قتل او قطف روؤس الائمة الكفار......والذين يقولون بهذا يحتجون بعدة أمورة : - 1 _ قصة الصحابي الجليل محمد بن مسلمة في قتل لكعب بن الاشرف. 2 - وايضا قصة الصحابي فيروز الديلمي في قتل الاسود العنسي الذي ادعى النبوة. 3 - ونعيم بن مسعود عندما كتم اسلامه في يوم الاحزاب رضي الله عنهم جميعا....؟

ونريد منكم كشف وتوضيح وردود لهذه المسألة...وجزاكم الله خيرا...
__________________________________

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ... ما سألت عنه سؤال مهم جدا جدير أن يجاب عنه نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في الجواب عنه

اعلم هدانا الله وإياك أن الواجب على من أراد النجاة ألا يعارض نصوص الشرع بعضها ببعض بل عليه أن يرد المتشابه إلى المحكم ولا يستدل بنصوص متشابهة فيقع في زيغ أهل الزيغ والضلال .

والمحكم عندنا في هذا الباب هو أنه لا يحل لعبد كائن من كان أن يتلبس بكفر أو شرك إلا مكرها على ذلك لقوله تعالى : " {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } قال شيخ الإسلام في تفسيرها : (ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط لأن ذلك لا يكره الرجل عليه وهو قد استثنى من أكره ولم يرد من قال واعتقد لأنه استثنى المكره وهو لا يكره على العقد والقول وإنما يكره على القول فقط فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضا فصار كل من تكلم بالكفر كافرا إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان

يقول شيخ الإسلام : ((وَقَدْ يَعْتَرِفُونَ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا أَوْ مُحَرَّمَةٌ؛ وَلَكِنْ يَقُولُونَ مَا أَمْكَنَنَا إلَّا هَذَا وَإِنْ لَمْ نَفْعَلْ هَذَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ حَصَلَ الْوُقُوعُ فِيمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ تَحْرِيمًا وَفِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ مَا يَزِيدُ إثْمُهُ عَلَى إثْمِ هَذَا الْمُحَرَّمِ الْقَلِيلِ فِي جَنْبِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْكَثِيرِ...وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ وَاقِعَةٌ لِكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ وَجَوَابُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ: "أَحَدُهَا "أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ قِسْمَانِ:

"أَحَدُهُمَا "مَا يَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُبِحْ مِنْهُ شَيْئًا لَا لِضَرُورَةِ وَلَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ: كَالشَّرَكِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَالظُّلْمِ الْمَحْضِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُحَرَّمَةٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَبِتَحْرِيمِهَا بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ وَلَمْ يُبِحْ مِنْهَا شَيْئًا قَطُّ وَلَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا أُنْزِلَتْ فِي هَذِهِ السُّورَةُ الْمَكِّيَّةُ وَنَفْيُ التَّحْرِيمِ عَمَّا سِوَاهَا؛ فَإِنَّمَا حَرَّمَهُ بَعْدَهَا كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ حَرَّمَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلَيْسَ تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا)).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ثم إنه لا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز الأمر ولا الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، بل من تكلم بها فهو كافر إلا أن يكون مكرها فيتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان) [الفتاوى الكبرى - (6 / 86)]

وتابعه على ذلك تلميذه ابن القيم فقال:
(ولا خلاف بين الامة أنه لا يجوز الاذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الاغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالايمان) [إعلام الموقعين - (3 / 178)].

ولهذا اتفق أهل العلم على أن الكفر لا يجوز أن يكون حيلة للوصول إلى أي غرض أو غاية .

