د.ماجد كارم
طرق الحكم على المعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا أو كافرا ثلاثة
(نص - ودلالة - و تبعية )(انظربدائع الصنائع)
وهى مرتبة كالآتى يحكم بالنص أولا فإن تعذر فبالدلالة فإن تعذرت فبالتبعية
أولا: الحكم بالإسلام من طريق النص ،
___________________________
المراد بالنص هنا وهو ما يتكلم به الإنسان ويعبر بلسانه عنه
ولأن الكفار يتدرج كفرهم ويتنوع ، فمنهم الملحد ومنهم الوثنى ومنهم النصرانى ومنهم اليهودى الناطق بلا إله إلا الله ومنهم المنتسب للاسلام وخرج ببدعة مكفرة ،فذكر العلماء هنا قاعدة عامة وهى :
(أن يأتي بالشهادة أو بالشهادتين أو يأتي بهما مع التبرئ مما هو عليه صريحا)(بدائع الصنائع)
(أن الكافر متى أظهر بخلاف ما كان يعتقده فإنه يحكم بإسلامه) ) شرح السير الكبير)
والدليل على هذه القاعدة قال رسول الله(من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) (رواه مسلم) يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ( وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع ).(كتاب التوحيد)
وأدلتها من القرآن كثيرة منها قال تعالى:
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة - الأية: 256]
(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [سورة: التوبة - الأية: 11]
وتفصيل تطبيق هذه القاعدة قال البغوي (الكافر إذا كان وثنيًا أو ثنويًا لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا اللّه حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وأما من كان مقرًا بالوحدانية منكرًا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول اللّه فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده) .[نيل الأوطار]
فى واقعنا المعاصرالتكلم بشئ من الإسلام كقول لاإله إلا الله لم يعد من خصائص الإسلام لأن الناس الذين يقولونها هم الذين يشركون بالله ،فلم يبق من خصائص الإسلام إلا التصريح بالبراءة من الكفر الموجود فى حياة الناس
ثانيا الحكم بالإسلام أو الكفر من طريق الدلالة (شهادة الحال)
____________________________________________
ويقصد بها حال المرء وأفعاله وسيماه وهيئته الظاهرة وما تدل عليه
(ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر }[ فهذه شهادة منهم على أنفسهم ] بما يفعلونه )شرح العقيدة الطحاوية.أهـ
من أدلة السنة على اعتبار دلالة الحال(قصة العباس)
العباس عم الرسول كان قد تكلم بالإسلام بمكة فلما خرجت قريش لحرب المسلمين فى بدر أخرجوه معهم فأسره المسلمون وعومل معاملة الكفار بشهادة حاله لوجوده معهم وبين صفوفهم
ضابط شهادة الحال(والصحيح أنه يصير مسلما بكل ما هو من خصائص الإسلام.) (شرح العقيدة الطحاوية)
هو أن يأتى المرء بوصف أو فعل أوحال لا يفعله إلا المسلمون وهو ما يسمى بخصائص الإسلام أى الأوصاف التى يختص به المسلمون دون غيرهم ،أما الأوصاف المشتركة كشعب الإيمان وخصال الخير التى يفعلها المسلمون وغيرهم فلا يحكم لفاعلها بالإسلام فقد ثبت أن المشركون فى الجاهلية كانوا يفعلون بعض خصال البر ولم يصيروا بذلك مسلمين فعلامات الإسلام وخصائصه من صلاة وحج وقراءة قرآن يفعلها المسلمون ويفعلها المشركون المنتسبون إلى الإسلام اليوم فلم تعد من خصائص الإسلام المميزة فلا يحكم لصاحبها بالإسلام بذلك كما لايحكم لليهودى إذا قال لاإله إلا الله لأن النطق بهذه الكلمة وصف مشترك بين المسلمين واليهود فلم تعد هناك سيماء خاصة بالمسلمين أو المشركين فالطواغيت يصلون ويصومون وعباد القبور يسمون أنفسهم دعاة الإسلام ويؤدون بعض شعائره والمتحاكمون إلى الطواغيت المقاتلون فى سبيلها أيضا ملتحون وترتدى نساؤهم الحجاب فأصبح من العسير الحكم لأحد بالإسلام بهذه الشعائر ومن ثم الحكم لأحد بالإسلام عن طريق الدلالة.وحال الناس اليوم أنهم تبع إما لحكامهم (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) وإما تبع لآبائهم (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)) وإما تبع لأحبارهم ورهبانهم{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}
