![Photo: صفةُ الكفر بالطواغيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بَعْدَ أَنْ عرفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ عليكَ الكفرُ بالطَّاغوتِ، وأَنَّ إيمانَ المَرْءِ لا يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ الكفرِ بِهِ، يتعيَّنُ عليكَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الكفرِ بالطَّاغوتِ لتمارِسَهُ في واقِعِ حياتِكَ العمليَّةِ، وحتَّى لا يكونُ كفرُكَ بِهِ مجرَّدَ دعوَى أَوْ زعمًا بالِّلسانِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ، لا تَظهَرُ آثارُهُ على الجوارِحِ وفي واقِعِ الحياةِ، فيَطَالُكَ قولُهُ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]. أوَّلاً: (معاداتُهمْ وبغضُهمْ والتبرُّؤُ منهمْ _________________ أي الطواغيتِ - وممَّنْ يعبدونَهمْ مِنْ دونِ اللهِ). قالَ تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا يْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: 4]. تأمَّل قولَهُ {بَدَا} الَّذي يُفيدُ غايةَ الظُّهورِ والوضوحِ وتقديمَ العداوةِ الَّتي مَحِلُّها الجوارِحُ الظَّاهرةُ على البغضاءِ الَّتي مَحِلُّها القَلْبُ، وهذا يدلُّ على أهمِّيَّةِ إظهارِ العداوةِ والبراءَةِ منهمْ إظهارًا لا لَبْسَ فيهِ ولا مُوارَبَةَ ولا غموضَ، إِذْ لا يَكفي إضمارُ البغضاءِ لهمْ في القلبِ ثُمَّ نحنُ في الظَّاهرِ طائعونَ مُسَلِّمونَ متودِّدونَ لهمْ! ثُمَّ تأمَّلْ تقديمَ البراءةِ مِنَ العابدينَ وشِرْكِهِمْ قِبَلَ المعبودينَ، وما ذلكَ إلاَّ للأهمِّيَّةِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ العابِدِ وشِرْكِهِ يقتضي البراءةَ مِنَ المعبودينَ دونَ العكسِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ المعبودينَ لا تستلزِمُ البراءةَ مِنْ عابديهمْ ومايُشركونَ. وقالَ تعالى عَنْ الخليل إبراهيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26]. وقالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العَالمِينَ (77)}[الشعراء: 75-77]. وقالَ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67]. هذهِ هِيَ الأُسوةُ الحسنةُ الَّتي أُمِرْنا بالاقتداءِ بها، وهذهِ هِيَ مِلَّةُ إبراهيمَ الَّتي لا يَرْغَبُ عنها إلاَّ مَنْ سَفِهَ نفسَهُ: {وَمَن يَّرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: 130]. ثانيًا: (تكفيرُ الطواغيتِ). _____________ قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، فلا بُدَّ مِنِ اعتقادِ كفرِهمْ بَلْ إِنَّهُ ركن في صِحَّةِ الإسلامِ. وقالَ تعالى: {وَمَن يَّقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ} [الأنبياء: 29]، وهذا وعيدٌ بحقِّ الكافرينَ. ثالثًا: (عدمُ التحاكُمِ إلى الطواغيتِ). __________________ يكونُ الكفرُ بالطَّواغيتِ أيضًا بعَدَمِ التَّحاكُمِ إليهمْ بما يُشَرِّعونَ مِنْ قوانينَ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ وعَدَمِ إقرارِهمْ على دساتيرِهمُ المزعومَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أَنَّ ذلكَ يكونُ عبادةً لهمْ مِنْ دونِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَّعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17]. وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 35]. وقالَ عَنْ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48] وقالَ تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49]. رابعًا: (البراءةُ منهم وعدمُ موالاتِهمْ). ___________________ ومِنْ اركان الكفرِ بالطَّواغيتِ انتفاءُ موالاتِهمْ أَوْ مُوَادَّتِهِمْ أَوِ الرُّكونِ إليهمْ أَوِ التَّحالُفِ معهمْ. قالَ تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَّتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]. فهذا مستحيلٌ إلاَّ إذا آثَرَ عبادُ اللهِ الكفرَ وَأَنْ يكونوا غَيْرَ مؤمنينَ. وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...} [النساء: 144] وقالَ تعالى: {وَمَن يَّتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. وقالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]. وقالَ تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. وقالَ تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود: 113]. قالوا في الرُّكونِ: هوَ المَيْلُ اليسيرُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ: {وَلا تَرْكَنُوا} قالَ: ولا تميلوا. ولمَّاكانتِ الطواغيتُ على رأسِ الظالمينَ كانَ لِزَامًا على كلِّ مَنْ ينتسبُ للإسلامِ أنْ يكَفِّرَهُمْ ويجاهِدَهُمْ بقلبهِ وبِمَا استطاعَ مِنْ جوارِحِهِ. قالَ تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قالَ ابنُ مسعودٍ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ؛ أَيْ عَابِسٍ مُتَغَيِّرٍ مِنَ الْغَيظِ والبُغْضِ. هذهِ هِيَ صفةُ الكفرِ بالطَّواغيتِ، وهكذا يَجِبُ أَنْ تكونَ، أمَّا أَنْ يَبْسُطَ لهمْ في المُوالاةِ والتَّودُّدِ ويَركَنَ إليهمْ، ويذودَ عنهمْ، ويَتَوَسَّعَ في التَّأويلِ لهمْ، ويَنْصُرَهُمْ على مَنْ عاداهمْ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ، ثُمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يكفرُ بالطَّواغيتِ، فهذا لا يكونُ مؤمنًا باللهِ كافرًا بالطَّاغوتِ، وهُوَ مِنْ غرائبِ الأمورِ الَّتي يَشْتَدُّ لها العَجَبُ في هذا الزَّمانِ. وأَعْجَبُ مِنْ ذلكَ أناسٌ يُصَوِّرُونَ - رهبةً أَوْ رغبةً - الكفرَ بالطَّواغيتِ ومعاداتَهمْ وبُغْضَهم والخروجَ عليهمْ على أَنَّهُ فتنةٌ يَجِبُ اجتنابُها، وخروجٌ على وُلاةِ الأمرِ ويَعُدُّونَهُ بَغْيًا يستوجِبُ القتلَ ثُمَّ يتكلَّفونَ في لَيِّ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الَّتي قيلتْ في المسلمين وأئمَّةِ المسلمينَ ليحمِلوه على طواغيتَ اجتمعتْ فيهمْ جميعُ خِصالِ الكفرِ والنِّفاقِ، وفي ذلكَ منهمْ المأجورُ مِنَ الطَّواغيتِ الَّذينَ يَذُبُّ عنهمْ، ومنهمْ مَنْ يظُنُّ أنَّها قُربى يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بها، غباءً مِنْهُ وجهلا غَيْرَ معذورٍ فيهِ. ولهؤلاءِ ومَنْ راوَغَ رَوَغانَهمْ وزاغَ كَزَيْغِهِمْ نقولُ لهمْ انطلاقًا مِنْ معتقداتِهمْ وما يَدَّعُونَ مِنْ علمٍ وزُهدٍ وَوَرَعٍ: ما مِنْ نبيٍّ إلاَّ وقَدِ ابتلاهُ اللهُ تعالى بطاغوتٍ بَلْ طواغيتَ يقارِعُهمْ ويجاهِدُهمْ ويُبطِلُ شِرْكَهمْ وكفرَهمْ، ولِتَتَمايزَ بجهادِهمُ النُّفوسُ فيُعْرَفُ المجاهِدُ الصَّابرُ مِنَ المنافقِ القاعِدِ المتخاذِلِ، كما قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}محمد: 31 وقالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]. فَعَلامَ أنتمْ - دعاةَ الاقتداءِ بالأنبياءِ - كما تَزْعُمونَ لا تريدونَ أَنْ يكونَ لكمْ طواغيتَ تُبْتَلَوْنَ بهمْ، وتُظْهِرونَ الحقَّ والتَّوحيدَ مِنْ خلالِ مقارَعَتِهمْ ومجاهدَتِهمْ؟ فَعَلامَ تريدونَ أَنْ تكونوا نَشازًا عَنِ الأنبياءِ وتابعيهمْ مِنْ علماءِ الأمَّةِ العامِلينَ، ليسَ لكمْ طواغيتُ تجاهدونَهمْ وتُبْتَلَوْنَ بِهِمْ عِلْمًا بأَنَّ الأرضَ تَعُجُّ بآلافِ الطَّواغيتِ الَّتي تُعْبَدُ - جِهارًا نهارًا - مِنْ دونِ اللهِ تعالى وأنتمْ تعلمونَ ذلكَ وتُجادلونَ فيهِ بغَيْرِ برهانٍ مِنَ اللهِ إلاَّ تأويلَكمُ الفاسدَ وتبديلَكمْ لمعاني المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ تقولونَ هُمْ أولوا أمرِكمْ، وتقولونَ كفرًا دونَ كفرٍ، وتقولونَ الدستورَ ينُصُّ على أَنَّ الإسلامَ هُوَ دينُ الدَّولةِ، وتقولونَ... وتقولونَ... بُهتانًا وزورًا، ساءَ ما تحكمونَ، ستُكْتَبُ شهادَتُكمْ وتُسألونَ. فَرَرْتُمْ مِنَ الفِتنةِ بزعمِكمْ، ولَكِنَّكمْ قَدْ وقعتمْ فيها ودخلتموها مِنْ أوسعِ أبوابِها وأنتمْ تدرونَ أَوْ لا تدرونَ. {وَمِنْهُمْ مَن يَّقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]. _______](http://fbcdn-sphotos-b-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xpa1/v/t1.0-9/p526x296/10526130_706160139431025_608682843568439285_n.jpg?oh=32d814703fbfc6a9b35a4a544ea24305&oe=54583B62&__gda__=1413825973_ea74bb61b51b74e5484aa067133cf374)
بَعْدَ أَنْ عرفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ عليكَ الكفرُ بالطَّاغوتِ، وأَنَّ إيمانَ المَرْءِ لا يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ الكفرِ بِهِ، يتعيَّنُ عليكَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الكفرِ بالطَّاغوتِ لتمارِسَهُ في واقِعِ حياتِكَ العمليَّةِ،
وحتَّى لا يكونُ كفرُكَ بِهِ مجرَّدَ دعوَى أَوْ زعمًا بالِّلسانِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ، لا تَظهَرُ آثارُهُ على الجوارِحِ وفي واقِعِ الحياةِ، فيَطَالُكَ قولُهُ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
أوَّلاً:
(معاداتُهمْ وبغضُهمْ والتبرُّؤُ منهمْ
_________________
أي الطواغيتِ - وممَّنْ يعبدونَهمْ مِنْ دونِ اللهِ).
قالَ تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا يْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: 4].
تأمَّل قولَهُ {بَدَا} الَّذي يُفيدُ غايةَ الظُّهورِ والوضوحِ وتقديمَ العداوةِ الَّتي مَحِلُّها الجوارِحُ الظَّاهرةُ على البغضاءِ الَّتي مَحِلُّها القَلْبُ، وهذا يدلُّ على أهمِّيَّةِ إظهارِ العداوةِ والبراءَةِ منهمْ إظهارًا لا لَبْسَ فيهِ ولا مُوارَبَةَ ولا غموضَ، إِذْ لا يَكفي إضمارُ البغضاءِ لهمْ في القلبِ ثُمَّ نحنُ في الظَّاهرِ طائعونَ مُسَلِّمونَ متودِّدونَ لهمْ!
ثُمَّ تأمَّلْ تقديمَ البراءةِ مِنَ العابدينَ وشِرْكِهِمْ قِبَلَ المعبودينَ، وما ذلكَ إلاَّ للأهمِّيَّةِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ العابِدِ وشِرْكِهِ يقتضي البراءةَ مِنَ المعبودينَ دونَ العكسِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ المعبودينَ لا تستلزِمُ البراءةَ مِنْ عابديهمْ ومايُشركونَ.
وقالَ تعالى عَنْ الخليل إبراهيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26].
وقالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العَالمِينَ (77)}[الشعراء: 75-77].
وقالَ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67].