قال ابن القيم:
(وذكر لأحمد: أن امرأة كانت تريد أن تفارق زوجها فيأبى عليها فقال لها بعض أرباب الحيل: لو ارتددت عن الإسلام بنت منه ففعلت فغضب أحمد رحمه الله وقال: من أفتى بهذا أو علعمه أو رضي به فهو كافر
وكذلك قال عبدالله بن المبارك ثم قال: ما أرى الشيطان يحسن مثل هذا حتى جاء هؤلاء فتعلمه منهم...
وقال عبدالله بن المبارك في قصة بنت أبي روح حيث أمرت بالارتداد في أيام أبي غسان فارتدت ففرق بينهما وأودعت السجن فقال ابن المبارك وهو غضبان: من أمر بهذا فهو كافر ومن كان هذا الكتاب عنده أو في بيته ليأمر به فهو كافر وإن هويه ولم يأمر به فهو كافر) [إغاثة اللهفان - (1 / 356)].

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال، لأن ذلك محرم في كل حال، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه، " .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "والسحر حرام وكفر، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة ! " .

وكذلك هذه الوقائع المستدل بها هي من وقائع الأعيان التى لا عموم لها وهي تحتمل أكثر من وجه في فهمها والقاعدة تنص على أنه "إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال كساه ثوب الإجمال وسقط به الاستدلال

أما استدلالهم بقصة قتل فيروز الديلمي للأسود العنسي فاعلم أن اسناد هذه القصة ضعيف لا يمكن قبولها فضلا عن تأسيس أحكام خطيرة على هذه القصة . فقد أعله البخاري بالانقطاع ؛ فقد رواه علي بن عبد الرحمان ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا وهب بن جرير , عن أبيه , عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب , عن أبي وهب الجيشاني , عن الضحاك بن فيروز الديلمي , عن أبيه قال : أسلمت وعندي أختان , فأتيت النبي j , فسألته فقال طلق أيتهما شئت ...

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث يرويه أبو وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه
قال البخاري في إسناد هذا الحديث نظر
ووجه قوله أن أبا وهب والضحاك مجهول حالهما وفيه يحيى بن أيوب ضعيف .

وقال الصنعاني في السلام : ( وأعله البخاري بأنه رواه الضحاك عن أبيه ورواه عنه أبو وهب الجيشاني و قال البخاري لا نعرف سماع بعضهم من بعض

أما قصة محمد بن مسلمة فالرجل رضي الله عنه لم يفعل كفرا حتى ستدل بفعله على الدخول في جيوش الطواغيت والمكوث في صفوفهم السنون الطوال والإئتمار بأمر رؤسائهم وتكثير سوادهم وإليك بيان حقيقة هذه القصة والرد على استدلالهم الخاطئ

- حديث قتل كعب بن الاشرف : فقد قال محمد بن مسلمة : ( إن هذا الرجل قد عنّانا ـ أي أتعبنا ـ وسألنا الصدقة ، قال وأيضا فوالله لتملنّه ، قال : فإنا اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره ) رواه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه .

وقد دل حديث كعب بن الاشرف على جواز الكـــذب في الحرب كما بوّب البخاري للحديث الثاني ( باب الكذب في الحرب ) .

ولا يصح الاستدلال بالخبر على جواز إتيان الكفر ظاهرا ، في حال الحرب ، لان أذى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم بالنيل منه ، الذي هو كفر ، لم يتحقق هنا .

ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ، قد أذن بقول ما يعلم أن قائله لا يقصد أذى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما يعفو عن أذى من يؤذيه ، ولهذا لما قيل عنه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائــــــم ، ( والله إنها لقسمة ما عدل فيها ) ، قال ( يرحم الله موسى ، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) رواه البخاري .

والمقصود أن إذنه صلى الله عليه وسلم ، لقائل أن يقول عنه ما لا يريد بذلك أذاه ، بل يقول قولا يحتمل في ظاهر اللفظ أذاه ، وهو مع ذلك معظمُ للنبي صلى الله عليه وسلم ، متبعُ له ، قاصدُ نصر دينه ، أنه ليس فيه ما يدخل في باب إظهار الكفر أصلا ، ولهذا بوّب له البخاري رحمه الله ( باب الكذب في الحرب).

