كتبه : أبو عبد الله محمد محمد القلال .
في غرة محرم الحرام في سنة 1430 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم .
بنغازي ـ ليبيا
النهي عن القعود في مجالس الكفر والمنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين صلاةً وسلاماً دائمين أبداً إلى يوم الدين
اللهم لا سهل إلاّ ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.
وبعــد:
فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة والنقولات من السلف الصالح عن مسألة القعود في مجالس الكفر والمنكر ، نسأل الله العلي القدير أن تنفع من يقرأها ويتدبرها لتكون له عوناً ومخرجاً من فتن هذا الزمان ؛ ونسأله أن يتقبل هذا الجهد ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وابتغاءاً لمرضاته وأن يؤلف به القلوب ويشرح به الصدور، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى اللّهم وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
وأود أن أبين قبل الشروع في المقصود بعون الخالق المعبود بأن النهي بحسب المجلس الذي يكون فيه المكلف ، وهي ثلاث مجالس ، إماّ مجالس كفر، أو مجالس محرمة، أو مكروهة.
فأما الأولى : وهي مثل مجالس الكفر والاستهزاء بجميع أنواعها.فهذه المجالس لا يجوز للمسلم أن يقعد فيها إلاّ في حالة الإكراه أو أن ينكر، أو يقوم من المجلس إذا صادف ذلك في حضوره، وإلاّ فحكمه كحكم من سمع منه الكفر والاستهزاء .
وأما الثانية: فهي مجالس الحرام كالغناء والغيبة والنميمة والكذب وشرب الخمر والميسر والبدع المحرمة...الخ. فهذه المجالس يأثم المسلم بالبقاء فيها ويقع في الحرام وينبغي عليه أن ينكر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، أو يقوم من المجلس .
وأما الثالثة : فهي كالمجالس التي تكون فيها الصور والنقوش، وستائر الحرير، وأكواب وأواني الذهب والفضة، والتماثيل وما في حكمها. فهذه المجالس لا يقع فيها المسلم في الكفر أو الحرام ، ولكن يستحب له تركها تورعاً لدينه .
ثم نأتي للرد بعون الله تعالى وتوفيقه :
( الفصل الأول )
بيان معنى بعض الألفاظ كمدخل بين يدي المسألة
أولاً: معنى القعود في اللغة :
جاء في مختار الصحاح للرازي:
ق ع د قعد من باب دخل و مقعداً أيضاً بالفتح أي جلس. أ هـ
مختار الصحاح ج1/ص227
وفي المصباح المنير للرافعي:
يقال لمن هو قائم اقعد وقد يكون جلس بمعنى قعد يقال جلس متربعاً و قعد متربعاً وقد يفارقه ومنه جلس بين شعبها أي حصل وتمكن إذ لا يسمى هذا قعوداً فإن الرجل حينئذ يكون معتمداً على أعضائه الأربع ويقال جلس متكئاً ولا يقال قعد متكئاً بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين وقال الفارابي وجماعة الجلوس نقيض القيام فهو أعم من القعود وقد يستعملان بمعنى الكون والحصول فيكونان بمعنى واحد ومنه يقال جلس متربعاً و جلس بين شعبها أي حصل وتمكن و الجليس من يجالسك فعيل بمعنى فاعل و المجلس موضع الجلوس والجمع المجالس وقد يطلق المجلس على أهله مجازاً تسمية للحال باسم المحل يقال اتفق المجلس . أ هـ
المصباح المنير ج1/ص105
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة:
( قعد )القاف والعين والدال أصل مطرد من قاس لا يخلف وهو يضاهي الجلوس وإن كان يتكلم في مواضع لا يتكلم فيها بالجلوس يقال قعد الرجل يقعد قعوداً والقعدة المرة الواحدة والقعدة الحال حسنة أو قبيحة في القعود ورجل ضجعة قعدة كثير القعود والاضطجاع والقعيدة قعيدة الرجل امرأته قال لكن قعيدة بيتها مجفوة
باد جناجن صدرها وبها جنا
وامرأة قاعدة إن أردت القعود وقاعد عن الحيض والأزواج والجمع قواعد قال الله تعالى: ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً )
مقاييس اللغة ج5/ص108
وقد يأتي القعود بمعنى الجلوس والبقاء والتربص والإنتظار في مكان المنكر لا بمعنى القعود المحض أي البقاء مع من يقومون بأي نوع من أنواع المنكر دون الإنكار عليهم أو تركهم ، ولأن آية الأعراف استنبط منها كثيرٌ من المفسرين النهي عن قطع الطريق وأخذ أموال الناس بالقوة والصد عن سبيل الله ، وقطع الطريق والصد عن سبيل الله لاريب بأن صاحبه لايكون جالساً .
قال الله تعالى : ( وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ) الأعراف86
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
ينهاهم شعيب عليه السلام عن قطع الطريق الحسي والمعنويبقوله ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم قال السدي وغيره : كانوا عشارين ، وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ) أي تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه والأول أظهر لأنه قال ( بكل صراط ) وهو الطريق وهذا الثاني هو قوله ( وتصدون عن سبيل الله من آمن به تبغونها عوجاً ) أي وتودون أن تكون سبيل الله عوجاً مائلة . أ هـ ( التفسير ج 3 ص 197 )
ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله في فتح القدير :
ولا تقعدوا بكل صراط توعدون"الصراط الطريق: أي لا تقعدوا بكل طريق توعدون الناس بالعذاب، قيل: كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه، ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم، وقيل: المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها، وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة، ويؤيده "وتصدون عن سبيل الله من آمن به"وقيل: المراد بالآية النهي عن قطع الطريق وأخذ السلب، وكان ذلك من فعلهم، وقيل: إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس فنهوا عن ذلك . والقول الأول أقربها إلى الصواب مع أنه لا مانع من حمل النهي على جميع هذه الأقوال المذكورة . أ هـ
( فتح القدير للشوكاني ج 3 ص48 )
ثانياً ـ معرفة معنى الكفر لغةً وشرعاً.
أ ـ معنى الكفر لغةً : فهو بمعنى التغطية والستر، جاء في مختار الصحاح: و( الكافر ) الليل المظلم لأنه ستر بظلمته كل شيء. وكل شيء غطى شيئاً فقد
( كفره ) قال ابن السكيت: ومنه سمي ( الكافر) لأنه يستر نعم الله عليه . والكافر الزَّارع لأنه يُغطي البذر بالتراب و( الكفار) الزَّراع . ( مختار الصحاح فصل الكاف باب الفاء ص547 )
وقال تعالى : ( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ) أي أعجب الزرَّاع نباته .
ب ـ معنى الكفر كما جاء في الشريعة: فالكفر ضد الإيمان، وهو بمعنى الجحود، قال تعالى: ( إنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ) أي جاحدون. وقوله تعالى : ( فَأَبَى الظَّالِمُون إِلاَّ كُفُوراً ) أي إلاّ جحوداَ .
والجحود يتضمن من الفاعل الإباء الاستكبار والعناد ، كقوله تعالى عن إبليس لعنه الله : (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )، أي كان من الجاحدين .
قال ابن كثير رحمه الله : وقد كان في قلب إبليس من الكبرـ والكفر ـ والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس .أ هـ التفسير ج1 ص135 .
وللكفر أيضاً أنواع ومنها كفر التكذيب والجهل، وكفر الشك والريبة وكفر الإعراض، وغيرها كما جاء ذكرها في القرآن الكريم .
ثالثاً ـ معنى لفظ الآية لغةً وشرعاَ.
فمعنى الآية في اللغة هي العلامة قال الله تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ )ومعنى الآية في هذه الآية الكريمة أي العلامة ، أي علامة ملكه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن أنيس حين قَتَل خالد بن نبيح الهذلي فأعطاه عصا ـ : ( هذه آية بيني وبينك يوم القيامة )أي علامة بيني وبينك يوم القيامة .
وفي الشريعة فالآية هي المعجزة والدليل والحجة والبرهان والعبرة .
وتأتي على عدة معاني ، فالأول : بمعنى آيات القرآن الكريم التي نتعبد لله بتلاوتها ، وهنا تأتي بمعنى الدليل والحجة والبرهان والمعجزة ، قال تعالى : (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ) الرعد 1 .
والثاني : بمعنى الآيات الكونية وجميع ما خلق الله تعالى وهنا تأتي بمعنى الدليل والحجة والبرهان والمعجزة ، قال جل ذكره :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) آل عمران 190 .
وبمعنى الحجة خاصة ، كقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الشعراء 197 . أي حجة .
والثالث : بمعنى معجزات الأنبياء ، قال تعالى ذكره : (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الأعراف 73 .
والرابع : عذاب الله للمكذبين والكافرين من الأمم وهنا تأتي بمعنى العبرة ، قال تعالى ذكره :
( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ () إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ) هود 102 ـ 103 .
رابعاً ـ معنى السمع والإستماع.
جاء في مختار الصحاح باب السين فصل العين :
س م ع ـ ( السمع ) سمع الإنسان يكون واحداً وجمعاً كقوله تعالى : ( خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) لأنه في الأصل مصدر قولك ( سَمِعَ ) الشيء بالكسر ( سَمْعاً ) و ( سَماعاً ) وقد يُجمعَ على ( أسْماع ) وجمع الأسماع ( أسامع ) . وفعله رياءً و ( سُمعةً ) أي ليراه الناس وليسمعوا به . و ( استمع ) له أي أصغى . أ هـ باختصار من مختار الصحاح للرازي ص 314
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
( والسمع يراد به إدراك الصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به القبول والاجابةوالثلاثة في القرآن فمن الأولقوله: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) وهذا اصرح ما يكون في إثبات صفة السمع ذكر الماضي والمضارع واسم الفاعل سمع ويسمع وهو سميع وله السمع كما قالت عائشة رضى الله عنها الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله وأنا في جانب البيت وأنه ليخفى على بعض كلامها فأنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها والثانيسمع الفهم كقوله ولو علم الله فيهم خيراً لاسمعهم أي لافهمهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون لما في قلوبهم من الكبر والإعراض عن قبول الحق ففيهم آفتان إحداهما أنهم لا يفهمون الحق لجهلهم ولو فهموه لتولوا عنه وهم معرضون عنه لكبرهم وهذا غاية النقص والعيب والثالثسمع القبول والاجابة كقوله تعالى لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم أي قابلون مستجيبون ، ومنه قوله سماعون للكذب أي قابلون له مستجيبون لأهله ، ومنه قول المصلى سمع الله لمن حمده أي أجاب الله حمد من حمده ودعاء من دعاه وقول النبي إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم أي يجيبكم .. ) أ هـ
( مفتاح دار السعادة لابن القيم ص 79ومابعدها )
والإستماع هو أبلغ من السماع وهو بمعنى الإصغاء ـ كما تقدم ـ وهو الذي يقع فيه لامحالة كل مع جلس في مجالس الكفر والمعصية وهو موضوع حديثنا في هذا البحث .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح :
قوله باب الاستماع : أي الإصغاء للسماع فكل مستمع سامع من غير عكس. أ هـ
( فتح الباري ج 2 ص 407 )
وهذا أيضاً مابيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:
أن المحرم هو الاستماع لا السماعفالرجل لو يسمع الكفر والكذب والغيبة والغناء والشبابة من غير قصد منه بل كان مجتازاً بطريق فسمع ذلك لم يأثم بذلك باتفاق المسلمين ولو جلس واستمعإلى ذلك ولم ينكره لا بقلبه ولا بلسانه ولا يده كان آثماً باتفاق المسلمين كما قال تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون، وقال تعالى وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرهم إنكم إذا مثلهم، فجعل القاعد المستمع من غير إنكار بمنزلة الفاعل... أ هـ
( مجموع الفتاوى ج30 ص 213 )
( الفصل الثاني )
بيان النهي في القعود مع الكافرين حال كفرهم واستهزائهم بآيات الله أوخوضهم في أي نوع من أنواع المنكر من أدلة القرآن الكريم ، والسنة ، وإجماع الصحابة، والسيرة النبوية، وأصول الفقه ، واللغة العربية .