هذهِ هِيَ الأُسوةُ الحسنةُ الَّتي أُمِرْنا بالاقتداءِ بها، وهذهِ هِيَ مِلَّةُ إبراهيمَ الَّتي لا يَرْغَبُ عنها إلاَّ مَنْ سَفِهَ نفسَهُ:
{وَمَن يَّرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: 130].
ثانيًا: (تكفيرُ الطواغيتِ).
_____________
قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، فلا بُدَّ مِنِ اعتقادِ كفرِهمْ بَلْ إِنَّهُ ركن في صِحَّةِ الإسلامِ. وقالَ تعالى: {وَمَن يَّقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ} [الأنبياء: 29]، وهذا وعيدٌ بحقِّ الكافرينَ.
ثالثًا: (عدمُ التحاكُمِ إلى الطواغيتِ).
__________________
يكونُ الكفرُ بالطَّواغيتِ أيضًا بعَدَمِ التَّحاكُمِ إليهمْ بما يُشَرِّعونَ مِنْ قوانينَ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ وعَدَمِ إقرارِهمْ على دساتيرِهمُ المزعومَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أَنَّ ذلكَ يكونُ عبادةً لهمْ مِنْ دونِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَّعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17].
وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 35].
وقالَ عَنْ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48]
وقالَ تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].
رابعًا: (البراءةُ منهم وعدمُ موالاتِهمْ).
___________________
ومِنْ اركان الكفرِ بالطَّواغيتِ انتفاءُ موالاتِهمْ أَوْ مُوَادَّتِهِمْ أَوِ الرُّكونِ إليهمْ أَوِ التَّحالُفِ معهمْ.
قالَ تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَّتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]. فهذا مستحيلٌ إلاَّ إذا آثَرَ عبادُ اللهِ الكفرَ وَأَنْ يكونوا غَيْرَ مؤمنينَ.
وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...} [النساء: 144]
وقالَ تعالى: {وَمَن يَّتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
وقالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].
وقالَ تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
وقالَ تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود: 113].
قالوا في الرُّكونِ: هوَ المَيْلُ اليسيرُ.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: {وَلا تَرْكَنُوا} قالَ: ولا تميلوا.
ولمَّاكانتِ الطواغيتُ على رأسِ الظالمينَ كانَ لِزَامًا على كلِّ مَنْ ينتسبُ للإسلامِ أنْ يكَفِّرَهُمْ ويجاهِدَهُمْ بقلبهِ وبِمَا استطاعَ مِنْ جوارِحِهِ.
قالَ تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
قالَ ابنُ مسعودٍ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ؛ أَيْ عَابِسٍ مُتَغَيِّرٍ مِنَ الْغَيظِ والبُغْضِ.
هذهِ هِيَ صفةُ الكفرِ بالطَّواغيتِ، وهكذا يَجِبُ أَنْ تكونَ، أمَّا أَنْ يَبْسُطَ لهمْ في المُوالاةِ والتَّودُّدِ ويَركَنَ إليهمْ، ويذودَ عنهمْ، ويَتَوَسَّعَ في التَّأويلِ لهمْ، ويَنْصُرَهُمْ على مَنْ عاداهمْ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ، ثُمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يكفرُ بالطَّواغيتِ، فهذا لا يكونُ مؤمنًا باللهِ كافرًا بالطَّاغوتِ، وهُوَ مِنْ غرائبِ الأمورِ الَّتي يَشْتَدُّ لها العَجَبُ في هذا الزَّمانِ.
وأَعْجَبُ مِنْ ذلكَ أناسٌ يُصَوِّرُونَ - رهبةً أَوْ رغبةً - الكفرَ بالطَّواغيتِ
ومعاداتَهمْ وبُغْضَهم والخروجَ عليهمْ على أَنَّهُ فتنةٌ يَجِبُ اجتنابُها،
وخروجٌ على وُلاةِ الأمرِ ويَعُدُّونَهُ بَغْيًا يستوجِبُ القتلَ ثُمَّ يتكلَّفونَ في لَيِّ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الَّتي قيلتْ في المسلمين وأئمَّةِ المسلمينَ ليحمِلوه على طواغيتَ اجتمعتْ فيهمْ جميعُ خِصالِ الكفرِ والنِّفاقِ، وفي ذلكَ منهمْ المأجورُ مِنَ الطَّواغيتِ الَّذينَ يَذُبُّ عنهمْ، ومنهمْ مَنْ يظُنُّ أنَّها قُربى يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بها، غباءً مِنْهُ وجهلا غَيْرَ معذورٍ فيهِ.