وهذا يختلف عن إظهار الكفر بتعظيم الشرك وعبادة غير الله تعالى ، فإن هذا لا يحل إلا بالإكراه ، كما هو نص القرآن ، قال العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا : ( اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفا منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافر مثلهم ، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين ، ... ولايستثنى من ذلك إلا المكره ، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون اكفر ، أو افعل كذا ، وإلا فعلنا بك وقتلناك ، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب ) الدرر السنية 7/58

* أما قصة نعيم ابن مسعود فهي في غاية الضعف ولا يصلح الاستدلال بها وإليك تحقيق هذه القصة من ناحية الإسناد ومن ناحية المعنى

هذه القصة رويت مسندة وغير مسندة في كتب المغازي والسير والتفاسير وهي مشهورة جدًّا ولكنها بدون إسناد يعتمد عليه إلا أن أهل المغازي والسير تناقلوها عن ابن إسحاق والواقدي وقد اقتصرنا على من أخرجها مسندا وعلى محل الشاهد منها وهو: « خذل عنا » وما نحوه من الألفاظ وليس المقصود تخريج قوله :« الحرب خدعة» فهذا صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم من غير حديث نعيم بن مسعود ، وإلا فلها طرق أخرى ليس فيها محل الشاهد وممن ذكر هذه القصة وما قام نعيم بن مسعود من التخبيب والتفريق بين الأحزاب من كفار قريش واليهود وغيرهما :
ابن إسحاق في السيرة النبوية 2/229،
والواقدي في مغازي الواقدي 2/480 ،
وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/56، 4/209
والبلاذري في أنساب الأشراف 1/165،
والطبري في تاريخ الأمم والملوك 3/44. 2/577
والبيهقي في دلائل النبوة 3/415،
وابن عبد البر في الدرر 186- 187،
والسهيلي في الروض الأنف 6/277،
وابن الأثير في الكامل 2/ 68 ،
والكلاعي في الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 2/172،
وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/64،
وابن القيم في زاد المعاد 2/131،
وابن كثير في البداية والنهاية 4/111- 112،
والسمهودي في وفاء الوفا 1/217،

