Quantcast
Channel: الخلافة الاسلامة على منهج المهدي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

هدم قاعدة العذر بالجهل

$
0
0




كفر الجهل
ــــــــــــــ


مماهو معلوم أن العلم شرط في تحقيق التوحيد، فكيف يتصور أن يعذر جاهل التوحيد إلا إذا قبلنا التناقض، فمن جهل التوحيد فهو كمن لم يوحد أصلا لأن الشرط يلزم من عدمه العدم. 
وكلمة التوحيد لا بد فيها من أمرين لقبولها: 
العلم بمعناها، 
والعمل بمقتضاها.
فالجاهل بالتوحيد كافر كفر الجهل. 


والكفر أنواع ( كفر جهل وتكذيب وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار وكفر نفاق ) . وإذا تأملت أحوال المتلبسين بالشرك، وجدت أنهم يكذبون كل من ينهى عما هم عليه من الشرك كالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وغيرها، بسبب جهلهم. 
ومنهم من يقع في الشرك العظيم وهو يحفظ القرآن ويعرف لغة العرب بل يدرسها 
وقد قال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ . وقال سبحانه: ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ . 
فهؤلاء جهال دفعهم الجهل إلى التكذيب بما لم يحيطوا به علما ولم يعذروا بجهلهم. 


آفة أهل النار الجهل
ـــــــــــــــــــــــــ


ومن المعلوم أن أهل النار جهال فقد وصفهم الله سبحانه بغاية الجهل ومنتهاه قال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ ، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ . وقد ذكر الله سبحانه شك المشركين فيما جاءهم من عند الله والشاك جاهل قال سبحانه: ﴿ِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ . وقال: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ .


من يحسب أنه على حق وهو على باطل: جاهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يقول سبحانه: ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ . 


قال الطبري ( هذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جل ثناؤه قول الزاعمين أن الله لا يعذب من عباده إلا من كفر به عنادا بعد علمه بوحدانيته وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك وتعالى عليه من توحيده والإقرار بكتبه ورسله عنده، لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق وخداعهم إياه والمؤمنين أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من الباطل مقيمون، وأنهم يخادعون الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الإيمان به مخدوعون ثم أخبر تعالى ذكره أن لهم عذابا أليما بتكذيبهم بما كانوا يكذبون من نبوة نبيه واعتقاد الكفر به، وبما كانوا في زعمهم أنهم مؤمنون وهم على الكفر مصرون) . 


وقال البغوي: ( وما يشعرون) أي : لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم ) .


وقال ابن كثير ( وقوله تعالى: ﴿ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذلك نافعهم عنده وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين ) .


قال تعالى: ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .


قال ابن كثير في تفسيره: ( قال ابن جرير : وهذا من أبين الدلالة على خطإ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيرتكبها عنادا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتد وفريق الهُدى فرق، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية ) .


فهذا كلام شيخ المفسرين وصاحب أصح التفاسير، وقال البغوي في تفسيرها : ( قوله عز وجل ﴿ فَرِيقًا هَدَى ﴾ أي هداهم الله ﴿ وَفَرِيقًا حَقَّ ﴾ وجب ﴿ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ﴾ أي الإرادة السابقة ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
فيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء) .


وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ .
( روى البخاري عن مصعب قال سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ أهم الحرورية ؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد رضي الله عنه يسميهم : الفاسقين" ) .
وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد هم الحرورية، ومعنى هذا عن علي أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم. لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء بل هي أعم من هذا. 
فإن هذه الآية مكية، قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية وإنما هي عامة في كل من عبد غير الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود كما قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ . وقوله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ . وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ .
وقال في هذه الآية الكريمة ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ﴾ أي نخبركم 
﴿ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ ثم فسرها فقال ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ أي : يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون) .


الخروج من الدين من غير قصد بسبب الجهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر حديث الخوارج ( وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام) . 


