أعلم رحمك الله أن الدين حمل ثقيل يحتاج حامله لأستعانه بالله عز وجل وصبر جميل والصبر واجب كما هو مقرر عند أهل العلم .
قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)..)) المزمل
__ وقد حث الله عز وجل المسلمين على الصبر والثبات على العقيده الصحيحه فقال تعالى ( الم أحسب الناس أن يقولو اّمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) _ فكان الصبر فى لحظات الأستضعاف هو الملجأ والملاذ
*** ونود قبل الشروع فى المقصود أن نذكر بقول مهم للإمام الشاطبى رحمه الله عن مفهوم الدليل الصحيح يقول رحمه الله فى الموافقات :
(( أن كل دليل فيه أشتباه وإشكال ليس بدليل فى الحقيقه حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ؛ ويشترط فى ذلك أن لا يعارضه أصل قطعى ؛ فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو أشتراك أو عارضه قطعى فليس بدليل لأن حقيقه الدليل أن يكون ظاهرا فى نفسه ودالا على غيره وإلا احتيج إلى دليل ؛ فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلا ؛ ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئيه الأصول الكليه ؛ لأن الفروع الجزئيه إن لم تقتضى عملا فهى فى محل التوقف ؛ وإن أقتضت عملا فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ؛ ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططا ودخل فى حكم الذم ؛ لأن متبع الشهوات مذموم ) أ.ه
__ أخرج الأمام أحمد رحمه الله فى مسنده عن عائشه رضى الله عنها قالت :
قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه اّيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه أبتغاء الفتنه وأبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون اّمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ) .. فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل فأحذروهم
*** أن قضيه التحاكم إلى الله ورسوله قضيه من صلب العقيده كما يعلم كل موحد قال تعالى فى سوره الانعام ( افغير الله ابتغى حكما ....) الاّيه يقول البيضاوى فى تفسيره : ( أفغير الله أبتغى حكما ) .. على إراده القول أى قل لهم يا محمد أفغير الله أطلب من يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل .
***يقول سيد قطب رحمه الله ... أفغير الله ابتغى حكما ؛ وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا ؛ والذين اّتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ؛ فلا تكونن من الممترين ) ..
__ أنه سؤال على لسان رسول الله صل الله عليه وسلم للأستنكار . استنكار أن يبتغى حكما غير الله فى شأن من الشئون على الأطلاق وتقرير لجهه الحاكميه فى الأمر كله ؛ وإفرادها بهذا الحق الذى لا جدال فيه . ونفى أن يكون هناك أحد غير الله يجوز أن يتجه إليه طالبا حكمه فى امر الحياه كله . أ.ه
*** نلاحظ أن كثيرا من الاّيات التى تذكر قضيه التحاكم وتبين أنها من قضايا الإيمان والكفر ومن أمور العقيده نزلت والمسلمين مستضعفون فى مكه .
.. فما حنوا هاماتهم رضى الله عنهم لما عضتهم السيوف وأوغل الكفر فيهم مخلبه ونابه ؛ وما رضوا أن يظهروا الكفر على دنياهم ! ولم يلجأوا إلى محاكم الطواغيت حاشاهم . وإنما وكلوا الأمر كله لله سبحانه وتعالى الذى أمرهم بألا يتبعوا حكما غير حكمه ؛ وأمرهم بالصبر حتى يحين التمكين بإذنه عز وجل.
__ إذا فلا الأموال ولا البنون ولا الملك ولا أى أذى هو الذى يدفع المسلم للتحاكم إلى أولياء الشيطان الذين يفصلون فى هذه الأمور بشريعه إبليس عليه لعنه الله ؛
فما هو إلا الإكراه الملجيء الذى يفقد المسلم بفعله الأختيار ؛
أما تحصيل الحقوق برفع الدعوى للحاكم الكافر أو رد التهمه عند الحاكم الكافر بدون الأكراه الملجيء فهو كفر ينقل من فعله عن المله .
__ والمسلمون فى هذه الأحوال ما عليهم إلا الصبر حتى يمكن الله لهم فى الأرض .
وعلى ضوء السيره العطره يقول ابن تيميه رحمه الله فى فتاويه : يقول الله تعالى
(( اّلمص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ))
ولو ضرب وحبس وأوذى بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذى يجب أتباعه ؛ وأتبع حكم غيره كان مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وأن أوذى فى الله فهذه سنه الله فى الأنبياء وأتباعهم ز أ.ه الفتاوى ج35ص373
قال تعالى (( وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ))
***** تحرير محل النزاع بيننا وبين مخالفينا :
__ فالخلاف الواقع بيننا وبين مخالفينا فى موضوع الذهاب للمحاكم الكافره عند أرسال دعوتها للتحاكم ؛ وحكم من أجاب هذه الدعوه وذهب إلى المحكمه دون أكراه ملجيء
__ ولما كان منهجنا فى الدين هو أتباع كتاب الله وسنه رسوله بفهم سلف الامه من الصحابه رضى الله عنهم والتابعين . رأينا أن نضبط مسأله التحاكم تحت ضوء هذا المنهج ؛ والله المستعان ولا حول ولا قوه إلا بالله العلى العظيم
***** أعلم أرشدنى الله وإياك لطاعته أن تغيير مسميات الأشياء لا يغير من حقائق الأمور شيئا ؛ بل أن هذا من سمات اليهود وهو مذموم عند الله وعند رسوله ومستوجب لسخط الله - والعياذ بالله - على فاعله
أخرج بن حبان فى صحيحه عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :
((يشرب ناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير أسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ))
***** بيان أن من أجاب دعوه التحاكم متحاكم فإن كانت الدعوه إلى حكم الله والحاكم مسلم يصلح لذلك فتلبيتها واجب يثاب فاعله ؛ أما إن كانت إلى الطاغوت وشرعه فتلبيتها كفر والعياذ بالله
__ جاء فى لسان العرب : (( وحاكمه إلى الحكم : أى دعاه )) أ.ه ..قال تعالى
(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))
.. قال ابن كثير : أى وإذا كانت الخصومه لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله مذعنين ؛ وإذا كانت الخصومه عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبى صل الله عليه وسلم ليروج باطله ؛ ثم فإذعانه أولا لم يكن عن أعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره أ.ه
فأنظر إلى صوره إجابه الداعى أو الأعراض عنه كعلامه ظاهره على القبول أوالرفض
__ فلا فرق بين الطالب والداعى والذى يأتى مذعنا والذى يذهب مذعنا فى علامه قبولهم التحاكم ظاهرا
فالمؤمن بالله إذا دعى إلى حكم الله ورسوله ليحكم بينه وبين خصمه سمع وأطاع باطنا وظاهرا ؛ ولكن إذا دعاه الطاغوت ليحكم بينه وبين خصمه كفر به وأعرض عنه وعصاه
***** جاء فى الفتح القدير للشوكانى
(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))
(( وفى هذه الاّيه دليل وجوب الإجابه إلى القاضى العالم بحكم الله العادل فى حكمه لأن العلماء ورثه الأنبياء والحكم من قضاه الأسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنه العادلين فى القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله ؛ فالداعى إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله : أى إلى حكمهما قال ابن خويز منداد واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب مالم يعلم أن الحاكم فاسق
..(( سبحان الله فكيف إذا كان الحاكم كافرا ))(( تأمل فى قوله أطعنا بالأجابه فإنه ظاهر فى أن أجابه الدعوه طاعه ؛ فإما أن تكون طاعه وإذعان لحكم الله أو طاعه وإذعان لحكم الطاغوت ))
*****قال القرطبى فى هذه الاّيه دليل على وجوب إجابه الداعى إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال : (( أفى قلوبهم مرض )) الاّيه أنتهى .. فإن كان القاضى مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنه ولا يعقل حجج الله ومعانى كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشيء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض أجتهادات المجتهدين وأطلع على شيء من علم الرأى فهذا فى الحقيقه جاهل وإن أعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فأعتقاده باطل فمن كان القضاه هكذا فلا تجب الإجابه إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاه الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأى إنما رخص فى العمل به للمجتهد الذى هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنه ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتى بعده. أ.ه
*****وجاء فى اللباب فى علوم الكتاب لأبى حفصعمر بن على ابن عادل الدمشقى الحنبلى قوله : (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله (( أى إلى كتاب الله )) وسوله ليحكم بينهم (( وهذا ليس على طريق الخبر ؛ ولكنه تعليم أدب الشرع ؛ بمعنى أن المؤمنين ينبغى أن يكونوا هذا )) أن يقولوا سمعنا وأطعنا (( أى سمعنا الدعاء وأطعنا بالأجابه . أه
___ يقول الشوكانى فى فتح القدير :(( ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم )) والحال أنهم معرضون عن الأجابه إلى ما دعوا إليه مع علمهم به وأعترافهم بوجوب الإجابه إليه أ.ه
ويقول أيضا : ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريق منهم يعرضون عن إجابه الدعوه إلى الله ورسوله فى خصوماتهم فقال (( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم )) أ.ه
__ وفى كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لأبن جزى : (( مذعنين )) أى منقادين طائعين لقصد الوصول إلى حقوقهم أ.ه
قاعدة فى الطريق
الشيخ سليمان بن سحمان عندما سئل عن التحاكم الى الطاغوت بحجة الاضطرار قال
__ المقام الثانى : ان يقال اذا عرفت ان التحاكم الى الطاغوت كفر فقد ذكر الله فى
كتابه ان الكفر اكبر من القتل ,قال تعالى (و الفتنة اكبر من القتل) ..وقال (والفتنة اشد
من القتل ) .. و الفتنة هى الكفر ..فلو اقتتلت البادبة و الحاضرة حتى يذهبوا لكان اهون
من ان ينصبوا فى الارض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الاسلام التى بعث الله بها رسوله .
__المقام الثالث : ان نقول اذا كان التحاكم كفرا ..... و النزاع انما يكون لاجل الدنيا .....
فكيف يجوز ان تكفر لاجل ذلك فانه لا يؤمن احد حتى يكون الله و رسوله احب اليهما مما
سواهما و حتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين ,
.....فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز المحاكمة الى الطاغوت لاجلها ..ولو اضطرك احد و
خيرك بين ان تحاكم الى الطاغوت او تبذل دنياك لوجب عليك البذل , و لم يجز لك
المحاكمة الى الطاغوت والله اعلم اه.....الدرر السنيه جزء حكم المرتد ص275
رحم الله الشيخ ما ابلغ كلامه و ما ابينه لمن تدبره
*** الكلام فى رد التهمه و انه من افعال التحاكم و بيان حال المتهم و اثبات انه طرف من اطراف التحاكم و ان اقواله معتبرة عند القاضى
......ان التحاكم كما لا يخفى يكون ب :
1)حاكم او قاض
2)ومدع يرفع الدعوى على غريمه
3)و الثالث هو المدعى عليه .._( و دوره فى التحاكم ان يدافع عن نفسه و ينفى تهمة الخصم الموجهه اليه ويأتى ببينات على ذلك )
__ فالمدعى يشكو للجهة الحاكمة و يدلى باقواله و يأتى بالبينة او الشهود على مايقول و الجهة الحاكمة تأخذ اقوال المتهم ,و تنظر بعد ذلك فيما بين يديها من المعطيات (و منها اقوال المتهم) و تصدر ماتراه حكما مناسبا للفصل فى القضىة
.. يقول ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى (و ايضا فالقضاء نوعان :(احدهما الحكم عند تجاحد الخصمين مثل ان يدعى احدهما امرا يكذبه الاخر فيه ,فيحكم فيه بالبينه و نحوها و الثانى مالايتجاحدان فيه .... يتصادقان ....و لكن لا يعلمان مايستحق كلا منهما كتنازعهما :فى قسم فريضة او فيما يجب لكلا من الزوجين على الاخر او فيما يستحقه كلا من الشريكين و نحو ذلك )اه
مجموع الفتاوى ج4 ص409
***...فلا يختلف عاقلان فى كون المتهم طرف اساسى من اطراف عملية التحاكم ,وان اقواله معتبرة للحاكم فى اصداره للحكم ..***
****و قوله بانه غير معنى بما يترتب على اقواله من حكم القاضى فى قضيته فهو كلام مردود لاننا ماخذين بما نتلفظ به (وهل يكب الناس فى النار على مناخيرهم الا حصائد السنتهم)..وان الرجل ليبكلم بالكلمة من سخط الله يهوى بها فى النار 70 خريفا او كما قال النبى صل الله عليه وسلم
__ اذن فان المدعى متحاكم
__ و كذلك المتهم متحاكم اذا اجاب دعوة التحاكم الموجها له من قبل المحكمة
*****فاكيف نجعل المتهم رجلا اجنبيا عن عمليه التحاكم و نزعم انه لا علاقة له بما يجرى من الكفر ؟؟؟!!!!
(...قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين )
****ولا ادل على ان المتهم اذا مادافع عن نفسه فقد دخل فى عمليه التحاكم من قول الرسول صل الله عليه وسلم من حديث ام سلمى زوج النبى صل الله عليه وسلم قال:((انما انا بشرا وانكم تختصمون الى فالعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فا اقضى له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذن منه شيئا فانما اقطع له قطعه من النار ))
**** يقول ابو عمر بن عبد البر رحمه الله تعليقا على هذا الحديث ....فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض) يعنى افطن لها و اجدل بها
__وفيه ان القاضى انما يقضى على الخصم بما يسمع منه من اقرار او انكار او بينات على حسب ما امكنته السنة فى ذلك .
__وفيه ان القاضى يقضى بكل مايقر به عند (المقر) لمن ادعى عليه لقوله صل الله عليه وسلم (فاقض لهم )بمعنى اقضى عليه (بما اسمع منه)يريد او من بينة المجعى لان هذا هو الذى يسمع مما يحتاج ان يقض به .اه ..الاستذكار ابو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر النمرى
****كما يقول الشافعى رحمه الله فى كتابه الام فى نفس الحديث ...و فى مثل معنى هذا من سنة رسول الله صل الله عليه وسلم قوله :انما انا بشرا و انكم تختصمون الى ولعل بعضكم يكون الحن بحجته من بعض فا اقض له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذه فا انما اقطع له قطعه من النار
__ فا اخبر انه يقضى على الظاهر من كلام الخصمين و انما يحل لهما و يحرم عليهما فيما بينهما و بين الله على ما يعلمان .اه
الام الجزء السادس ص332
***و قال الزركشى :(و ظاهره انه لا يحكم الا بما يسمع فى حال حكمه و قد روى :(و انما احكم )و هذا صريح او كالصريح فى انه لا يحكم الا بما يسمع )اه
شرح الزركشى على مختصر الخرقى ج3 ص371
.....يقول ابن بطال (انما اقض على نحو ما اسمع )ولم يفرق بين سماعه من الشهود او المدعى عليه فيجب ان يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود )اه
شرح صحيح البخارى لابن بطال ابو الحسن على بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكرى القرطبى
__اما نيه المتهم انه لا يريد ان يذهب للمحكمة الا للدفاع عن النفس لا يبيح اجابة الدعوة للتحاكم .
__اذ من المعلوم ان النيه الصالحة لا تصلح العمل الفاسد بل يبقى على حاله و حقيقته الفاسدة .
__و هناك فرق كبييييييير جدا بين الدفاع عن النفس امام خصوم عاديين بدون تحكيم ولا تقاضى و بين الدفاع عن النفس عن طريق قاض و محكمة منتصبة لفصل المنازعات و قوانين الطاغوت.
فالمدافع عن نفسه عن طريق المحاكم الطاغوتية بالذهاب للتحاكم و فض النزاع عن طريقهم يشمله وصف القبول كما شمل الطالب ابتدءا سواءا بسواء
__و قد تدافع عن نفسك و تسترد حقك و لكن ليس عن طريق المحاكم و القضاء الكافر ,فهذا اشد الضرر و الظلم على النفس ..كالمستجير من الرمضاء بالنار ..لان دفع الظلم او استرداد الحقوق فى المحاكم لا يكون الا بحكم القاضى .
__و قد علمنا ان مجيب دعوة المحكمة سيذهب لجلسة محكمة ,تحكم بغير ما انزل الله ,و كل شئ فيها بنظام و اوامر ملزمة ,حتى جلوسه ووقت كلامه ووقت خروجه.
__اما مصلحة رد التهمة فتقابلها مفسدة الوقوع فى التحاكم فتقدم عليها ,لان دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح
كما أن من سلم نفسه لهذه المحكمه وهو لا يملك أمره عندها ولا يستطيع أن يفعل إلا ما يأمروه به فهذا هو واقع المحاكم ؛ فلا يتجاهله من يدعى أنه يدافع عن نفسه فقط ثم يمضى ولا ينتظر حكم ولا يلتفت إلى محكمه ؛ وكأنه يدافع عن نفسه فى فراغ لا علاقه له بواقع .
***** يقول ابن القيم رحمه الله فى أعلام الموقعين : ( ولا يتمكن المفتى ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما فهم الواقع والفقه فيه وأستنباط علم حقيقه ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علما والنوع الثانى فهم الواجب فى الواقع وهو فهم حكم الله الذى حكم به فى كتابه أو على لسان رسوله فى هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الاّخر ) أه
**** فالواقع معتبر ولا يجوز تجاهله والتحايل عليه والواقع بل الحقيقه أن الذى يرد التهمه أمام المحكمه هو طرف من أطراف التحاكم .
... وقد أستدل من أجاز إجابه دعوه المحكمه والذهاب لها بناءا على الدعوه الموجهه إليه من قبلها بحجه الدفاع عن النفس بشبهات ونحن نرد - بأذن الله - عليها ونوضح واقعها الذى غفل عنه مخالفونا
====================================
شبهات وردود
=======
الشبهه الأولى
من قصه نبى الله يوسف (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) و دفاعه عن نفسه كما جاء فى سورة يوسف ( وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) ) ..فقالوا هذا نبى الله يوسقالَ ف عليه السلام قد دافع عن نفسه فى محكمة (بزعمهم) وان يوسف عليه السلام كان خصم امرأة العزيز و كان العزيز زوج المرأة هو الحاكم بينهم؟؟!!
فياليت شعرى اين هى المحكمة المزعومة و من سلفهم فى هذا القول؟؟؟!!!!
*و نأتى الان ببيان حقيقة ماوقع فى قصة يوسف عليه السلام فالمتدبر للايات و لتفسير السلف لها يرى ان هناك طرفان لا ثالث لهما ,هما يوسف عبيه السلام و العزيز ,ويوسف عليه السلام رد التهمة فى وجه خصومه وليس فى محكمة كما يزعمون فالذى يخاصم عن المرأة زوجها و اهلها ولا يكونون حكاما بينها و بين خصومها ,كما ان الاساءة الى المرأة هى اسأءة الى زوجها واهلها
كما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم حين قال فى حادثة الإفك : (ايها الناس مابال رجال يؤذوننى فى اهلى و يقولون عليهم غير الحق ) البداية والنهاية ج4
و هذا مابينه ايضا صاحب تفسير زاد المسير فى علم التفسير حيث نقل عن وهب بن منبه قوله : (قال له العزي حين اذ اخنتنى يا يوسف فى اهلى و غدرت بى و غررتنى بما كنت ارى من صلاحك ) فقال حين اذ هى راودتنى عن نفسى .)زاد المسير ج 4 ص 210
و هذا واضح بين فى قولها كما حكى عنها القران (ماجزاء من اراد بأهلك سوءا )انظر الى قولها باهلك و لم تقل اراد بى سوءا
فلما تبين للعزيز صدق يوسف عليه السلام من رأى مستشاره بدأ يعامله باللين حتى يكتم هذا الامر كما جاء فى تفسير ابى السعودرحمه الله قال :(يوسف) حذف منه حرف النداء لقربه و كمال تفطنه بالحديث و فيه تقرير به و تلطيف لمحله (اعرض عن هذا ) اى عن هذا الامر و عن التحدث به و اكتمه فقد ظهر صدقك و نزاهتك ,(واستغفرى)انت يا هذه (لذنبك) الذى صدر عنك و ثبت عليك (انك كنت ) بسبب ذلك (من الخاطئين ) من جملة القوم المعتمدين للذنب او من جنسهم يقال خطئ اذا أذنب عمدا وهو تعليل للأمر بالاستغفار والتذكير لتغليب الذكور و كان العزيز رجلا حليما فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها و قيل كان قليل الغيرة .)تفسير ابى السعود 4<269
فقوله عن العزيز انه كان قليل الغيرة اشارة الى انه صاحب الشأن وهو الطرف الرئيسى فالقضية و لكنه لما كان قليل الغيرة انتهت الخصومة بينه و بين يوسف عليه السلام بطلب الكتمان منه دون التعرض لاهله بالعقوبه التى تستحقها كل خائنة لزوجها و اقل ذلك الطلاق ...