أولاً:بيان النهي من القرآن الكريم عن القعود مع الكافرين حال كفرهم واستهزائهم بآيات الله وأقوال الأئمة والمفسرين في ذلك:
أولاًـ تفسير الآية140 من سورة النساء:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }
يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله:
وقد نزل عليكم في الكتاب يقول أخبر من اتخذ من هؤلاء المنافقين الكفار أنصاراً وأولياء بعد ما نزل عليهم من القرآن أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره يعني بعد ما علموا نهى الله عن مجالسة الكفار الذين يكفرون بحجج الله وآي كتابه ويستهزئون بها حتى يخوضوا في حديث غيره يعني بقوله يخوضوا يتحدثوا حديثاً غيره بأن لهم عذاباً أليماً .
وقوله إنكم إذاً مثلهم يعني وقد نزل عليكم أنكم إن جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثله يعني فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلهم في فعلهم لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها كما عصوه باستهزائهم بآيات الله فقد أتيتم من معصيةالله نحو الذي أتوه منها فأنتم إذا مثلهم في ركوبكم معصية الله وإتيانكم ما نهاكم الله عنه
وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم .
وبنحو ذلك كان جماعة من الأمة الماضية يقولون تأولاً منهم هذه الآية إنه مراد بها النهي عن مشاهدة كل باطلعند خوض أهله فيه
ذكر من قال ذلك حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي عن أبي وائل قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليهم
قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال صدق أبو وائل أو ليس ذلك في كتاب الله أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم .
حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا عبد الله بن إدريس عن العلاء بن المنهال عن هشام بن عروة قال أخذ عمر بن عبد العزيز قوما على شراب فضربهم وفيهم صائم فقالوا إن هذا صائم فتلا : ( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) . أ هـ تفسير الطبري ج5/ص330
ويقول الإمام السمرقندي رحمه الله في تفسيره :
ثم قال عز وجل وقد نزل عليكم في الكتاب وذلك أن المشركين بمكة كانوا يستهزئون بالقرآن فنهى الله تعالى المسلمين عن القعود معهموهو قوله وإذا رأيت الذين يخوضون في ءاياتنا فأعرض عنهم إلى قوله فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين . الأنعام 68، فامتنع المسلمون عن القعود معهمفلما قدموا المدينة كانوا يجلسون مع اليهود والمنافقين وكان اليهود يستهزئون بالقرآن فنزل فقد نزل عليكم في الكتاب يعني في سورة الأنعام أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها يعني يجحد بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم يعني فلا تجلسوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره يعني حتى يأخذوا في كلام آخر .
ثم قال إنكم إذاً مثلهم يعني لو جلستم معهم كنتم معهم في الوزر وفي هذه الآية دليل أن من جلس في مجلس المعصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية أو عملوا بها فإن لم يقدر بأن ينكر عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآيةوروى جو يبر عن الضحاك أنه قال دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة قرأ عاصم وقد نزل عليكم بنصب النون والزاي وقرأ الباقون بضم النون وكسر الزاي على معنى فعل ما لم يسم فاعله .
ثم قال تعالى : إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ، يعني إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم فبدأ بالمنافقين لأنهم أشد من الكفار وجعل مأواهم جميعا النار وقال الكلبي رواية في قوله تعالى فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره نسخ بقوله تعالى وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء الأنعام 69وقال عامة المفسرين إنها محكمة وليست بمنسوخة . أ هـ
تفسير السمرقندي ج1/ص374 .
ويقول الإمام الو احدي رحمه الله في تفسيره :
وقد نزل عليكم أيها المؤمنون في الكتاب في القرآن أن إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بهافلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غير الكفر والاستهزاء يعني قوله في سورة الأنعام: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) الآية هذه كانت مما نزل عليهم في الكتاب وقوله: (إنكم إذاً مثلهم ) يعني إن قعدتم معهم راضين بما يأتون من الكفر بالقرآن والاستهزاء بهوذلك أن المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن فنهى الله سبحانه المسلمين عن مجالستهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً يريد أنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بالآيات يجتمعون في جهنم على العذاب . أ هـ تفسير الو احديج1/ص296.
ويقول الإمام الألوسي رحمه الله في تفسيره :
أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وذلك قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آيتنا فأعرض عنهم الآية وهذا يقتضي الانزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم و أن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدّر أي أنه إذا سمعتم وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أي أنكم وكون المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلاّ لضرورة كما قال أبو حيان في حيز المنع وقد صحح غير واحد جواز ذلك من غير ضرورة والجملة الشرطية خبر وهى تقع خبراً في كلام العرب و أن وما بعدها في موضع النصب على أنه مفعول به لنزل وهو القائم مقام الفاعل على القراءة الثانية واحتمال أنه يجعل القائم مقامه عليكم وتكون أن مفسرة لأن التنزيل في معنى القول لا يلتفت إليه و يكفر بها ويستهزأفي موضع الحال من الآيات جيء بهما لتقييد النهى عن المجالسة فإن قيد القيد قيدوالمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها والضمير في معهم للكفرة المدلول عليهم بـ يكفر ويستهزأ والضمير في غيره راجع إلى تحديثهم بالكفر والاستهزاء .أ هـ
روح المعاني للألوسي ج5ص172.
ويقول العلامة الزمخشري رحمه الله :
( فلا تقعدوا معهم )
إلى من يرجع قلت : إلى من دل عليه
يكفر بها ويستهزأ بها .
كأنه قيل فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها
فإن قلت لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض قلت لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين والراضي بالكفر كافر . أ هـ
( الكشاف ج1ص612 )
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ ويتنقص بها وأقررتموهم على ذلك ، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه ، فلهذا قال تعالى : ( إنكم إذاَ مثلهم )، كما جاء في الحديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ) والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ) ؛ قال مقاتل بن حيان : نسخت هذه الآية التي في سورة الأنعام ، يعني نسخ قوله تعالى ( إنكم إذاَ مثلهم ـ لقوله ـ وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون . وقوله : ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الغسلين لا الزلال .
تفسير ابن كثير ج2 ص415 ـ 416 .
ويقول الإمام البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
وقد نزل عليكم في الكتاب"، قرأ عاصم ويعقوب"نزل"بفتح النول والزاي:أي: نزل الله ، وقرأ الآخرون "نزل"بضم النون وكسر الزاي،أي: عليكم يا معشر المسلمين،"أن إذا سمعتم آيات الله"يعني القرآن،"يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم"، يعني : مع الذين يستهزئون ، "حتى يخوضوا في حديث غيره"،أي: يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وهذا إشارة إلى ما أنزل الله في سورة الأنعام "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ). وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة ،"إنكم إذا مثلهم"،أي:إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ورضيتم به فأنتم كفار مثلهم ،وإن خاضوا في حديث غيره فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة ، وقال الحسن : لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره، لقوله تعالى:"وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"، والأكثرون على الأول ،وآية الأنعام مكية وهذه مدنية والمتأخر أولى :"إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً . أ هـ
( تفسير البغوي ج2 ص 103 )
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله :
الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من محق ومنافق؛ لأنه إذا أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل أوامر كتاب الله.
فالمنزل قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخرون من القرآن. وقرأ عاصم ويعقوب ( وقد نزل ) بفتح النون والزاي وشدها ؛ لتقدم اسم الله جل جلاله في قوله تعالى : ( فإن العزة للهِ جميعاً ) وقرأ حُميد كذلك ، إلاّ أنه خفّف الزاي . الباقون ( نزِّل ) غير مسمى الفاعل . ( أن إذا سمعتم آيات الله ) موضع ( أن إذا سمعتم ) على قرأة عاصم ويعقوب نصب بوقوع الفعل عليه . وفي قرأة الباقين رفع ؛ لكونه اسم مالم يسم فاعله ( يكفر بها ) أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات الله؛ فأوقع السماع على الآيات ، والمراد سماع الكفر والاستهزاء؛ كما تقول سمعت عبد الله يُلام ، أي سمعت اللوم في عبد الله .
قوله تعالى : ( إنكم إذاً مثلهم ) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا أظهر منهم منكر ؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر ؛ قال عز وجل : ( إنكم إذاً مثلهم ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ؛ فإن لم يقدر على النكير فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، أنه أخذ قوماً يشربون الخمر ، فقيل له عن أحد الحاضرين : إنه صائم ، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية ( إنكم إذاً مثلهم ) أي الرضا بالمعصية معصية ؛ ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم . وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة ؛ كما قال :
* فكل قرين بالمقارن يقتدي *
وقد تقدّم . وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينّا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى. وقال الكلبي: قوله تعالى ( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره ) نسخ بقوله تعالى: ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ). وقال عامة المفسرين : هي محكمة. وروى جويبر عن الضحاك قال : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة . أ هـ
( أحكام القرآن للقرطبي ج 5 ص 417 ـ 418 ط دار الشام )
ويقول الإمام ابن الفرس الغرناطي رحمه الله :
( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) الآية استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي وأهل الأهواء إذا ظهر ذلك منهم .أ هـ
( أحكام القرآن لابن الفرس الغرناطي سورة النساء الآية140 ص330 )
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الاستقامة:
وقد قال تعالى: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون ) فقد أمر سبحانه بالإعراض عن كلام الخائضين في آياته ونهى عن القعود معهم فكيف يكون استماع كل قول محموداً وقال تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيا ت الله يكفر بها ويستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) سورة النساء، فجعل الله المستمع لهذا الحديث مثل قائله. أ هـ ( الاستقامة ص 217 )
ويقول العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية :
"وقد نزل عليكم في الكتاب"الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق، لأن من أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزله الله، وقيل: إنه خطاب للمنافقين فقط كما يفيده التشديد والتوبيخ. وقرأ عاصم ويعقوب "نزل"بفتح النون والزاي وتشديدها، وفاعله ضمير راجع إلى اسم الله تعالى في قوله "فإن العزة لله جميعاً"وقرأ حميد بتخفيف الزاي مفتوحة مع فتح النون، وقرأ الباقون بضم النون مع كسر الزاي مشددة على البناء للمجهول. وقوله "أن إذا سمعتم آيات الله"في محل نصب على القراءة الأولى على أنه مفعول نزل. وفي محل رفع على القراءة الثانية على أنه فاعل، وفي محل رفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله على القراءة الثالثة. وأن هي المخففة من الثقيلة، والتقدير أنه إذا سمعتم آيات الله. والكتاب: هو القرآن. وقوله "يكفر بها ويستهزأ بها"حالان : أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات الله فأوقع السماع على الآيات والمراد سماع الكفر والاستهزاء. وقوله "فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"أي: أنزل عليكم في الكتاب أنكم عند هذا السماع للكفر والاستهزاء بآيات الله لا تقعدوا معهم ما داموا كذلك حتى يخوضوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بها. والذي أنزل الله عليهم الكتاب هو قوله تعالى "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"وقد كان جماعة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود حال سخريتهم بالقرآن واستهزائهم به فنهوا عن ذلك. وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية، كما يقع كثيراً من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه بكذا، وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه ولم يرفعوا إلى ما قاله رأساً ولا بالوا به بالة وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه الفائل، واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل، مقدماً على الله وعلى كتابه وعلى رسوله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ما صنعت هذه المذاهب بأهلها والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم براء من فعلهم، فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة بـ[القول المفيد في حكم التقليد] وفي مؤلفنا المسمى بـ[أدب الطلب ومنتهى الأرب] اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار، يا مجيب السائلين. قوله "إنكم إذا مثلهم"تعليل للنهي: أي إنكم إن فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر. قيل: وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل: وكل قرين بالمقارن يقتدي وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلمإلاّ ما يروى عن الكلبي فإنه قال : هي منسوخة بقوله تعالى "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"وهو مردود فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها.قوله "إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً"هذا تعليل لكونهم مثلهم في الكفر، قيل: وهم القاعدون والمقعود إليهم عند من جعل الخطاب موجهاً إلى المنافقين. أ هـ
( فتح القدير ج 2 سورة النساء الآية 140 )
ويقول أبي السعود رحمه الله في تفسيره إرشاد العقل السليم :
أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وذلك قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم الآية وهذا يقتضى الانزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم وأن هي المخففة من أن وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف والجملة الشرطية خبرها وقوله تعالى يكفر بها حال من آيات الله وقوله تعالى ويستهزأ بها عطف عليه داخل في حكم الحاليةوإضافة الآيات إلى الاسمالجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها أي نزل عليكم في الكتاب أنه إذا سمعتم آيات الله مكفوراً بها ومستهزأ بها وفيه دلالة على أن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وإن خوطب به خاصة منزل على الأمة وأن مدار الإعراض عنهم هو العلم بخوضهم في الآيات. أ هـ
( تفسير أبي السعود ج2/ ص 244 )
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
وأولىمراتب النفاق أن يجلس المؤمن مجلساَ يسمع فيه آيات الله يكفر بها ويستهزأبها,فيسكت ويتغاضى . . يسمي ذلك تسامحاَ , أو يسميه دهاء , أو يسميه سعة صدر وأفقوإيماناًبحرية الرأي !!! وهي هي الهزيمة الداخليةتدب في أوصاله ; وهو يموه علىنفسهفي أول الطريق, حياء منه أن تأخذه نفسه متلبساً بالضعف والهوان !
