![Photo: أنواعُ الطواغيتِ التي يجبُ الكفرُ بِها بالصِّفَةِ الَّتي بَيَّنَّا: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والطَّواغيتُ كثيرةٌ وعلى رأسِها في هذا الزَّمانِ: المُشَرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ والعلماءُ الَّذينَ يُحَلِّلونَ ويُحرِّمونَ بغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللهِ. أوَّلاً: المُشَرِّعُ مِنْ دُونِ اللهِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يختَلِفُ المُشرِّعُ عَنِ الحاكِمِ المُنَفِّذِ، وهذا ما يُسمُّونَهُ في هذهِ الأيَّامِ بالسُّلطَةِ التَّشريعيَّةِ الَّتي تُلْزِمُ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ - وهُمُ الحكَّامُ - بتنفيذِ مايَصْدُرُ عنها مِنْ أحكامٍ وتقريراتٍ وتشريعاتٍ. وقَدْ يكونُ المُشرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ شخصًا أَوْ هيئةً أَوْ جماعةً أَوْ حِزبًا أَوْ مَجْلِسًا يضُمُّ مُشرِّعينَ أَوْ أحبارًا ورهبانًا ومشايخَ يكتسونَ بالطَّابِعِ الدِّينيِّ...وغَيْرَذلكَ.وعلى العُمومِ فإنَّنا نقولُ: كُلُّ مَنْ جَعَلَ خاصِّيَّةَ التَّشريعِ: التَّحليلِ والتَّحريمِ والتَّحسينِ والتَّقبيحِ لنفسِهِ مِنْ دونِ اللهِ، وأَخَذَ يُشرِّعُ للعِبادِ ما يهواهُ ويراهُ، فهُوَ طاغوتٌ وقَدْ جَعَلَ مِنْ نفسِهِ نِدًّا للهِ تعالى، يَجِبُ تكفيرُهُ والكُفْرُ بِهِ. وقولُهُ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ} يَطالُهُ ويَشمَلُهُ كطاغوتٍ يُعبَدُ مِنْ جِهةِ التَّحاكُمِ إلى ما يُشَرِّعُ، ومِنْ جِهَةِ طاعتِهِ والإقرارِ لَهُ بخاصِّيَّةِ التَّشريعِ الَّتي تُعتبرُ مِنْ خصوصيَّاتِ اللهِ وحدَهُ، كما قالَ تعالى: {وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]. فأيُّما مخلوقٍ يعتَرِفُ لَهُ بهذا الحقِّ، ويتحاكَمُ إلى ما يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أحكامٍ وتشريعاتٍ، فقَدْ أقَرَّ لَهُ بالإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ، واتَّخذَهُ معبودًا ونِدًّا للهِ تعالى في أخصِّ خصائصِهِ، وإِنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ المسلمينَ. ثانيًا: الحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ هُوَ رأسُ الطُّغيانِ والجُورِ، لمُجاوَزَتِهِ حُكْمَ اللهِ تعالى وإعراضِهِ عَنْهُ واستبدالِهِ بِحُكْمِ وشرائعِ الجاهليَّةِ الأخرى، الَّتي وَضعَها المُشرِّعونَ مِنَ البشرِ أمثالِ جِنْكيز خان والمُشرِّعونَ للقوانينِ الوضعيَّةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ. قالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. وقالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ} [المائدة: 45]. وقالَ تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْم يُّوقِنُونَ} [المائدة: 50]. وكُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللهِ فهُوَ حُكْمُ الجاهليَّةِ، والآيةُ تشمَلُهُ وتطالُهُ، وكُلُّ مَنْ يبغي حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ اللهِ فهُوَ مِمَّنْ يبغي حُكْمَ الجاهليَّةِ. ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى الطَّاغوتِ وصِفَتُهُ ويَقَعُ عليهمُ اسمُ الكفرِ والظُلْمِ والفِسْقِ الوارِدِ في الآياتِ لعَدَمِ حكمِهمْ بما أنزَلَ اللهُ: المُشرِّعونَ الَّذينَ وضعوا هذهِ القوانينَ ومَنْ سَوَّغَ لهمْ وَضْعَهَا وأَفسَحَ لهمُ المجالَ لذلكَ، واعتَقَدَ أحقيَّتَهمْ في وَضْعِ نُظُمٍ وقوانينَ تقومُ عليها حياةُ البشرِ. ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى الطَّاغوتِ أيضًا قُضاةُ المحاكِمِ الوضعيَّةِ، والمحامونَ العامِلونَ فيها الَّذينَ يحكمونَ في النَّاسِ بشرائعِ الطَّاغوتِ، ونَحْوُهمْ مشايخُ العشائِرِوالقبائِلِ الَّذينَ يحكمونَ بالعاداتِ السَّائدةِ وبالأعرافِ والأهواءِ وسَواليفِهمُ الباطلةِ، ويقدِّمونَها على شَرْعِ اللهِ تعالى. فإِنْ قيلَ: تُقُرِّرَ في التَّعريفِ أَنَّ الطَّاغوتَ هُوَ الَّذي يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، فأيْنَ تَكْمُنُ عبادةُ الحاكِمِ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ حتَّى سُمِّيَ طاغوتًا؟ والجوابُ على ذلكَ مِنْ أوجُهٍ: _____________________ - منها: أَنَّ اللهَ تعالى قَدْ سمَّى الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ طاغوتًا في قولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60] ولا شكَّ أَنَّ الطَّاغوتَ الواردَ ذِكرُهُ في الآيةِ يشمَلُ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، ولَرُبَّما يكونُ المعنى بالدَّرجةِ الأولى مِنْ صِفَةِ الطُّغيانِ ومُسَمَّى الطَّاغوتِ الواردَةِ في الآيةِ. وقَدْ أُثِرَ عَنْ بعضِ السَّلَفِ أَنَّ المُرادَ بالطَّاغوتِ الواردِ في هذهِ الآيةِ هُوَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ اليهوديُّ، لكوْنِهِ يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ. والمرادُ بالطَّاغوتِ في هذهِ الآيةِ صَراحةً الحاكِمُ الَّذي يحكمُ بقوانينَ أخرى غَيْرِ قانونِ اللهِ وشَرْعِهِ، وكذلكَ نظامُ المحاكِمِ الَّذي لا يُطيعُ سلطةَ اللهِ العُليا ويستندُ إلى كتابٍ آخرَ غَيْرِ كتابِ اللهِ. - ومنها: أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أَنزلَ اللهُ يُعْبَدُ مِنْ جِهَةِ التَّحاكُمِ والطَّاعةِ مِنْ قِبَلِ المُتَحاكِمِ إليهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحاكُمَ عبادةٌ لا تُصْرَفُ إلاَّ للهِ تعالى، فمَنْ تحاكمْ إلى غَيْرِهِ فهُوَ مُأَلِّهٌ لهذا الغَيْرِ وعابدٌ لَهُ. - ومنها: أَنَّ الَّذي يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُخرِجُ أولياءَهُ ومُتابعيهِ الرَّاضينَ بِهِ مِنْ نُورِ الوَحْيِ وعَدْلِ الإسلامِ، وهُوَ الحُكْمُ بما أنزلَ اللهُ، إلى ظُلماتِ الشِّرْكِ والكفرِ والجاهليَّةِ، وهُوَ الحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، وهُوَ المُرادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]. ومِنْهُ يُعلمُ أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُجْرَى عليهِ مُسَمَّي الطَّاغوتِ اسْمًا وَصِفَةً وَمَعْنًى، ولا محالةَ مِنْ ذلكَ. قالَ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِالوهَّابِ رحمَهُ اللهُ: [الطَّواغيتُ كثيرةٌ ورؤوسُهمْ خمسةٌ، منهمُ الَّذي يحكُمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}]. (مجْمُوعَةُ التَّوْحِيدِ ) اهـ ثالثًا: العلماءُ الَّذينَ يُحلِّلونَ ويُحرِّمونَ بما لَمْ يأذنْ بِهِ اللهُ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهؤلاءِ أمثالُ كَعْبِ بنِ الأشرَفِ في زَمَنِ الجاهليَّةِ الأولى وعلماءِ السُّلْطةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ بما أقرُّوا حكَّامَهمْ على ما شَرَّعُوهُ مِنْ قوانينَ وضعيَّةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ بَلْ وَسَوَّغُوا لَهُمُ الحُكمَ بها واعتبَروهُ مرجعيَّةً في فَتْوَاهُمْ في التَّحليلِ والتَّحريمِ بَلْ وَهَلَّلوا وصفَّقوا لِمَا اعتبَروهُ نصرًا مُؤَزَّرًا لَمَّا غَرَّرَ بهمْ أسيادُهمْ مِنَ الكبراءِ باستبدالِ بَعْضِ الأحكامِ الطَّاغوتيَّةِ بأحكامٍ طاغوتيَّةٍ أخرى، أيضًا مِنْ صُنعِ البشرِ. وصَدَقَتْ تسميةُ اللهِ لهمْ بالأحبارِ والرُّهبانِ بَلْ وتسميةُ مَنْ اعتبرَهمْ مرجعيَّةً دينيَّةً يستفتيهمْ في أمرِهِ بقولِهِ جَلَّ وعلا: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31] _________________](http://scontent-b-ams.xx.fbcdn.net/hphotos-xap1/v/t1.0-9/1911862_706157412764631_213785494308220979_n.jpg?oh=e6ff5e68d5d3a94488882d6b57bc9c98&oe=544AEC4B)
والطَّواغيتُ كثيرةٌ وعلى رأسِها في هذا الزَّمانِ: المُشَرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ والعلماءُ الَّذينَ يُحَلِّلونَ ويُحرِّمونَ بغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللهِ.
