Quantcast
Channel: الخلافة الاسلامة على منهج المهدي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

إقامة البرهان على حرمة طلب الشفاعة من غير الواحد الديان

$
0
0
الشفاعة لا تطلب في الدنيا إلا من الله تعالى :
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : (فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا وقال ولا تدع من دون الله مال ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك رذا من الظالمين فإذا كان الرسول الله صلى الله عليه و سلم وهوسيد اشفعاء وصاحب المقام المحمود وادم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع إبتداء بل يأتي فيخر ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حد فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء

وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم
وأما ماصدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتظيمم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج والصلاة عندها واتخاذها أعيدا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه و سلم وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وهو صلى الله عليه و سلم حمى جناب التوحيد أعظم)

6- وقال رحمه الله : ( وقد قدمنا ما دل عليه من الكتاب والسنة ، أن ما في القرآن من ذكر الشفاعة نفيا وإثباتا ، فحق لا اختلاف فيه بين أهل الحق.
فالشفاعة المنفية إنما هي في حق المشرك الذي اتخذ له شفيعا يطلب الشفاعة منه ، فيرغب إليه في حصولها ، كما في البيت المتقدم وهو كفر كما صرح به القرآن ).

قلت:

البيت الذي أشار إليه هو قول صاحب البردة : ولن يضيق رسول الله جاهك بي *** إذا الكريم تجلى باسم منتقم

7- ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : ( ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء ، والملائكة، والأولياء ، والأطفال حسب ما ورد أيضاً ، ونسألها من المالك لها، والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين ، الذين هم أسعد الناس بها كما ورد ، بأن يقول أحدنا متضرعاً إلى الله تعالى: اللهم شفّع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة ، أو اللهم شفّع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم. فلا يقال يا رسول الله ، أو يا ولي الله ، أسألك الشفاعة ، أو غيرها كأدركني ، أو أغثني ، أو اشفعني ، أو انصرني على عدوي ، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى) الهدية السنية.

8- ومثله قول القصيمي: ( أعطى الله الملائكة الشفاعة على ما ذكر في الآية ، ولا يجوز طلبها منهم ، ولا الاستشفاع بهم بالضرورة ، بل لقد أعطى الجماد الشفاعة كما قال: أنه أعطاها الحجر الأسود، وأخبر أنه يشفع ويشفّع يوم القيامة . وهل يجرأ المخالف الرافضي أن يدعي أنه يجوز طلب الشفاعة من الجماد ، ومن الحجر الأسود، وأنه يجوز الاستشفاع به ؟ بل لقد جاء وصح أن القرآن يشفع ، وأن الأطفال يشفعون لآبائهم وأقاربهم . فهل يزعم الرافضي أن الاستشفاع بالقرآن ، والقرآن عندهم مخلوق ، وبالأطفال جائز مطلوب ، ودين يتقرب إلى الله به ؟ ).

ويقول أيضاً : ( كما أن الله قد ذكر في كتابه إنكار شفاعات المشركين ، ونعى عليهم أنواع استشفاعاتهم ، فنفى شفاعاتهم جملة ، ونعى عليهم استشفاعهم أيضاً جملة، وأخبر أن من جملة ضلال القوم ، وفساد عقائدهم ، ومن جملة شركهم بالله، واستحقاقهم النقمة والمقت ، اتخاذهم الشفعاء إليه ، وطلبهم الشفاعة من معبوديهم ).انتهى

9- يقول الشيخ أحمد بن عيسى رحمه الله:
( قد أخبر تعالى أن الشفاعة جميعها له، فمن طلبها من غير الله ، فقد طلبها ممن لا يملكها ، ولا يسمع ولا يستجيب ، وفي غير الوقت الذي تقع فيه ، ولا قدرة له عليها إلا برضا ممن هي له ، وإذنه فيها وقبوله ، فطلبها ممن هي له في دار العمل عبادة من جملة العبادات ، وصرف ذلك الطلب لغيره شرك عظيم ، ومن تدبر آيات الشفاعة حق التدبر، علم علماً يقينياً أنها لا تقع إلا لمن أخلص أعماله كلّها لله واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده وشرائع دينه ، فليس لله من عمل عبده إلا الإخلاص) الرد على شبهات المستعينين بغير الله.

