منقول من د.ماجــد كــارم صفحة شُــــــــــــبهات وردود
لقوله تعالي( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير) [الحج/-71]
جاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 399)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا } حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } للمشركين، { مِنْ نَصِيرٍ } مانع يمنعهم من عذاب الله.)اهـ
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 453)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني: حجة وبرهانا، كقوله: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون: 117 ]. ولهذا قال هاهنا: { مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال)ا هـ.
وجاء في تفسير الرازي - (ج 11 / ص 151)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فبين أن عبادتهم لغير الله تعالى ليست مأخوذة عن دليل سمعي وهو المراد من قوله : { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } ولا عن دليل عقلي وهو المراد من قوله : { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } وإذا لم يكن كذلك فهو عن تقليد أو جهل أو شبهة ، فوجب في كل قول هذا شأنه أن يكون باطلاً ، فمن هذا الوجه يدل على أن الكافر قد يكون كافراً ، وإن لم يعلم كونه كافراً ، ويدل أيضاً على فساد التقليد ).ا هـ
وهو مايقوله بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325
(قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر) ا هـ
وهو ما جاء في الدرر السنية في الكتب النجدية [2-23]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك: معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:116],)ا هـ
وهو ما قاله ابن تيميه في الصارم المسلول ج1 ص184
(و بالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك و إن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله) ا هـ
-قال تعالى"قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ" (هود:91)
فهذا عذر عدم الفهم وهو احد صور الجهل, هل هو مقبول عند الله تعالى؟
الجواب: وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (هود:94), فهؤلاء قد حل عليهم عذاب الدنيا وسيحل عليهم عذاب الآخرة.
-وقال تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (الزمر:64),
فالله تعالى يصف الكفار بالجهل وأثبته لهم ووبخهم عليه وكذلك أثبت الله تعالى وصف الجهل لأقوام الأنبياء السابقين ولم يعذرهم بذلك
فقد وصف قوم نوح عليه السلام بالجهل ,قال تعالى: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُوَاْ رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (هود:29).
ووصف قوم صالح عليه السلام بالجهل, قال تعالى: قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (الأحقاف:23).
ووصف قوم لوط عليه السلام بالجهل, قال تعالى: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (النمل:55).
وأثبت الله تعالى وصف الجهل للمشركين حتى بعد بلوغهم الدعوة وأمر رسوله عليه السلام والمسلمين بالإعراض عنهم,
قال تعالى: ُخذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف :199), وقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (الفرقان:63).
كما جاء النص صريحا على فعل الكفر بغير علم وأثبت الله تعالى لهم العذاب ولم يعذرهم بقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (لقمان:6), والعذاب المهين لا يكون إلا جزاء الكفر قال تعالى:أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً (النساء:151), وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (المجادلة:5)
وبين سبحانه وتعالى من يشرك بالله ومن ذلك سب الله تعالى إنما يكون عن جهل بقوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأنعام:108)
وقوله تعالى: وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (الأنعام:100).
وبين سبحانه وتعالى أنه لا يتوب على من مات على الكفر وأن التوبة مكانها في الحياة الدنيا أما في الآخرة فلا يعذرهم ولا يتوب عليهم , قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء:17), وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر (حديث حسن رواه الإمام أحمد وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي شيبة).
-إن العذر بالجهل في عبادة غير الله تعالى , يخالف أصل الرسالة التي بعث بها الله سبحانه وتعالى خاتم رسله عليه الصلاة والسلام وهي أنه سبحانه جعل هذه الرسالة رحمة للعالمين بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107) فإذا كان العذر ثابتا للمشرك بجهله فإن غالب المشركين جاهلون وعند دعوتهم للإسلام فإن غالبهم يرفضونه لجهلهم ويترتب عليه أن ينتفي العذر بإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام ويحق عليهم كلمة ربنا أنهم من أصحاب النار أي المخلدون فيها وهذا مناقض للرحمة إذ الرحمة تقتضي إبقاؤه على جهله رحمة به حتى يكون معذورا عند ربه ولا يكون من المعذبين وابقاء الجاهل على جهله خير له وأرحم من دعوته إن كان سيترتب على دعوته رفضه للدعوة ويتفرع على ذلك التكليف بما لا يطاق في حال ثبات التكليف بالدعوة وهو العلم المسبق بمن يقبل الدعوة ممن يرفضها وهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله وإذا علمنا من يقبل الدعوة ومن يرفضها انتفى عموم الرسالة الثابت
بقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون (سبأ:28), وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف:158)
وهذا كله تناقض وضرب الكتاب بعضه ببعض و نفي لأصل الرسالة هذا إن كان القائلون بالعذر يقصدون العذر عند الله تعالى يوم القيامة, وإن كانوا يقصدون العذر في الدنيا فهذا يستوي فيه المكلفون جميعا ومما لا خلاف فيه ويسقط قولهم بذلك , أما إذا كانوا يتكلمون بالعذر ولا يدرون متعلقه أفي الدنيا أم في الآخرة فهم ممن قال فيهم سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (الحج:8), وقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (الإسراء:36), وإذا كانوا يقصدون العذر في الدنيا والآخرة فكفى بذلك افتراءاً على الله تعالى, وإن كانوا يقصدون صورة من صور الجهل فهذا تقييد لا يُقبل إلا بنص محكم من الكتاب والسنة, لأن مسألة العذر هي من مسائل أصل الدين التي يجب أن يرد فيها نص محكم من القرآن والسنة ولا تترك للاجتهاد لأنها تتعلق بإرادة الله تعالى وأفعاله من حيث الثواب والعقاب وهذا لا يملكه إلا الله تعالى ولا يبينه إلا هو سبحانه وليس من اختصاص البشر.