أوَّلاً: المُشَرِّعُ مِنْ دُونِ اللهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يختَلِفُ المُشرِّعُ عَنِ الحاكِمِ المُنَفِّذِ، وهذا ما يُسمُّونَهُ في هذهِ الأيَّامِ بالسُّلطَةِ التَّشريعيَّةِ
الَّتي تُلْزِمُ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ - وهُمُ الحكَّامُ - بتنفيذِ مايَصْدُرُ عنها مِنْ أحكامٍ وتقريراتٍ وتشريعاتٍ.
وقَدْ يكونُ المُشرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ شخصًا أَوْ هيئةً أَوْ جماعةً أَوْ حِزبًا أَوْ مَجْلِسًا يضُمُّ مُشرِّعينَ أَوْ أحبارًا ورهبانًا ومشايخَ يكتسونَ بالطَّابِعِ الدِّينيِّ...وغَيْرَذلكَ.وعلى العُمومِ فإنَّنا نقولُ: كُلُّ مَنْ جَعَلَ خاصِّيَّةَ التَّشريعِ: التَّحليلِ والتَّحريمِ والتَّحسينِ والتَّقبيحِ لنفسِهِ مِنْ دونِ اللهِ، وأَخَذَ يُشرِّعُ للعِبادِ ما يهواهُ ويراهُ، فهُوَ طاغوتٌ وقَدْ جَعَلَ مِنْ نفسِهِ نِدًّا للهِ تعالى، يَجِبُ تكفيرُهُ والكُفْرُ بِهِ.
وقولُهُ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ}
يَطالُهُ ويَشمَلُهُ كطاغوتٍ يُعبَدُ مِنْ جِهةِ التَّحاكُمِ إلى ما يُشَرِّعُ، ومِنْ جِهَةِ طاعتِهِ والإقرارِ لَهُ بخاصِّيَّةِ التَّشريعِ الَّتي تُعتبرُ مِنْ خصوصيَّاتِ اللهِ وحدَهُ، كما قالَ تعالى: {وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].
فأيُّما مخلوقٍ يعتَرِفُ لَهُ بهذا الحقِّ، ويتحاكَمُ إلى ما يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أحكامٍ وتشريعاتٍ، فقَدْ أقَرَّ لَهُ بالإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ، واتَّخذَهُ معبودًا ونِدًّا للهِ تعالى في أخصِّ خصائصِهِ، وإِنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ المسلمينَ.
ثانيًا: الحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ هُوَ رأسُ الطُّغيانِ والجُورِ، لمُجاوَزَتِهِ حُكْمَ اللهِ تعالى وإعراضِهِ عَنْهُ واستبدالِهِ بِحُكْمِ وشرائعِ الجاهليَّةِ الأخرى،
الَّتي وَضعَها المُشرِّعونَ مِنَ البشرِ أمثالِ جِنْكيز خان والمُشرِّعونَ
للقوانينِ الوضعيَّةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ.
قالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
وقالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ} [المائدة: 45].
وقالَ تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْم يُّوقِنُونَ} [المائدة: 50].
وكُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللهِ فهُوَ حُكْمُ الجاهليَّةِ، والآيةُ تشمَلُهُ وتطالُهُ، وكُلُّ مَنْ يبغي حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ اللهِ فهُوَ مِمَّنْ يبغي حُكْمَ الجاهليَّةِ.
ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى
الطَّاغوتِ وصِفَتُهُ ويَقَعُ عليهمُ اسمُ الكفرِ والظُلْمِ والفِسْقِ الوارِدِ في الآياتِ لعَدَمِ حكمِهمْ بما أنزَلَ اللهُ: المُشرِّعونَ الَّذينَ وضعوا هذهِ القوانينَ ومَنْ سَوَّغَ لهمْ وَضْعَهَا وأَفسَحَ لهمُ المجالَ لذلكَ، واعتَقَدَ أحقيَّتَهمْ في وَضْعِ نُظُمٍ وقوانينَ تقومُ عليها حياةُ البشرِ.
ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى الطَّاغوتِ
أيضًا قُضاةُ المحاكِمِ الوضعيَّةِ، والمحامونَ العامِلونَ فيها الَّذينَ يحكمونَ في النَّاسِ بشرائعِ الطَّاغوتِ، ونَحْوُهمْ مشايخُ العشائِرِوالقبائِلِ الَّذينَ يحكمونَ بالعاداتِ السَّائدةِ وبالأعرافِ والأهواءِ وسَواليفِهمُ الباطلةِ، ويقدِّمونَها على شَرْعِ اللهِ تعالى.