والسيوطي في الدر المنثور 5/192،
والقسطلاني في المواهب اللدنية 1/113 وغيرهم كثير .
كلهم يروي القصة مطولا ومختصرا وقد اقتصرنا على محل الشاهد وألفاظه:
* فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا فإن الحرب خدعة» . وبنحوه : «خذل ما استطعت فإن الحرب خدعة» .و بنحوه أيضا:« خَذِّلْ عَنَّا، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ » .
* وفي لفظ : قال: « مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تُخَذِّلَ عَنَّا النَّاسَ فَخَذِّلْ. قَالَ قُلْتُ: وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّى أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ » .
* وفي لفظ : « الحرب خدعة، وعسى أن يصنع الله لنا » .
وأما اللفظ الأول : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا فإن الحرب خدعة» . وبنحوه : «خذل ما استطعت فإن الحرب خدعة» ، أو « خَذِّلْ عَنَّا، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ ».
أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن (8/ 16) ، والبغوي (3/ 617)
والخازن في معاني التنزيل (3/ 414) وغيرهم كثير - غير مسند- من طريق محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطّلب.الحديث مطولا .
قلت: إسناده حسن ـ يحيى بن عباد وأبوه ثقتان، وعباد بن عبد الله يروي عن بعض الصحابة وسمع من أبيه وعائشة ، ولا أدري سماعه من صفية بنت عبد المطلب فإنها قديمة الوفاة توفيت في خلافة عمر بن الخطاب . وَقَال البرقاني: قلت للدارقطني: يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبد الله بن الزبير، عَن أبيه، عن معاوية؟ قال: سماع ابيه عن معاوية لا يصح إلا أنه أدركه، ويحيى وأبوه عباد ثقتان (سؤالاته الترجمة 537) . وَقَال ابن حجر في "التهذيب": وأما روايته عن عُمَر بن الخطاب فمرسلة بلا تردد (5 / 98) . فأخشى أن تكون روايته عن صفية مرسلة .
وأخرجه الطبري في تاريخ الرسل والملوك (2/ 577)،والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 445) ، من طريق ابن إسحاق مرسلا ، فقال : فَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى خَوْفِهِمْ، أَتَى نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهكذا رواه مرسلا ، السهيلي في الروض الأنف (6/ 218) وابن الأثير في الكامل في التاريخ (2/ 68) وابن كثير في البداية والنهاية (4/ 128) ورويت مرسلة أيضا من حديث الزهري (وهو ابن شهاب) كما رواها الطبري وابن كثير .
ورواه البيهقي من طريق آخر قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...الحديث .
قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل فيه رجل لم يسم ، وعبد الله بن كعب تابعي لم يدرك القصة .
وأخرجها الطبري مختصرا جدا في تهذيب الآثار مسند علي (3/ 130) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2668) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَابِرٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ: ابْنَةِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «خَذِّلْ عَنَّا، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ».
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا منكر؛ فيه عبد العزيز بن عمران هو المعروف بابن أبي ثابت الزهري المدني، قال البخاري: لا يكتب حديثه، منكر الحديث. التاريخ الكبير (6/ 29)
والضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 13).و ضعفه الدارقطني وغيره .
وقال يحيى بن معين: ليس بثقة . الضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 13).
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوك الحَدِيث. الموضوعات لابن الجوزي (2/ 184) .
وقال الذهبي : مجمع على ضعفه . ديوان الضعفاء (ص: 253).
وبقية الإسناد من فوق عبد العزيز غير معروفين لم أجد فيهم جرحا ولا تعديلا ،خاصة وأنه وقع تحريف في اسم إبراهيم بن صابر ، فقيل : ابن جابر عند أبي نعيم.
وأما اللفظ الثاني: « مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تُخَذِّلَ عَنَّا النَّاسَ فَخَذِّلْ. قَالَ قُلْتُ: وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّى أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ » .
أخرجه الواقدي في المغازي (2/ 480) وعنه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 209)
ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (3/ 235) جميعهم عن الواقدي
وهو مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَاصِمٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَهْلَ شَرَفٍ وَأَمْوَالٍ،... الحديث مطولا .
قلت: إسناده موضوع واهٍ ، فيه الواقدي . وقَال البُخارِيُّ : الواقدي مديني سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أَحْمَد، وابن نمير، وابن المبارك، وإسماعيل بن زكريا .
وَقَال في موضع آخر : كذبه أَحْمَد.
وَقَال معاوية بن صالح: قال لي أَحْمَد بْن حنبل: هو كذاب .
وَقَال معاوية أيضا عَن يحيى بْن مَعِين: ضعيف.
وَقَال فِي موضع آخر : ليس بشيءٍ.
وَقَال إسحاق بن منصور: قال أحمد بن حنبل: كان الواقدي يقلب الاحاديث يلقي حديث ابن أخي الزُّهْرِيّ على معمر ونحو هذا. انظر :تهذيب الكمال للمزي (26/ 185).
قال إسحاق بن راهويه: هو عندي ممن يضع الحديث. (الجرح والتعديل: 8 / الترجمة 92) .
وقال علي بن المديني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقدي يركب الأسانيد (تاريخ الخطيب: 3 / 13، 16) . وقال الذهبي : مجمع على تَركه . المغني في الضعفاء (2/ 619) .
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُتُبُ الْوَاقِدِيِّ كَذِب، وَلَيْسَ فِي الْمَغَازِي أَصَحُّ مِنْ مَغَازِي مُوسَى بْنِ عقبَة انْتهى . المصنوع في معرفة الحديث الموضوع (ص: 226).
وبقية الإسناد من فوق الواقدي غير معروفين لم أجد لهما ترجمة .
وأما اللفظ الثالث: « الحرب خدعة، وعسى أن يصنع الله لنا » .
أورده الحافظ ابن كثير بغير إسناد في السيرة النبوية (3/ 217)، وفي البداية والنهاية (6/ 62) ، وعزاه لابن إسحاق في السيرة له ، والبيهقي في الدلائل . وقد تقدم الكلام عليه .
قلت: فهذه قصة نعيم بن مسعود وما فيها من الضعف وبعض أوجهها موضوع واهٍ، وإن سلّمنا بحسن اللفظ الأول والثالث من القصة لشهرتها وكثرة ناقليها ، فأين إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لنعيم بقول أوفعل الكفر وأين من فهم ذلك من السلف الصالح ، والذي يتتبع سياق القصة يجد أن نعيمًا قلّب هؤلاء الكفار بعضهم على بعض ولم يسئ للنبي صلى الله عليه وسلم أو لدينه أو لربِّه أو لأصحابه بكلمة أو فعل مكفر ، فلا أدري من أين أتوا هؤلاء الجهمية المعاصرة المرقعين للطواغيت وأذنابهم بهذا الفهم، سبحانك هذا بهتان عظيم.