فهل ترى بالله عليك من هذا السياق و الحوار الدائر بينهم جميعا ,محاكمة و قاض و رد نزاع و حكم (ومحكمة)!!!؟؟؟؟.
فالاعتداء الذى يقع على الزوجة هو اعتداء على زوجها لانه المسئول عنها و سيدها ..و هذا معروف لكل احد فتبين ان هاهنا طرفان :
1)عائله (العزيز و امرأته)
2)و يوسف عليه السلام
او قل يوسف عليه السلام و العزيز .
و يزيد هذا وضوحا ماورد فى القران عن سجن يوسف عليه السلام لم يسجن بحكم من قاضى ,وانه رأى ظهر لهم ليستروا امرهم .
قال ابن كثير رحمه الله :(بذكر تعالى عن العزيز و امراته انهم بدا لهم اى ظهر لهم من الراى بعد ماعلموا برأة يوسف ان يسجنوه الى وقت ..)البداية والنهاية
اذن فالعزيز خصم اراد بزوجته (بمكرها )ان ينتصر لها من يوسف عليه السلام و يعاقبه على عصيانه لها فحرضته على ذلك و زعمت انه اراد بزوجته سوءا و كما تطلب الزوجة من زوجها ان يعاقب احد ابناءها لعقوقه او عصيانه عليها و هذا يحدث غالبا فى كل البيوت
و قد ذكر الامام ابن كثير رحمه الله فى البدابة و النهاية مايشير الى ذلك:(وتسابق الباب )اى هربا منها طالبا الى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته فى اثره (والفيا ) اى وجد سيدها اى زوجها لدى الباب فبادرته بالكلام و حرضته عليه قالت :(ماجزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم ) اه
هذا و قد طلبت امرأة العزيز العقوبة و لم تطلب الحكم من العزيز حين قالت (ماجزاء من اراد باهلك سوءا) .. جاء فى لسان العرب (والجزاء يكون ثوابا وعقابا ).
فهناك فرق بين طلب الحكم و طلب العقاب ,فقد يعاقب غير الحاكم والقاضى ..كما قد يعاقب الاب ابنائه بطلب من الام لكن طلب الحكم محصور فض النزاع بحكم ملزم قد يندرج تحته امر او نهى او عقوبة او ثواب والله اعلم
الخلاصة
انه لم توجد محكمة ولا تحاكم اصلا فى قصة كيد امرأة العزيز ز استنصارها بزوجها على يوسف عليه السلام و انما الذى حدث تحريض و استنصار و استغاثة ..و قد نجى الله تعالى نبيه عليه السلام (كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين ..)الايه
شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك )
=======
قال الطبري رحمه الله فيها (يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا { اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبِّكَ } يقول: اذكرنـي عند سيدك، وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم) . أهـ
وقال القرطبي:أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب
وفي فتح القدير:{ وَقَالَ للذي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته .
وعند البغوي"يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه"
وقال السعدي"أي: اذكر له شأني وقصتي، لعله يرقُّ لي، فيخرجني مما أنا فيه،"فلم يرد في أي من التفاسير انه قول يوسف عليه السلام ( اذكرني عند ربك ) إرادة للتحاكم أو إعادة جلسة الحكم
***** أولا : شبهة القوم في هذه الآية ( اذكرني عند ربك ) :
يرى بعضهم أن هذا القول الصادر من يوسف عليه السلام بمثابة طلب استئناف الحكم من الملك في القضية التي حوكم فيها من قبل ظلماً ، بينما يرى آخرون أن هذا أشبه ما يكون بإرسال دعوى على يد محامٍ لرفع قضية عند الطاغوت .
ثانيا : تفسير الآية ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ :
"قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } قِيلَ أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } . وَقِيلَ : بَلْ الشَّيْطَانُ أَنْسَى الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ رَبِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؛ بَلْ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ . وَقَدْ دَعَاهُمَا قَبْلَ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ وَقَالَ لَهُمَا : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . وَقَالَ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } أَيْ فِي الرُّؤْيَا { إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } يَعْنِي التَّأْوِيلَ { ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } فَبِذَا يَذْكُرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِلَّةَ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ آبَائِهِ أَئِمَّةَ الْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ - إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ؛ فَذَكَرَ رَبَّهُ ثُمَّ دَعَاهُمَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عَبَرَ الرُّؤْيَا فَقَالَ : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } الْآيَةُ ثُمَّ لَمَّا قَضَى تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؟ وَإِنَّمَا أَنْسَى الشَّيْطَانُ النَّاجِيَ ذِكْرَ رَبِّهِ أَيْ الذِّكْرَ الْمُضَافَ إلَى رَبِّهِ وَالْمَنْسُوبَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ يُوسُفَ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ قَالُوا : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقُولَ اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك . فَلَمَّا نَسِيَ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ جُوزِيَ بِلُبْثِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ . فَيُقَالُ : لَيْسَ فِي قَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مَا يُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ ؛ بَلْ قَدْ قَالَ يُوسُفُ : { إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ } كَمَا أَنَّ قَوْلَ أَبِيهِ : { لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } لَمْ يُنَاقِضْ تَوَكُّلَهُ ؛ بَلْ قَالَ : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . و "أَيْضًا "فَيُوسُفُ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُخْلِصُ لَا يَكُونُ مُخْلِصًا مَعَ تَوَكُّلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ وَيُوسُفُ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا لَا فِي عِبَادَتِهِ وَلَا تَوَكُّلِهِ بَلْ قَدْ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِ عِبَادِهِ
شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 2 ) تكمله تفسير ابن تيميه
=======
وَقَوْلُهُ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مِثْلُ قَوْلِهِ لِرَبِّهِ : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ
عَلِيمٌ } فَلَمَّا سَأَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَا هُوَ مِنْ سُؤَالِ
الْإِمَارَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ لِلْفَتَى : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَيْسَ
فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْمَلِكِ بِهِ ؛ لِيَعْلَمَ حَالَهُ لِيَتَبَيَّنَ الْحَقُّ وَيُوسُفُ كَانَ مَنْ أَثْبَتِ النَّاسِ .
وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ طُلِبَ { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } قَالَ { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ
اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } فَيُوسُفُ يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا
ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ . وَيَقُولُ : { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ } فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ لَهُ :
{ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمُحَرَّمِ حَتَّى يُعَاقِبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُبْثِهِ فِي
السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى حَبْسِهِ إلَى حِينِ قَبِلَ هَذَا ظُلْمًا لَهُ مَعَ
عِلْمِهِمْ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ
حَتَّى حِينٍ } وَلُبْثُهُ فِي السَّجْنِ كَانَ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ؛ لِيَتِمَّ بِذَلِكَ صَبْرُهُ وَتَقْوَاهُ
فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى نَالَ مَا نَالَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وَلَوْ لَمْ يَصْبِرْ وَيَتَّقِ بَلْ أَطَاعَهُمْ فِيمَا
طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا مِنْ السَّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ
.. إلى أن قال .. و "الْمَقْصُودُ "أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا
يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ اسْتِغْفَارًا مِنْ
هَذِهِ الْكَلِمَةِ . كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا
فِي هَذَا وَلَا هَذَا ؛ بَلْ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ ؛ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ حَسَنَةً .. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ
رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا يُوسُفُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } وَقَوْلُهُ : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَسِيَ فَادَّكَر "اهـ .
شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 3 ) بالنسبة للرد على هذه الشبهة :
=============
أن نقول كما قال يوسف عليه السلام ( الله المستعان على ماتصفون )
.. فيوسف عليه السلام لم يطلب استئناف الحكم من الحاكم ، وكذلك لم يرسل دعوة مع محامى إلى محكمة الطاغوت ؛ لأن كلا الأمرين يعد تحاكما للطاغوت .
.. ولكن كل ما فعله عليه السلام أنه ( استعان بمكانة الساقي ومنزلته التي سيكون عليها في القصر الملكي فيما بعد ، وذلك استناداً إلى الرؤيا التي فسرها له بعلم أعلمه الله إياه ؛ لكي يشفع له ذلك الساقي عند الملك فيخرج من السجن ويُبَلِّغ دعوة التوحيد ) .
.. فلم يطلب استئناف الحكم ؛
..لأنه عليه السلام لم يُسجن نتيجة محاكمة ، ولكن بأمر من العزيز حتى لا يفتضح أمره.
..قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : "ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي إلى مدة ، وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الآيات ، وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته ، وكأنهم ـ والله أعلم ـ إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاماً أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة. فلما تقرر ذلك ، خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه.
..وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحه أهـ
..وهذا ليس يشبه ما يسمى في عصرنا بتوكيل محامى ؛ لرفع دعوه عند الطاغوت . لأن هذا لو كان جائزاً لما تركه يوسف من بداية الأمر عندما زُجَّ به في السجن ظلما و تأولناه بأنه عليه السلام أراد أن يعلم الملك معجزته وهى تعبيره للرؤيا ، والتي بموجبها يستطيع أن يُبرهِن على نبوته ، ثم يخبر الملك أنه محبوس ظلماً حتى يُبرهِن على عفته ونزاهته ، إذ أن العادة قد جرت بأنه لا يدخل السجن إلا الآثمين ،
..وقد ذكر ابن كثير أنه عليه السلام قد دعا ملك مصر ـ الريان بن الوليد ـ إلى التوحيد فأسلم . وأستمع لكلام المفسرين يشرح و يوضح صحة تأولنا.