إنالحمية لله , ولدين الله , ولآيات الله . هي آية الإيمان . وما تفتر هذهالحميةإلاّ وينهار بعدها كل سد ; وينزاح بعدها كل حاجز, وينجرف الحطام الواهي عنددفعةالتيار. وإن الحمية لتكبت في أول الأمر عمداً . ثم تهمد . ثم تخمد . ثم تموت !
فمنسمع الاستهزاء بدينه في مجلس, فإما أن يدفع, وإما أن يقاطع المجلس وأهله.فأماالتغاضي والسكوت فهو أول مراحل الهزيمة. وهو المعبر بين الإيمان والكفر علىقنطرةالنفاق !
وقدكان بعض المسلمين في المدينة يجلسون في مجالس كبار المنافقين ـ ذوي النفوذ ـوكانما يزال لهم ذلك النفوذ. وجاء المنهج القرآني ينبه في النفوس تلك الحقيقة . .حقيقةأن غشيان هذه المجالس والسكوت على ما يجري فيها,هو أولى مراحل الهزيمة .وأرادأن يجنبهم إياها . . ولكن الملابسات في ذلك الحين لم تكن تسمح بأن يأمرهمأمرابمقاطعة مجالس القوم إطلاقاً. فبدأ يأمرهم بمقاطعتها حين يسمعون آيات اللهيكفربها ويستهزأ بها . . . وإلا فهو النفاق . . وهو المصير المفزع, مصيرالمنافقينوالكافرين:
وقدنزل عليكم في الكتاب : أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها , فلاتقعدوامعهم , حتى يخوضوا في حديث غيره . إنكم إذا مثلهم . إن الله جامع المنافقينوالكافرينفي جهنم جميعًا . . .
والذيتحيل إليه الآية هنا مما سبق تنزيله في الكتاب , هو قوله تعالى في سورةالأنعام ـ وهي مكية ـ ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فيحديثغيره ). .
والتهديدالذي يرتجف له كيان المؤمن :
( إنكم إذا مثلهم ). .
والوعيدالذي لا تبقى بعده بقية من تردد :
إنالله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا . .
ولكنقصر النهي على المجالس التي يكفر فيها بآيات الله ويستهزأ بها , وعدم شمولهلكلعلاقات المسلمين بهؤلاء المنافقين , يشي ـ كما أسلفنا ـ بطبيعة الفترة التيكانتتجتازها الجماعة المسلمة ـ إذ ذاك ـ والتي يمكن أن تتكرر في أجيال أخرى وبيئاتأخرىـكما تشي بطبيعة المنهج في أخذ الأمر رويداً رويداً ; ومراعاة الرواسب والمشاعروالملابساتوالوقائع . . في عالم الواقع . . مع الخطو المطرد الثابت نحو تبديل هذاالواقع! . أ هـ
( في ظلال القرآن ج3 ص 268 وما بعدها )
.ويقول الشيخ الصابوني في تفسيره صفوة التفاسير:
أي نزل عليكم في القرآن، والخطاب لمن أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق ( أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ) أي أنزل عليكم أنه إذا سمعتم القرآن يكفر به الكافرون ويستهزئ به المستهزئون ( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) أي لا تجلسوا مع الكافرين الذين يستهزئون بآيات الله حتى يتحدثوا بحديث آخر ويتركوا الخوض في القرآن ( إنكم إذاً مثلهم ) أي إنكم إن قعدتم معهم كنتم مثلهم في الكفر ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ) أي يجمع الفريقين الكافرين والمنافقين في الآخرة في نار جهنم لأن المرء مع من أحب، وهذا الوعيد منه تعالى للتحذير من مخالطتهم ومجالستهم . أ هـ
(صفوة التفاسير للصابوني ج1 ص 312 ط دار الصابوني )
ويقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله في بعض الأدلة الدالة على مقاطعة الكفار والمشركين :
الأمر الرابع : الجلوس عند المشركين في مجالس شركهم من غير إنكار والدليل قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } وفي أجوبة آل الشيخ رحمهم الله تعالى: لما سئلوا عن هذه الآية، وعن قوله صلى الله عليه وسلم: ( من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله ) قالوا: الجواب أن الآية على ظاهرها، أن الرجل إذا سمع شيئاً آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ، فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله من غير إكراه و لا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فهو كافر مثلهم ، وإن لم يفعل فعلهم، لأن ذلك يتضمن الرضا بالكفر، والرضا بالكفر كفر.
وبهذه الآية ونحوها استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله، فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه، لأن الحكم بالظاهر، وهو قد أظهر الكفر فيكون كافراً. أ هـ
( مجموعة التوحيد رسالة بيان النجاة الفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك ص276 ط دار الإسلام )
تنبيـه:
الإنكار القلبي للمنكر له ترجمة عملية وهي الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل، أي هجرة أهل المنكر وعدم البقاء معهم حال خوضهم في المنكر، وليس كما يظنه كثير من الناس هو مجرد عدم محبتك لذلك المنكر..!!
فإن قال قائل: لا بل الجالس معهم قد لا يكون راضياً بالكفر وقت خوضهم فيه، فنقول له: علامة عدم الرضا الإنكار على من سمع منه المنكر وإلاّ فالسامع مثل القائل.
وفي هذا يقول العلامة الزمخشري رحمه الله: فإن قلت لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض قلت لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين والراضي بالكفر كافر . أ هـ ( الكشافج1ص612 )
ويقول القرطبي رحمه الله :
لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر ؛ قال عز وجل : ( إنكم إذاً مثلهم ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ؛ فإن لم يقدر على النكير فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية .
أحكام القرآن للقرطبي ج 5 ص 417 ـ 418 ط دار الشام.
ويقول أيضاً في تفسيره لسورة المائدة قوله تعالى: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )المائدة79. قال ابن عطية: الإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأَمِنَ الضرر على نفسه وعلى المسلمين ، فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المـنكر ولا يخالطه ].. أ هـ
( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6/ص253 )
ثانياًـ تفسير الآية 72 من سورة الفرقان ، قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }
قال الإمام القرطبي رحمهالله في أحكام القرآن:
فيه مسألتان الأولى قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرونالكذب والباطل ولا يشاهدونهوالزور كل باطل زور وزخرف وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد وبه فسر الضحاك وبن زيد وبن عباس وفي رواية عن بن عباس أنه أعياد المشركين.. أ هـ
تفسير القرطبي ج13/ص79
ويقول رحمه الله في قوله تعالى: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }
: أي مروا مر الكرام الذين لا يدخلون في الباطل يقال تكرم فلان عما يشينه أي تنزه وأكرم نفسه عنه وروي أن عبد الله بن مسعود سمع غناء فأسرع وذهب فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( لقد أصبح بن أم عبد كريماً )وقيل من المرور باللغو كريماً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.أ هـ
تفسير القرطبي ج13/ص81
وقال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره:
( والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرونالزور أي القول والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالسالمشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحو ذلك وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية. أ هـ
تفسير السعدي ج1/ص58
ويقول أيضاً في تفسير قوله تعالى:
( وإذا مروا باللغو ) إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه. أ هـ
تفسير السعدي ج1/ص587
وقال شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }
قال أبو جعفر وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل ويدخل فيه الغناء لأنه أيضاً مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه والكذب أيضاً قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه حتى يظن صاحبه أنه حق فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور،فإذا كان ذلك كذلك فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل لا شركاً ولا غناءً ولا كذباً ولا غيرهوكل ما لزمه اسم الزور لأن الله عم في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلاّ بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. أ هـ تفسير الطبري ج19/49
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
وهذه أيضاً من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور قيل هو الشرك وعبادة الأصنام وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطلوقال محمد بن الحنفية هو اللغو والغناء وقال أبو العالية وطاوس وبن سيرين والضحاك
والربيع بن أنس وغيرهم هو أعياد المشركين وقال عمرو بن قيس هي المجالس السوء والخنا وقال مالك عن الزهري شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه كما جاء في الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر وقيل المراد بقوله تعالى: ( لا يشهدون الزور ) أي شهادة الزور وهي الكذب متعمداً على غيره كما في الصحيحين عن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً قلنا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أي لا يحضرونه ولهذا قال تعالى: ( وإذا مروا باللغو مروا كراماً ) أي لا يحضرون الزور وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء ولهذا قال: ( مروا كراماً ) أ هـ
تفسير ابن كثير ج3/ص329، 330
وقال الإمام النسفي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
والذين لا يشهدون الزور: أي الكذب يعني ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخاطئين فلا يقربونها تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله إذ مشاهدة الباطلشركة فيه وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الآثام لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضاوسبب وجود الزيادة فيه وفى مواعظ عيسى عليه السلام إياكم ومجالسة الخاطئين أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف وعن قتادة المراد مجالس الباطلوعن ابن الحنفية لا يشهدون اللهو والغناء وإذا مروا باللغو بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويطرح والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به مروا كراماً معرضين مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله وإذا سمعوا اللغو عرضوا عنه وعن الباقر رضي الله عنه إذا ذكروا الفروج كنوا عنها .. أ هـ
تفسير النسفي ج3/ص177 ـ 178
وجاء في تفسير ابن أبي حاتم لهذه الآية الكريمة :
أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلي أنبا اصبغ قال سمعت عبد الرحمن بن زيد يعني ابن أسلم في قول الله والذين لا يشهدون الزور قال هؤلاء المهاجرون قوله تعالى: ( لا يشهدون الزور )
حدثنا محمد بن يحيى أنبا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة قوله لا يشهدون الزور قال: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهمقوله تعالى: ( لا يشهدون الزور )
حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن سليمان عن ابن عمر الأسدي البزار عن ابن الحنفية والذين لا يشهدون الزور قال: اللهو والغناءـ وروى عن مجاهد وأبي الجحاف إنه الغناء.
والوجه الثاني:
حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان عن جويبر عن الضحاك والذين لا يشهدون الزور قال: الشرك.
حدثنا أبو سعيد الاشج ثنا أبو يحيى الرازي عن أبي سنان عن الضحاك والذين لا يشهدون الزور قال: كلام الشرك.
حدثنا الاشج ثنا عبد الله بن سعيد أبو بكر النخعي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة والذين لا يشهدون الزور قال: لا يمالون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم ـ وروى عن السدي نحو قول الضحاك.
والوجه الثالث :
حدثنا الاشج اخبرنا عبد الرحمن بن سعيد الخراز ثنا الحسين بن عقيل عن الضحاك والذين لا يشهدون الزور قال: عيد المشركينـ وروى عن أبي العالية وطاووس والربيع بن أنس والمثنى بن الصباح نحو ذلك.
والوجه الرابع :
حدثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد حدثني أبو قتيبة البصري قال سمعت ابن سيرين يقول في قوله والذين لا يشهدون الزور قال هو الشعانين .