فإِنْ قيلَ:
تُقُرِّرَ في التَّعريفِ أَنَّ الطَّاغوتَ هُوَ الَّذي يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، فأيْنَ تَكْمُنُ عبادةُ الحاكِمِ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ حتَّى سُمِّيَ طاغوتًا؟
والجوابُ على ذلكَ مِنْ أوجُهٍ:
_____________________
- منها: أَنَّ اللهَ تعالى قَدْ سمَّى الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ طاغوتًا في قولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60]
ولا شكَّ أَنَّ الطَّاغوتَ الواردَ ذِكرُهُ في الآيةِ يشمَلُ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، ولَرُبَّما يكونُ المعنى بالدَّرجةِ الأولى مِنْ صِفَةِ الطُّغيانِ ومُسَمَّى الطَّاغوتِ الواردَةِ في الآيةِ. وقَدْ أُثِرَ عَنْ بعضِ السَّلَفِ أَنَّ المُرادَ بالطَّاغوتِ الواردِ في هذهِ الآيةِ هُوَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ اليهوديُّ، لكوْنِهِ يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ.
والمرادُ بالطَّاغوتِ في هذهِ الآيةِ صَراحةً الحاكِمُ الَّذي يحكمُ بقوانينَ أخرى غَيْرِ قانونِ اللهِ وشَرْعِهِ، وكذلكَ نظامُ المحاكِمِ الَّذي لا يُطيعُ سلطةَ اللهِ العُليا ويستندُ إلى كتابٍ آخرَ غَيْرِ كتابِ اللهِ.
- ومنها: أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أَنزلَ اللهُ يُعْبَدُ مِنْ جِهَةِ التَّحاكُمِ والطَّاعةِ مِنْ قِبَلِ المُتَحاكِمِ إليهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحاكُمَ عبادةٌ لا تُصْرَفُ إلاَّ للهِ تعالى، فمَنْ تحاكمْ إلى غَيْرِهِ فهُوَ مُأَلِّهٌ لهذا الغَيْرِ وعابدٌ لَهُ.
- ومنها: أَنَّ الَّذي يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُخرِجُ أولياءَهُ ومُتابعيهِ الرَّاضينَ بِهِ مِنْ نُورِ الوَحْيِ وعَدْلِ الإسلامِ، وهُوَ الحُكْمُ بما أنزلَ اللهُ، إلى ظُلماتِ الشِّرْكِ والكفرِ والجاهليَّةِ، وهُوَ الحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، وهُوَ المُرادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].
ومِنْهُ
يُعلمُ أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُجْرَى عليهِ مُسَمَّي الطَّاغوتِ اسْمًا وَصِفَةً وَمَعْنًى، ولا محالةَ مِنْ ذلكَ.
قالَ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِالوهَّابِ
رحمَهُ اللهُ: [الطَّواغيتُ كثيرةٌ ورؤوسُهمْ خمسةٌ، منهمُ الَّذي يحكُمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}]. (مجْمُوعَةُ التَّوْحِيدِ ) اهـ
ثالثًا: العلماءُ الَّذينَ يُحلِّلونَ ويُحرِّمونَ بما لَمْ يأذنْ بِهِ اللهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهؤلاءِ
أمثالُ كَعْبِ بنِ الأشرَفِ في زَمَنِ الجاهليَّةِ الأولى وعلماءِ السُّلْطةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ بما أقرُّوا حكَّامَهمْ على ما شَرَّعُوهُ مِنْ قوانينَ وضعيَّةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ بَلْ وَسَوَّغُوا لَهُمُ الحُكمَ بها واعتبَروهُ مرجعيَّةً في فَتْوَاهُمْ في التَّحليلِ والتَّحريمِ بَلْ وَهَلَّلوا وصفَّقوا لِمَا اعتبَروهُ نصرًا مُؤَزَّرًا لَمَّا غَرَّرَ بهمْ أسيادُهمْ مِنَ الكبراءِ باستبدالِ بَعْضِ الأحكامِ الطَّاغوتيَّةِ بأحكامٍ طاغوتيَّةٍ أخرى، أيضًا مِنْ صُنعِ البشرِ.
وصَدَقَتْ تسميةُ اللهِ لهمْ بالأحبارِ والرُّهبانِ بَلْ وتسميةُ مَنْ اعتبرَهمْ مرجعيَّةً دينيَّةً يستفتيهمْ في أمرِهِ بقولِهِ جَلَّ وعلا:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31]