ولهؤلاءِ
ومَنْ راوَغَ رَوَغانَهمْ وزاغَ كَزَيْغِهِمْ نقولُ لهمْ انطلاقًا مِنْ معتقداتِهمْ وما يَدَّعُونَ مِنْ علمٍ وزُهدٍ وَوَرَعٍ: ما مِنْ نبيٍّ إلاَّ وقَدِ ابتلاهُ اللهُ تعالى بطاغوتٍ بَلْ طواغيتَ يقارِعُهمْ ويجاهِدُهمْ ويُبطِلُ شِرْكَهمْ وكفرَهمْ، ولِتَتَمايزَ بجهادِهمُ النُّفوسُ فيُعْرَفُ المجاهِدُ الصَّابرُ مِنَ المنافقِ القاعِدِ المتخاذِلِ، كما قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}محمد: 31
وقالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].
فَعَلامَ أنتمْ - دعاةَ الاقتداءِ بالأنبياءِ - كما تَزْعُمونَ لا تريدونَ أَنْ يكونَ لكمْ طواغيتَ تُبْتَلَوْنَ بهمْ، وتُظْهِرونَ الحقَّ والتَّوحيدَ مِنْ خلالِ مقارَعَتِهمْ ومجاهدَتِهمْ؟
فَعَلامَ تريدونَ أَنْ تكونوا نَشازًا عَنِ الأنبياءِ وتابعيهمْ مِنْ علماءِ الأمَّةِ العامِلينَ، ليسَ لكمْ طواغيتُ تجاهدونَهمْ وتُبْتَلَوْنَ بِهِمْ عِلْمًا بأَنَّ الأرضَ تَعُجُّ بآلافِ الطَّواغيتِ
الَّتي تُعْبَدُ - جِهارًا نهارًا - مِنْ دونِ اللهِ تعالى وأنتمْ تعلمونَ ذلكَ وتُجادلونَ فيهِ بغَيْرِ برهانٍ مِنَ اللهِ إلاَّ تأويلَكمُ الفاسدَ وتبديلَكمْ لمعاني المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟
تقولونَ
هُمْ أولوا أمرِكمْ، وتقولونَ كفرًا دونَ كفرٍ، وتقولونَ الدستورَ ينُصُّ
على أَنَّ الإسلامَ هُوَ دينُ الدَّولةِ، وتقولونَ... وتقولونَ... بُهتانًا
وزورًا، ساءَ ما تحكمونَ، ستُكْتَبُ شهادَتُكمْ وتُسألونَ.
فَرَرْتُمْ مِنَ الفِتنةِ بزعمِكمْ، ولَكِنَّكمْ قَدْ وقعتمْ فيها ودخلتموها مِنْ أوسعِ أبوابِها وأنتمْ تدرونَ أَوْ لا تدرونَ.
{وَمِنْهُمْ مَن يَّقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49].
وحتَّى لا يكونُ كفرُكَ بِهِ مجرَّدَ دعوَى أَوْ زعمًا بالِّلسانِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ، لا تَظهَرُ آثارُهُ على الجوارِحِ وفي واقِعِ الحياةِ، فيَطَالُكَ قولُهُ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
أوَّلاً:
(معاداتُهمْ وبغضُهمْ والتبرُّؤُ منهمْ
_________________
أي الطواغيتِ - وممَّنْ يعبدونَهمْ مِنْ دونِ اللهِ).
قالَ تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا يْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: 4].
تأمَّل قولَهُ {بَدَا} الَّذي يُفيدُ غايةَ الظُّهورِ والوضوحِ وتقديمَ العداوةِ الَّتي مَحِلُّها الجوارِحُ الظَّاهرةُ على البغضاءِ الَّتي مَحِلُّها القَلْبُ، وهذا يدلُّ على أهمِّيَّةِ إظهارِ العداوةِ والبراءَةِ منهمْ إظهارًا لا لَبْسَ فيهِ ولا مُوارَبَةَ ولا غموضَ، إِذْ لا يَكفي إضمارُ البغضاءِ لهمْ في القلبِ ثُمَّ نحنُ في الظَّاهرِ طائعونَ مُسَلِّمونَ متودِّدونَ لهمْ!