والوجه الخامس :
حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا عمرو العنقزي أنبا مسلمة بن جعفر الأحمس عن عمرو بن قيس في قوله والذين لا يشهدون الزور قال: مجالس الخناهحدثنا أبي ثنا احمد بن إبراهيم الدورقي ثنا عثمان بن اليمان عن أبي بكر بن أبي عون عن عمرو بن قيس الملائي والذين لا يشهدون الزور قال: مجالس السوء.
الوجه السادس :
ذكر عن عمرو بن علي ثنا يزيد بن زريع عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة والذين لا يشهدون الزور قال: لعب كان في الجاهلية.
والوجه السابع :
ذكر عن عبد الله بن أبي زياد القطواني ثنا زيد بن حباب عن الحسين بن واقد عن خالد بن كثير والذين لا يشهدون الزور قال: مجلس كان يشتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثامن :
أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي أنبا الحسين بن محمد المروزي ثنا شيبان عن قتادة والذين لا يشهدون الزور قال: الكذب
اخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلي أنبا اصبغ قال سمعت عبد الرحمن بن زيد في قول الله والذين لا يشهدون الزور قال: والزور قولهم لإلهتهم وتعظيمهم إياها ما كانوا فيه من الباطل وقرأ واجتنبوا قول الزور.
الوجه التاسع :
حدثنا أبي ثنا احمد بن إبراهيم الدورقي ثنا محمد بن يزيد الوسطي عن رجل عن الحسن والذين لا يشهدون الزور قال: الغناء والنياحةلا يحرق له سمعه ولا يرتاح له قلبه ولا يشتهيه قوله تعالى: ( وإذا مروا باللغو مروا كراماً )
حدثنا أبو سعيد الاشج ثنا أبو الحسين العكلي عن محمد بن مسلم أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن ابن مسعود مر بلهو فلم يقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد أصبح ابن أم عبد أو أمسى كريماً ) . أ هـ
تفسير ابن أبي حاتم ج8/ص2736 ـ2737 ـ 2738
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان عن أسماء الغناء:
فصل ـ الاسم الثاني والثالث : الزور واللغو قال تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً ) قال محمد بن الحنفية: الزور هاهنا الغناء وقاله ليث عن مجاهد وقال الكلبي: لا يحضرون مجالس الباطل واللغو في اللغة كل ما يلغى ويطرح والمعنى لا يحضرون مجالس الباطل وإذا مروا بكل ما يلغى من قول وعمل أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه أو يميلوا إليهويدخل في هذا أعياد المشركين كما فسرها به السلف والغناء وأنواع الباطل كلها قال الزجاج: لا يجالسون أهل المعاصي ولا يمالئونهم ومروا مر الكرام الذين لا يرضون باللغو لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه والاختلاط بأهله وقد روى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مر بلهو فأعرض عنه فقال رسول الله إن أصبح ابن مسعود لكريماً وقد أثنى الله سبحانه على من أعرض عن اللغو إذا سمعه بقوله: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) وهذه الآية وإن كان سبب نزولها خاصاً فمعناها عام متناول لكل من سمع لغواً فأعرض عنه وقال بلسانه أو بقلبه لأصحابه لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وتأمل كيف قال سبحانه: ( لا يشهدون الزور ) ولم يقل بالزور لأن يشهدون بمعنى يحضرون فمدحهم على ترك حضور مجالس الزورفكيف بالتكلم به وفعله والغناء من أعظم الزور والزور يقال على الكلام الباطل وعلى العمل الباطل وعلى العين نفسها كما في حديث معاوية لما أخذ قصة من شعر يوصل به فقال هذا الزور فالزور القول والفعل والمحل وأصل اللفظة من الميل ومنه الزور بالفتح ومنه زرت فلاناً إذا ملت إليه وعدلت إليه فالزور ميل عن الحق الثابت إلى الباطل الذي لا حقيقة له قولاً وفعلاً. أ هـ
( إغاثة اللهفان ج1ص241 ـ 242 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم :
( وأما الطريق الثاني الخاص في نفس أعياد الكفار فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، أما الكتاب فمما تأوله غير واحد من التابعين وغيرهم في قوله تعالى : (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً ) فروى أبو بكر الخلال في الجامع بإسناده عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: ( والذين يشهدون الزور ) قال: هو الشعانين، وكذلك ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين، وكذلك عن الربيع بن أنس قال: هو أعياد المشركين، وفي معنى هذا ما روي عن عكرمة قال: لعب كان لهم في الجاهلية، وقال القاضي أبو يعلى: مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور ) قال: أعياد المشركين، وبإسناده عن أبي سنان عن الضحاك والذين لا يشهدون الزور كلام الشرك، وبإسناده عن جويبر عن الضحاك والذين لا يشهدون الزور قال: أعياد المشركين، وروى بإسناده عن عمرو بن مرة لا يشهدون الزور لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم، وبإسناده عن عطاء بن يسار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم وقول هؤلاء التابعين إنه أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم إنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية ولقول بعضهم إنه مجالس الخنا وقول بعضهم إنه الغناء لأن عادة السلف في تفسيرهم هكذا يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه أو لينبه به على الجنس كما لو قال العجمي ما الخبز فيعطى رغيفاً ويقال له هذا بالإشارة إلى جنس لا إلى عين الرغيف لكن قد قال قوم إن المراد شهادة الزور التي هي الكذب وهذا فيه نظر فإنه قال لا يشهدون الزور ولم يقل لا يشهدون بالزور والعرب تقول شهدت كذا إذا حضرته كقول ابن عباس شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا كثير في كلامهموأما شهدت بكذا فمعناه أخبرت به ووجه تفسير التابعين المذكورين أن الزور هو المحسن المموه حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور لما كان يظهر ما يعظم به مما ليس عنده... ) أ هـ
( اقتضاء الصراط المستقيم ص 180 ـ 181 )
ويقول في الفتاوى الكبرى رحمه الله :
(.. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وقد روى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروز هم ومهرجانهم عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهمفإن السخط ينزل عليهم فهذا عمر قد نهى عن تعلم لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهمفكيف من يفعل بعض أفعالهم أو قصد ما هو من مقتضيات دينهم أليست موافقتهم في العمل أعظم من موافقتهم في اللغة أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك.
ثم قوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم أليس نهياً عن لقائهم والاجتماع بهم فيهفكيف بمن عمل عيدهم وقال ابن عمر في كلام له: من صنع نيروز هم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم وقال عن الجواب اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ونص الإمام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى واحتج بقول الله: ( تعالى والذين لا يشهدون الزور ) الفرقان72 قال: الشعانين وأعيادهم، وقال عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلام له قال: فلا يعاونون على شيء من عيدهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أنه اختلف فيه وأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته بل هو عندي أشد وقد سئل أبو القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه وقد قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم ) فيوافقهم ويعينهم فإنه منهم .. ) أ هـ
الفتاوى الكبرى ج2 ص 101
ويقول الشيخ حمد بن عتيق النجدي ـ رحمه الله ـ :
قال تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور ) ، قال الضحاك: الزور : عيد المشركين،رواه أبو الشيخ وبإسناده عنه الزور: كلام الشرك، وبإسناده عن مرة: لا يمالئون أهل الشرك على شركهم، ولا يخالطونهم، وبإسناده عن عطاء بن يسار، قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم. وقول هؤلاء التابعين إنه أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم أنه شرك أو صنم كان في الجاهلية، ولقول بعضهم: أنه مجلسالخنا، وقول بعضهم: أنه الغناء، لأن عادة السلف في تفسيرهم، هكذا يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى للحاجة المستمع ( إليها ) ، أو للتنبيه على الجنس. ووجه تفسير التابعين تارةيظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة، فالشرك ونحوه يظهر حسنه لشبهة، والغناء ونحوه يظهر حسنه لشهوة، وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة، وهي باطلة، إذ لا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة فعاقبتها ألم، فصارت زوراً، وشهودها محظوراً . وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أوسماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لامجرد شهوده ؟! . أ هـ
( مجموعة التوحيد الرسالة الثانية عشرة ص 271 وما بعدها ط دار الإسلام )
فكما تبين واضحاً جلياً أن اسم الزور يدخل فيه كل منكر سواءً كان من الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر بنوعيهما أو البدع بأنواعها أو المعاصي بجملتها أو الأقوال الباطلة المكفرة أو المحرمة..الخ ، كما فسر ذلك أهل العلم وأئمة الإسلام والذين يؤخذ عنهم مثل هذه المسائل فهناك من قال : أنه الغناء، وهناك من قال: إنه الشرك، وهناك من قال:هو كلام الشرك، وهناك من قال: إنها مجالس السوء: وهناك من قال: هي أعياد المشركين، وهناك من قال:إنه مجلس كان يشتم فيه النبي، وهناك من قال: إنه الكذب، وهناك من قال: إنها مجالس الخناه، وهناك من قال: لعب كان في الجاهلية، وهناك من قال: الغناء والنياحة، وهناك من قال: هي مجالس الباطل، وهناك من قال:لا يمالون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم، وهناك من قال: الزور قولهم لإلهتهم وتعظيمهم إياها ما كانوا فيه من الباطل… الخ، والخلاصة هو كل باطل وكفر ومعصية وكل ما يخالف شريعة الإسلام من المنكر يدخل في حكم الزور.
وهذا ما أكده الإمام الطبري رحمه الله فقال :
والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل لا شركاً ولا غناءً ولا كذباً ولا غيرهوكل ما لزمه اسم الزور لأن الله عم في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلاّ بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. أ هـ تفسير الطبري ج19/49
وهو ما أكده أيضاً العلامة ابن القيم رحمه الله فقال :
ويدخل في هذا أعياد المشركين كما فسرها به السلف والغناء وأنواع الباطل كلها.. أ هـ إغاثة اللهفان ج1ص241 ـ 242
وهذا ما ذكره الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره فقال:
( والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرون الزور أي القول والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحو ذلك
. أ هـ
تفسير السعدي ج1/ص58
وكما قدمنا ـ في بداية الرد ـ بأن المجالس بحسب ما فيها من المنكر، فإن كان فيها كفراً واستهزاءً فهي مجالس كفر، وإن كان فيها محرّم فهي محرمة، وإن كان فيها مكروه فهي مكروهة يستحب للمسلم تركها تورعاً لدينه.