..يقول القرطبي في تفسير الآية :
أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب .ا هـ
..يقول صاحب تفسير البحر المحيط في هذه الآية :
فالمعنى أن يوسف عليه السلام قال لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : اذكرني عند الملك أي : بعلمي ومكانتي وما أنا عليه مما آتاني الله ، أو اذكرني بمظلمتي وما امتحنت به بغير حق . وهذا من يوسف على سبيل الاستعانــة والتعاون في تفريج كربه ، وجعله بإذن الله وتقديره سبباً للخلاص كما جاء عن عيسى عليه السلام : { من أنصاري إلى الله } وكما كان الرسول يطلب من يحرسه . والذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك : اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله ، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه .ا هـ
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت)
____________
تيسير العزيز الحميد 418
شبهات وردود .. (((((((((>>>>>..... الاستئناف .....<<<<<)))))))))
وقد رأينا أن نورد تلك المسألة في هذا المكان خاصا لإتمام الرد عليها ملحقة بشبهة قول يوسف أذكرني عند ربك فقد عرف عن (( أهل الزيغ والكفران )) أنهم يستدلون بذلك على جواز استئناف الحكم الصادر من الطاغوت وطلب إعادة الحكم والنظر فيه أو ما يسمي فى بعض البلدان بالتمييز أو غيره من المسميات
فالعجب لهؤلاء كيف أضلهم الشيطان فما كان منه الا أن دعاهم فأستجابوا له وما كان له عليهم من سلطان فى ذلك , فكما رددنا على تلك الشبهة وبينا لكم حقيقة استدلالهم نقول ,
إن عملية طلب إعادة الحكم أو استئناف الحكم هى * أشد كفرا من كفر التحاكم الأول
لأن ما يسمى الاستئناف ما هو إلا رجاءاً من الطاغوت ورغبة فى عدل حكمه فبعد أن
قضى بخمس سنوات سجن على سبيل المثال فيطلب إعادة المحاكمة في ذلك
الحكم الجائر وأن يعاد النظر في القضية من عدة وجوه وإستدلالاً ببعض القوانين والمواد
التي تخدم المتهم في قضيته وتفيد بأنه فقط يستحق ثلاث سنوات , فهذا الاستحقاق
وهذه العدالة المرجوة وهذا الحكم الصادر صدر بناءا على طلب المتهم الاستدراك على
الحكم الأول فهذا وإن كان بطبيعته يعطى الشرعية للحكم الأول وذلك بطلب التخفيف
فيه أو النظر فيه أو إعادة تقريره , فهو طلبا لإعادة التمحص والبحث والتدقيق في قوانين
الطاغوت وشرعه وأن تهمته هذه لا تقتضي هذا الحكم إنما تقتضى غيره فأنى للطاغوت
من مقر بشرعه مثل هذا , فالكفر بالطاغوت يكون جملة وتفصيلا وهم امنوا بالطاغوت
جملة وتفصيلا فكما عرفنا أن التحاكم إلى الطاغوت كفر فإعادة التحاكم إلى الطاغوت
كفر فوق كفر وعدم رضا بالحكم الأول ليس لأنه حكما بغير ما أنزل الله إنما لأنهم يرونه
غير عادل فى حقهم ويطلبون غيره الذى يكون مؤكدا من شرع الطاغوت وحكمه وإنا لله و
إنا إليه راجعون .
شبهات وردود .. .. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ).. ( أ )
يقول القرطبي رحمه الله فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند المالك مما قُذف بهِ ، وأنه حُبس بلا جرم .. قال ابن عطية : كان هذا الفعل أناءة وصبراً وطلباً لبراءة الساحة ، وذلك أنه - فيما يروى - خشي أن يخرج ويَنال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبهِ صفحاً فيراه الناس بتلك العين ، ويقولون هذا الذي راود إمراءة مولاه ، فأراد يوسف أن يثبت براءته ويحقق منـزلته من العفة والخير.. فلهذا قال للرسول : ارجع إلى ربكَ وقُل له ما بال النسوة ، ومقصد يوسف إنما كان : وقل له يستقصي عن ذنـبي وينظر في أمري هل سُجنت بحق أو بظلم ] أهـ.
* يقول ابن تيمية رحمه الله وقول يوسف عليه السلام في الآية : "أذكرني عند ربك "، مثل قولهِ لربهِ : "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية ، لم يكُن هذا مُناقضاً للتوكل ، ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنهُ ، فكيف يكون قوله للفتى : "اذكرني عند ربك "مناقضاً للتوكل وليس فيهِ إلا مجرد إخبار الملك بهِ ليعلم حالهُ ليثبت الحق ، ويوسف كان من أثبت الناس ولهذا بعد أن طلبهُ الملك : "وقال الملك ائتوني به"، قال : "ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة "، فيوسف يذكر ربهُ في هذه الحال ،كما ذكرهُ في تلك الحال "أهـ .
ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية السابقة فلما جاءهُ الرسول بذلك أمتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيتهِ براءة ساحتهِ ونزاهة عرضهِ مما نُسيب إليه من جهة امرأة العزيز ، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظُلماً وعدوناً ] أهـ .
وقال في موضع آخر : [ ولهذا لما طلبهُ الملك الكبير في أخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نُسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض صلوات الله وسلامهِ عليهِ "أهـ .
* ويقول ابن العربي رحمه الله :[المسألة السادسة : قال علماؤنا إنما لم يُرد يوسف الخروج من السجن حتى تظهر براءته ، لئلا ينظر إليه الملك بعين الخائن فيسقط في عينه ِ ، ولم يتبين أن سجنهُ كان جوراً محضاً وظلماً صريحاً .. وقد طلب قبل ذلك من الذي ظن أنهُ ناج أن يذكرهُ عند سيدهِ ليعلم براءتهُ ويتبين حالهُ ] أهـ
شبهات وردود .. .. تابع.. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ) . ( ب )
إن واقعة يوسف التي حدثت عند خروجه من السجن عندما قال ارجع إلى ربك فسأله ما
بال النسوة التي قطعن أيديهن ) لم يكن طلبا للحكم له بالبراءة إنما كان طلبا للتبرئة
وإظهار براءته والفرق واضح
وسنبينه بدقه فتنبه فان قضية يوسف كانت قضية ثبوت
ابتداءاً وليس قضية حكم فانتهت قضيته عند مرحلة ثبوت الأدلة وتم إيداعه في السجن
مع علم العزيز ببراءته فإنما كان سجنه من باب ظلم ذوى السلطان وقدرتهم على إنفاذ
ما يريدون فقضية يوسف لم تحال أصلاً إلى الحكم فيها وأراد يوسف دفع تلك التهمه
المشينة عنه وتبرئة نفسه عند سؤال العزيز له وإنما كان سؤال العزيز من باب ثبوت
التهمه عليه من عدمها وليس من باب الحكم والقضاء في الواقعة وكما بينا أن العزيز كان
في هذه الحالة خصما لأن طرف النزاع هي زوجته وقضية النزاع في عرضها وهى تابعة
لزوجها فيه وعندما أودع يوسف السجن ظلما ثم أراده العزيز في وقتها للخروج فانتوى
يوسف إن يظهر ظلم خصومه وافتراءهم عليه وتنزيه نفسه مما نسب إليه فطلب التبين
مما حصل عند واقعة سجنه والتبين من النسوة عن ذلك الأمر فتظهر براءته مما نسب
إليه إمام العزيز وإمام الناس ولم يطلب منه حكما في ذلك إنما أراد مرحلة الثبوت أن تتم
أي ثبوت الأدلة فعندها تظهر تبرئته ومؤكد انه لم يرد حكم البراءة من العزيز لأنه قد أمر
ابتداءا بخروجه إنما ما أراده هو التبرئة والتنزيه , كمثل رجل اتهم في سرقه وتم التحقيق
في واقعة تهمته ثم ثبت عند القاضي انه لم يسرق فقال القاضي انه لم يسرق فهذا
ليس حكما عند القاضي إنما حكمه يكون بإصدار حكم البراءة وقوله انه لم يسرق إنما هو
من باب ما ثبت عنده من أدلة فمثله لو سرق وقال القاضي هو سارق فهذا ثبوت للتهمة
وحكمه عليه يكون بإصدار الحكم بقطع اليد , فكذلك عندما تبين العزيز من النسوة
واعترفت امرأة العزيز بما كان فقرر العزيز استخلاصه لنفسه عندما بدت نزاهته و بعده
عن ما نسب إليه ومعلوم انه لم يحكم بعقاب امرأة العزيز أو ببراءة يوسف فتنبه هدانا الله
وإياك للحق
====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( أ )
قال تعالى حاكيا عن أخوة يوسف عليه السلام : قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) .
**فيستدل البعض بهذه الآيات على أن الأسباط طلبوا من عزيز مصر ـ أخاهم يوسف قبل أن يعرفوه ـ تبديل الحكم الذي صدر بشان أخاهم بنيامين ، وهذا يدخل في باب التحاكم المنهي عنه شرعا ، بدليل أن أخاهم الصديق قال لهم ( معاذ الله ........ إن إذا لظالمون ) أي لو أجبتكم إلى مرادكم .
**فنقول : الله المستعان على ما تصفون ، اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الإفتراء ، والتجرؤ على مقام الأنبياء ، حفدة إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام .
**والرد على ما سبق من وجوه هي كالتالي :
أولا : أن نحدد المقصود من قولة أخوة يوسف ( فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) من الوجهة الشرعية ، وفقا لسياق الآيات ووفقا لفهم أهل العلم ، ومن ثم نحدد مرادهم ، وهل هو داخل في
معنى التحاكم ، أم خارجاً عن معناه ..
**فنقول سبق وأن أوضحنا معنى التحاكم ، وفرقنا بينه وبين الحكم والقضاء ، ، فذكرنا
؛ أنَّ التحاكم هو (( طلب حكم جهة معينة ؛ لفض خصومة أو مظلمة .... وفيها يظهر دور المتحاكمين )) .
وأنَّ الحُكم هو (( الفصل في هذا النزاع "المظلمة "على سبيل الإلزام .... وفيها يظهر دور الحاكم أو القاضي )) .
وأنَّ القضاء هو (( السعي في تنفيذ هذا الحكم المُلزم به .... وفيها يظهر دور القاضي ومعاونوه )) .
إذا فهمت هذا فاعلم أن قول أخوة يوسف (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) ، ثم تعقيب أخيهم الصديق عليه مباشرة (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ) ..
__ قد خرج عن مرحلتي التحاكم والحكم ، وجاء قبل مرحلة القضاء والتنفيذ ، واسمع لكلام الله ووصفه الأمر وتصويره ، وهو ما يُفهم من خلال تسلسل أحداث القصة والقضية .
قال تبارك وتعالى : فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79).