وإليكم ما فهمه السلف الصالح من هذه القصة :
قال محمد بن الحسن رحمه الله :« فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ». شرح السير الكبير (1/ص: 122) .
وقال ابن سعد رحمه الله: «كان نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي قد أسلم فحسن إسلامه فمشى بين قريش وقريظة وغطفان وأبلغ هَؤُلَاءِ عَن هَؤُلَاءِ كلاما وهؤلاء عَن هَؤُلَاءِ كلاما يري كل حزب منهم أَنَّهُ ينصح لَهُ. فقبلوا قوله وخذله عَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستوحش كل حزب مِن صاحبه » . الطبقات الكبرى (2/ 53) .
وقال أَبُو عُمَر بْن عَبد الْبَرِّ رحمه الله : «هاجر إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأسلم فِي الخندق، وهُوَ الذي خذل المشركين وبني قريظة حَتَّى صرف الله المشركين بعد أن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم يروها . وخبره فِي تخذيل بني قريظة والمشركين فِي السير خبر عجيب». تهذيب الكمال في أسماء الرجال (29/ 492) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : « الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ حِيلَةً أَوْ يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ حِيلَةً، أَوْ يُسَمُّونَهُ آلَةً - مِثْلُ الْحِيلَةِ الْمُحَرَّمَةِ - حَرَامًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي تَنْزِيلِهِ: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] فَلَوْ احْتَالَ الْمُؤْمِنُ الْمُسْتَضْعَفُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ بَيْنِ الْكُفَّارِ لَكَانَ مَحْمُودًا فِي ذَلِكَ وَلَوْ احْتَالَ مُسْلِمٌ عَلَى هَزِيمَةِ الْكَافِرِ، كَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أَوْ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ مِنْهُمْ، كَمَا فَعَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ علاط وَعَلَى قَتْلِ عَدُوٍّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا فَعَلَ النَّفَرُ الَّذِينَ احْتَالُوا عَلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيِّ وَعَلَى قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ مَحْمُودًا أَيْضًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» . وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا وَلِلنَّاسِ فِي التَّلَطُّفِ وَحُسْنِ التَّحَيُّلِ عَلَى حُصُولِ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَوْ دَفْعِ مَا يَكِيدُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ سَعْيٌ مَشْكُورٌ....إلى أن قال رحمه الله في مبحث جليل ينبغي الرجوع إليه كاملا - :
وَبِالْجُمْلَةِ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُظْهِرَ قَوْلًا وَفِعْلًا مَقْصُودُهُ بِهِ مَقْصُودٌ صَالِحٌ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ غَيْرَ مَا قَصَدَ بِهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ مِثْلُ دَفْعِ ظُلْمٍ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ مُسْلِمٍ، أَوْ دَفْعِ الْكُفَّارِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الِاحْتِيَالِ عَلَى إبْطَالِ حِيلَةٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ حِيلَةٌ جَائِزَةٌ ». الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 106)
وقال أيضا :« حَتَّى خَبَّبَ بَيْنَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ: رِيحَ الصَّبَا، وَالْمَلَائِكَةَ مِنَ السَّمَاءِ» . منهاج السنة النبوية (8/ 108)
