يقول الفقيه الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا ثلاثة : نص ، ودلالة ، وتبعية .أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا .وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة : صنف منهم ينكرون الصانع أصلا ، وهم الدهرية المعطلة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده ، وهم الوثنية والمجوس ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا ، وهم قوم من الفلاسفة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة ، لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهم اليهود والنصارى ، فإن كان من الصنف الأول والثاني ، فقال : لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ; لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا . فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; لأنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة ، فكان الإتيان بواحد منهما - أيتهما كانت - دلالة الإيمان ، وإن كان من الصنف الثالث فقال : لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه ; لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة ، ولو قال : أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه ; لأنه يمتنع عن هذه الشهادة ، فكان الإقرار بها دليل الإيمان .وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه ; من اليهودية أو النصرانية ; لأن من هؤلاء من يقر برسالة رسول الله ; صلى الله عليه وسلم لكنه يقول : إنه بعث إلى العرب خاصة دون غيرهم فلا يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليلا على إيمانه ، وكذا إذا قال يهودي أو نصراني : أنا مؤمن أو مسلم أو قال : آمنت أو : أسلمت لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون , والإيمان والإسلام هو الذي هم عليه وروى الحسن عن أبي حنيفة - أنه قال : إذا قال اليهودي أو النصراني : أنا مسلم أو قال : أسلمت سئل عن ذلك أي شيء أردت به إن قال : أردت به ترك اليهودية ، أو النصرانية ، والدخول في دين الإسلام يحكم بإسلامه ، حتى لو رجع عن ذلك كان مرتدا وإن قال : أردت بقولي : أسلمت أني على الحق ، ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني لم يحكم بإسلامه ولو قال يهودي أو نصراني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأتبرأ عن اليهودية ، أو النصرانية لا يحكم بإسلامه ; لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد ، والتبرؤ عن اليهودية والنصرانية ، لا يكون دليل الدخول في دين الإسلام لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ، ودخل في دين آخر سوى دين الإسلام ، فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال ، ولو أقر مع ذلك فقال : دخلت في دين الإسلام أو في دين محمد صلى الله عليه وسلم حكم بالإسلام ; لزوال الاحتمال بهذه القرينة والله - سبحانه وتعالى - أعلم . "
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ فصل في بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال .)
___________________
أقول : أنظر بالله عليك ما أدق هذا الكلام . قوله : "أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا"ألا يدل هذا الكلام دلالة صريحة على أن هناك حالات لا ينفع بها الإتيان بالشهادة أو الشهادتين ؟ وأن التبرؤ مع الإحتمال لا يصلح دليلا على التبرؤ ؟ وهذا واضح في قوله : "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "لهذا أقول : إن أكثر الناس اليوم الذين يعيشون في الدول العربية أو بما يسمى بالدول الإسلامية ليس كفرهم بعدم إتيانهم الشهادة أو الشهادتين ، أو عدم قبولهم للإسلام أو بعدم أدائهم بعض الشعائر التعبدية بل أكثرهم مشركون وقعوا بشرك التشريع والولاء للطواغيت وقسم منهم وقع بشرك القبور ومع هذا فهم يقرون بالشهادة أو الشهادتين عن غير علم بمعناهما وما يقتضي الإقرار بهما ويعتزون بانتسابهم للإسلام ويحرصون على أداء الشعائر التعبدية ويدافعون عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والتسليم دفاعاً كبيراً . ومع ذلك يفعلون كثيراً من أنواع الشرك الأكبر ولم يحققوا الركن الأول لدخول الإسلام وهو الكفر بالطاغوت . لهذا لا يجوز اعتبار مجرد قولهم بالشهادة أو الشهادتين أو أداءهم بعض الشعائر التعبدية أو انتسابهم للإسلام أو دفاعهم عن رسول الإسلام علامة قطعية على دخولهم الإسلام الذي يريده الله ، حتى يتبرؤا وبشكل صريح واضح لا يحتمل مما هو منتشر في مجتمعهم من الشرك الأكبر الذي وقع فيه أكثرهم . وهذا معنى قوله : "لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد "وهناك كلام كثير مثل هذا الكلام لعلماء الإسلام ولولا خشية الإطالة لذكرت بعضها .انظر لكتاب السير الكبير- للشيباني- بشرح الإمام محمد السرخسي / ج 1 في باب الإسلام ص 153/155 ) ، وانتبه لقوله : "فأما اليهود ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بنى إسرائيل ، ويتمسكون بظاهر قوله تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ، فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، أو يقر بأنه دخل في الإسلام "وانظر لتوضيح الإمام ابن قدامه المقدسي لكلام الإمام الخرقي في كتابه المغني ج 8 حكم المرتد .وانتبه لقوله : "فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر .. ) (المغنى/ ج 8 حكم المرتد) .وانظر لكلام الإمام ابن حجر في فتح الباريء شرح صحيح البخاري 12|247