ثالثاًـ تفسير قوله تعالى في سورة المائدة (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )المائدة 79
يقول الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ في أحكام القرآن:
واستدلوا بهذه الآية قالوا: لأن قوله:( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه )يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين وأمر بتركهم وهجرانهموأكد ذلك بقوله في الإنكار على اليهود: ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا ) وما من قوله: ( ما كانوا ) يجوز أن تكون في موضع نصب وما بعدها نعت لها التقدير لبئس شيئاً كانوا يفعلونه أو تكون في موضع رفع وهي بمعنى الذي. أ هـ
( تفسير القرطبي ج 6 ص 254 )
ويقول الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام وعلى لسان عيسى بن مريم بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه قال العوفي عن ابن عباس: لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم فقال تعالى : (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) أي كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوه فقال: ( لبئس ما كانوا يفعلون ) وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهمقال يزيد وأحسبه قال في أسواقهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم . أ هـ
( تفسير ابن كثير ج2/ص 83 )
وجاء في تفسير الإمام السمعاني ـ رحمه الله ـ:
قوله تعالى: ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) فالذين لعنوا على لسان داود هم أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى أصحاب المائدة وأولئك الذين جعلهم الله قردة وهؤلاء الذين جعلهم الله خنازير، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
قوله تعالى: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) التناهي تفاعل من النهي والمنكر كل ما أنكره الشرعوفي الخبر قال أول
ما دخل النقص في بني إسرائيل أن الرجل منهم كان إذا نهى صاحبه عن منكر كان لا يمنعه بعد ذلك أن يكون جليسه وأكيله وشريبهفضرب الله تعالى قلب بعضهم بالبعض وعمهم بالعقاب ثم قال : والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يد الظالم فتطروه على الحق أطرا أي تعطفوه. أ هـ
( تفسير السمعاني ج2/ص56 ـ57 )
ويقول الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) أي لا ينهى بعضهم بعضاً ( لبئس ما كانوا يفعلون ) أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو اسحق الثعلبي أنا أبو الحسن محمد بن الحسين أنا أحمد بن محمد بن إسحق أنا أبو يعلى الموصلي أنا وهب بن بقية أنا خالد يعني ابن عبد الله الو اسطي عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل منهم الخطيئة نهاه الناهي تعذيراً فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربهكأن لم يره على الخطيئة بالأمس فلما رأى الله تبارك وتعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ). أ هـ
( تفسير البغوي ج2/ص55 )
ويقول الإمام السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) أي كانوا يفعلون المنكر ولا ينهى بعضهم بعضاً فيشترك بذلك المباشر وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله وأن معصيته خفيفة عليهم فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ولغضبوا لغضبه وإنما كان السكوت عن المنكر مع القدرة موجباً للعقوبةلما فيه من المفاسد العظيمة منها أن مجرد السكوت فعل معصية وإن لم يباشرها الساكت فإنه كما يجب اجتناب المعصية فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصيةومنها ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي وقلة الاكتراث بها ومنها أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها فيزداد الشر وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ويكون لهم الشوكة والظهور ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أولاً، ومنها أنه بترك الإنكار للمنكر يندرس العلم ويكثر الجهل فإن المعصية مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها يظن أنها ليست بمعصية وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم الله حلالا وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقاًومنها أن بالسكوت على معصية العاصين ربما تزينت المعصية في صدور الناس واقتدى بعضهم ببعض فالإنسان مولع بالاقتداء بأحزابه وبني جنسه ومنها فلما كان السكوت على الإنكار بهذه المثابة نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم وخص من ذلك هذا المنكر العظيم. أ هـ
( تفسير السعدي ج1/ص 241 )
ويقول الإمام الجصاص ـ رحمه الله ـ في أحكام القرآن :
أن من شرط النهي عن المنكر أن ينكره ثم لا يجالس المقيم على المعصية ولا يؤاكله ولا يشاربه وكان ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بياناً لقوله تعالى: ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا فكانوا بمؤاكلتهم إياهم ومجالستهم لهم تاركين للنهي عن المنكر لقوله تعالى: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه )
مع ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من إنكاره بلسانه إلاّ أن ذلك لم ينفعه مع مجالسته ومؤاكلته ومشاربته إياه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضاً ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا وهب بن بقية قال أخبرنا خالد عن إسماعيل عن قيس قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية وتضعونها في غير موضعها ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )وأنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ) .. أ هـ
( أحكام القرآن للجصاص ج2/ص 316 ـ 317 )
وقال الإمام أبو محمد عبد الحق بن غالب الأندلسي في تفسيره المحرر الوجيز:
ذم الله تعالى هذه الفرقة الملعونة بأنهم: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه )أي إنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وإن نهى منهم ناه فعن غير جد بل كانوا لا يمتنع الممسك منهم عن مواصلة العاصي ومؤاكلته وخلطته وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعزيراً فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ) قال ابن مسعود: وكان رسول الله متكئاً فجلس وقال: ( لا والله حتى تأخذوا على يدي الظالم فتطروه على الحق إطراء ).
قال القاضي أبو محمد: والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكروقال حذاق أهل العلم: ليس من شروط الناهي أن يكون سليماً من المعصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضاً وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً، واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية لأن قوله يتناهون وفعلوه يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي.. أ هـ
( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2 ص 224)
رابعاً ـ تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام : ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأنعام69
وأود قبل ذكر أقوال المفسرين في هذه الآية الكريمة أن أنبه إلى أمرين .
الأول : أن هذه الآية منسوخة على قول كثيرٌ من المفسرين كما تقدم في تفسير آية سورة النساء .
الثاني : على اعتبار أنها ليست منسوخة فليس في الآية دليل على القعود في مجالس الكفر دون الإنكار على أهلها وتذكيرهم كما هو صريح بنص الآية
(وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )الأنعام69 . فيجب النهي عن المنكر أو الإجتناب و هو الأصل الذي يقوم به المسلم إذا حضر في مجالس الكفر، والضمير في يتقون هاهنا عائد على المشركين ، أي إذا قعدتم معهم فذكروهم بالله وخوفوهم به لعلهم يرجعون إلى الحق ويتركوا ماهم فيه من كفر وباطل ، وهذه كقوله تعالى عن المشركين :
( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) طه113
وقوله تعالى : ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ) وهذه في المؤمنين ، ومعنى يتقون أي يجتنبون الوقوع في الكفر وفي مجالسة أهله ، قال الله تعالى في وصف المؤمنين في سورة الأعراف : ( َسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَوَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف 156
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) أي الشرك والعظائم من الذنوب . أ هـ التفسير ج 3 ص229
ثم نأتي لأقوال المفسرين لهذه الآية الكريمة :
قال الإمام الطبري رحمه الله :
( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) إن قعدوا معهم ولكن لا تقعدوا ثم نسخ ذلك ( ولكن ذكرى ) يقول: إذا ذكرت فقم ( لعلهم يتقون) مساءتكم إذا رأوكم لا تجالسونهم ، استحيوا منكم فكفوا عنكم . ثم نسخها الله بعد ، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبداً، قال : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ) ... أ هـ
( تفسير الطبري ج 7 ص 230 )
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :
قال ابن عباس : لما نزل لا تقعدوا مع المشركين وهو المراد بقوله : ( فأعرض عنهم ) قال المسلمون : لا يمكننا دخول المسجد والطواف ؛ فنزلت هذه الآية ( ولكن ذكرى ) أي فإن قعدوا يعني المؤمنين فليذكروهم . ( لعلهم يتقون ) الله في ترك ماهم فيه . ثم قيل نسخ هذا بقوله : ( وقد نزل عليكم أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) النساء 140 . وإنما كانت الرخصة قبل الفتح وكان الوقت وقت تقية . وأشار بقوله : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ) إلى قوله :( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ) الأنعام 70، قال القشيري: والأظهر أن الآية ليست منسوخة . والمعنى : ما عليكم شيء من حساب المشركين ، فعليكم بتذكيرهم وزجرهم فإن أبوا فحسابهم على الله . وقال الكلبي : قوله تعالى :( فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) نسخ بقوله تعالى : ( وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ) الأنعام69 وقال عامة المفسرين : هي محكمة . أ هـ
( تفسير القرطبي المجلد الرابع ص 15 ط دار الشآم )
ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) أي إذا تجنبوهم ، فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم، قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن سعيد بن جبير ، قوله ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) قال : ماعليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم ، وقال آخرون : بل معناه وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء ، وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله ( إنكم إذاً مثلهم ) قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم . وعلى قولهم يكون قوله ( ولكن ذكرى لعلهم يتقون ) أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم ، حينئذٍ تذكيراً لهم عما هم فيه ، لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه . أ هـ ( التفسير ج 3 ص 43 ط دار الأندلس )
وقال الإمام البغوي رحمه الله :
"وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء "، روي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم "، قال المسلمون : كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبداً ؟ وفي رواية قال المسلمون : فإنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم، فأنزل الله عز وجل: "وما على الذين يتقون "، الخوض،"من حسابهم "، أي: من آثام الخائضين "من شيء ولكن ذكرى "، أي: ذكروهم وعظوهم بالقرآن، والذكر والذكرى واحد، يريد ذكروهم ذكرى، فتكون في محل النصب، "لعلهم يتقون "، الخوض إذا وعظتموهم فرخص في مجالستهم على الوعظ لعله يمنعهم ذلك من الخوض،وقيل: لعلهم يستحيون.أ هـ
( تفسير البغوي ج 2 ص 21 )
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير :
قوله تعالى: {وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } فيه قولان .
أحدهما: يتقون الشرك. والثاني : يتقون الخوض .
قوله تعالى: {مِنْ حِسَابِهِم } يعني: حساب الخائضين. وفي {حِسَابَهُمْ } قولان.
أحدهما: أنه كفرهم وآثامهم. والثاني: عقوبة خوضهم.
قوله تعالى: {وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ } أي: ولكن عليكم أن تذكروهم. وفيما تذكرونهم به قولان.
أحدهما: المواعظ .والثاني : قيامكم عنهم . قال مقاتل: إذا قمتم عنهم، منعهم من الخوض الحياء منكم، والرغبة في مجالستكم .
قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فيه قولان.
أحدهما: يتقون الاستهزاء. والثاني : يتقون الوعيد . أ هـ
( تفسير زاد المسير لابن الجوزي سورة الأنعام الآية 69 ص 34 )
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير :
"وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء"أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء. وقيل المعنى: ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء: وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب. قيل: وهذا الترخيص كان في أول الإسلام، وكان الوقت وقت تقية، ثم نزل قوله تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"فنسخ ذلك. قوله: "ولكن ذكرى لعلهم "، ذكرى في موضع نصب على المصدر، أو رفع على أنها مبتدأ، وخبرها محذوف : أي ولكن عليهم ذكرى. وقال الكسائي: المعنى ولكن هذه ذكرى. والمعنى على الاستدراك من النفي السابق: أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز. أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما على التفسير الثاني فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير "لعلهم يتقون"الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم. وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جداً .أ هـ
( تفسير فتح القدير للشوكاني ج 3 سورة الأنعام الآية 69 )
ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال :
( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء, ولكن ذكرى لعلهم يتقون ). .
فليستهنالك تبعة مشتركة بين المتقين والمشركين . فهما أمتان مختلفتان - وإناتحدتافي الجنس والقوم فهذه لا وزن لها في ميزان الله , ولا في اعتبار الإسلام .إنماالمتقون أمة , والظالمون [ أي المشركون ] أمة , وليس على المتقين شيء من تبعةالظالمينوحسابهم . ولكنهم إنما يقومون بتذكيرهم رجاء أن يتقوا مثلهم , وينضمواإليهم . . وإلاّ فلا مشاركة في شيء , إذا لم تكن مشاركة في عقيدة !
هذادين الله وقوله . . ولمن شاء أن يقول غيره . ولكن ليعلم أنه يخرج من ديناللهكله إذ يقول ما يقول ! ويستمر السياق في تقرير هذه المفاصلة ; وفي بيان الحدودالتيتكون فيهاالمعاملة : وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا , وذكر به أن تبسل نفسبماكسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع , وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها . أولئكالذينأبسلوا بما كسبوا , لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ). .
ونقفمن الآية أمام عدة أمور:
أولها : أن الرسول صلى الله عليه وسلم وينسحب الأمر على كل مسلم ـ مأمور أن يهمل شأن الذينيتخذوندينهم لعباً ولهواً . . وهذا يتم بالقول كما يتم بالفعل . .فالذي لا يجعللدينهوقاره واحترامه باتخاذه قاعدة حياته اعتقادا وعبادة , وخلقا وسلوكا , وشريعةوقانونا , إنما يتخذ دينه لعباً ولهواً . . والذي يتحدث عن مبادى ء هذا الدين وشرائعهفيصفهاأوصافا تدعو إلى اللعب واللهو . كالذين يتحدثون عن "الغيب" - وهو أصل منأصولالعقيدة ـ حديث الاستهزاء . والذين يتحدثون عن "الزكاة "وهي ركن من أركانالدينحديث الاستصغار . والذين يتحدثون عن الحياء والخلق والعفة ـ وهي من مبادى ءهذاالدين ـ بوصفها من أخلاق المجتمعات الزراعية , أو الإقطاعية , أو "البرجوازية "الزائلة ! والذين يتحدثون عن قواعد الحياة الزوجية المقررة في الإسلام حديث إنكارأواستنكار . والذين يصفون الضمانات التي جعلها الله للمرأة لتحفظ عفتها بأنها"أغلال ! " . . وقبل كل شيء وبعد كل شيء . . الذين ينكرون حاكمية الله المطلقة فيحياةالناس الواقعية . . السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية . .ويقولون :إن للبشر أن يزاولوا هذا الاختصاص دون التقيد بشريعة الله . . . أولئكجميعاًمن المعنيين في هذه الآيات بأنهم يتخذون دينهم لعباً ولهواً . وبأن المسلممأموربمفاصلتهم ومقاطعتهم إلاّ للذكرى . وبأنهم الظالمون ـ أي المشركون ـ والكافرونالذينأبسلوا بما كسبوا , فلهم شرابٌ من حميم وعذاب أليم لما كانوا يكفرون . .
