بواسطة د/ ماجد كارم صفحةشُــــــــــــبهات وردود
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الإغاثة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا» وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
وفي اتخاذها أعيادا من المفاسد العظيمة ما يغضب لأجله من في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد، ولكن ما لجرح بميت إيلام.
(منها): الصلاة إليها والطواف بها واستلامها وتعفير الخدود على ترابها وعبادة أصحابها وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون وتفريج الكربات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم. وكل من شم أدنى رائحة من العلم يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بعاقبة ما نهى عنه وما يؤول إليه، وإذا لعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد يعبد الله عندها فكيف بملازمتها واعتياد قصدها؟
ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به ونهى عنه وما عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادا للآخر، فنهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد. ونهى عن تسريجها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها. ونهى أن نتخذها عيدا وهؤلاء يتخذونها أعيادا، وأمر بتسويتها كما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه، وهؤلاء يرفعونها ويجعلون عليها القباب، ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه كما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، ونهى عن الكتابة عليها كما رواه الترمذي في صحيحه عن جابر، ونهى أن يزاد عليها غير ترابها كما رواه أبو داود عن جابر، وهؤلاء يتخذون عليها الألواح ويكتبون عليها القرآن ويزيدون على ترابها بالجص والآجر والأحجار، وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين
وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين
وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين
إلى أن شرعوا للقبور حجا، وصنفوا لها «مناسك حج المشاهد» ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عبادة الأصنام. فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وبين ما شرعه هؤلاء.
والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة، وأمر الزائر أن يدعو لأهل القبور، ونهاه أن يقول هجرا. فهذه الزيارة التي أذن الله فيها لأمته وعلمهم إياها، هل تجد فيها شيئا مما يعتمده أهل الشرك والبدع
هل تجد فيها شيئا مما يعتمده أهل الشرك والبدع
هل تجد فيها شيئا مما يعتمده أهل الشرك والبدع
أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه؟ وما أحسن ما قاله الإمام مالك: « لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها» ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك.
ولقد جرد السلف الصلح التوحيد وحموا جانبه، حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي صلى لله عليه وسلم ثم أراد الدعاء جعل ظهره إلى جدار القبر ثم دعا. وقد نص على ذلك الأئمة الأربعة أنه يستقبل القبلة للدعاء حتى لا يدعو عند القبر فإن الدعاء عبادة.
وبالجملة فالميت قد انقطع عمله فهو محتاج إلى من يدعو له، ولهذا شرع الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله للحي، ومقصود الصلاة على الميت الاستغفار له والدعاء له. وكان صلى الله عليه وسلم يقف على القبر بعد الدفن فيقول: «سلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» فبدل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم:
فبدل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم
فبدل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم
فبدلوا الدعاء له بدعائه نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به، والزيارة التي شرعت إحسانا إلى الميت إلى الزيارة بسؤال الميت والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد.
ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره علم أن بين السلف وبينهم أبعد مما بين المشرق والمغرب، والأمر والله أعظم مما ذكرنا.
وفي صحيح البخاري عن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضبا، فقلت: ما لك؟ قال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتأمل رحمك الله تعالى ما ذكر الله تعالى عن هؤلاء المشركين من إخلاص الدعوة لله في أوقات الشدائد، ثم تأمل ما يفعله المشركون في زماننا مما ذكرت لك، يتبين لك غربة الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأزمان. فإذا كان كلام أهل العلم، وتصريحهم بأن الشرك بالله غلب على أكثر النفوس، وأن القليل الذي تخلص منه، بل القليل من لا يعادي من أنكر الشرك، فما ظنك بزمانك هذا؟ ومعلوم أن الأمر لا يزداد إلا شدة وغربة، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه» أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، ولكن الأمر كما قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره علم أن بينهم وبينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب، وهذه هي الفتنة التي قال فيها ابن مسعود رضي الله عنه: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، يتخذها الناس سنة، إذا غيرت قيل غيرت السنة. والله أعلم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى
في شرح المنازل في باب التوبة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وهو أن يتخذ من دون الله ندا يحبه كحب الله، بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويغضبون لتنقص معبوديهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا تنقص أحد رب العالمين. وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده على لسانه إن قام وإن قعد وإن عثر وإن استوحش، وهو لا ينكر ذلك ويزعم أنه حاجته إلى الله وشفيعه عنده؛ وهكذا كان عباد الأصنام سواء، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم. فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وهؤلاء اتخذوها من البشر.
قال الله تعالى حاكيا عن أسلاف هؤلاء: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }.
فهذه حال من اتخذ من دون الله وليا يزعم أنه يقربه إلى الله زلفى، وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره. والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشرك، وقد أنكر الله عليهم في كتابه وأبطله وأخبر أن الشفاعة كلها له.
وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا } وقوله: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }
والقرآن مملوء من مثل هذه الآية، ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين المرء وبين فهم القرآن، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، فتنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا. فالله المستعان.
ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله. وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت يحتاج لمن يدعو له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى التنقص بالأموات، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا وأنهم أمروهم به، وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم!
ولله در خليله إبراهيم عليه السلام حيث قال: { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ } الآية، وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وتقرب بمقتهم إلى الله. انتهى كلامه رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتأمل رحمك الله كلام هذا الإمام، وتصريحه بأن من دعا الموتى وتوجه إليهم واستغاث بهم ليشفعوا له عند الله فقد فعل الشرك الأكبر الذي بعث محمد صلى الله عليه وسلم بإنكاره وتكفير من لم يتب منه وقتاله ومعاداته، وأن هذا قد وقع في زمانه وأنهم غيروا دين الرسول صلى الله عليه وسلم وعادوا أهل التوحيد الذين يأمرونهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
وتأمل قوله أيضا: وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره. يتبين لك الأمر إن شاء الله تعالى، ولكن تأمل أرشدك الله تعالى قوله: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين لله .إلى آخره، يتبين لك أن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل الشرك، فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعله، والله أعلم.