ثالثا الحكم بالإسلام أو الكفر من طريق التبعية
________________________________
عند تعذر الحكم على شخص من طريق النص أو الدلالة يلجأ إلى التبعية ولها حالان الأول تبعية الطفل لأبويه ،الثانى تبعية مجهول الحال للدار
أولا الطفل الصغير يتبع آبائه (جاءت الشريعة بأن الطفل مع أبويه على دينهما في أحكام الدنيا الظاهرة وهذا الدين لا يعاقبه الله عليه - على الصحيح - حتى يبلغ ويعقل وتقوم عليه الحجة وحينئذ فعليه أن يتبع دين العلم والعقل ) (شرح العقيدة الطحاوية )ودليلها حديث النبي ( كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية علي هذه الملة - فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه ) متفق عليه
ولذا اتفق العلماء على (أَنَّ الصَّبِيَّ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ في الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِالدَّارِ مع وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ أو أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ له من دِينٍ تَجْرِي عليه أَحْكَامُهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَهْتَمُّ لِذَلِكَ إمَّا لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَإِمَّا لقصوره فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ أَوْلَى)(بدائع الصنائع )
ثانيا الحكم بتبعية الكبير للدار عند تعذر الحكم على شخص من طريق النص أو الدلالة يحكم له بحكم الدار فإن كانت دار إسلام فمجهول الحال فيها مسلم حكما وإن كانت دار كفر فمجهول الحال فيها كافرحكما وحقيقة أمره إلى الله
يقول ابن قدامة
(الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل) (المغنى)
- ويقول أيضا(فأما دار الحرب فلا نحكم بإسلام ولد الكافرين فيها بموتهما ولا موت أحدهما لأن الدار لا يحكم بإسلام أهلها وكذلك لم نحكم بإسلام لقيطها )أهـ (المغنى)
ويقول أبو بكر الجصاص عند ذكره للميت المجهول(فإن كان في مصر من الأمصار التي للمسلمين فهو مسلم وإن كان في دار الحرب فمحكوم له بحكم الكفر) ( أحكام القرآن للجصاص ج2)
الإسلام والكفر حقيقة وحكما :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقيقة الناس عند الله قسمان كافر ومؤمن قال تعالى: (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مّؤْمِنٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
وعند الناس وفى الدنيا أربعة أقسام يقول ابن القيم:(الناس إما مؤمن ظاهرا وباطنا ،وإما كافرا ظاهرا وباطنا ،أو مؤمن ظاهرا كافر باطنا ،أو كافر ظاهرا مؤمن باطنا والأقسام الأربعة قد اشتمل عليها الوجود وقد بين القرآن أحكامها فالأقسام الثلاثة الأول ظاهرة وقد اشتمل عليها أول سورة البقرة.... وأما القسم الرابع ففي قوله تعالى ( وَلَوْلاَ رِجَالٌ مّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مّؤْمِنَاتٌ لّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ ) فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره) (اجتماع الجيوش الإسلامية)
وبيان هذه الأقسام الأربعة:
أولا المسلم الحقيقى :المسلم على الحقيقة فى الآخرة (ظاهرا وباطنا) وهو من برئ من الشرك والتزم الإسلام ظاهرا وباطنا فيكون مؤمناعلى الحقيقة عند الله أما عند الناس فمعرفة حقيقة إيمانه الباطن أمر متعذر ولكن الشارع قد جعل أمارات ظاهرة يمكن بها الإستدلال على إيمان الباطن كالمسارعة فى الخيرات والبعد عن المعاصى وموالاة المسلمين والبراءة من الكافرين .ففى الحديث الذى رواه أنس يقول فيه (مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) رواه الشيخان