ويقول ابن القيم رحمه الله: «فَنَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى حِيلَةً حَرَامًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] أَرَادَ بِالْحِيلَةِ التَّحَيُّلُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ بَيْنِ الْكُفَّارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مَحْمُودَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْحِيلَةُ عَلَى هَزِيمَةِ الْكُفَّارِ، كَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أَوْ عَلَى تَخْلِيصِ مَالِهِ مِنْهُمْ كَمَا فَعَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ بِامْرَأَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْحِيلَةُ عَلَى قَتْلِ رَأْسٍ مِنْ رُءُوسِ أَعْدَاءِ اللَّهِ كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيَّ. وَكَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَأَبَا رَافِعٍ وَغَيْرِهِمْ؛ فَكُلُّ هَذِهِ حِيَلٌ مَحْمُودَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلَّهِ وَمُرْضِيَةٌ لَهُ ». إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 188)
ويقول أيضا:« ومن أحسن ذلك: خديعة معبد بن أبى معبد الخزاعى لأبى سفيان وعسكر المشركين حين هموا بالرجوع ليستأصلوا المسلمين، وردهم من فورهم.ومن ذلك: خديعة نعيم بن مسعود الأشجعى ليهود بنى قريظة، ولكفار قريش والأحزاب » .
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 387)
ويقول أيضا رحمه الله : « وَقَوْلُهُ: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] وَقَوْلُهُ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ - فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [النمل: 50 - 51] فَلَمَّا كَانَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي الْمَذْمُومَةِ ظَنَّ الْمُعَطِّلُونَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَتُهَا، فَإِذَا أُطْلِقَتْ لِغَيْرِ الذَّمِّ كَانَ مَجَازًا، وَالْحَقُّ خِلَافُ هَذَا الظَّنِّ، وَأَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَضَمِّنًا لِلْكَذِبِ وَالظُّلْمِ فَهُوَ مَذْمُومٌ؟ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِحَقٍّ وَعَدْلٍ وَمُجَازَاةٍ عَلَى الْقَبِيحِ فَهُوَ حَسَنٌ مَحْمُودٌ، فَإِنَّ الْمُخَادِعَ إِذَا خَادَعَ بِبَاطِلٍ وَظُلْمٍ، حَسُنَ مِنَ الْمُجَازِي لَهُ أَنْ يَخْدَعَهُ بِحَقٍّ وَعَدْلٍ، وَذَلِكَ إِذَا مَكَرَ وَاسْتَهْزَأَ ظَالِمًا مُتَعَدِّيًا كَانَ الْمَكْرُ بِهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ عَدْلًا حَسَنًا، كَمَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ بِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَبِي رَافِعٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يُعَادِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَادَعُوهُ حَتَّى كُفُوا شَرَّهُ وَأَذَاهُ بِالْقَتْلِ، وَكَانَ هَذَا الْخِدَاعُ وَالْمَكْرُ نُصْرَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَكَذَلِكَ مَا خَدَعَ بِهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْخَنْدَقِ حَتَّى انْصَرَفُوا، وَكَذَلِكَ خِدَاعُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ لِامْرَأَتِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "«الْحَرْبُ خَدْعَةٌ» "وَجَزَاءُ الْمُسِيءِ بِمِثْلِ إِسَاءَتِهِ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، مُسْتَحْسَنٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُولِ، وَلِهَذَا كَادَ سُبْحَانَهُ لِيُوسُفَ حِينَ أَظْهَرَ لِإِخْوَتِهِ مَا أَبْطَنَ خِلَافَهُ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كَيْدِهِمْ لَهُ مَعَ أَبِيهِ، حَيْثُ أَظْهَرُوا لَهُ أَمْرًا وَأَبْطَنُوا خِلَافَهُ، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْدَلِ الْكَيْدِ، فَإِنَّ إِخْوَتَهُ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَادَّعَوْا أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَخِيهِمْ بِإِظْهَارِ أَنَّهُ سَرَقَ الصُّوَاعَ وَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ بِذَلِكَ الْكَيْدِ، حَيْثُ كَانَ مُقَابَلَةً وَمُجَازَاةً، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا ظَالِمًا لِأَخِيهِ الَّذِي لَمْ يَكِدْهُ، بَلْ كَانَ إِحْسَانًا إِلَيْهِ وَإِكْرَامًا لَهُ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ كَانَتْ طَرِيقُ ذَلِكَ مُسْتَهْجَنَةً، لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَ بِالْآخِرَةِ بَرَاءَتُهُ وَنَزَاهَتُهُ مِمَّا قَذَفَهُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي اتِّصَالِهِ بِيُوسُفَ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ». مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 305)