10- ومما اتفق عليه علماء مكة وعلماء نجد في (البيان المفيد) ما نصّه:
(ونعتقد) أن الشفاعة ملك لله وحده ، ولا تكون إلا لمن أذن الله له ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، ولا يرضى الله إلا عمن اتبع رسله، فنطلبها من الله مالكها، فنقول اللهم شفع فينا نبيك مثلاً ، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا ، فذلك لم يرد به كتاب ، ولا سنّة ولا عمل سلف ، ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين , فنبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله أو تشفع لنا عنده ، فنكون ممن قال الله فيهم ، وقد أقروا بربوبيته، وأشركوا بعبادته : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )الآية .) .انتهى






11- قال الشيخ سليمان بن عبد الله : ( وحقيقة أمر الشفاعة ، أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص ، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه ، وينال المقام المحمود ، فهذا هو حقيقة الشفاعة .
لا كما يظن المشركون والجهال أن الشفاعة هي كون الشفيع يشفع ابتداء فيمن شاء ، فيدخله الجنّة ، وينجيه من النار. ولهذا يسألونها من الأموات وغيرهم إذا زاروهم..).تيسير العزيز الحميد

12- وقال الإمام القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي: ( ثم إن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال: فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم : يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا , والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر. وأما أهل السنة والجماعة، فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، وشفاعة غيره ، لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له ، ويحد له حدا ، كما في الحديث الصحيح ، حديث الشفاعة: "إنهم يأتون آدم، ثم نوحا، ثم إبراهيم ، ثم موسى، ثم عيسى، فيقول لهم عيسى عليه السلام: اذهبوا إلى محمد ، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأذهب، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا، فأحمد ربي بمحامد يفتحها عليّ، لا أحسنها الآن ، فيقول: أي محمد ، ارفع رأسك، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، فأقول: ربي: أمتي ، فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أنطلق فأسجد ، فيحد لي حدا"الحديث .) شرح العقيدة الطحاوية.

13- وقال رحمه الله : ( فالحاصل أن الشفاعة عند الله ليست كالشفاعة عند البشر، فإن الشفيع عند البشر كما أنه شافع للطالب شفعه في الطلب، بمعنى أنه صار شفعا فيه بعد أن كان وترا، فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه ، وبشفاعته صار فاعلا للمطلوب ، فقد شفع الطالب والمطلوب منه ، والله تعالى وتر، لا يشفعه أحد، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فالأمر كله إليه ، فلا شريك له بوجه ) شرح العقيدة الطحاوية.

14- وقال ابن القيم رحمه الله : ( قال تعالى : ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ).
فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض ، وهو الله وحده ، فهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده ، فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه ، فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له ، والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له وأمره ، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه ، وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده .
وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم ، وهي التي أبطلها الله سبحانه في كتابه بقوله : ( واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ) [ البقره : 123 ] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) [ البقره : 254 ] ، وقال تعالى :
( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ) [ الأنعام51 ] ، وقال : ( الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولى ولا شفيع ) [ الأنعام32 : 4 ]
فأخبر سبحانه أنه ليس للعباد شفيع من دونه ، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه ، كما قال تعالى ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) [ يونس : 3 ] وقال : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [ البقره : 255 ] فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه ، ولا الشافع شفيع من دونه بل شفيع بإذنه .
والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المأمور ، فالشفاعة التي أبطلها الله : شفاعة الشريك فإنه لا شريك له ، والتي أثبتها : شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له ويقول : اشفع في فلان ، ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد ، الذين جردوا التوحيد ، وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه ، وهم الذين ارتضى الله سبحانه .
قال تعالى : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )[ الأنبياء : 28 ] وقال تعالى : ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا) [ طه : 109 ] )
فأخبر أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع ، إلا بعد رضاء قول المشفوع له ، وإذنه للشافع فيه ، فأما المشرك فإنه لا يرتضيه ، ولا يرضى قوله فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه ، فإنه سبحانه علقها بأمرين : رضاه عن المشفوع له ، وإذنه للشافع فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة.
وسر ذلك : أن الأمر كله لله وحده ، فليس لأحد معه من الأمر شيء ، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده : هم الرسل والملائكة المقربون ، وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول ولا يتقدمون بين يديه ، ولا يفعلون شيئا إلا بعد إذنه لهم وأمرهم ، ولا سيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، فهم مملوكون مربوبون أفعالهم مقيدة بأمره وإذنه ، فإذا أشرك بهم المشرك واتخذهم شفعاء من دونه ، ظنا منه أنه إذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله ، فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه ، وما يجب له ويمتنع عليه ، فإن هذا محال ممتنع شبيه قياس الرب تعالى على الملوك والكبراء ، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام ، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي.
والفرق بينهما هو الفرق بين المخلوق والخالق ، والرب والمربوب ، والسيد والعبد ، والمالك والمملوك ، والغني والفقير والذي لا حاجة به إلى أحد قط والمحتاج من كل وجه إلى غيره ،....
إلى أن قال رحمه الله : ( وقال سبحانه في سيدة آي القرآن آية الكرسي له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ، [ البقره : 255 ] وقال : ( قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض )، [ الزمر : 44 ]
فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده وأن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه ، فإنه ليس بشريك بل مملوك محض بخلاف شفاعة أهل الدينا بعضهم عند بعض.