يقول ابن حجر عن علم الناس للمؤمنين على الحقيقة ومآلهم فى الآخرة:(وَالتَّحْقِيق أَنْ يُقَال إِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُعْلَم أَصْلًا وَرَأْسًا فَمَرْدُودٌ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْعَلَامَةِ الْمُثْبِتَة لِلظَّنِّ الْغَالِب فَنَعَمْ ، وَيَقْوَى ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ اُشْتُهِرَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاح وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح الْمَاضِي فِي الْجَنَائِز "أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْض "وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ قَطْعًا لِمَنْ شَاءَ اللَّه أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَة الْغَيْب الَّذِي اِسْتَأْثَرَ اللَّه بِعِلْمِهِ وَأَطْلَعَ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ اِرْتَضَى مِنْ رُسُله عَلَيْهِ )(فتح البارى)
ثانيا :المسلم الحكمى:المسلم الحكمى (فى الدنيا) وهو المسلم ظاهرا وهو من أقربالإسلام وظهرت عليه علاماته ولم تظهر عليه علامات الإيمان ،ويدخل فيه عموم المسلمين فى دار الإسلام ،وكل من أظهر خصلة من خصاله ولو كان منافقا ما لم يظهر كفرا وهذا لا يكون إلا فى دار الإسلام ،ويدخل فيه أطفال المسلمين بالتبعية لآبائهم فإذا بلغوا الحلم استبان أمرهم فإذا ظهرت عليهم أمارات الإيمان حكم لهم به مع ظن راجح ،وإن ظهرت عليهم أمارات النفاق أو التهاون فى الطاعات أو الإسراف فى المعاصى صاروا مسلمين حكما مالم يصرحوا بكفر فإن صرحوا به فهم كفار حقيقة
ثالثا الكافر الحقيقى:الكافر الحقيقى هو كل من التبس بكفر بالقول أو العمل أو الاعتقاد فيكون كافرا عند الله وعند المسلمين ويحكم عليه بالخلود فى النار إن مات على ذلك كأفراد الحكومات فى أيامنا بسلطاتها الثلاث (التشريعية –القضائية –التنفيذية) وأنصارهم وجنودهم ،والمتحاكمين إليهم ،وعباد القبور وكل من صرح بحل محرم ،وكل من التبس بكفر ظاهر
رابعا الكافر الحكمى:الكافر حكما(بالتبعية)هو من لم يأت الكفر صراحة فكان كفره بفعل غيره لا بفعل نفسه بتبعيته لقوم كافرين يصعب تمييزه منهم أو معرفة حاله كتبعية الطفل لأبويه أوتبعية الكبير لقومه إذا لم يتميز منهم فيستصحب له حكم الدار ،وربما كان مسلما على الحقيقة كاتما لإيمانه
قاعدة (وجوب العمل بغلبة الظن)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الوصول إلى علم اليقين فى جميع الأمور أمر عسير أو مستحيل ولو أردنا الوصول فى كل جزئية من الدين إلى الحقيقة المطلقة لأعجزنا ذلك، ولو كان شرطا لقبول أحكام الشريعة والعمل بها هو الوصول إلى علم اليقين فى كل مسائلها لتعطلت أحكامها،لذلك اقتضت حكمة الشارع ألا يشترط ذلك وأن يصح العمل بكثير من أحكام الشريعة وفق قاعدة (وجوب العمل بغلبة الظن) وهى قاعدة مشهورة ومطردة يقول الجصاص(فَإِنَّ الْعِلْمَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَلَى الْحَقِيقَةِ .وَالْآخَرُ : حُكْمُ الظَّاهِرِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ .وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ - وَأَنَّهُ يُسَمَّى عِلْمًا : قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } وَمَعْلُومٌ أَنَّا لَا نُحِيطُ عِلْمًا بِمَا فِي ضَمَائِرِهِنَّ ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِنَّ عِلْمًا ، وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ : { إنَّ ابْنَك سَرَقَ ، وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا ، وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } فَسَمَّوْا مَا غَلَبَ فِي ظُنُونِهِمْ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ مِنْهُمْ بِغَيْبِهِ وَحَقِيقَتِهِ عِلْمًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْرِقُ فِي الْحَقِيقَةِ )[الفصول في الأصول للجصاص]وفى مسألتنا هذه فيها العلمان العلم الحقيقى والعلم بغلبة الظن فالعلم الحقيقى فيها هو فى الكافر الحقيقى الملتبس بكفر فهذا لايشك فى كفره بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة فأفادت العلم الحقيقى ولا يعذر إلا المكره ، أما العلم بغلبة الظن فهو فى الكافر الحكمى أى الكافر بالتبعية لظنية الأدلة فيها لذلك اكتفى فيها بالعمل وفق قاعدة (وجوب العمل بغلبة الظن)،أما الإسلام الحقيقى فهو حكم بغلبة الظن لاحتمال عدم القبول عند الله وقد مر بنا قول ابن حجر (أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْعَلَامَةِ الْمُثْبِتَة لِلظَّنِّ الْغَالِب) أما الإسلام الحكمى فكل من أظهر التوحيد وبرئ من الشرك فهو مسلم حكما بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة ،أما حقيقة إيمانه فتعلم بغلبة الظن
الفرق بين حكم الله وحكم الناس :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم بالكفر والإسلام بين الناس لن يدخل أحد جنة أونار ولكنها أحكام وضعها الشارع لضبط العلاقات بين الناس أما الحكم الأوفى والأكمل فيوم القيامة وهو الحكم الذى يصار به إلى الجنة أوالنار قال الإمام ابن تيمية _رَحِمَهُ الله_:(وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه من لا يعلم المسلمون حاله إذا قاتلوا الكفار فيقتلونه ولا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا)ا.هـ. (درء تعارض النقل والعقل)
فقه اعتبار القرائن الدالة على الاسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وردت بعض الأحاديث الدالة على بعض قرائن الاسلام من فعلها يجب الكف عنه مثال ذلك
أخرج البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي من حديث أنس : ( أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه وأن محمدًا رسول اللّه فإذا شهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدًا رسول اللّه واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ) ولفظ البخاري : ( من شهد أن لا إله إلا اللّه واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم ) .
وكحديث انكار الرسول على أسامة قتل رجل نطق بلا إله إلا الله ، فانخدع الكثير بظاهر هذه الأحاديث ولم يحسنوا فهمها ووضعوها فى غير موضعها ، وتصوروا أن كل من نطق بلا إله إلا الله أوصلى يصير مسلما أيا كان الزمان أو المكان أو نوع الكفر
والصواب هو وضع هذه الأحاديث فى موضعها يقول الامام البغوى معلقا على حديث أسامة حين انكر عليه الرسول قتل رجل نطق بلا إله إلا الله (وهذا في الثنوي الذي لا يعتقد التوحيد إذا أتى بكلمة التوحيد ، يحكم بإسلامه ، ثم يجبر على سائر شرائط الإسلام ، فأما من يعتقد التوحيد ، لكنه ينكر الرسالة ، فلا يحكم بإسلامة بمجرد كلمة التوحيد حتى يقول : محمد رسول الله ، فإذا قاله كان مسلماً إلا أن يكون من الذين يقولون : محمد مبعوث إلى العرب خاصة ، فحينئذ لا يحكم بإسلامه بمجرد الإقرار بالرسالة حتى يقر انه مبعوث إلى كافة الخلق ، ثم يستحب أن يمتحن بالإقرار بالبعث ، والتبرؤ من كل دين خالف الإسلام. وكذلك حكم المرتد يعود إلى الإسلام عن الدين الذي انتقل إليه). [شرح السنة ـ للإمام البغوى]