وقال العسكري: «أراد بالحديث أن المماكرة في الحرب أنفع من الطعن والضرب والمثل السائر إذا لم تغلب فاخلب أي اخدع وهذا قاله في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود مخذلا بين قريش وغطفان واليهود ذكره الواقدي وتكون بالتورية واليمين وإخلاف الوعد،
قال النووي: اتفقوا على حل خداع الكفار في الحرب كيف كان حيث لا نقض عهد ولا أمان فينبغي قدح الفكر وإعمال الرأي في الحرب حسب الاستطاعة فإنه فيها أنفع من الشجاعة وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال ». فيض القدير (3/ 411) .
وقال بدر الدين العيني : « وَالْكذب حرَام بِالْإِجْمَاع جَائِز فِي مَوَاطِن بِالْإِجْمَاع أَصْلهَا الْحَرْب، أذن الله فِيهِ وَفِي أَمْثَاله رفقا بالعباد لضعفهم، وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِي تَحْرِيمه وَلَا فِي تَحْلِيله أثر، إِنَّمَا هُوَ إِلَى الشَّرْع، وَلَو كَانَ تَحْرِيم الْكَذِب كَمَا يَقُول المبتدعون عقلا، وَيكون التَّحْرِيم صفة نفسية كَمَا يَزْعمُونَ، مَا انْقَلب حَلَالا أبدا، وَالْمَسْأَلَة لَيست معقولة فتستحق جَوَابا، وخفي هَذَا على عُلَمَائِنَا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا يجوز فِي المعاريض دون حَقِيقَة الْكَذِب، فَإِنَّهُ لَا يحل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة الْكَذِب لَكِن الِاقْتِصَار على التَّعْرِيض أفضل، وَقَالَ بعض أهل السّير: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك يَوْم الْأَحْزَاب لنعيم بن مَسْعُود، وَعَن الْمُهلب: الخداع فِي الْحَرْب جَائِز كَيفَ مَا يُمكن إلاَّ بالأيمان والعهود وَالتَّصْرِيح بالأيمان فَلَا يحل شَيْء من ذَلِك ». عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 275) .
وقال القسطلاني: « (وسمى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحرب خدعة) في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود يخذل بين قريش وغطفان واليهود قاله الواقدي، وتكون بالتورية وبالكمين وبخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرّم، وقال النووي: اتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز ». إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (5/ 155
. ومن الأمور المحكمة أن من كثر سواد المشركين وخرج في جيشهم فيحكم له بحكم الكفر لا محالة كما حدث هذا من العباس في غزوة بدر لما أخرجه المشركون معهم في جيشهم مكثرا لسوادهم وكان مسلما حينئذ لكن حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الكفر وأسره ولم يتركه إلا بعد أن دفع الفداء . فقد روى البخاري عن ابن عباس : (أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم ، أو يضرب فيقتل ، فنزلت "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ").
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس لما خرج مع المشركين يوم بدر : (أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله).
ومما سبق يتبين لك أنه لا يحل لموحد أن يدخل هذه الجيوش على سبيل الاستدامة والائتمار بأمرهم السنون الطوال وتكثير سوادهم والترقي في مناصبهم فإن هذا من الاستدامة على الكفر مع الإختيار وقد منع الإمام أحمد من ذلك ولو على سبيل الإكراه فكيف في حال الاختيار . لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه أله أن يرتد؟ فكرهه كراهة شديدة، وقال: ما يشبه هذا عندي الذي أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أولئك كانـوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاؤوا، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم.
_________ش

Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>