وقد نقل عن ابن جرير الطبري أنه قال في تهذيب الآثار بعد أن ساق الأحاديث في الخوارج "فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث ( يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء) "


الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم عن غير قصد 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قال شيخ الإسلام عند كلامه على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ . قال ( ..فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف به، وإن لم يقصد الرافع ذلك، فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كافرا، فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى ) . 
وقال بعد أن ذكر جملة من الأحاديث في كفر المنتقص من النبي صلى الله عليه وسلم ( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد "إلا ما شاء الله " ) .
وإذا كان الإنسان قد يخرج من الإسلام دون أن يقصد الخروج منه فما معنى التوقف عن التكفير حتى تنتفي موانعه؟


وقال رحمه الله في معرض حديثه عن سب النبي صلى الله عليه وسلم ( والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه، كما لا ينفع من قال الكفر ألا يقصد الكفر) .


أما اشتراط قصد الكفر في التكفير فهذا يقتضي كما قال ابن الوزير في "إيثار الحق على الخلق"ألا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء والاعتقاد من السرائر المحجوبة فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص شخص"كما هو اعتقاد المرجئة.


وقد جاء في حديث طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( دخل الجنة رجل في ذباب، دخل النار رجل في ذباب قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال ( مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا لأحدهما قرب، قال ليس عندي شيء أقرب، قالوا له قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة ) . 
فهذا الرجل لم يقصد عبادة غير الله بل قرب الذباب لينجو بنفسه ولم يكن يدري أن فعله ذلك يدخله النار. 


ولذلك قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد: ( فيه مسائل.. التاسعة: كونه دخل النار بذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم، الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم لأنه لو كان كافرا لم يقل "دخل النار في ذباب" ) .


قال عبد الرحمن بن حسن ( وفي هذا الحديث التحذير من الوقوع في الشرك وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار) .


الاستهزاء بالله وآياته
ـــــــــــــــــــــــــــ


قال تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ .


قال أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله ( لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة فإن التحقيق أخو الحق والعلم والهزل أخو الباطل والجهل ) .


قال ابن تيمية ( ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ فاعترفوا واعتذروا ولهذا قيل: ﴿ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ 


فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفُر صاحبُه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرا. وكان كفرا كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه. 
وهكذا قال غير واحد من السلف في صفة الذين ضرب لهم المثل في سورة البقرة أنهم أبصروا ثم عموا وعرفوا ثم أنكروا وآمنوا ثم كفروا وكذلك قال قتادة ومجاهد: ضرب المثل لإقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول وذهاب نورهم) .


دخول العبد النار بكلمة لا يرى بها بأسا لجهله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جنهم ) .


قال الحافظ بن حجر ( "لا يلقي لها بالا": أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ . وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ( إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) وقال في السخط مثل ذلك... وأخرج الترمذي هذا الحديث بلفظ ( لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا) . وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن إطلاق الكلام بغير علم. 


ذهاب العلم والعلماء يفتح باب الشرك 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال ( صارت الأوثان التي في قوم نوح في العرب بعد أما "ود"فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. 
وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع: أسماء رجال صالحين في قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت) . قال في فتح المجيد: (قوله: "ونسي العلم"ورواية البخاري وينسخ وللكشمينهي "ونسخ العلم"أي درست آثاره بذهاب العلماء، وعم الجهل حتى صاروا لا يميزون بين التوحيد والشرك، فوقعوا في الشرك ظنا منهم أنه ينفعهم عند الله) . 


القدرية كفار رغم جهلهم 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


روى مسلم من حديث يحي بن يعمر قال (كان أول من تكلم في القدر في البصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين .. الحديث، وفيه أنهم سألوا ابن عمر عن ناس يقرؤون القرآن ويتقعرون العلم وذكر من شـأنهم وأنهم يزعمون ألا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ... الحديث) . 
قال النووي في شرحه للحديث : هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنه ظاهر في تكفيره القدرية، 


قال القاضي عياض رحمه الله : "هذا في القدرية الأول الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات قال والقائل بهذا كافر بلا خلاف) .