فتبين أن الشفاعة التي نفاها الله سبحانه في القرآن ، هي هذه الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس ، ويفعلها بعضهم مع بعض ، ولهذا يطلق نفيها تارة بناء على أنها هي المعروفة المشاهدة عند الناس ، ويقيدها تارة بأنها لا تنفع إلا بعد إذنه ، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه ، فإنه الذي أذن والذي قبل ، والذي رضي عن المشفوع ، والذي وفقه لفعل ما يستحق به الشفاعة وقبوله.
إلى أن قال رحمه الله : ( وسر الفرق بين الشفاعتين : أن شفاعة المخلوق للمخلوق ، وسؤاله للمشفوع عنده ، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده , لا خلقا ، ولا أمرا ولا إذنا ، بل هو سبب محرك له من خارج ، كسائر الأسباب التي تحرك الأسباب ، وهذا السبب المحرك قد يكون عند المتحرك لأجله ما يوافقه كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه ، وقد يكون عنده ما يخالفه كمن يشفع إليه في أمر يكرهه ، ثم قد يكون سؤاله وشفاعته أقوى من المعارض فيقبل شفاعة الشافع ، وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع فيردها ، ولا يقبلها ، وقد يتعارض عنده الأمران فيبقى مترددا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد ، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول ، فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحد الأمرين بمرجح .
فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله هي سعى في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحركه به ، ولو على كره منه ، فمنزلة الشفاعة عنده منزلة من يأمر غيره ، أو يكرهه على الفعل ، إما بقوة وسلطان ، وإما بما يرغبه ، فلابد أن يحصل للمشفوع إليه من الشافع ، إما رغبة ينتفع بها وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته ، وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه ، فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع ، ويأذن له فيها ، ويحبها منه ويرضى عن الشافع لم يمكن أن توجد ، والشافع لا يشفع عنده لحاجة الرب إليه ، ولا لرهبته منه ولا لرغبته فيما لديه ، وإنما يشفع عنده مجرد امتثال لأمره وطاعة له ، فهو مأمور بالشفاعة مطيع بامتثال الأمر ، فإن أحدا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات ، لا يتحرك بشفاعة ولا غيرها إلا بمشيئة الله تعالى وخلقه ، فالرب سبحانه وتعالى هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع ، والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل ، والشافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره ، وهو في الحقيقة شريكه ولو كان مملوكه وعبده ، فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر والمعاونة وغير ذلك ، كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه : من رزق أو نصر أو غيره فكل منهما محتاج إلى الآخر.
ومن وفقه الله تعالى لفهم هذا الموضع ومعرفته تبين له حقيقة التوحيد والشرك ، والفرق بين ما أثبته الله تعالى من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطله ، ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) إغاثة اللهفان.