فهذا كتاب الله تعالى ينطق بالحق انه لا عذر لأحد فعل الكفر ومات عليه في الآخرة ولكن من رحمته انه حكم بعذر واحد لا ثاني له وهو الإكراه فمن فعل الكفر مكرها فهذا معذور في الدنيا والآخرة قال تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل:106) , ولم يجعل الله سبحانه مطلق الإكراه وإنما قيده في نفس النص بعدم انشراح الصدر. فمن قال بالعذر سوى الإكراه فهو من المتخرصين القائلين على الله تعالى بغير علم ممن حكم الله تعالى عليه بقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (الأنعام:21)
قال تعالى ( كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) البقرة:213
قال ابن كثير في التفسير :- "قال ابن جرير ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :- كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .
قال:- وكذلك هي قراءة عبد الله ... الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحاً فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض."
وقال ابن تيمية :- "وذلك أن الناس كانوا بعد آدم وقبل نوح على التوحيد والإخلاص كما كان عليه أبوهم آدم أبو البشر حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان - بدعة من تلقاء أنفسهم - لم ينزل الله بها كتاباً ولا أرسل بها رسولاً ، بشبهات زينها الشيطان من جهة المقاييس الفاسدة والفلسفة الحائدة ، قوم منهم زعموا أن التماثيل طلاسم الكواكب السماوية والدرجات الفلكية والأرواح العلوية، وقوم اتخذوها على صورة من كان فيهم من الأنبياء والصالحين ، وقوم جعلوها لأجل الأرواح السفلية من الجن والشياطين ، وقوم على مذاهب أخر . وأكثرهم لرؤسائهم مقلدون وعن سبيل الهدى ناكبون ، فابتعث الله نبيه نوحاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهاهم عن عبادة ما سواه وان زعموا أنهم يعبدونهم ليتقربوا بهم إلى الله زلفى ويتخذونهم شفعاء ."اهـ ( مجموعة التوحيد ج 28 ص 603-604)
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب…. أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ."اهـ (فتح الباري ج8 ص 535)
انظر رحمني الله وإياك قول ابن عباس رضي الله عنهما أنها أي- الأصنام -لم تعبد في بادئ الأمر،وأن العلة في عبادتها:تنسخ العلم وانتشار الجهل ،وذلك لأن المشرك أينما كان يظن أن ما هو عليه من الديانة تقربه إلى الله زلفى،فكيف يتقرب العبد إلى الله بأمر يعتقد بطلانه؟وذلك لأن منبع ومبعث الشرك هو الاعتقاد،بخلاف المعصية فان منبعها ومبعثها الشهوة المحضة،فالزاني والسارق وشارب الخمر يعلم قبح وحرمة معصيته ولكن الشهوة العارمة تحمله على اقترافها بخلاف الذبح والنذر والدعاء والاستغاثة فإن الحامل على فعل هذه هو: الاعتقاد لا الشهوة.لذلك لن تجد عبداً يعلم قبح وحرمة الشرك وأنه يسوق صاحبه إلى الخلود في النار ويحرم عليه دخول الجنة ويحبط عمله بالكلية ثم يفعله بعد هذا قربة إلى الله.
قال تعالى ( وَلقدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ . أَن لاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللّهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (هود :25-26)
قال ابن كثير :- "يخبر الله تعالى عن نوح - وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه : - إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ أي:- ظاهر النزارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ..... وقوله إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ أي :- إن استمرريتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذاباً أليماً موجعاً شاقاً في الدار الآخرة. "اهـ
وبهذا يظهر فقه ابن عباس رضي الله عنهما عندما علل وقت اقتراف الشرك في قوم نوح بتنسخ العلم ، فقال :- "فلم تعبد ( أي الأصنام ) حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ."فهؤلاء القوم كانوا بداية على التوحيد ومن نسل موحد ثم دب فيهم الشرك بنوع من الجهل والتأويل ، وتخرصاً وحسباناً أنه يقربهم إلى الله زلفى ، بدعة من تلقاء أنفسهم لم ينزل الله بها من سلطان، فأصبحوا مشركين ، فعند هذا بعث الله إليهم نوحاً بشيراً ونذيراً ليقيم الحجة الموجبة للعذاب في الدارين لمن خالفها.