وقال ابن تيمية ( وأما كون الأشياء معلومة لله قبل كونها فهذا حق لا ريب فيه وكذلك كونها مكتوبة عنده أو عند ملائكته كما دل على ذلك الكتاب والسنة وجاءت به الآثار، وهذا العلم والكتاب هو القدر الذي ينكره غالبية القدرية ويزعمون أن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها وهم كفار. كفرهم الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما ) .
فتأمل كيف أن ابن عمر لم ينظر في حال هؤلاء بل قال بكفرهم بمجرد سماعه لمقالتهم، وهكذا الأئمة قالوا بكفرهم، ومعلوم أنهم ما قالوا مقالتهم إلا بسبب الجهل والتأويل الفاسد، ثم إنها دون عبادة غير الله، فكيف بمن وقع في الشرك بعبادة غير الله؟ 


عبادة غير الله مع الجهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


قال ابن جرير رحمه الله: ( فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة في الدلالة عليه غير مختلفة ظاهرة للحس غير خفية. فتوحيد الله تعالى ذكره والعلم بأسمائه وصفاته وعدله. وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة فلن يعدم دليلا دالا وبرهانا واضحا يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه ويوضح له حقيقة صحة ذلك، ولذلك لم يعذر الله جل ذكره أحدا كان بالصفة التي وصفت بالجهل وبأسمائه، وألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكره، والخلاف عليه بعدم العلم به وبربوبيته في أحكام الدنيا وعذاب الآخرة فقال جل ثناؤه: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ ) .


قال محقق "التبصير"علي بن عبد العزيز بن علي–أحد المحققين الكبار- في تعليقه على كلام ابن جرير هذا: ( ومثل هذا ما قاله – رحمه الله – في تفسيره لآيات الكهف (15/28) فقال: ( والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله عز وجل عنى بقوله: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ كل عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مسخط وعن طريق أهل الإيمان به جائر، كالرهبان والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة من أهل أي دين كانوا) ا.هـ 


قال المحقق ( وإن زعم هؤلاء- وبعضهم ذو اجتهاد وعبادة على طريقته- أنهم يتعبدون لله ويتقربون إليه، ومع هذا كله كفرهم الله وسماهم بأسماء الكفرة وجعل لهم أحكامهم في الآخرة، ولازمه أنه لم يعذرهم على جهلهم وظنهم ( حسبانهم ) أنهم على حَسَنٍ من العمل صالح كما في سورة فاطر حيث يقول سبحانه: ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾، قالها سبحانه في هؤلاء وأمثالهم، فجهلهم غير مقبول لوجوب طلب الهدى عليهم وتقرره في حقهم وهذه المسألة مهم فهمها".


ثم ساق رد ابن جرير رحمه الله على من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانية الله.
قال المحقق ( وهذا مثل كفرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى والقبوريين بل والوثنيين عموما لا يكفرون حتى يعلم قصدهم للكفر وعناد الله سبحانه وتعالى وهذا باطل بصريح القرآن والسنة... ودلالة الفطرة والعقل السليم. فتأمله بلوازمه ترى أثره ) .


فتأمل رحمك الله كيف عطف القبوريين على اليهود والنصارى ثم عطف عليهم الوثنيين عموما مع العلم أن القبوريين ينتسبون للإسلام ويجهلون ما هم عليه من الشرك بالله، فصنيعه هذا هو ما يقتضيه الفهم السليم والمعرفة الحقة.
________________________ 


قال الشوكاني ( من وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أُتي من قبل نفسه بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة وإلا ففيهما البيان الواضح كما قال سبحانه وتعالى في القرآن 
﴿.. تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ . وكذلك السنة قال أبو ذر رضي الله عنه ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك طائرا يقلب جناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علما . أوكما قال رضي الله عنه، فمن جهل فبسبب إعراضه ولا يعذر أحد بالإعراض ) اهـ
_____________________________
جزء من مقال "رسالة الي العاذر بالجهل"

Viewing all articles
Browse latest Browse all 472

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>