وثانيها:أن الرسول صلى الله عليه وسلم وينسحب الامر على كل مسلم ـ مأمور بعد إهمال شأن هؤلاءالذيناتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا ـ أن يقوم بتذكيرهم وتخويفهممنأن ترتهن نفوسهم بما كسبوا , وأن يلاقوا الله ليس لهم من دونه ولي ينصرهم , ولاشفيعيشفع لهم ; كما أنه لا يقبل منهم فدية لتطلق نفوسهم بعد ارتهانها بما كسبت .
وللتعبيرالقرآني جماله وعمقه وهو يقول :
وَذَرِالَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُالْحَيَاةُالدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَلَهَامِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّيُؤْخَذْمِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْشَرَابٌمِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70)
( وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع, وإنتعدلكل عدل لا يؤخذ منها). .
فكلنفس على حدة تبسل [ أي ترتهن وتؤخذ ] بما كسبت , حالة أن ليس لها من دوناللهولي ولا شفيع ولا يقبل منها عدل تفتدى به وتفك الربقة !
فأماأولئك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا فهؤلاء قدارتهنوابما كسبوا ; وحق عليهم ما سبق في الآية ; وكتب عليهم هذا المصير:
أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا, لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوايكفرون
لقدأخذوا بما فعلوا ; وهذا جزاؤهم:شراب ساخن يشوي الحلوق والبطون ; وعذاب أليمبسببكفرهم , الذي دل عليه استهزاؤهم بدينهم . .
وثالثها:قول الله تعالى في المشركين: (الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوًا). .
فهلهو دينهم ? . .
إنالنص ينطبق على من دخل في الإسلام , ثم اتخذ دينه هذا لعباً ولهواً . . وقد وجدهذاالصنف من الناس وعرف باسم المنافقين . . ولكن هذا كان في المدينة . .
فهلهو ينطبق على المشركين الذين لم يدخلوا في الإسلام ? إن الإسلام هو الدين . . هو دين البشرية جميعاً . . سواء من آمن به ومن لم يؤمن . . فالذي رفضه إنما رفضدينه . . باعتبار أنه الدين الوحيد الذي يعده الله ديناً ويقبله من الناس بعد بعثةخاتمالنبيين .
ولهذهالأضافة دلالتها في قوله:( وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهوًا ). .
فهيـوالله أعلم ـ إشارة إلى هذا المعنى الذي أسلفناه , من اعتبار الإسلام ديناً للبشريةكافة . فمن اتخذه لعبا ولهوا , , فإنما يتخذ دينه كذلك . . ولو كان منالمشركين. .
ولانزال نجدنا في حاجة إلى تقرير من هم المشركون ? إنهم الذين يشركون باللهأحدافي خصائص الألوهية . سواء في الاعتقاد بألوهية أحد مع الله . أو بتقديمالشعائرالتعبدية لأحد مع الله . أو بقبول الحاكمية والشريعة من احد مع الله . ومنبابأولى من يدعون لأنفسهم واحدة من هذه , مهما تسموا بأسماء المسلمين ! فلنكن منأمرديننا على يقين !
ورابعها:حدود مجالسة الظالمينـ أي المشركين ـ والذين يتخذون دينهم لعبا ولهوا . . وقد سبق القول بأنها لمجرد التذكير والتحذير . فليست لشيء وراء ذلك - متى سمعالخوضفي آيات الله ; أو ظهر اتخاذها لعبا ولهوا بالعمل بأية صورة مما ذكرنا أومثلها. .
وقدجاء في قول القرطبي في كتابه:الجامع لأحكام القرآن بصدد هذه الآية:
"في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل, على من زعم أن الأئمة الذين هم حججوأتباعهم, لهم أن يخالطوا الفاسقين, ويصوبوا آراءهم تقية . . ."
ونحننقول : إن المخالطة بقصد الموعظة والتذكير وتصحيح الفاسد والمنحرف من آراءالفاسقينتبيحها الآية في الحدود التي بينتها . أما مخالطة الفاسقين والسكوت عمايبدونهمن فاسد القول والفعل من باب التقية فهوالمحظور . لأنه ـ في ظاهرة ـ إقرارللباطل , وشهادة ضد الحق . وفيه تلبيس على الناس , ومهانة لدين اللهوللقائمينعلى دين الله . وفي هذه الحالة يكون النهي والمفارقة .أ هـ
( في ظلال القرآن ج 6 من ص 153 إلى ص 157 )
خامساً ـ قوله تعالى في سورة المؤمنون : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون3
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
وقوله ( والذين هم عن اللغو معرضون ) أي عن الباطل ، وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم ، والمعاصي كما قاله آخرون ، وما لافائدة فيه من الأقوال والأفعال ،كما قال تعالى ( وإذا مروا باللغو مروا كراماً ) قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك . أ هـ ( التفسير ج 5 ص 8 )
وقال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
قوله عز وجل: ( والذين هم عن اللغو معرضون ) قال عطاء عن ابن عباس: عن الشرك ، وقال الحسن : عن المعاصي. وقال الزجاج : عن كل باطل ولهو ومالا يحل من القول والفعل. وقيل: هو معارضة الكفار بالشتم والسب: قال الله تعالى: ( وإذا مروا باللغو مروا كراماً ) أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه.أ هـ
( تفسير البغوي ج 3 ص 2 )
ويقول الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير :
( والذين هم عن اللغو معرضون ) واللغو، قال الزجاج: هو كل باطل ولهو هزل ومعصية وما لا يحمل من القول والفعل،وقد تقدم تفسيره في البقرة. وقال الضحاك: إن اللغو هنا الشرك. وقال الحسن: إنه المعاصي كلها. ومعنى إعراضهم عنه: تجنبهم له وعدم التفاتهم إليه، وظاهره اتصافهم بصفة الإعراض عن اللغو في كل الأوقات،فيدخل وقت الصلاة في ذلك دخولاً أولياً كما تفيده الجملة الإسمية، وبناء الحكم على الضمير.أ هـ
( تفسير فتح القدير ج 5 ص 1 ـ 2 )
سادساً ـ قوله تعالى في سورة القصص : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) القصص 55
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
وقوله تعالى : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ) أي لايخالطون أهله ولا يعاشرونهم ، بل كما قال تعالى : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ُ ) أ هـ
( التفسير ج 5 ص 289 )
وقال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
"إذا سمعوا اللغو"، القبيح من القول، "أعرضوا عنه"، وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون : تباً لكم تركتم دينكم، فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم، "وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم"، لنا ديننا ولكم دينكم، "سلام عليكم"، ليس المراد منه سلام التحية، ولكنه سلام المتاركة، معناه: سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم والقبيح من القول، "لا نبتغي الجاهلين"، أي: دين الجاهلين، يعني: لا نحب دينكم الذي أنتم عليه. وقيل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال.أ هـ ( تفسير البغوي ج 3 ص 17 )
وقال الإمام ابن الجوزي في زاد المسير :
قوله تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ ) فيه ثلاث أقوال.
أحدها: الأذى والسب، قاله مجاهد.
والثاني: الشرك، قاله الضحاك.
والثالث: أنهم قوم من اليهود آمنوا، فكانوا يسمعون ما غيراليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكرهون ذلك، ويعرضون عنه، قاله ابن زيد. وهل هذا منسوخ أم لا؟ فيه قولان.
وفي قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } قولان .
أحدهما: لنا ديننا ولكم دينكم .
والثاني: لنا حلمنا ولكم سفهكم . أ هـ ( زاد المسير ج 27 ص 51 ط الأكترونية )
ويقول الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير :
ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) تكرماً وتنزهاً وتأدباً بآداب الشرع، ومثله قوله سبحانه: ( وإذا مروا باللغو مروا كراماً )، واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم ( وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء "سلام عليكم"ليس المراد بهذا السلام سلام التحية، ولكن المراد به سلام المتاركة، ومعناه أمنة لكم منا وسلامة لا نجاريكم ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه. قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال"لا نبتغي الجاهلين"أي لا نطلب صحبتهم. وقال مقاتل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه. وقال الكلبي: لا نحب دينكم الذي أنتم عليه.أ هـ
( تفسير فتح القدير للشوكاني المجلد 6 ص 27 )
ــــــــــــــــ
ثالثاً ـ النهي من السنة عن الجلوس والبقاء في مجالس المنكر
جاء في كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله في باب تحريم الغيبة والنميمة وبعد أن سرد أدلة الباب من الكتاب والسنة قال رحمه الله:
( فصل ) أعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها فيجب على من سمع إنساناً يبتدئ بغيبة محرّمة أن ينهاه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، فإن خاف وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه أو قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه اسكت وهو يشتهي بقلبه استمراره، فقال أبو حامد الغزالي: ذلك نفاق لا يخرجه عن الإثم،ولابد من كراهته بقلبه، ومتى اضطّر إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإنكار أو أنكر ولم يقبل منه ولم يمكنه المفارقة بطريق حرّم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }الأنعام68
وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه دعي إلى وليمة، فحضر، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلت هذا بنفسي حيث حضرت موضعاً يغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام. ومما أنشدوه في هذا:
وسمعك صن عن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيــح شريك لقائله فانتبـــه
الأذكار للإمام النووي ص 348 ط المكتبة القيمة
ويقول الإمام الصنعاني رحمه الله في سبل السلام عند شرحه لحديث الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم معاوية بن حيدة رضي الله عنهما قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) أخرجه الثلاثة وإسناده قوي وحسنه الترمذي وأخرجه البيهقي .
الحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم وهذا تحريم خاص
ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف. أ هـ سبل السلام ج4ص202 .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري :
قوله باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة
هكذا أورد الترجمة بصورة الاستفهام ولم يبت الحكم لما فيها من الاحتمال كما سأبينه أن شاء الله تعالى قوله ورأى بن مسعود صورة في البيت فرجع كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأنني لم أر الأثر المعلق إلاّ عن أبي مسعود عقبة بن عمرو وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن رجلاً صنع طعاماً فدعاه فقال أفي البيت صورة قال: نعم فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة وسنده صحيح وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضاً لكن لم أقف عليه قوله ودعا بن عمر أبا أيوب فرأى في البيت ستراً على الجدار فقال بن عمر: غلبنا عليه النساء فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاماً فرجع، وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر فقال أبي واستحيا غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب فقال: من خشيت أن تغلبه النساء فذكره ووقع لنا من وجه آخر من طريق الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سالم بمعناه وفيه فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الأول فالأول حتى أقبل أبو أيوب وفيه فقال عبد الله: أقسمت عليك لترجعن فقال وأنا أعزم على نفسي أن لا أدخل يومي هذا ثم انصرف وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد فأنكره وأزال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب فروينا في كتاب الزهد لأحمد من طريق عبد الله بن عتبة قال دخل بن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكر ور فقال بن عمر يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليهتك كل رجل ما يليه.
إلى أن يقول رحمه الله:
قال بن بطال فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بهاونقل مذاهب القدماء في ذلك وحاصله أن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس وأن لم يقدر فليرجع وأن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة بن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره ولو كان حراماً ما قعد الذين قعدوا ولا فعله بن عمر فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعاً بين الفعلين ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا: أن كان لهواً مما اختلففيه فيجوز الحضور والأولى الترك وأن كان حراماًكشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر وأن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وأن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصيةوحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم تلزمه الإجابة والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المراوزة فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج إلاّ إن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلاً حكاه بن بطال وغيره عن مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين أخرجه الطبراني في الأوسط ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعاً من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر وإسناده جيد وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر وأبو داود من حديث بن عمر بسند فيه انقطاع وأحمد من حديث عمر ..) أ هـ
فتح الباري ج9/ص249 ـ 250
وقال الإمام محمد بن أبي بكر الرازي في تحفة الملوك:
ومن دعي إلى ضيافة فوجد لعباً وغناء يقعد إن كان غير قدوة ويمنع إن قدر وإن كان قدوة كالقاضي والمفتي ونحوهما يمنع ويقعد فإن عجز خرج وإن كان ذلك على المائدة أو كانوا يشربون الخمر خرج وإن لم يكن قدوة وإن علم قبل الحضور لا يحضر في الوجوه كلها.أ هـ
تحفة الملوك ج1 ص 224 ـ 224
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في فيض القدير في صدد حديثه عن أهل البدع :
ولم أر من تعرض للعمل المنفي قبوله في هذا الحديث ما المراد به العمل المشوب بالبدعة فقط أو حتى الموافق للسنة فظاهر الخبر التعميم أما المشوب بها فظاهر لأنه إذا عمل عملا على قانون بدعته عده سنة وهو لا يشعر ولا ثواب فيما خالف السنة وأما غيره فلأنه إذا عمل عمل السنة فهو حال عمله يعتقد كونه بدعة فهو بمعزل عن قصد التقرب والإمتثال.
وقد قال ابن القاسم لا تجد مبتدعاً إلاّ وهو منتقص للرسول وإن زعم أنه يعظمه بتلك البدعة فإنه يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلاً مقلداً وإن كان مستبصراً فيها فهو مشاق لله ولرسوله انتهى
وقد ذم الله قوما رأوا الخير شراً وعكسه ولم يعذرهم فقال: ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) الكهف 104 ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً ) فاطر 8، ثم هذه الجملة توطئة وتأسيس إلى ما هو المقصود من السياق وهو الحث على سلامة العقيدة والتنفير من ملازمة البدعة ومجالسة أهلها. أ هـ
فيض القدير شرح الجامع الصحيح ج1/ص72
ــــــــــــــــــــــ
رابعا ًـ الإنكار على الكافرين حال كفرهم أواستهزائهم بآيات الله من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أ ـكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الطواف أو في أي موضع يسمع فيه كلام الكفر والشرك ينكر على قائله، سواءً قبل البعثة أم بعدها
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية :
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمعهم يقولون لبيك لا شريك لك يقول: قد قد أي حسب حسب. أ هـ
البداية والنهاية ج2/ص188
ومعنى ذلك : أي قفوا عند هذا الحد وحسبكم انتهوا عن قولكم الشركي الذي يليه: إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ب ـوقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لسورة الكافرون :
وأبلغ معنى إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم يأيها الكافرون وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر ويدخلوا في جملة أهله . أ هـ ( تفسير القرطبي ج20/ص226 )
وهاتين الواقعتين هما في حالة الإستضعاف في الفترة المكية ضف إليهما آية سورة الفرقان المكية قوله تعالى :( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) وآية سورة المؤمنون المكية ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون3وآية سورة القصص المكية( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) القصص55 ، أي أن النهي عن القعود في مجالس الكفر والمنكر تقرر في الفترة المكية وأكده الله تعالى أيضاً في الفترة المدنية، وأما آية سورة الأنعام المكية فقد نسختها آية سورة النساء المدنية كما قال أكثر المفسرين بذلك ، وعلى اعتبار أنها ليست منسوخة فهي لاتخالف قول الله تعالى في النهي عن القعود في مجالس الكفر والمنكر أو القعود بشرط التذكير والإنكار على من يقومون بالمنكر. والذي يأخذ بآية سورة الأنعام المكية قوله تعالى : ( ومَا عَلَى الّذِينَ يَتَقُونَ مِنْ حِسَابِهم مِنْ شَيء ) ـ هذا مع إهماله لبقية الآية (وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ـ بحجة أننا الآن في حالة استضعاف كما في الفترة المكية نقول له : إن المنهيات لايؤخذ بها بحال الفترة المكية بل بما استقر وثبت عليه أمر الشريعة وإلاّ للزم هذا القائل بأن لايرى بأساً في الجلوس مع المشركين حال استهزاءهم الصريح وسبهم لدين الله، لماذا يستثنى هذه من مجالس الكفر إذا كان قياسه بالحالة المكية الآن ؟ !! وكذلك أن لا يرى حرمة تحريم الخمر والربا والميسر وأكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وأكل الحمر الأهلية . لأنها إنما حرمت كلها في المدينة .!!
ففي الكفر لا رخصة إلاّ في الإكراه الملجيء بشروطه .
و في الحرام لا رخصة إلاّ في الضرورة بحدودها .
نعم الفترة المكية يؤخذ بها في بعض الأمور بحسب ماتقتضيه حالة المسلمين كالدعوة السرية وكيفيتها والمنهج الحركي ..الخ لا في جواز الكفر أو المحرم أو الوقوع فيهما .
( كل هذا على افتراض لو أننا قلنا بأن النهي إنما تقرر في الفترة المدنية فكيف إذا تبين واضحاً جلياً بأن النهي إنما تقرر في الفترة المكية وزاد الله بأن أكّده في الفترة المدنية ، ولله الحمد والمنة . )
ج ـقال الأموي في مغازيه: حدثنا محمد ابن إسحق عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر فإن شئت أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض العلة ثم يكون ذنباً تستغفر الله منه، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين ونزل فيه القرآن منهم ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس بن سويد بن الصامت، وكان على أم عمير بن سعد، وكان عمير في حجره، فلما نزل القرآن وذكرهم الله بما ذكر مما أنزل في المنافقين قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير؟ فسمعها عمير بن سعد فقال: والله ياجلاس إنك لأحب الناس إليّ وأحسنهم عندي بلاء وأعزهم عليّ أن يصله شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحني ولئن كتمتها لتهلكني ولأحداهما أهون عليّ من الأخرى. فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال الجلاس، فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحلف بالله ما قال ما قال عمير بن سعد ولقد كذب عليّ، فأنزل الله عز وجل فيه: ( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ) إلى آخر الآية، فوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ونزع فأحسن النزوع.
هكذا جاء هذا مدرجاً في الحديث متصلاً به وكأنه والله أعلم من كلام ابن إسحق نفسه لا من كلام كعب بن مالك، وقال عروة بن الزبير: نزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت، أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن أشر من حمرنا هذه التي نحن عليها، فقال مصعب: أما والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وخفت أن ينزل فيّ القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أخلط بخطيئته،فقلت: يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء فقال كذا وكذا ولولا مخافة أن أخلط بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك، فقال: فدعا الجلاس فقال: ( ياجلاس أقلت الذي قاله مصعب؟ ) فحلف فأنزل الله: ( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ ) الآية، وقال محمد بن إسحق: كان الذي قال تلك المقالة فيما بلغني الجلاس بن سويد بن الصامت فرفعها عليه رجل كان في حجره يقال له عمير بن سعد فأنكرها فحلف بالله ما قالها، فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني. أ هـ
تفسير ابن كثير ج3ص424، 425
وجاء في البداية والنهاية :
ذكر ابن إسحاق من مال إلى هؤلاء الأضداد من اليهود من المنافقين من الأوس والخزرج فمن الأوس زوي بن الحارث وجلاس بن سويد بن الصامت الأنصاري وفيه نزل ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) وذلك أنه قال حين تخلف عن غزوة تبوك لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شر من الحمر فنماها ابن امرأته عمير بن سعد إلى رسول الله فأنكر الجلاس ذلك وحلف ما قال فنزل فيه ذلك قال وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير. أ هـ
البداية والنهاية لابن كثير ج3/ص237
وجاء في السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي رحمه الله:
وقد ذكر بعضهم أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة منهم الجلاس بجيم مضمومة فلام مخففة فألف فسين مهملة ابن سويد بن الصامت قال يوماً إن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد رضي الله تعالى عنه وهو ابن زوجة جلاس أي فإن الجلاس كان زوجاً لام عمير وكان عمير يتيماً في حجره ولا مال له وكان يكفله ويحسن إليه فجاء الجلاس ليلة فاستلقى على فراشه فقال لئن كان ما يقوله محمد حقاً فلنحن شر من الحمير فقال له عمير: يا جلاس إنك لأحب الناس وأحسنهم عندي يداً ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنكولئن صمت عليها أي سكت عنها ليهلكن على ديني ولإحداهما أيسر علىمن الأخرىفمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له مقالة جلاس فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جلاس فحلف بالله لقد كذب على عمير وما قلت ما قال عمير فقال عمير: بلى والله لقد قلته فتب إلى الله ولولا أن ينزل القران فيجعلني معك ما قلته، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم الله استحلف الجلاس عند المنبر فحلف أنه ما قال واستحلف الراوي عنه فحلف لقد قال وقال اللهم أنزل على نبيك تكذيب الكاذب وتصديق الصادق فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين فنزل قوله تعالى: ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) إلى قوله: ( فإن يتوبوا يك خيراً لهم ) فاعترف الجلاس وتاب وقبل منه صلى الله عليه وسلم توبته وحسنت توبته ولم ينزع عن خير كان يصنعه مع عمير فكان ذلك مما عرف به حسن توبته فقال صلى الله عليه وسلم لعمير وقيت أذنك. أ هـ ( السيرة الحلبية ج2/ص338 )
والشاهد من هذا الموقف لذلك الصحابي الجليل كما في السيرة وهوعلى المسلم إذا سمع أي كلمة من كلام الكفر يجب عليه أن ينكر أو يقوم وإلاّ فحكمه حكم من سمع منه .
ــــــــــــــــــــــ
خامساً ـ إجماع الصحابة في النهي عن القعود مع من يقول الكفر أو الاستهزأ، والإنكار عليه ومعاقبته بذلك الفعل.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
الدليل الثاني قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين:
وهي أن بقايا من بني حنيفة لما رجعوا إلى الإسلام وتبرأوا من مسيلمة وأقروا بكذبه كبر ذنبهم عند أنفسهم وتحملوا بأهاليهم إلى الثغر لأجل الجهاد في سبيل الله لعل ذلك يمحوا عنهم آثار تلك الردة لأن الله تعالى يقول إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ويقول وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى فنزلوا الكوفة وصار لهم بها محلة معروفة فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة فمر بعض المسلمين على مسجدهم بين المغرب والعشاء فسمعوا منهم كلاماً معناه أن مسيلمة كان على حق وهم جماعة كثيرون لكن الذي لم يقله لم ينكره على مَن قالهفرفعوا أمرهم إلى عبد الله بن مسعود فجمع مَن عنده من الصحابة واستشارهم هل يقتلهم وإن تابوا أو يستتيبهم فأشار بعضهم بقتلهم من غير استتابة وأشار بعضهم باستتابتهم فاستتاب بعضهم وقتل بعضهم ولم يستتبه فتأمل ـ رحمك الله ـ إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا لما تبرأوا من الكفر وعادوا إلى الإسلام ولم يظهر منهم إلاّ كلمة أخفوها في مدح مسيلمة لكن سمعها بعض المسلمين ومع هذا لم يتوقف أحد في كفرهم كلهم ـ المتكلم والحاضر الذي لم ينكر ـولكن اختلفوا هل تقبل توبتهم أو لا والقصة في صحيح البخاري فأين هذا من كلام مَن يزعم أنه من العلماء ويقول البدو ما معهم من الإسلام شعرة إلاّ أنهم يقولون لا إله إلاّ الله ومع ذلك يحكم بإسلامهم بذلك أين هذا مما أجمع عليه الصحابة فيمن قال تلك الكلمة أو حضرها ولم ينكر .أ هـ
مختصر السيرة ج1/ص 42ـ43
سادساً ـ بيان النهي عن القعود مع الكافرين وقت خوضهم في أي نوع من أنواع المنكر من ناحية أصول الفقه:
أولاً: من جهة العموم والخصوص.
فإن العام لا يقيد الخاص، بل إذا تعارض الخاص والعام قُدِم الخاص على العام، كما هو مقرر في أصول الفقه وعليه العمل في الشريعة، وهذا من قواعد الفهم الصحيح، وأحد أصول استنباط الأحكام من النصوص.
فاستدلال البعض في بقاء المسلم في مثل ديارنا المعاصرة وشيوع الكفر وتفشي المعاصي فيها بمثل ماكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية ، وعليه فلا بأس بالجلوس مع الكافرين في حال كفرهم مع إنكار القلب وطمأنينته بالإيمان ، فهذا استدلال في غير محله وباطل ، لأن عموم ما في الدار من المنكر هو من المنكر العام والذي إن استطاع المسلم إزالته فبها ونعمت وأما إن لم يستطع وكان مستضعفاً ولم توجد دار إسلام يهاجر إليها فلا إثم عليه إذا لم يشايعهم في ما هم عليه من الكفر والمعاصي ، وأما آية سورة النساء فقد خصص الله تعالى الحكم فيها بالجلوس وقت الخوض والكفر بآيات الله والاستهزاء بها ، فليتقي الله كل من يقيس هذه بتلك ، فإن الله عليه حسيباً رقيباً . ولنضرب مثالاً على ذلك : جاء في الحديث الصحيح : (.. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) متفق عليه. فهذا نص عام في جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض.ثم ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يخصص بعض البقع التي لا تجوز فيهن الصلاة ومن هذه الأماكن: الصلاة عند القبور، وفي معطن الإبل، وفي أماكن النجاسة، وعند قارعة الطريق.. الخ،روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة ظهر بيت الله والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق ) رواه ابن ماجة . وهي من عموم الأرض، ولكن لا يجوز شرعاً وعقلاً أن نستدل بالنص العام على جواز الصلاة في هذه الأماكن المخصصة بالنهي.
ثانياً: من جهة العلة.
فإن العلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً، فأينما وجدت العلة وجد الحكم وأينما انتفت العلة انتفى الحكم ، فالعلة هنا هي في القعود مع الكافرين حال كفرهم واستهزائهم بآيات الله لقوله تعالى: ( فلا تقعدوا معهم ) والحكم هو الكفر، لقوله تعالى: ( إنكم إذاً مثلهم ) ومتى انتفى القعود في المكان المحدد مع المستهزئين والكافرين بآيات الله تعالى وهي العلة انتفى الحكم بانتفائها، ومتى لم تنتفي العلة يبقى الحكم باقياً، ولزيادة توضيح ذلك :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس مع من يشرب الخمرـ سواءً فرد أو جماعة ـ فالعلة هنا هي في الجلوس من الجالس في المكان المحدد بفعل المعصية والحكم هو الحرام وقد جاء بلفظ اللعن وكل لعن في السنة معناه الحرام، فمتى فارق المكلف المجلس عند رؤيته من يشربون الخمر وابتعد عنهم انتفت العلة في حقه فينتفي الحكم بانتفائها، ومتى لم يغادر أو يبتعد فلن تنتفي العلة فلا ينتفي الحكم في حقه وهو الحرام، لأن العلة مرتبطة بالحكم و تدور معه وجوداً وعدماً.
ثالثاً: من جهة القياس.
فإن القياس في الشريعة أنواع ومنها، قياس الأولى، وقياس الشبه، وقياس العكس، والقياس الجلي والخفي.
ومسألتنا هذه تدخل ضمن قياس الأولى، فقياس الأولى ها هنا هو: إذا كان لا يجوز للمسلم مجرد الجلوس في المكان الذي يعصى فيه الله تعالى كحانات الخمر ـ حتى وإن لم يشاركهم الجالس في الشراب ـ فمن باب قياس الأولى شرعاً وعقلاً أن يجتنب المسلم المكان الذي يكفر به بآيات الله ويستهزأ بها أو يسمع فيه أي نوع من أنواع الكفر . فإذا كان المسلم يعرض عن هذه المجالس ويمتنع عنها أشد الامتناع بينما لا يعرض ولا يمتنع في الجلوس والبقاء في مجالس الكفر والاستهزاء فهذا مثله كمثل الذين قال الله تعالى فيهم من بني إسرائيل: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة85
وهذا الحكم هو في بني إسرائيل ويدخل فيه غيرهم بعموم اللفظ لأن العبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول، وهو أن بني إسرائيل كانوا يؤمنون بحكم الله في فداء الأسرى من بني عمومتهم بينما يكفرون بحكم الله في قتالهم وإخراجهم من ديارهم وهو محرم عليهم ، فيأخذون ما يوافق أهوائهم ويذرون ما يعارضها، فكفرهم الله بذلك الصنيع.
سابعاً ـ بيان النهي في القعود مع الكافرين في حال نطقهم بالكفر والإستهزأ من ناحية اللغة العربية.
أولاً : كلمة "معهم". كما جاء في قوله تعالى : (فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ )
وهي كلمةٌ تفيد المعية والمصاحبة .
جاء في مختار الصحاح للرازاي :
( مع ) كلمة تدل على المصاحبة والدليل على أنه اسم حركة آخره مع تحرك ما قبله وقد يسكن وينون تقول جاءوا معاً . أ هـ ( مختار الصحاح ص 628 )
ومعهم : جار ومجرور، فـ "مع "حرف جر و "هم "ضمير متصل مبني على السكون في محل اسم مجرور.
ثانياً : حرف "حتى "في قوله تعالى ذكره: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )
فإن "حتى" : استثنائية وهي حرف نصب ، وهي في الآية استثنائية تفيد الاستثناء وليست "حتى"التي تفيد انتهاء الغاية لأنه لا يستقيم الكلام عقلاً وشرعاً لأنها لو كانت لانتهاء الغاية لأفادت معنى آخر مغاير، أي: اقعدوا مع الكافرين وقت خوضهم وكفرهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فلما سبقها النهي أفادت "حتى"معنى الإستثناء، بمعنى لا تقعدوا مع الكافرين وقت خوضهم في كفرهم واستهزاءهم "إلاّ أن"يخوضوا في حديثٍ غيره.
يقول عباس حسن في النحو الوافي :
ومن أمثلة "حتى"التي بمعنى: "إلاّ "قول على بن أبي طالب رضي الله عن: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.
وكذلك قول شوقي:
ما السلاح لقومٍ كل عدتهم حتى يكونوا من الأخلاق في أهبِ
ومن الأمثلة أيضاً قول المتنبي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ
وقول آخر:
و لا ألين لغير الحق أتبعه حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
وكذلك:
لا تسدين إلى عارفة حتى أقوم بشكر ما سلفا
ويقول في موضع آخر:
وتدل على الإسثناء ـ كإلاّ ـ إذا لم تصلح لدلالة على الغاية أو على التعليل، فلا بد من القطع بعدم صلاحيتها ( للغاية، أو التعليل ) قبل جعلها للإستثناء الخالص، نحو: ( لا يصلح الوالي للحكم حتى يلتزم العدل، ويحرص عليه ) ...والتقدير: لا يصلح الوالي للحكم إلاّ أن يلتزم العدل. ( فحتى ) هنا بمعنى: ( إ لاّ ) ـ وعند التقدير نقول معناها: ( إلاّ أَنْ ) ، فتظهر ( أَنْ ) بعد ( إلاّ ) في حالة التقدير فقط، لمجرد الإيضاح، ولا يصح إظهارها بعد ( حتى ) ـ ولا تصح أن تكون ( غائية ) ولا ( تعليلة ) ، إذ لو كانت ( غائية ) لوجب أن ينقضي المعنى قبلها تدريجياً ـ كما سبق ـ والنفي من المعاني التي تنقضي دفعة واحدة، لأنه حكم بالسلب على أمر، والحكم بالسلب ينْصبُّ سريعاً، دفعة واحدة، لا تدريجياً ـ في الصحيح ..أ هـ
ويقول في هامش نفس الصفحة :
وهنا اعتبار آخر؛ وهو أن الكلام قبل ( حتى ) منفي في هذه الصورة؛ ولا يزول معنى نفيه إذا كانت ( حتى ) للغاية وتحققت الغاية . فعند تحققها يبقى معنى النفي قبل ( حتى ) على حاله. ويترتب على بقائه فساد المعنى؛ إذ يكون التقدير: لا يصلح الوالي للحكم إلى أن يلتزم العدل، فإذا تحقق إلتزامه العدل لا يصلح للحكم. أ هـ
( النحو الوافي للأستاذ عباس حسن ج4 ص 336 ط دار المعارف بمصر )
( الفصل الثالث )
بيان أن مجالس الكفر ومجالس الاستهزاء في الحكم سواء والفرق هو في نوع الكفر واختلاف الألفاظ.
فنقول وبالله تعالى التوفيق ومنه العون والسداد والرشاد :
أولاً ـ ذكر الله تعالى لفظ الكفر بآيات الله مع لفظ الاستهزاء بل قدّم الله تعالى لفظ الكفر بآيات الله تعالى قبل الاستهزأ ، فقال جل ذكره: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ).
ثانياً ـ لم يقول الله تعالى ذكره: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِيُسْتَهْزَأُ بِهَا )حتى يحصر النهي في الآية الكريمة على مجرد الاستهزأ، فكيف إذا كان الكفر هو المقدم في النهي على الاستهزأ.
ثالثاً ـ ذكر الله تعالى الكفر بآياته وهي مسألة أخرى غير مسألة الاستهزاء ـ وإن كانت لازمة لها ـ فالاستهزاء باب آخر وهو زيادة على مجرد الكفر بآياته كما هو واضح من ظاهر النص ولا يجوز تجميد النص على الاستهزاء فقط ، وقد فصلت بين الكفر والاستهزاء واو العطف ، والعطف يقتضي المغايرة كما هو معلوم في كلام العرب . قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح الطحاوية : وعطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما . أهـ
والخلاصة في عطف النسق والذي نحن بصدده : إذا اتفق المعنيان عطفا المعطوف والمعطوف عليه على بعضهما وإن تغير اللفظان كقولنا : شحيح وبخيل ، وخائف وجبان ، ونحوها فهي بمعنى واحد لزيادة تأكيد معنى المعطوف عليه ، وإلاّ فيبقى على أصله وهو تغاير اللفظ والمعنى ، كقوله تعالى : ( فعموا وصموا ) فالعمى غير الصمم ، وقوله تعالى : ( فكفروا وتولّوا ) فالكفر غير التولي فكلاهما يفيد معنى مغاير خاص لما وضع له وإن كان يجمعهما حكم الكفر . وكذلك قوله تعالى: ( فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى () وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) فترك التصديق غير ترك الصلاة، والتكذيب غير التولي وإن كان يجمعهما حكم الكفر .
رابعاً ـ إن مجالس الكفر ليست محصورة على الكفر بآيات الله المكتوبة في القرآن الكريم بل على الكفر بها وبكل مجلس يذكر فيه أي نوع من أنواع الكفر وكل باطل من القول ( وقد تقدم ) وفي ذلك، يقول علماء الأمة من المفسرين لنص كلام الله تعالى في الآية الكريمة، (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا )وسنذكر بعضاً من أقوالهم:
يقول شيخ المفسرين الطبري رحمه الله:
وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم .
وبنحو ذلك كان جماعة من الأمة الماضية يقولون تأولاً منهم هذه الآية إنه مراد بها النهي عن مشاهدة كل باطل عند خوض أهله فيه ) أ هـ
وقال الإمام البغوي في تفسيره:
وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة،"أ هـ ( تفسير البغوي ج2 ص 103)
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
وقال عامة المفسرين: هي محكمة. وروى جويبر عن الضحاك قال : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة . أ هـ
أحكام القرآن للقرطبي ج 5 ص 417 ـ 418 ط دار الشام .
ويقول الإمام ابن الفرس الغرناطي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :
استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي وأهل الأهواء إذا ظهر ذلك منهم.أ هـ
أحكام القرآن لابن الفرس الغرناطي سورة النساء الآية140 ص330
وقال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره:( والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرون الزور أي القول والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير والصور ونحو ذلك..)
تفسير السعدي ج1/ص58
ويقول الإمام القرطبي رحمهالله في أحكام القرآن في قوله تعالى:
( والذين لا يشهدون الزور )
فيه مسألتان الأولى قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرون الكذب والباطلولا يشاهدونه والزور كل باطل زور وزخرف وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد وبه فسر الضحاك وبن زيد وبن عباس وفي رواية عن بن عباس أنه أعياد المشركين..أ هـ
تفسير القرطبي ج13/ص79
****************
والله تعالى أعلم وأحكم وهو الهادي إلى سواء السبيل
وصلى اللّهم وسلّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
كتبه : أبو عبد الله محمد محمد القلال .
في غرة محرم الحرام في سنة 1430 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم .
بنغازي ـ ليبيا