وما يقال في قوم نوح يقال في كل أمة بين رسولين ، لأن الرسل ترسل لأقوامهم- المشركين الجاهلين- بالإسلام،فيكفر بهم أكثر أقوامهم،ويؤمن لهم من وفقه الله للهداية ثم يفصل الله بينهم وبين أقوامهم،ويبقى الموحدون بعد هلاك الكفار بالرسالات ثم يمكثوا ما شاء الله لهم على التوحيد،حتى إذا تنسخ العلم لديهم دب فيهم الشرك وأتوا من قبل جهلهم وتخرصهم على ربهم بغير سلطان لديهم من الله،فعند هذا يبعث الله رسولاً ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ومن الشرك إلى التوحيد،ومن الجهل إلى العلم ،ويتوعدهم بالعذاب في الدارين إن استمروا على شركهم وكفرهم بعد الحجة الرسالية .وهذا لقوله تعالى: رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُل ِ النساء :165.
ومن هذا يعلم :- أن اسم المشرك ثابت قبل بلوغ الرسالة ، أما العذاب في الدارين فلا يكون إلا بعدها.
قال ابن تيمية :- "وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه ....إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (هود :50 ) فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلهاً آخر. فإسم المشرك ثبت قبل الرسالة ، فانه يشرك بربه ويعدل به ويجعل معه آلهة أخرى ويجعل له أنداداً قبل الرسالة ، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ، وكذلك اسم الجهل والجاهلية ، يقال جاهلية وجاهلاً قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا ، والتولي عن الطاعة كقوله : فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى . وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (القيامة:31-32) فهذا لا يكون إلا بعد الرسول."اهـ (مجموع الفتاوي ج20 ص37)
قال تعالى (وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَمِنَ الْمُؤْمِنِين)
(القصص :47)
قال الطبري :
ــــــــــــــــــ
"- يقول تعالى ذكره :- ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا محمد إليهم لو حل بهم بأسنا أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إليهم على كفرهم بربهم واكتسابهم الآثام واجتراحهم المعاصي :- ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من قبل أن يحل بنا سخطك وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك وآي كتابك الذي تنزله على رسولك ونكون من المؤمنين بألوهيتك المصدقين رسولك فيما أمرتنا ونهيتنا . لعاجلناهم العقوبة على شركهم من قبل ما أرسلناك إليهم ، ولكنا بعثناك إليهم نذيراً على كفرهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ."
وقال ابن كثير :
ـــــــــــــــــــــ
"أي وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولينقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ."
وقال البغوي : "وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ عقوبة ونقمة بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الكفر والمعصية ، رَبّنَا لَوْلآ هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وجواب لولا محذوف أي:- لعاجلناهم بالعقوبة . يعني :- لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم ، وقيل :- معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ، ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ."
قلت : فهذه الآية الكريمة تبين أنه قبل البعثة والرسالة المحمدية كان وصف الشرك ثابتاً على من أشرك بالله ، ولكن قضية عذابهم على هذا الشرك تحتاج إلى إرسال الرسول وإقامة الحجة بالقرآن ليقطع عذرهم بالعذاب . ومع هذا فقد اتفق السلف على أنهم قبل إقامة الحجة مشركون كافرون غير مسلمين ، إلا أنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية على خلاف بينهم في هذا الأخير .
________________
قال شيخ الاسلام فى كتابه درء تعارض العقل والنقل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"أو تقولوا إنما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون "سورة الاعراف 173
ذكر لهم حجتين يدفعهما هذا الاشهاد إحداهما أن تقولوا انا كنا عن هذا غافلين فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته وذلك يتضمن حجة الله في ابطال التعطيل وان القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل والثاني أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فهذا حجة لدفع الشرك كما أن الأول حجة لدفع التعطيل فالتعطيل مثل كفر فرعون ونحوه والشرك مثل شرك المشركين من جميع الأمم وقوله أو تقولوا إنما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون وهم آباؤنا المشركون وتعاقبنا بذنوب غيرنا وذلك لأنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذى الرجل حذو ابيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ولهذا كان ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية ولم يكن في فطرتهم وعقولهم ما يناقض ذلك قالوا نحن معذورون وآباؤنا هم الذين اشركوا ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم فإذا احتجوا بالعادة الطبيعة من اتباع الاباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذه العادة الابوية كما قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فكانت الفطرة الموجبة للاسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة
في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا
(أى بدون الرسول)وهذا لا يناقض قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا سورة الاسراء 15 فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن أن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن اقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك وان هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة اني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لابي المشرك دونى لانه عارف بان الله ربه لا شريك له فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الاشراك بل قام به ما يستحق به العذاب ثم أن الله بكمال رحمته واحسانه لا يعذب أحدا الا بعد ارسال رسول اليهم وان كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث اليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب.
والرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث اليهم رسولا
"درء تعارض العقل والنقل ج8 "
هذا الكلام من شيخ الاسلام يرد على من قال ان المشرك لو وقع فى الشرك فهو معذور لجهله وأنه لايخرج من الاسلام حتى تقام عليه الحجة
______________