ويقول النووى (وذكر القاضي عياض اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إلَه إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركوا العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله: لا إلَه إلا الله، إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الاَخر: "وأني رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة"هذا كلام القاضي. قلت: ولا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة هي مذكورة في الكتاب: "حتى يشهدوا أن لا إلَه إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به"والله أعلم.[شرح صحيح مسلم للنووي ]
ويقول الحافظ (وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فان شهد بالرسالة والتزم أحكام الاسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الاشارة بالاستثناء بقوله إلا بحق الاسلام ) [فتح الباري لابن حجر]
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (أجمع العلماء على أن من قال: "لا إله إلا الله"ولم يعتقد معناها ولم يعمل بمقتضاها، أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات).[فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ]
الفرق بين الشرك والالحاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتفق الالحاد والشرك فى أنهما نوعان من أنواع الكفر، ويختلفان فى أن الالحاد هو انكار وجود الله مطلقا ومن ثم ترك عبادته كلية ، ويسمون الدهرية {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } [الجاثية: 24] وهؤلاء قليلون جدا بالنسبة للمشركين فالأكثرية دائما مشركة قال تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42]
أما الشرك هو إعطاء بعض صور العبادة لله وبعضها لغيره أى أن المشرك مقر بوجود الله وباستحقاقه للعبادة ولكنه لا يفرده بها فيعطى بعض أنواع العبادة له وبعضها لغيره قال تعالى{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] فأثبت لهم إيمان مخلوط بشرك
فحين يقال اليوم إن الناس مشركون بعبادة غير الله بتلقيهم الشرائع القانونية عن غيره ،يكون ذلك إقرارا بأن لهم عبوديات يعطونها لله كالشعائر التعبدية من صلاة وحج وهذا معلوم من حال كثير منهم ،إذن فليس كفر الناس اليوم سببه الالحاد حتى إذا كان منهم من يقر بوجود الله صار مسلما ،كذلك ليس كفر الناس اليوم سببه عدم قول لا إله إلا الله أو ترك الصلاة حتى إذا كان منهم من يقول لا إله إلا الله أو يصلى صار مسلما ، وإنما كفر الناس اليوم سببه الأكبر تلقى الشرائع القانونية عن غير الله (كفر الحاكمية) فإذا كان منهم من يبرأ من هذه الصورة ومن توابعها صار مسلما عملا بقاعدة (أن الكافر متى أظهر بخلاف ما كان يعتقده فإنه يحكم بإسلامه) (شرح السير الكبير) (أن يأتي بالشهادة أو بالشهادتين أو يأتي بهما مع التبرئ مما هو عليه صريحا)(بدائع الصنائع)
نماذج عملية لمشركين يأتون أعمالا صالحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اتباع مسيلمة كانوا يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون ولكنهم كفروا باتباع مسيلمة ، فهل لوشوهد أحد منهم يقول لا إله إلا الله أو يصلى هل يعد ذلك من إسلاما مع معرفتنا باتباعهم لمسيلمة؟!!
2- قول اليهود لا إله إلا الله كيهود المدينة ويهود زماننا فهل لو شوهد أحد منهم يقولها هل يعد ذلك منه إسلاما مع معرفتنا بإنكارهم لنبوة الرسول ؟!
3- مشركوالعرب كانوا يحجون ويعمرون المسجد الحرام قال تعالى{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 19] وكانوا يخلصون الدعاء فى الشدة قال تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] فهل لو شوهد أحد منهم يحج أو يخلص الدعاء لله فى الشدة هل يعد بذلك مسلما مع معرفتنا بشركهم فى الرخاء؟!
وكذلك فى زماننا هل يحكم للمصلين والحاجين بالإسلام مع معرفتنا بتحاكمهم للطاغوت وموالاته بل وتنصيبهم للطواغيت وللمشرعين من دون الله بل والافتخار بهذا والدعوة اليه والانكار علي من انكره وحربهم علي اهل التوحيد؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع ذات صلة