15- وقال الإمام سليمان بن عبد الله : ( لما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه ، إنما وقعوا في الشرك لتعلقهم بأذيال الشفاعة ، كما قال تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، وقال تعالى : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ، وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها ، وأخبر أنه شرك ونزه نفسه عنه ، ونفى أن يكون للخلق من دونه ولي أو شفيع ، كما قال تعالى : ( الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ) ، أراد المصنف (محمد بن عبد الوهاب) ، في هذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك ، وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى ، وإنما الله هو الذي يأذن للشافع ابتداء ، لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله).تيسير العزيز الحميد

قلت:

تأمل قوله : (لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله) ، وأن من ظن أن الشافع يشفع ابتداء ، فهذا ظن أعداء الله ، فالشفيع عبد مأمور لا يشفع ابتداء ، لا يشفع إلا بعد شفاعة الرب جل وعلا إلى نفسه أولا ، وهي إرادته سبحانه أن يرحم عبيده ، ثم يأمر سبحانه وتعالى الشفيع بالشفاعة وهو المراد بالإذن .

16- وقال رحمه الله : ( وإنما كان ذلك هضماً لحق الربوبية ، وتنقصا لعظمة الإلهية ، وسوء ظن برب العالمين ، لأن المتخذ للشفعاء والأنداد إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير ، أو ظهير ، أو معين ، وهذا أعظم التنقص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته ، وكل ما سواه فقير إليه بذاته .
وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع .
وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع .
أو لا يرحم حتى يجعله الشفيع يرحم .
أو لا يكفي وحده .
أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده ، كما يشفع عند المخلوق.
أولا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا وهذا أصل شرك الخلق .
أو يظن أنه لا يسمع حتى يرفع الشفيع إليه ذلك .
أو يظن أن للشفيع عليه حقا فهو يقسم عليه بحقه ، ويتوسل إليه بذلك الشفيع ، كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ، ولا تمكنهم مخالفته وكل هذا تنقص للربوبية ، وهضم لحقها ذكر معناه ابن القيم ، فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أن ذلك شرك ونزه نفسه عنه فقال : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون).
فإن قلت إنما حكم سبحانه وتعالى بالشرك على من عبد الشفعاء ، أما من دعاهم للشفاعة فقط ، فهو لم يعبدهم فلا يكون ذلك شركا؟.
قيل مجرد اتخاذ الشفعاء ملزوم للشرك ، والشرك لازم له ، كما أن الشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه وتعالى ، والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى ، وعلى هذا فالسؤال باطل من أصله ، لا وجود له في الخارج ، وإنما هو شيء قدره المشركون في أذهانهم ، فإن الدعاء عبادة بل هو مخ العبادة ، فإذا دعاهم للشفاعة ، فقد عبدهم وأشرك في عبادة الله شاء أم أبى ) تيسير العزيز الحميد.

17 - وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (وليس قولهم: أنه أعطى الشفاعة بمعنى ملكها وحازها ، كسائر العطايا والأملاك التي يعطاها البشر ، وأيضاً فإن الله يعطي رسله وأولياءه ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أفيقال أن الله أعطاهم ذلك ، وملكهم إياه ، فيطلب منهم ويرغب إليهم فيه؟ ، فإن كان ذلك مشروعاً وسائغاً ، فالشفاعة قيدت بقيود لم تقيد بها هذه العطايا والمواهب السنية ، وقد قال تعالى: قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ، وقد قال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، وقال تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) مصباح الظلام .

قلت :

فكل هذا يعرفك أن الشفيع عبد مأمور ، لا يشفع حتى يقال له اشفع ، ويُحد له من يشفع فيهم ، لا يشفع ابتداء ، ولا يشفع فيمن شاء كما هو الحال عند ملوك الدنيا ، فلا وجه لتعلق القلب به من دون الله ، ولا وجه لطلب الشفاعة منه من دون الله ، فالشفاعة لله جميعا لا تطلب إلا منه .

والحمد لله رب العالمين ونسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه انه ولى ذلك والقادر عليه .

Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>