ثُمَّ تأمَّلْ تقديمَ البراءةِ مِنَ العابدينَ وشِرْكِهِمْ قِبَلَ المعبودينَ، وما ذلكَ إلاَّ للأهمِّيَّةِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ العابِدِ وشِرْكِهِ يقتضي البراءةَ مِنَ المعبودينَ دونَ العكسِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ المعبودينَ لا تستلزِمُ البراءةَ مِنْ عابديهمْ ومايُشركونَ.
وقالَ تعالى عَنْ الخليل إبراهيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26].
وقالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العَالمِينَ (77)}[الشعراء: 75-77].
وقالَ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67].
هذهِ هِيَ الأُسوةُ الحسنةُ الَّتي أُمِرْنا بالاقتداءِ بها، وهذهِ هِيَ مِلَّةُ إبراهيمَ الَّتي لا يَرْغَبُ عنها إلاَّ مَنْ سَفِهَ نفسَهُ:
{وَمَن يَّرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: 130].
ثانيًا: (تكفيرُ الطواغيتِ).
_____________
قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، فلا بُدَّ مِنِ اعتقادِ كفرِهمْ بَلْ إِنَّهُ ركن في صِحَّةِ الإسلامِ. وقالَ تعالى: {وَمَن يَّقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ} [الأنبياء: 29]، وهذا وعيدٌ بحقِّ الكافرينَ.
ثالثًا: (عدمُ التحاكُمِ إلى الطواغيتِ).
__________________
يكونُ الكفرُ بالطَّواغيتِ أيضًا بعَدَمِ التَّحاكُمِ إليهمْ بما يُشَرِّعونَ مِنْ قوانينَ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ وعَدَمِ إقرارِهمْ على دساتيرِهمُ المزعومَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أَنَّ ذلكَ يكونُ عبادةً لهمْ مِنْ دونِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَّعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17].
وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 35].
وقالَ عَنْ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48]
وقالَ تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].
رابعًا: (البراءةُ منهم وعدمُ موالاتِهمْ).
___________________
ومِنْ اركان الكفرِ بالطَّواغيتِ انتفاءُ موالاتِهمْ أَوْ مُوَادَّتِهِمْ أَوِ الرُّكونِ إليهمْ أَوِ التَّحالُفِ معهمْ.
قالَ تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَّتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]. فهذا مستحيلٌ إلاَّ إذا آثَرَ عبادُ اللهِ الكفرَ وَأَنْ يكونوا غَيْرَ مؤمنينَ.
وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...} [النساء: 144]
وقالَ تعالى: {وَمَن يَّتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
وقالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].
وقالَ تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
وقالَ تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود: 113].
قالوا في الرُّكونِ: هوَ المَيْلُ اليسيرُ.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: {وَلا تَرْكَنُوا} قالَ: ولا تميلوا.
ولمَّاكانتِ الطواغيتُ على رأسِ الظالمينَ كانَ لِزَامًا على كلِّ مَنْ ينتسبُ للإسلامِ أنْ يكَفِّرَهُمْ ويجاهِدَهُمْ بقلبهِ وبِمَا استطاعَ مِنْ جوارِحِهِ.
قالَ تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
قالَ ابنُ مسعودٍ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ؛ أَيْ عَابِسٍ مُتَغَيِّرٍ مِنَ الْغَيظِ والبُغْضِ.
هذهِ هِيَ صفةُ الكفرِ بالطَّواغيتِ، وهكذا يَجِبُ أَنْ تكونَ، أمَّا أَنْ يَبْسُطَ لهمْ في المُوالاةِ والتَّودُّدِ ويَركَنَ إليهمْ، ويذودَ عنهمْ، ويَتَوَسَّعَ في التَّأويلِ لهمْ، ويَنْصُرَهُمْ على مَنْ عاداهمْ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ، ثُمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يكفرُ بالطَّواغيتِ، فهذا لا يكونُ مؤمنًا باللهِ كافرًا بالطَّاغوتِ، وهُوَ مِنْ غرائبِ الأمورِ الَّتي يَشْتَدُّ لها العَجَبُ في هذا الزَّمانِ.