__فأخوة يوسف طلبوا تحكيم شريعة الله التي عرفوها عن أبيهم عليه السلام ، وحكموا بها على أنفسهم ورضوا بنتيجة حكمها عندما أقروا على أخيهم بالسرقة ، بل أوضحوا لعزيز مصر ـ الذي لم يعرفوا أنه أخاهم بعد ـ بأن فعلة بنيامين هذه ليست بغريبة عليه ؛ فشقيقه لأبويه ـ يعنون يوسف ـ كان مثله سارق .
__أي أنهم بعد انتهاء عمليتي التحاكم والحكم وصدور الحكم والإقرار به ... جاءت شفاعتهم في أخيهم على سبيل ( الحمالة ) أي أنهم أرادوا أن يتحملوا عنه جُرمَهُ الذي اقترفه ، فغضب يوسف الصديق لذلك وقال (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ )
.. وليس هذا بمستغرب على الكريم بن الكريم بن الكريم ، وقد فعلها من بعده خاتم النبيين وإمام المرسلين يوم تَمعَّر وجهُه من الغضب وقال لِحبِه ـ أسامه بن زيد رضي الله عنه ـ ثكلتك أُمُك يا أسامة ، أتشفع في حد من حدود الله ، وأيمُ الله لو أن فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ، وكان هذا كله عقب صدور الحكم في المرأة المخزومية وقبل القضاء والتنفيذ .
===================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ب )
وبالنسبة للآيات السابقة فلنرجع إلى تفسير القرطبي إذ يقول :
قوله تعالى : { قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه} خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته وقولهم : ( إن له أبا شيخا كبيرا ) أي كبير القدر ولم يريدوا كبر السن لأن ذلك معروف من حال الشيخ ( فخذ أحدنا مكانه ) أي عبدا بدله وقد قيل : إن هذا مجاز لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك مبالغ في استنزاله ويحتمل أن يكون قولهم : ( فخذ أحدنا مكانه ) حقيقة وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يروا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة أي خذ أحدنا مكانه حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر فمنع يوسف عليه السلام من ذلك إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الجميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة فلا يجوز إجماعا وفي ( الواضحة ) : إن الحمالة في الوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس واختلف فيها عن الشافعي فمرة ضعفها ومرة أجازها
قوله تعالى : { إنا نراك من المحسنين } يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا وهذا تأويل ابن إسحق
قوله تعالى : { قال معاذ الله } مصدر { أن نأخذ } في موضع نصب أي من أن نأخذ { إلا من وجدنا } في موضع نصب بـ ( نأخذ ) { متاعنا عنده } أي معاذ الله أن نأخذ البريء بالمجرم ونخالف ما تعاقدنا عليه { إنا إذا لظالمون } أي أن نأخذ غيره .أهـ
وجاء في تفسير البحر المحيط لأبى حيان ما نصه :
ومعنى مكانه أي : بدله على جهة الاسترهان أو الاستعباد ، قاله الزمخشري . وقال ابن عطية : يحتمل قولهم أن يكون مجازاً ، وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حرّ بسارق بدل من قد أحكمت السنة رقه ، وإنما هذا كمن يقول لمن يكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا ، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله ، وعلى هذا يتجه قول يوسف : معاذ الله لأنه تعوذ من غير جائز . ويحتمل أن يكون قولهم حقيقة ، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر ، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة ، أي : خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك . ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر . وقوله : من المحسنين ، وصفوه بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم ، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد إنْ أسديتها إلينا ، وهذا تأويل ابن إسحاق ومعاذ الله تقدم الكلام فيه في قوله : معاذ الله إنه ربي ، والمعنى : وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده . فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلماً في مذهبكم ، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم ، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة ، أو مصالح جمة علمها في ذلك . فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالماً وعاملاً على خلاف الوحي . وأن نأخذ تقديره : من أن نأخذ ، وإذن جواب وجزاء أي : إن أخذنا بدله ظلمنا . وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم : إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف ، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله .أهـ
====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ج )
وبالنظر إلى واقعة يوسف عليه السلام نُلاحظ والحمد لله وجود الاختلاف بين هذه
الحالة طلب البراءة ودفع الظلم كما فعل يوسف عليه السلام ، وبين طلب البراءة ودفع
الظلم أمام المحاكم الكفرية .. فلا تعارض في الحقيقة
فبمجرد الرجوع إلى محاكم الطاغوت لفصل الخصومات وإنزال الأحكام هو في
حقيقتهِ قبول وإذعان واعتراف بشرعية هذه المحاكم .
بل المسلم على العكس مُطالب ابتداء بالبراءة من هذه المحاكم ودساتيرها ،
واجتنابها ،كما قال تعالى :﴿ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾.
وهذا هو حكم الله سُبحانه فيها ، فالمسلم حينما تحدث لهُ قضية وتصل للمحاكم
الكفرية فهو أمام أمرين : حكم الله سُبحانه أو حكم الجاهلية وحُكم الله سبحانه : أن
يرفض مُطلقاً الذهاب والاعتراف بهذه المحاكم ، وقبول الأحكام منها ، وأن خسر ما خسر
، فلا مساومة بين الكفر ومتاع الحياة الدنيا .قال الله تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.
شبهات وردود .. شبهة موسى عليه السلام ..قول الله تعالى ..( قال قتلته اذا )
أما الاستدلال بجدال فرعون لموسى عليه السلام فيقال ومن قال بذلك قبلكم ؟؟
وما هو النص الصحيح والقول الصريح الذي يثبت ذلك ,
إن سؤال فرعون لموسى عليه السلام لم يكن من قبيل التحاكم ولادلّ على ذلك دليل
وإنما كان من قبيل الطعن في عدالة نبي الله كما يطعن خلفه اليوم في الموحدين لكي لايُقبل منهم الحق.
ثم لو كان هذا تحاكما فلم يعلم أن فرعون قضى بسجن موسى بعد ثبوت قتل موسى للرجل فأين الذي حكم به فرعون ؟؟
فسؤال فرعون لموسى عليه السلام كان عقب إبلاغ موسى له بأنه رسول من رب
العالمين فأراد فرعون أن يُقال كيف لقاتل نفس وجاحد نعمة أن يدّعى الصلاح .
شبهات وردود ..شبهة حلف الفضول
بالنسبة لحلف الفضول : يتحدث عن التظلم لا التحاكم ، شواهد ذلك ؛
**ـ ما ذكره الإمام البيهقي رحمه الله عندما قال : "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن أنكثه وأن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت - (قال القتيبى) فيما بلغني عنه وكان سبب الحلف أن قريشا كانت تتظالم بالحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير ابن عبد المطلب فدعوهم إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابهما بنو هاشم وبعض القبائل من قريش "اهـ .
**ـ وقال أيضا : "قال أحمد : وكان سبب الحلف فيما زعم أهل التواريخ ، أن قريشا كانت تتظالم بالحرم ، فقام عبد الله بن جدعان ، والزبير بن عبد المطلب ، فدعوا إلى التحالف على التناصر ، والأخذ للمظلوم من الظالم ، فأجابهما بنو هاشم ، وبعض القبائل من قريش ". اهـ
**ـ وقال ابن كثير رحمه الله : "و كان حلف الفضول أكرم حلف سمع به و أشرفه في العرب و كان أول من تكلم به و دعا إليه الزبير بن عبد المطلب و كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار و مخزوما و جمحا و سهما و عدي بن كعب فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل و زبروه ـ أي انتهروه ـ فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس و قريش في أنديتهم حول الكعبة فنادى بأعلى صوته :
( يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار و النفر )
( و محرم أشعث لم يقض عمرته... يا للرجال و بين الحجر و الحجر )
( إن الحرام لمن تمت كرامته ... و لا حرام لثوب الفاجر الغدر )
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب و قال : ما لهذا مترك .. فاجتمعت هاشم و زهرة و تيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما و تحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا و تعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة و مارسي ثبير و حراء مكانهما و على التآسي في المعاش ،
فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و قالوا : لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه "أهـ .
**ثم إنك إذا تأملت نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما قال عن حلف الفضول : "وَلَوْ دُعِيت بِهِ الْيَوْم فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت "انظر فتح الباري لابن حجر،كتاب الحوالات ، ( بَاب قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) ) .. لأفادك فائدتين هما :
**الفائدة الأولى : أنِّ ( لو ) حرف امتناع لامتناع. أي: تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول ، كما يقول جمهور أهل اللغة ... أي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعقد مثل هذا الحلف ، ولم يُدعى إلى عقده .
**الفائدة الثانية : أنَّ (دُعِيت) فعل ماضي مبنى للمجهول ، يدُل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لو دعي إلى هذا الحلف لأجاب ، فتكون إجابته صلى الله عليه وسلم بذلك تشريعاً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المُشرِّع عن ربه ، وهذا بنص التنزيل ، قال تعالى : "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " .. ويؤكِد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "الْيَوْم فِي الْإِسْلَام "، فهذه عبارة تفيد التخصيص ، أي أن تكون الدعوة إلى هذا الحلف أو لمثله اليوم في الإسلام ، أي في وقت وزمن وجود النبي صلى الله عليه وسلم .
شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي . ( أ )
1740 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ، النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ لَا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ (1) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا (2) إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَت: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَا هَيْمُ اللهِ، إِذَاً لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ إليهما وَرَدَدْتُهُمِ إلى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ
جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، "فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ "، قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ
صَدْرًا مِنْ (كهيعص) ، قَالَتْ: فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ إليكم أبدا، وَلا أُكَادُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا -: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ أرحاما، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاللهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلِ إليهم فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ اذْهَبُوا، فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ – مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ - يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ - قَالَ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ
شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي .. ( ب )
=========
**أما حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة مع النجاشي ومشركي قريش لم تكن واقعة محكمة لكي نقيس عليها محاكم اليوم الطاغوتية البين الواضح كفرها , ولا يوجد هناك دليل صريح على ذلك سوى محاكمة النصوص الشرعية للأهواء وتوظيفها على حسب ما يقضيه الحال.
