ومن شبهاتهم،أحتجاجهم بأن بعض هؤلاء الطواغيت وعبيدهم (يصلون).. ويذكرون نصوصاً تذكر فيها الصلاة كعاصم للدم، فيظنون أنها وحدها العاصم، وأن كل من صلى كان مسلماً معصوم الدم والمال وإن اقترف من نواقض الإسلام ما اقترف. أليس يصلي؟؟
ومثل هذه النصوص تجمع مع مبيناتها من النصوص الأخرى فيحملها السلف على المصلين الملتزمين للتوحيد المجتنبين للشرك والتنديد وغيره من نواقض الإسلام ولو ظاهراً..
ولم يفهم أحد من السلف أن أمثال هؤلاء الذين قيلت فيهم تلك الأحاديث، كانوا مسلمين معصومين بالصلاة وحدها، مع تحاكمهم للطاغوت ونصرته واتباعه مثلاً..
أو مع الطعن في دين الله، أو الاستهزاء بشرائعه.. ونحوه من النواقض.. يقول الله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 66]، فإنها نزلت في أناس مظهرين للإسلام والصلاة بل والجهاد - فقد كانوا خارجين مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فكفّرهم الله رغم ذلك كله لما أتوا بناقض من نواقض الإسلام.. وأكثر هؤلاء الذين يسيئون فهم هذه النصوص أو يلوون أعناقها، تجدهم يكفرون تارك الصلاة ويحكمون عليه بحكم المرتد فيبطلون نكاحه ويبينون عنه زوجته المسلمة ويمنعون إرثه من أهله المسلمين ونحو ذلك من لوازم الردة.. ويترددون في الوقت نفسه في تكفير طواغيت المشرعين وعبيدهم، مع أن سلب الإسلام والإيمان عن تارك الكفر بالطاغوت، أولى من سلبه عن تارك الصلاة.. لأن الكفر بالطاغوت فرض يوم أن فرض، ولم يكن ثم صلاة ولا زكاة ولا غيرها.. فكان في وقت من الأوقات وحده مع الإيمان بالله والإقرار بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصماً للدم وعلامة على الإسلام والإيمان إلى حين.. ولأن الصلاة بعد فرضها أيضاً لم تصح ولا تصح أبداً إلا بتحقيق ذلك الركن العظيم وهذا معلوم بإجماع المسلمين.. فلا يسمى تارك الكفر بالطاغوت مسلماً ولا مؤمناً وإن كان معه شعبة أو شعب من الإسلام والإيمان، الصلاة وغيرها، حتى يحقق التوحيد ويكفر بالطواغيت.. بل لو جاء بجميع الشعب الإيمانية لم تنفعه ما دام قد ترك أعلى هذه الشعب وركنها وشرط صحتها كلها..
فمن هذا تعلم بطلان احتجاجهم للطواغيت المصلين!! بهذه الأحاديث كالحديث الذي يرويه مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا ما صلّوا) فأصل السؤال حول الخروج على أئمة الجور.. ومرجئة العصر تدور أعينهم من الخوف عند ذكر ذلك، ويعدونه من الفتنة وفكر الخوارج!! وإن كان في أئمة الكفر..
فذكر الصلاة هاهنا كما ذكر أهل العلم إشارة إلى إقامة الدين والتوحيد، بدليل ما تقدم من أن الصلاة لا تغني مع نقض أصل التوحيد شيئاً.. فقد يكون الرجل مصلياً مزكياً ومجاهداً ومع هذا يكفر ويحل ماله ودمه بمجرد وقوعه بناقض من نواقض "لا إله إلا الله"، ولذا قال النووي فيه: (وأما قوله: (أفلا نقاتلهم؟) قال: (لا ما صلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم والفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام) اهـ.
-ومعنى ما أقاموا فيكم الصلاة أي ما أقاموا فيكم الدين, كحديث: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحدٌ إلا كَبَّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين) [أخرجه البخاري] وحديث: ( اسمعوا وأطيعوا وإن أُمرَ عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله ودين الإسلام ) [رواه أحمد 5/411 عن أبي نضرة، وقال الهيثمي في المجمع 3/269 : رجاله رجال الصحيح] والسنة توضح بعضها بعضاً.
فهل أقام هؤلاء الحكام فينا الدين وحكموه, أم أقاموا فينا الديمقراطية ونحوها؟!
ولفظ (الصلاة) في الحديث من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل, كقوله تعالى: (قُمِ الليل إلا قليلاً) [المزمل: 2] فالمقصود بالقيام: الصلاة. واللغة لم تضع القيام لتدل على الصلاة, ولكن القيام جزء من الصلاة. والنكتة هي أن القيام هو الجزء الأطول في الصلاة, كما أن الصلاة هي الجزء الأهم والبارز في الإسلام لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ما أقاموا فيكم الصلاة). [انظر الموجز الكافي في علوم البلاغة والعروض ص 103 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الظهر يُركب بنفقته...) [ رواه البخاري ] جاء في الشرح: الظهر يعني الدابة, من إطلاق الجزء وإرادة الكل. اهـ والأمثلة على ذلك كثيرة..
وقد علمت أن الدخول إلى الإسلام ليس بالصلاة وحدها، بل لا بد قبل ذلك من (تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد)، وهذه أهم قواعد الإسلام وأجلّها، وقد علمت أن القوم قد هدموها. وماذا تُغني الصلاة والزكاة والصيام والحج وبناء المساجد وتوقيف الأوقاف وغير ذلك مما ليست الخصومة حوله، مع هدم أصل الدين ونقض كلمة الإخلاص التي لا يقبل شيء من ذلك بدونها، ولم يفرض إلا بعدها، وهي أعظم قواعد الدين التي ينهدم الدين وتغدوا الأعمال هباء منثوراً بانهدامها.. وأعني بذلك هاهنا، ابتغاء غير الله حكماً واتخاذه إلهاً ورباً مشرعاً، وإلزام الناس الدخول في دينه واتباع تشريعه المضاد لشرع الله، وتسميته بالعدالة والله يعلم وكل من هدى قلبه، أنه الكفر والشرك والضلالة، مع الصد عن دين الله، ومحاربة أولياء الله.. ثم يقال: يصلي أو يصلون..!!
يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في (مصباح الظلام) ص(328): (فمن جعل الإسلام هو الإتيان بأحد المباني فقط، مع ترك التزام توحيد الله والبراءة من الشرك فهو أجهل الناس وأضلهم) اهـ.
وهؤلاء الجهلة يقرون بأن من أنكر البعث، كفر وقتل وحل ماله ودمه وإن صلى وصام وحج وزكَّى وقال لا إله إلا الله وزعم أنه يعتقدها.. وأن من قال بنبوة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم كالبهائية والبابية ونحوهم أنهم يكفرون بذلك، وتحل أموالهم ودماءهم وإن صلوا وصاموا وحجوا وزكوا وقالوا لا إله إلا الله ألف ألف مرة..
وأن من قال بزيادة القرآن ونقصانه وخوّن الصحابة وكفّرهم وطعن في عرض المطهرة الصديقة بنت الصديق، أنه يكفر وإن صلى وصام وحج وزكى وأعطى الخمس!! وشيّد المساجد وقال لا إله إلا الله وأقسم على اعتقاده بها.
ثم إذا ذكرنا لهم كفريات طواغيتهم الصريحة ونواقضهم القبيحة، نفروا نفور الحمر، وقايسوهم بقياس فاسد متشعب الفوارق، بأئمة الجور المحكمين لشرع الله.. وقالوا: (يصلون)!! فبعداً للقوم الظالمين.