وأَعْجَبُ مِنْ ذلكَ أناسٌ يُصَوِّرُونَ - رهبةً أَوْ رغبةً - الكفرَ بالطَّواغيتِ
ومعاداتَهمْ وبُغْضَهم والخروجَ عليهمْ على أَنَّهُ فتنةٌ يَجِبُ اجتنابُها،
وخروجٌ على وُلاةِ الأمرِ ويَعُدُّونَهُ بَغْيًا يستوجِبُ القتلَ ثُمَّ يتكلَّفونَ في لَيِّ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الَّتي قيلتْ في المسلمين وأئمَّةِ المسلمينَ ليحمِلوه على طواغيتَ اجتمعتْ فيهمْ جميعُ خِصالِ الكفرِ والنِّفاقِ، وفي ذلكَ منهمْ المأجورُ مِنَ الطَّواغيتِ الَّذينَ يَذُبُّ عنهمْ، ومنهمْ مَنْ يظُنُّ أنَّها قُربى يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بها، غباءً مِنْهُ وجهلا غَيْرَ معذورٍ فيهِ.
ولهؤلاءِ
ومَنْ راوَغَ رَوَغانَهمْ وزاغَ كَزَيْغِهِمْ نقولُ لهمْ انطلاقًا مِنْ معتقداتِهمْ وما يَدَّعُونَ مِنْ علمٍ وزُهدٍ وَوَرَعٍ: ما مِنْ نبيٍّ إلاَّ وقَدِ ابتلاهُ اللهُ تعالى بطاغوتٍ بَلْ طواغيتَ يقارِعُهمْ ويجاهِدُهمْ ويُبطِلُ شِرْكَهمْ وكفرَهمْ، ولِتَتَمايزَ بجهادِهمُ النُّفوسُ فيُعْرَفُ المجاهِدُ الصَّابرُ مِنَ المنافقِ القاعِدِ المتخاذِلِ، كما قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}محمد: 31
وقالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].
فَعَلامَ أنتمْ - دعاةَ الاقتداءِ بالأنبياءِ - كما تَزْعُمونَ لا تريدونَ أَنْ يكونَ لكمْ طواغيتَ تُبْتَلَوْنَ بهمْ، وتُظْهِرونَ الحقَّ والتَّوحيدَ مِنْ خلالِ مقارَعَتِهمْ ومجاهدَتِهمْ؟
فَعَلامَ تريدونَ أَنْ تكونوا نَشازًا عَنِ الأنبياءِ وتابعيهمْ مِنْ علماءِ الأمَّةِ العامِلينَ، ليسَ لكمْ طواغيتُ تجاهدونَهمْ وتُبْتَلَوْنَ بِهِمْ عِلْمًا بأَنَّ الأرضَ تَعُجُّ بآلافِ الطَّواغيتِ
الَّتي تُعْبَدُ - جِهارًا نهارًا - مِنْ دونِ اللهِ تعالى وأنتمْ تعلمونَ ذلكَ وتُجادلونَ فيهِ بغَيْرِ برهانٍ مِنَ اللهِ إلاَّ تأويلَكمُ الفاسدَ وتبديلَكمْ لمعاني المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟
تقولونَ
هُمْ أولوا أمرِكمْ، وتقولونَ كفرًا دونَ كفرٍ، وتقولونَ الدستورَ ينُصُّ
على أَنَّ الإسلامَ هُوَ دينُ الدَّولةِ، وتقولونَ... وتقولونَ... بُهتانًا
وزورًا، ساءَ ما تحكمونَ، ستُكْتَبُ شهادَتُكمْ وتُسألونَ.
فَرَرْتُمْ مِنَ الفِتنةِ بزعمِكمْ، ولَكِنَّكمْ قَدْ وقعتمْ فيها ودخلتموها مِنْ أوسعِ أبوابِها وأنتمْ تدرونَ أَوْ لا تدرونَ.
{وَمِنْهُمْ مَن يَّقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49].