وأنظر لما نقله الشوكاني عن البغوي في نيل الأوطارج9 وركز على قوله :"فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم ، فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده "يعني لا يكفي تلفظه بالشهادة أو الشهادتين أو أداءه أي شعيرة من شعائر الإسلام .كل هذا الكلام للعلماء يدل على أن مدخل الشخص للإسلام يختلف باختلاف سبب كفره والحال التي هو عليها ولأن الشرك الذي وقع فيه أكثر الناس اليوم هو شرك التشريع ،شرك التحاكم لغير شرع الله ، شرك مولاة الطواغيت وأتباعهم ، وهناك في بعض المناطق بالإضافة لهذه الأنواع من الشرك انتشار لشرك القبور وهو غالب، لهذا يجب التأكد قبل الحكم بالإسلام على من يعيش في هذه المجتمعات من براءته من هذه الأنواع من الشرك وكذلك براءته من فاعليها ، ولا عبرة بتلفظه بالشهادتين أو أدائه بعض الشعائر التعبدية لأن أكثرهم يقوم بهذه أو أكثر مع تلبسه بالشرك المنتشر في مجتمعه ، والمشرك قد يعبد الله وحده في بعض الدين . لهذا فهذه الدلالات المشتركة بين المسلم والمشرك ليست دلالات كافية على دخول الشخص للإسلام .لأن القرائن المحتملة ليست دليلاً كما قال الإمام الكساني "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا ثلاثة : نص ، ودلالة ، وتبعية .أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا .وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة : صنف منهم ينكرون الصانع أصلا ، وهم الدهرية المعطلة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده ، وهم الوثنية والمجوس ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا ، وهم قوم من الفلاسفة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة ، لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهم اليهود والنصارى ، فإن كان من الصنف الأول والثاني ، فقال : لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ; لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا . فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; لأنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة ، فكان الإتيان بواحد منهما - أيتهما كانت - دلالة الإيمان ، وإن كان من الصنف الثالث فقال : لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه ; لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة ، ولو قال : أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه ; لأنه يمتنع عن هذه الشهادة ، فكان الإقرار بها دليل الإيمان .وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه ; من اليهودية أو النصرانية ; لأن من هؤلاء من يقر برسالة رسول الله ; صلى الله عليه وسلم لكنه يقول : إنه بعث إلى العرب خاصة دون غيرهم فلا يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليلا على إيمانه ، وكذا إذا قال يهودي أو نصراني : أنا مؤمن أو مسلم أو قال : آمنت أو : أسلمت لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون , والإيمان والإسلام هو الذي هم عليه وروى الحسن عن أبي حنيفة - أنه قال : إذا قال اليهودي أو النصراني : أنا مسلم أو قال : أسلمت سئل عن ذلك أي شيء أردت به إن قال : أردت به ترك اليهودية ، أو النصرانية ، والدخول في دين الإسلام يحكم بإسلامه ، حتى لو رجع عن ذلك كان مرتدا وإن قال : أردت بقولي : أسلمت أني على الحق ، ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني لم يحكم بإسلامه ولو قال يهودي أو نصراني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأتبرأ عن اليهودية ، أو النصرانية لا يحكم بإسلامه ; لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد ، والتبرؤ عن اليهودية والنصرانية ، لا يكون دليل الدخول في دين الإسلام لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ، ودخل في دين آخر سوى دين الإسلام ، فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال ، ولو أقر مع ذلك فقال : دخلت في دين الإسلام أو في دين محمد صلى الله عليه وسلم حكم بالإسلام ; لزوال الاحتمال بهذه القرينة والله - سبحانه وتعالى - أعلم . "
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ فصل في بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال .)
