قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(نعم قد يشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه فإن القرآن جعله الله شفاء لما في الصدور وبيانا للناس فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك؛
لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
إما أن لا يعرفوا اللفظ وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة ومن ههنا يقع الشرك وتفريق الدين شيعا كالفتن التي تحدث السيف فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم كما قال مالك بن أنس: إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء. ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم ولهذا قال أحمد في خطبته: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم. فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}
فأهل الهدى والفلاح: هم المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان.
وأهل العذاب والضلال: هم المكذبون للأنبياء.
يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء. فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر لكن الله يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} فهؤلاء لا يهلكهم الله ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولا. وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا فإنه يبعث إليه رسول يوم القيامة في عرصات القيامة)
مجموع الفتاوى (307/17)