**وهي حادثة جوار, فالصحابة رضي الله عنهم دخلوا في جوار النجاشي ومشركي قريش طالبوا بتسليم المسلمين إليهم فكانت الصورة كالأتي :
النجاشي والمسلمون (طرف)... ومشركي قريش (طرف )
**اما أنها قصة طلب جوار فيثبت ذلك قول الصحابة أنفسهم:(...لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي..) وقال جعفر رضي الله عنه (...خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.. )
**فكانت الصورة هي مطالبة غريم بتسليم - حق لهم عنده - كالأمانة أو اللقطة ونحوها لصاحبها .. وليس طلب التحاكم وفض النزاع .. بل بالعكس
**فإن الوفد طلب من النجاشي أن يسلم لهم الصحابة لكي يحكموا هم عليهم بحكمهم حيث قالوا ( أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه)
**ولهذا يعتبر هذا تسليم حق – مزعوم - لصاحبه .. كتسليم الأمانة واللقطة لصاحبها ..
**لا محكمة فيه ولا تحاكم أساسا..
**فالواضح البين أن الوفد لم يطلبوا من النجاشي أن يحكم لهم ولا طلبوا منه أن يكون
قاضيا .. وأن الصحابة لم يأتوا لمحكمة ولم يذهبوا لجلسة القاضي فيها هو النجاشي...
ولكن الذي عرفوه أن قريش تطلبهم ممن لجئوا عنده .. لتردهم إليها
فتحكم عليهم هي وتعاقبهم.. وكان مجيئهم رضي الله عنهم لمجلس الملك وإلى
صاحب الأرض وخير جار ...وليس لمجلس القضاء
شبهات وردود .. ولمزيد من البيان ..
لاشك أن قضية الحاكمية من القضايا التى كثُر فيها الخلاف بين الجماعات التي ترفع شعآر الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ومن هذه القضايا قضية تجويز ذهاب الموحد لمحاكم الطاغوت عند إستدعائه لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي بغير إكراه وقد كتب بعض الإخوة ردود شافية وكافية في هذه المسألة , وهذا تقرير مختصر كتبتُه لبيان الحق في هذه القضية للرد على المخالفين وأسال الله أن يهدينا وإياهم إلى الحقُ المبين, وأن يحينا موحدين ويميتنا موحدين آمين آمين .الجديد أبو محمد
شبهات وردود .. تقرير المســألة: ( أ )
***الحكم عبادة بنص القرآن الكريم وهو قوله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) سورة يوسف (40)وقوله تعالى(ولايشرك في حكمه أحدا) الكهف (26)
***وعبادة التحاكم تشمل العبادة القلبية (الرضي والقبول) بالتحاكم وتشمل العبادة العملية (فعل التحاكم), فمن أظهر الرضي بالتحاكم للطاغوت يكفر وإن لم يتحاكم عملياً , ومن وقع في التحاكم للطاغوت فعلياً (عملياً) يكفر وإن صّرح بلسانه إنه لم يُرد التحاكم وإنما أراد أخذ حقه أو الدفاع عن نفسه وتبرأتها .
***وفعل التحاكم يكون إما برفع الشكوى إلى الطاغوت وطلب الحكم وإما بالإذعان والإنقياد العملي لأمر الطاغوت بالتحاكم بغير إكراه.
***فالصورة الأولى هي أن يذهب المدّعي ويرفع شكواه إلى جهة لتفصل له في القضية سواء كانت هذه الجهة إسلامية أو غير ذلك.
***والصورة الثانية هي أن يُطلب من المدّعي عليه أن يمثل أمام القضاء ليدلى بأقواله ويدافع عن نفسه إن كان بريئاًً.
___فمن يُلبّى هذه الدعوة ويذهب إلى جلسة الحكم ويُجيب على أسئلة القاضي في القضية المُستدعى من أجلها يكون قد تحاكم سواءً كان ذلك في المحكمة الإسلامية أو في المحكمة الطاغوتية وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم لأنه أظهر فعل التحاكم مختاراً والعبرة ليست بالأسماء والعناوين وإنما بحقائق المسميات ومضامينها فالله عز وجل حكم على من يريد التحاكم بالكفر بقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) فتكفير من يتحاكم بالفعل أولىّ وهذه هي صورة التقاضي وهي أشمل من التحاكم وأعمّ .
***فالتحاكم فرعٌ من التقاضي وصورة منه وهو أن يتفق إثنان أو أكثر على تحكيم زيد أو عمرو من الناس ولايشترط أن يكون لهذا المُحكّم سلطة و قوة, فقوته وسلطته يستمدها من الطرفين الذين رضيا به حكماً بينهما, ولا يسمى هذين الطرفين متحاكمين إلا برضاهما بالطرف المُحكّم الذي تنتهي مهمته بانتهاء الحُكم وهو مايسمى بالتحاكم الإختياري.
***وهناك صورة أخرى للقضاء يتم فيها طلب المتخاصمين من القاضي أن يفصل بينهما, أو قد يتم بطلب أحد الخصمين في الغالب للحكم ويستدعى الآخر للمثول أمام القاضي للدفاع عن نفسه أو تبرأتها بإجابته على أسئلة القاضي ومخاصمته أمامه. وهذا ما يسمى بالقضاء العام الإجباري .
====================================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ب )
* جاء في لسان العرب ج12 ص 180-181
__ الخصومة : الجدَلُ.خاصَمَه خِصاماً ومُخاصَمَة فخَصمَهُ يَخْصِمُه خَصْماً: غلبه بالحجة, والخُصومَة الاسم من التّخاصُم والاخْتِصام. والخَصْمُ:معروف, واخْتَصَمَ القومُ وتَخاصموا, وخَصْمُك: الذي يُخاصِمُكَ, وجمعه خُصُومٌ, وقد يكون الخَصْمُ للاثنين والجمع والمؤنث.
__ وقوله عز وجل ( لا تَخفْ خَصْمان) أي نحن خَصْمان, قال: والخَصْمُ يصلح للواحد والجمع والذكروالاُنثى لأنه مصدر خَصَمْتُه خَصْماً, كأنك قلت: هو ذو خَصْم, وقيل للخَصْمَين خَصْمان لأخذ كل واحد منهما في شِقَ من الحِجاج والدَّعْوى أهـــ.
* وجاء في لسان العرب أيضاً ج 10 ص 53
__ حاقه في الأمر محاقة وحقاقا ادعى أنه أولى بالحق منه . وأكثر مااستعملوا هذا في قولهم حاقني أي أكثر مايستعملونه في فعل الغائب وحاقه فحقه يحقه غلبه وذلك في الخصومة واستيجاب الحق وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قيل حقه والتحاق التخاصم والاحتقاق الاختصام ويقال احتق فلان وفلان ولايقال للواحد كما لايقال اختصم للواحد دون الآخر أهـــ.
*وجاء في مختار الصحاح ج1 ص 62
__ ح ك م الحُكْم القضاء وقد حَكَم بينهم يحكم بالضم حُكْما وحَكَم له وحكم عليه والحُكْمُ أيضا الحكمة من العلم والحكِيمُ العالم وصاحب الحكمة والحكيم أيضا المتقن للأمور وقد حَكْم من باب ظرُف أي صار حكيما وأحكَمَهُ فاسْتَحْكَمَ أي صار مُحْكَما والحَكَمُ بفتحتين الحاكم وحَكّمه في ماله تحكِيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحْتَكَمَ عليه في ذلك واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكموا بمعنى والمُحاكَمَة المخاصمة إلى الحاكم أهـــ.
***ويتضح جلياً مما نقلناه من معاجم اللغة أن كلا طرفي النزاع _ المدّعى والمدّعى عليه _ يجري عليهم مسمّى التحاكم لكونهما متخاصمين متحاققين فكل منها يُكذب الآخر ويدعى أنه المُحق وخصمه المبطل ويحكم القاضي أو الحاكم على مقتضي إختصامهم وتجادلهم أمامه.
* وفى هذا يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :
=========================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ج )
*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!
*** يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :
__[ وأيضاً فالقضاء نوعان أحدهما : الحكم عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمراً يكذبهُ الآخر ، فيحكم فيه بالبينة ونحوها .
__الثاني : مالا يتجاحدان فيه = يتصادقان = ولكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما ،كتنازعهم في قسم الفريضة ، أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر ، أو فيما يستحقه كل من الشريكين ، ونحو ذلك فهذا الباب هو من أبواب الحلال والحرام ، فإذا أفتهاهما من يرضيان بقولهِ كفاهما ذلك ، ولم يحتاجا إلى من يحكم بينهما ، وإنما يحتاجان إلى حاكم عند التجاحد ، وذلك إنما في الأغلب مع الفجور وقد يكون مع النسيان ].أهـ
***ويقول الإمام بن قدامة المقدسي في كتاب القضاء :
__[ فصل : ولا يخلو المستعدى عليه من أن يكون حاضراً أو غائباً فإن كان حاضراً فيالبلد أو قريباً منه ، فإن شاء الحاكم بعث مع المستعدي عوناً يحضر المدعى عليه وإنشاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوماً بخاتمه فإذا بعث معه ختماً ، فعاد فذكر أنهإمتنع أو كسر الختم ، بعث إليه عيوناً ، فإن إمتنع أنفذ صاحب المعونة فأحضره فإذا حضروشهد عليه شاهدان بالامتناع ، عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه تأديباً له إما بالكلاموكشف رأسه ، أو بالضرب أو بالحبس فإن إختبأ بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثاأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه ، ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على إعذاره فإنلم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ، ويختم عليه وتقرر عند الحاكم أن المنـزلمنـزله سمره أو ختمه فإن لم يحضر بعث الحاكم من ينادي على بابه بحضرة شاهدي عدل ،أنه إن لم يحضر مع فلان أقام عنه وكيلاً وحكم عليه ، فإن لم يحضر أقام عنه وكيلاًوسمع البينة عليه ، وحكم عليه كما يحكم على الغائب وقضى حقه من ماله إن وجد لهمالاً وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ، وأهل البصرة حكاه عنهم أحمد وإن لم يجد لهمالاً ولم تكن للمدعي بينة فكان أحمد ينكر التهجم عليه ، ويشتد عليه حتى يظهر وقالالشافعي : إن علم له مكاناً أمر بالهجوم عليه فيبعث خصياناً أو غلماناً لم يبلغواالحلم ، وثقات من النساء معهم ذوو عدل من الرجال فيدخل النساء والصبيان فإذا حصلوافي صحن الدار دخل الرجال ، ويؤمر الخصيان بالتفتيش ويتفقد النساء النساء فإن ظفروابه ، أخذوه فأحضروه ، وإن استعدى على غائب نظرت فإن كان الغائب في غير ولاية القاضيلم يكن له أن يعدي عليه وله الحكم عليه ]. المغني / كتاب القضاء .