___________________
أقول : أنظر بالله عليك ما أدق هذا الكلام . قوله : "أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا"ألا يدل هذا الكلام دلالة صريحة على أن هناك حالات لا ينفع بها الإتيان بالشهادة أو الشهادتين ؟ وأن التبرؤ مع الإحتمال لا يصلح دليلا على التبرؤ ؟ وهذا واضح في قوله : "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "لهذا أقول : إن أكثر الناس اليوم الذين يعيشون في الدول العربية أو بما يسمى بالدول الإسلامية ليس كفرهم بعدم إتيانهم الشهادة أو الشهادتين ، أو عدم قبولهم للإسلام أو بعدم أدائهم بعض الشعائر التعبدية بل أكثرهم مشركون وقعوا بشرك التشريع والولاء للطواغيت وقسم منهم وقع بشرك القبور ومع هذا فهم يقرون بالشهادة أو الشهادتين عن غير علم بمعناهما وما يقتضي الإقرار بهما ويعتزون بانتسابهم للإسلام ويحرصون على أداء الشعائر التعبدية ويدافعون عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والتسليم دفاعاً كبيراً . ومع ذلك يفعلون كثيراً من أنواع الشرك الأكبر ولم يحققوا الركن الأول لدخول الإسلام وهو الكفر بالطاغوت . لهذا لا يجوز اعتبار مجرد قولهم بالشهادة أو الشهادتين أو أداءهم بعض الشعائر التعبدية أو انتسابهم للإسلام أو دفاعهم عن رسول الإسلام علامة قطعية على دخولهم الإسلام الذي يريده الله ، حتى يتبرؤا وبشكل صريح واضح لا يحتمل مما هو منتشر في مجتمعهم من الشرك الأكبر الذي وقع فيه أكثرهم . وهذا معنى قوله : "لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد "وهناك كلام كثير مثل هذا الكلام لعلماء الإسلام ولولا خشية الإطالة لذكرت بعضها .انظر لكتاب السير الكبير- للشيباني- بشرح الإمام محمد السرخسي / ج 1 في باب الإسلام ص 153/155 ) ، وانتبه لقوله : "فأما اليهود ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بنى إسرائيل ، ويتمسكون بظاهر قوله تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ، فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، أو يقر بأنه دخل في الإسلام "وانظر لتوضيح الإمام ابن قدامه المقدسي لكلام الإمام الخرقي في كتابه المغني ج 8 حكم المرتد .وانتبه لقوله : "فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر .. ) (المغنى/ ج 8 حكم المرتد) .وانظر لكلام الإمام ابن حجر في فتح الباريء شرح صحيح البخاري 12|247
وأنظر لما نقله الشوكاني عن البغوي في نيل الأوطارج9 وركز على قوله :"فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم ، فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده "يعني لا يكفي تلفظه بالشهادة أو الشهادتين أو أداءه أي شعيرة من شعائر الإسلام .كل هذا الكلام للعلماء يدل على أن مدخل الشخص للإسلام يختلف باختلاف سبب كفره والحال التي هو عليها ولأن الشرك الذي وقع فيه أكثر الناس اليوم هو شرك التشريع ،شرك التحاكم لغير شرع الله ، شرك مولاة الطواغيت وأتباعهم ، وهناك في بعض المناطق بالإضافة لهذه الأنواع من الشرك انتشار لشرك القبور وهو غالب، لهذا يجب التأكد قبل الحكم بالإسلام على من يعيش في هذه المجتمعات من براءته من هذه الأنواع من الشرك وكذلك براءته من فاعليها ، ولا عبرة بتلفظه بالشهادتين أو أدائه بعض الشعائر التعبدية لأن أكثرهم يقوم بهذه أو أكثر مع تلبسه بالشرك المنتشر في مجتمعه ، والمشرك قد يعبد الله وحده في بعض الدين . لهذا فهذه الدلالات المشتركة بين المسلم والمشرك ليست دلالات كافية على دخول الشخص للإسلام .لأن القرائن المحتملة ليست دليلاً كما قال الإمام الكساني "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "