ما هو الدليل على أن العبد لا يدخل الإسلام حتى يكفر بالطاغوت بجميع أنواعه وأشكاله ؟
د.ماجد كارم
الجواب :
1- قال تعالى :- فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ [البقرة: 256]
قال القرطبي : يقول تعالى :"فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ "[البقرة: 256]
جزم بالشرط ، والطاغوت مؤنث من طغى يطغى - وحكى الطبري- يطغوا إذا جاوز الحد بزيادة عليه … ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) جواب الشرط ...فقال مجاهد :- العروة :- الإيمان ،
وقال السدي : الإسلام ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك :- لا اله إلا الله . وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد . اهـ .
وقال البغوي :- (فمن يكفر بالطاغوت) يعني :- الشيطان ، فقيل :- كل ما عبد من دون الله -تعالى- فهو طاغوت ……( ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي :- تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين
( لا انفصام لها ) لا انقطاع لها. ا هـ .
وقال ابن كثير : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ [البقرة: 256] أي : من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ، وَوَحَّدَ الله فعبده وحده وشهد : أن لا اله إلا الله. فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أي : فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم …
ومعنى قوله : ( أي الفاروق عمر ) في الطاغوت : أنه الشيطان ، قوي جداً، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها ، والإستنصار بها …
قال مجاهد : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ يعني الإيمان . وقال السدي: هو الإسلام وقال سعيد بن جبير والضحاك : لا اله إلا الله
وهذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها . اهـ
وقال الإمام الطبري : والصواب من القول عندي في الطاغوت : أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له . إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كائناً من كان من شيء… فتأويل الكلام إذاً : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله ويكفر به (ويؤمن بالله) يقول: ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده (فقد استمسك بالعروة الوثقى ) . يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه … (والله سميع عليم) يعني : تعالى ذكره والله سميع إيمان المؤمن بالله وحده الكافر بالطاغوت عند إقراره بوحدانية الله وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله (عليم) بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبية قلبه وما انطوى عليه – من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت - ضميره ، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه لا يتكتم عنه سر ولا يخفى عليه أمر ، حتى يجازي كلاً يوم القيامة بما نطق به لسانه وأضمرته نفسه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً . اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :"واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) الرشد : دين محمد والغي : دين أبي جهل . والعروة الوثقى : شهادة أن لا إله إلا الله وهي متضمنة للنفي والإثبات تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله وتثبت جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له ."اهـ
2- وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]
قال الشنقيطي في قوله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]
ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه كما بينه تعالى بقوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ [البقرة: 256] وقوله :وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون إلى غير ذلك من الآيات .اهـ
3- وقال تعالى : وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [الزمر: 17]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفة الكفر بالطاغوت المكلف أو العاقل تتحقق بالقيام بستة أمور :-
أربعة في المعبود أي الطاغوت وهي :-
1- اعتقاد بطلان عبادته .
2- وتركها .
3- وبغضها .
4- وتكـفيره مع بغضه وعداوته .
واثنين في العابد أي الذي عبد غير الله من طاغوت ونحوه وهما :-
5- تكـفيرهم .
6- ومعاداتهم في الله .
____________
* قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :"ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يُعتقد فيه غير الله من جني أو أنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك أو أخاك .
فأما من قال أنا لا أعبد إلا الله وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت " .
[ الدررالسنية في الأجوبة النجدية :2 / 121]
___________________________
وقال أيضا ً رحمه الله تعالى : "وأنت يا مَن مَنّ الله عليه بالإسلام , وعرف أن ما من إله إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق , وأنا تارك ما سواه , لكن لا أتعرض للمشركين , ولا أقول فيهم شيئا ً , لا تظن : أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام , بل : لابد من بغضهم , وبغض من يحبهم , ومسبتهم , ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم والذين معه:إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبد ا ً حتى تؤمنوا بالله وحده وقال تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى الآية وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة ٍ رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ولو يقول رجل : أنا اتبع النبي وهو على الحق , لكن : لا أتعرض اللات والعزى , ولا أتعرض أبا جهل , وأمثاله , ما علي منهم , لم يصح إسلامه "
وقال العلامة سليمان بن عبد الله آل الشيخ :"إن كان يقول : أقول غيرهم كفار ولا أقول هم كفار فهذا حكمٌ منه بإسلامهم إذ لا واسطة بين الكفر والإسلام فإن لم يكونوا كفارا ً فهم مسلمون وحينئذٍ فمن سمى الكفر إسلاما ً أو سمى الكفار مسلمين فهو كافر فيكون هذا كافرا ً ". [ أوثق عري الإيمان ضمن مجموعة التوحيد : 1 / 160]
وقد سُئِلَ الشيخ حسين والشيخ عبدالله إبنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله :"ما قولكم في رجل دخل هذا الدين وأحبه لكن لا يعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم أو قال : أنا مسلم ولكن [ لا أستطيع أن ]أكفر أهل لا إله إلا الله ولو لم يعرفوا معناها ؟ ورجل دخل هذا الدين وأحبه ولكن يقول : لا أتعرض للقباب وأعلم أنها لا تنفع ولا تضر ولكن لا أتعرضها ".
فالجواب :"أن الرجل لا يكون مسلماً إلا إذا عرف التوحيد ودان به وعمل بموجبه وصدق الرسول فيما أخبر به وأطاعه فيما نهى عنه وأمن به وبما جاء به فمن قال لا أعادي المشركين أوعاداهم ولم يكفرهم أو قال لا أتعرض أهل لا إله إلا الله ولو فعلو ا الكفر والشرك وعادوا دين الله أو قال لا أتعرض القباب فهذا لا يكون مسلما ً بل هو ممن قال الله : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً * أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهينآ ،والله سبحانه وتعالى أوجب معاداة المشركين ومنابذتهم وتكفيرهم ... الخ ".
[ مجموعة التوحيد : 1 / 353 ــ والدرر السنية : 10 / 139 ]