..
*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!
=================
.. تابع تقرير المســألة: ( د )
***فالتحاكم أو التقاضي لايتم إلا بثلاث أركان رئيسية :
أ/ طرفان متنازعان.
ب/ قضية متنازع فيها.
ج/جهة ثالثة يُرفع ويُرد إليها النزاع.
*وماعدا ذلك لايُعد تحاكماً والدليل على ذلك هو قوله تعالى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ) النساء (59)
فَإِن تَنَازَعْتُمْ = نزاع بين شخصين او أكثر
فِي شَيْءٍ = قضية متنازع فيها
فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ = جهة ثالثة وهي بالضرورة غير الطرفين المتنازعين .
*****يجوز للمسلم التنازع مع المشرك ونفي كل ما نُسب اليه من باطل وإن كان طاغوتاً , وأما رفعُ ذلك النزاع إلى غير مُسلم أو الإستجابة لذلك مع الإختيار كفرٌ صريح.
*فإذا أتفقنا على ثبوت هذا الأصل فلايجوز نقضه بمتشابه الكتاب والسنة ويجب ان نرد ماأشكل علينا فهمه إلى محكم النصوص.
قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7]
فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.
=====================
.. تابع تقرير المســألة: ( ه )
قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7] فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.
يقول الإمام بن كثير رحمه الله في تفسير هذه الأية:
( يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي : بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على احد ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن ردٌَ ما اشتبه إلى الواضح منه وحكٌم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ، ومن عكس انعكس ، ولهذا قال تعالى : ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب ِ﴾ أي : أصله الذي يُرجع إليه عند الإشتباه ، وقوله تعالى : ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات ٌ﴾ أي : تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد) أهـ تفسير القران العظيم .
وفي هذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
وقد ثبت في الأصول العلمية أنّ كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معانِ أصولية ، أو فرعية ولم يقترن بها تقييد ، ولا تخصيص مع تكررها وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم .
فالأصول الكلية القطعية لا يدخلها التخصيص بحال لأنها راجعة إلى أصل الدين ، أو لتكررها وتقررها وإنتشارها وتأكدها وبقائها مع ذلك على مقتضى عمومها في تكررها وإنتشارها.
ودخول التخصيص على ما هذا شأنه توهين للدلالة ، لأن العموم القطعي إذا دخله التخصيص لم يبقَ حجة أو دخل الخلاف في حجيته أو إنقلبت قطعيته إلى الظن ، لأن ما دخلهُ التخصيص بوجه جاز أن يدخله من كل وجه فلا يبقى للعموم مع هذا حجيته ، أو تصير دلالتهِ ظنية وإن كان أصله قطعياُ ] أهـ.
وبما أن أصلنا هو التحاكم إلى شرع الله وهو أصل قطعي بل هو أصل الأصول ، ولا يشك أحد في قطعيتهِ ، لذلك فدخول التخصيص عليه من المُحال ، ولو وجد ما يعارضهُ من شبه تخصيص أو إستثناء فلا بد لنا من التأويل أو الطرح .. كما قال الشاطبي رحمه الله فإن في حقيقة الأمر لا يمكن التعارض في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً أصل ثابت عند عُلماء الأمة.
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات :
( إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا يؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال) والدليل على ذلك :
1/أن القاعدة مقطوعبها ، وقضايا الأعيان مظنونة .
2/أن القاعدة غير محتملة لإستنادها إلى الأدلة القطعية ، وقضايا الأعيان وآحاد الجزئيات محتملة.
3/أن قضايا الأعيان جزئية ، والقواعد المطردة كليات ، ولا ينهض الجزئي للكلي .
ويجب أن يراعى أن ما نحن فيه من قبيل ما يتوهم فيه الجزئي معارضاً ، وفي الحقيقة ليس بمعارض ، فإن القاعدة إذا كانت كلية ثم ورد في شيء مخصوص والقضية عينية ما يقتضي بظاهره المعارضة في تلك القضية المخصوصة وحدها مع إمكان معناها موافقاً لا مخالفاً ، فلا إشكال في هذه المعارضة هنا ، وهو هنا محل التأويل لمن تأول أو محل عموم الإعتبار إن لاق بالموضوع الإطراح والإهمال ،كما إذا ثبت لدينا أصل التنـزيه كلياً عاماً ، ثم ورد موضع ظاهره التشبيه في أمر خاص يُمكن أن يراد بهِ خِلاَف ظاهره على ما أعطته قاعدة التنـزيه فمثل هذا لا يؤثر في صحة الكلية الثابتة وهكذا ، أن الأصل في الأنبياء العصمة من الذنوب ثم جاء في الحديثلم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) ونحو ذلك فهذا لا يؤثر في القاعدة لإحتمال حمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل ] أهـ
ويقول رحمه الله وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى التمسك بالكليات إذا عارضها الجزئيات وقضايا الأعيان ، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة ، فإن تمسك بالجزئي لم يُمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي فثبتت في حقه المعارضة ، ورمت بهِ أيدي الإشكالات في مهاوِ بعيدة ، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين لأنه إتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات ] أهـ .
وإن قال قائل : وما يدريكم لعل الأصل أو الدليل الواقف عليه قطعي الدلالة وكُلي الإعتبار ، حتى مع وجود التعارض !!.
فنترك الرد للإمام الشاطبـي رحمه الله إذ يقول :
( والتعارض لا يمكن أن يكون بين القطعيان ، فتعارض القواعد الكلية مُحال وإنما يقع أو قد يقع التعارض بين القواعد الكلية وبين قضايا الأعيان وحكايات الأحوال ، أو بينها وبين أفراد الأدلة)
ثم أن قضايا الأعيان ليست حُجة مالم تستند إلى دليل آخر، فلا يمكن أن يُعارض بها دليل جزئي فضلاً عن قاعدة كلية ، أما آحاد الأدلة ولو كانت أكثر من دليل في قضية واحدة فهي ظنية والقواعد الكلية قطعية والظنيات لا تعارض القطعيات ] أهـ.
.. تابع تقرير المســألة: ( و )
*مفهوم الدليل الصحيح :
يقول الشاطبـي رحمه الله إن كل دليل فيه إشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ، ويشترط في ذلك أن لا يُعارضه أصل قطعي ، فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو إشتراك أو عارضه قطعي فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه ودالآً على غيره وإلا أحتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً ، ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الأصول الكلية ، لأن الفروع الجزئية إن لم تقتضِ عملاً فهي في محل التوقف ، وإن اقتضت عملاً فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ، ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططاً ودخل في حُكم الذم ، لأن متبع الشبهات مذمومٍ ] أهـ.
وفي قضيتنا ,وهي رد الأمر عند التنازع إلى شريعة غير شريعة الله والذي جاءت النصوص المتواترة بكفر مرتكبهِ بل نقل العلماء ومنهم ابن كثير الإجماع بين المسلمين على ذلك ، وهذا شأن القواعد الكلية في كونها لاتستند إلى آحاد الأدلة بل تتكرر النصوص وتتواتر عليها أدلة حتى تتقرر وتنتشر فتتأكد ويؤتى بها شواهد على معان أصولية فلا تتطرق إليها الإحتمالات وبهذا أختلفت القواعد "الكلية"القطعية عن الأحكام "الجزئية"المحتملة وبالله التوفيق ..
التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:
..
..هذا الشخص يكفر بكل قضاء غير شرعي ويكّفر من يحكم بغير ما أنزل الله تعالى ويكّفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر ويتبرأ من الشرك والمشركين... هذا الشخص لايرفع للطاغوت مظلمة إذا ظُلم ولايتفق مع خصمه على الترافع للطاغوت ويُحذر حتى أن يُرشد أحد أراد التحاكم للطاغوت إلى الطريق الموصل للمحكمة ويرى ذلك عوناً لهم.
هذا الشخص فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد عن نفسه ويرى أن ذلك ليس بتحاكم ويستمسك بظاهر نصوص على فعله أهــ.
***أقول وبالله التوفيق والسداد :
..
هذا القول ينقض آخره أوله فقوله: فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد
عن نفسه. يناقض قوله :ويكفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر.
...وماهو قول وفعل التحاكم المُكفّر إذاً؟؟ أليس هو الذهاب لمحاكم الطاغوت مختاراً بغير
إكراه؟؟ إذا كنتم تكفرون من فعل فعل التحاكم حقيقةً ولاتشترطون على ذلك الرضي
القلبي فكيف تجوزون أن يذهب الموحد إلى محاكم الطاغوت مختاراً بغير إكراه؟؟
فالصوآب أن يُقال لايجوز هذا الفعل إلا تحت الإكراه الشرعي المُعتبر.
..ويلزمكم أحد أمرين إما أن تقولوا بعدم جواز ذلك وهذا هو الحق الذي نحن عليه وإما ان
تشترطوا لتكفير من يفعل فعل التحاكم الرضي القلبي ولاتكفرون حتىّ الذي يرفع
الدعوى للطاغوت إلا إذا صّرح بأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت لان مناط التكفير عندكم هو
الرضي القلبي بالتحاكم وليس الذهاب, ولأن الشخص الذي ذكرتموه في الحالة
المذكورة لم يُرد التحاكم للطاغوت ولكنه أراد الذهاب إلى محاكم الطاغوت عند إستدعائه
للإجابة على أسئلة الطاغوت المتعلقة بالقضية التي أُستدعي من أجلها ولايري حرجاً في ذلك ؟؟
...فالذي يرفعُ دعواه للحاكم الكافر ويصّرح بأنه لا يرضي بالتحاكم له وإنما فعل ذلك
مقابل مصلحة وهي رد حقه الشرعي إليه قابلت هذه المصلحة مفسدة الوقوع في
التحاكم وبالمقابل فمصلحة رد التهمة تقابلها مفسدة الوقوع في التحاكم أيضاً فكلاهما
أفعال وأقوال نص الله عزوجل على كفر مرتكبهاولايشترط لتكفير مرتكبها الرضي أو الإرادة القلبية.
التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:
___إلحاق هذا الشخص بالشاكي ومساواته به جور وظلم وتعسف لأنه لايرفع مظلمة إلى طاغية وإلحاقه بحالة الخصمان المتفقان على الترافع جور وظلم أيضاً إذ أننا نعلم منه عدم الإتفاق مع الخصم على الترافع ولا يجوز أن نتكلف له التأويلات حتى نساويه هو والشاكي والراضي المجوز لذلك.
***أقول وبالله التوفيق والسداد:
هذه الصور الثلاث لاتخرج عن صورة التحاكم العملي للطاغوت,والكفر يكون بالفعل والقول
كما يكون بالإعتقاد فالمدعى عليه أطاع الطاغوت بذهابه لجلسة الحُكم ثم أجاب عن
أسئلة القاضي وجّرم خصمه إذ أن نفى التُهمة عن نفسه هو تجريم لخصمه الذي رفع
عليه الدعوى, وهذه هي عين الطاعة الكفرية وهي دعوة لعبادة الطاغوت بالتحاكم إليه
فالأول ذهب بنفسه ورفع دعوته إلى الطاغوت والثاني طُلب منه أن يذهب إلى جلسة
الحُكم فأجاب بإختياره فلافرق بين الصورتين حُكماً.
وماذا يُقصد بالراضي هنا ؟؟ هل يقصد الراضي بالتحاكم ؟؟ أم الراضي بالذهاب لجلسة
الحُكم ؟؟ وماذا يُقصد بالمجوز هنا ؟؟ أهو المجّوز للذهاب لمحاكم الطاغوت عند
الإستدعاء ؟؟ أم المجّوز للتحاكم إلى الطاغوت؟؟ فحال هذا الشخص حقيقةً أنه متحاكم
إلى الطاغوت وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم فكذب فعله وذهابه قوله وادعاء ه فلا
يشترط لتكفير من يُلبىّ دعوة الطاغوت لجلسة الحُكم أن يقول للقاضي أحكم بيننا أو
إنني أرضى بحكمك , فصورة المدعّى عليه صورة مُتحاكم بمجرد ذهابه إلى جلسة
الحُكم بإختياره وإجابته لأسئلة القاضي.
التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
***قال المُخالف :
هذا الشخص يستند إلى نصوص على حاله هذه نوردها هنا :
وقام بإيراد بعض النصوص التي ظنّ أنها أدلة قاطعة وبراهين ساطعة فيما ذهب إليه وهي :
1- قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز عندما راودته عن نفسه في قوله تعالى:
(وَ?سْتَبَقَا ?لْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ?لْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُو?ءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين)
2- جدال إخوة يوسف عليه السلام عندما أُتهموا بسرقة صواع الملك وهو قوله تعالى:
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ?لسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ?لْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون)َ)
3- حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة رضي الله عنهم مع النجاشي رضي الله عنه عندما طلب المشركون من النجاشي تسليم المهاجرين لهم.
4- قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما قال له فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
5- قصة ابي بكر الصديق رضي الله عنه عندما أخرجه قومه وأجاره بن الدغنة . (( تم الرد تفصيلا على هذه الشبهات فى المنشورات السابقه
*** أقول وبالله التوفيق والسداد:
لا يصح تقرير مسألة من أصل الدين او إخراجها منه بمثل هذه النصوص المتشابهة في
هذا الباب, فمسألة التحاكم إلى الطاغوت قد بينها الله في كتابه أتم بيان وأحسن تبيان,
فالمسلم الذي يكقر بالطاغوت ويؤمن بالله يكفر بكل شرائع الطواغيت وأنظمتهم
وقوانينهم الوضعية, والمسلم الذي تُرفع فيه دعوى من أحد المشركين إلى المحاكم
الطاغوتية يستدعى لجلسة الحُكم لأجل أن يتحاكم إليهم ,فموقف المسلم من هذه
الدعوة الطاغوتية للكفر عدم الطاعة يقول الله تعالى ( وماكان قول المؤمنين إذا دعوا ..)
فالطاعة والتسليم واجبة في دعوة المسلم إلى الله ورسوله وحكمهما, وعدم الطاعة
والتسليم واجب في دعوة المسلم إلى الطاغوت وشرعه.
فلو كان ما قررتموه حق فلابد أن يكون قد سبقكم له السلف الصالح , وقد تتبعنا _
والحمدُ لله _ فلم نجد أن السلف الصالح قد قرروا ما قررتموه أو فهموا مافهمتموه ولم
يفهموا ما فهمتموه من النصوص, ولم يقل أحد أن هذه الوقائع كانت في مقام المحاكم
ولم يصرح عالم واحد منهم بأنه يُفهم من هذه النصوص جواز ذهاب الموحد لمحاكم
الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي, فإن كان هناك من السلف من صّرح
بذلك فأوردوه لنا.
التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
***قال المُخالف :
__بعض الإخوة سأل أحد المخالفين في جلسة نقاش في نفس الموضوع عن أنّه إذا تنازع مسلمٌ وكافر في قطعة أرض مثلاً, والأرض ملك للمسلم فقام المشرك برفع دعوى إلى الطاغوت بحجة أن الأرض له ,فأستدعى المسلم وهو معه جميع الأوراق التي تثبت أن الأرض ملكاً له ماذا يفعل ؟؟ هل يذهب ويجادل خصمه ويقدم أوراقه الثبوتية للمحكمة الكافرة ؟؟ فأجاب المخالف بنعم يجوز له أن يذهب ويُثبت بأنه المالك للأرض وأن خصمه كاذب.
فقلتُ له : ماهو التحاكم إذاً إن لم يكن هذا تحاكم ؟؟ وهل هذا الفعل جائز؟؟
قال : نعم .
فقلت له : لماذا تشترط للذهاب الإستدعاء ؟؟ ولماذا لاتذهب بمجرد وقوع النزاع ؟؟وهل
الأفعال المباحة يشترط لفعلها ؟؟ وماهي الدليل على أن هذا الفعل لايجوز إلا بالشرط
؟؟ وكيف يكون الفعل جائز ثم غير جائز إلا بالشرط ؟؟
=====================
***** ((( الخلاصه ))) *****
إن كل ما أورده المخالفون من وقائع ونصوص لانخالفهم فيها على جواز دفع الصائل الشرعي بالدفاع عن النفس والعرض في كل مقام مالم يكن مقام تحاكم وقد ضبطنا في ثنايا هذه الرسالة متى يكون المقام مقام تحاكم ومتى لايكون,وهذا يُعرف بالنظر لأركان التحاكم والقرائن المحيطة بواقع الحادثة, فلانتحرج البتة في التأسي بالأنبياء عليهم السلام في كل أحوالهم إلا ما نهانا الله عزوجل,أما تصّور واقعهم على خلاف ماهو عليه ثم تجويز الباطل على مقتضى ذلك التصّور الفاسد فنبرأ إلى الله منه.
***تساؤلات ولوازم
السؤال الأول :
هل الحكم عبادة ؟
السؤال الثاني :
ماهو مناط تكفيركم للمتحاكم للطاغوت بغير إكراه؟
السؤال الثالث:
هل حضور المدعّى عليه لجلسة الحكم وإجابته أسئلة القاضي مختاراً لاتدخل في صور التحاكم ؟
السؤال الرابع:
هل تشترطون الإرادة القلبية لتكفير المتحاكم إلى الطاغوت عملياً؟
السؤال الخامس :
وماهو برهانكم لتكفير الذي يرفعُ شكواه إلى الطاغوت بغرض رد المظالم ويحتج بأنه لم يرُد التحاكم للطاغوت ؟
السؤال السادس:
هل لايكون المدعّى عليه متحاكماً إلى الطاغوت إذا أجاب الدعوة من غير إكراه إلا بتصريحه انه يريد التحاكم؟
السؤال السابع:
ماهو مالفرق العلمي بين مدعّى عليه كافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم وبين مدعّى عليه ليس بكافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم؟
السؤال الثامن:
هل تشترطون لذهاب المدّعى عليه أن يظهر عدم إرادته للتحاكم بإنكاره على الطاغوت ؟ وأنه ليست الجهة الشرعية التي يُحق لها أن تفصل في القضايا ؟ وإن كان كذلك ما هو دليل الشرط؟ وماحكم مخالف الشرط ؟ أي من يذهب بغير الإتيان بالشرط ؟
السؤال التاسع:
وهل تحصرون المتحاكم في المدعّي فقط ؟ اي الذي يرفع الشكوى للحاكم او القاضي؟
السؤال العاشر:
وإن كان هناك مدعّى عليه يكفر بتلبيته لدعوة الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي وضحوا لنا ما هي لنا ما هي صورته؟
السؤال الحادي عشر:
قلتم إنكم تتمسكون بظاهر النصوص على تجويزكم أين ظهر لكم أن هذه الوقائع كانت وقائع محاكم وجلسات تحاكم؟؟ أين دلّ ظاهر النصوص على ذلك؟؟ أم أنه من فقه الباطن؟؟ وهل أستدعي يوسف عليه السلام عندما أجاب بقوله (هي راودتني ...)؟؟ ولماذا تشترطون على الذهاب والإدلاء بالأقوال الاستدعاء؟؟ أين ذلك في ظاهر النصوص؟؟ وما هو دليل هذا الشرط؟؟ وما حكم من يذهب ويرد التهمة عن نفسه بدون أن يستدعى ؟؟ وما دليل كفره على حسب مذهبكم ؟؟
السؤال الثاني عشر:
ماهو ظاهر قول يوسف عليه السلام (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم )؟؟ وكيف تقولون _على حسب تمسككم بالظاهر _بأنه لم يكن مستأنفاً لقضية ؟؟ وما هي طريقة الاستئناف اليوم؟؟ وما الفرق بينها وبين ما طلبه يوسف عليه السلام ؟؟
السؤال الثالث عشر :
فهمتم من النصوص التي استدللتم بها أن واقعها كان واقع محاكم طاغوتية فمن سبقكم بهذا الفهم من السلف الصالح؟؟ وأين كان ذلك؟؟ ومن قال بأنه يجوز للمسلم الذهاب لمحاكم الطواغيت في جلسة الحُكم من السلف ؟؟وهل خفى على السلف من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى القرن السابع والثامن الهجري مافهمتموه من الآيات؟؟ أوردوا لنا صريح أقوالهم على ذلك إن كنتم على نهجهم وفهمهم حقاً؟؟
تم بعون الله