Quantcast
Channel: الخلافة الاسلامة على منهج المهدي
Viewing all 472 articles
Browse latest View live

رد التهمه .. لمن يجيزون التحاكم للطاغوت سواء أبتداءا أو أستئنافا ..

$
0
0

أعلم رحمك الله أن الدين حمل ثقيل يحتاج حامله لأستعانه بالله عز وجل وصبر جميل والصبر واجب كما هو مقرر عند أهل العلم .


قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)..)) المزمل

__ وقد حث الله عز وجل المسلمين على الصبر والثبات على العقيده الصحيحه فقال تعالى ( الم أحسب الناس أن يقولو اّمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) _ فكان الصبر فى لحظات الأستضعاف هو الملجأ والملاذ

*** ونود قبل الشروع فى المقصود أن نذكر بقول مهم للإمام الشاطبى رحمه الله عن مفهوم الدليل الصحيح يقول رحمه الله فى الموافقات :

(( أن كل دليل فيه أشتباه وإشكال ليس بدليل فى الحقيقه حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ؛ ويشترط فى ذلك أن لا يعارضه أصل قطعى ؛ فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو أشتراك أو عارضه قطعى فليس بدليل لأن حقيقه الدليل أن يكون ظاهرا فى نفسه ودالا على غيره وإلا احتيج إلى دليل ؛ فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلا ؛ ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئيه الأصول الكليه ؛ لأن الفروع الجزئيه إن لم تقتضى عملا فهى فى محل التوقف ؛ وإن أقتضت عملا فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ؛ ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططا ودخل فى حكم الذم ؛ لأن متبع الشهوات مذموم ) أ.ه

__ أخرج الأمام أحمد رحمه الله فى مسنده عن عائشه رضى الله عنها قالت :

قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه اّيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه أبتغاء الفتنه وأبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون اّمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ) .. فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل فأحذروهم

*** أن قضيه التحاكم إلى الله ورسوله قضيه من صلب العقيده كما يعلم كل موحد قال تعالى فى سوره الانعام ( افغير الله ابتغى حكما ....) الاّيه يقول البيضاوى فى تفسيره : ( أفغير الله أبتغى حكما ) .. على إراده القول أى قل لهم يا محمد أفغير الله أطلب من يحكم بينى وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل .
***يقول سيد قطب رحمه الله ... أفغير الله ابتغى حكما ؛ وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا ؛ والذين اّتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ؛ فلا تكونن من الممترين ) ..

__ أنه سؤال على لسان رسول الله صل الله عليه وسلم للأستنكار . استنكار أن يبتغى حكما غير الله فى شأن من الشئون على الأطلاق وتقرير لجهه الحاكميه فى الأمر كله ؛ وإفرادها بهذا الحق الذى لا جدال فيه . ونفى أن يكون هناك أحد غير الله يجوز أن يتجه إليه طالبا حكمه فى امر الحياه كله . أ.ه







*** نلاحظ أن كثيرا من الاّيات التى تذكر قضيه التحاكم وتبين أنها من قضايا الإيمان والكفر ومن أمور العقيده نزلت والمسلمين مستضعفون فى مكه .

.. فما حنوا هاماتهم رضى الله عنهم لما عضتهم السيوف وأوغل الكفر فيهم مخلبه ونابه ؛ وما رضوا أن يظهروا الكفر على دنياهم ! ولم يلجأوا إلى محاكم الطواغيت حاشاهم . وإنما وكلوا الأمر كله لله سبحانه وتعالى الذى أمرهم بألا يتبعوا حكما غير حكمه ؛ وأمرهم بالصبر حتى يحين التمكين بإذنه عز وجل.

__ إذا فلا الأموال ولا البنون ولا الملك ولا أى أذى هو الذى يدفع المسلم للتحاكم إلى أولياء الشيطان الذين يفصلون فى هذه الأمور بشريعه إبليس عليه لعنه الله ؛

فما هو إلا الإكراه الملجيء الذى يفقد المسلم بفعله الأختيار ؛

أما تحصيل الحقوق برفع الدعوى للحاكم الكافر أو رد التهمه عند الحاكم الكافر بدون الأكراه الملجيء فهو كفر ينقل من فعله عن المله .

__ والمسلمون فى هذه الأحوال ما عليهم إلا الصبر حتى يمكن الله لهم فى الأرض .

وعلى ضوء السيره العطره يقول ابن تيميه رحمه الله فى فتاويه : يقول الله تعالى

(( اّلمص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ))

ولو ضرب وحبس وأوذى بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذى يجب أتباعه ؛ وأتبع حكم غيره كان مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وأن أوذى فى الله فهذه سنه الله فى الأنبياء وأتباعهم ز أ.ه الفتاوى ج35ص373

قال تعالى (( وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ))

***** تحرير محل النزاع بيننا وبين مخالفينا :

__ فالخلاف الواقع بيننا وبين مخالفينا فى موضوع الذهاب للمحاكم الكافره عند أرسال دعوتها للتحاكم ؛ وحكم من أجاب هذه الدعوه وذهب إلى المحكمه دون أكراه ملجيء

__ ولما كان منهجنا فى الدين هو أتباع كتاب الله وسنه رسوله بفهم سلف الامه من الصحابه رضى الله عنهم والتابعين . رأينا أن نضبط مسأله التحاكم تحت ضوء هذا المنهج ؛ والله المستعان ولا حول ولا قوه إلا بالله العلى العظيم

***** أعلم أرشدنى الله وإياك لطاعته أن تغيير مسميات الأشياء لا يغير من حقائق الأمور شيئا ؛ بل أن هذا من سمات اليهود وهو مذموم عند الله وعند رسوله ومستوجب لسخط الله - والعياذ بالله - على فاعله

أخرج بن حبان فى صحيحه عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :
((يشرب ناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير أسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ))

***** بيان أن من أجاب دعوه التحاكم متحاكم فإن كانت الدعوه إلى حكم الله والحاكم مسلم يصلح لذلك فتلبيتها واجب يثاب فاعله ؛ أما إن كانت إلى الطاغوت وشرعه فتلبيتها كفر والعياذ بالله

__ جاء فى لسان العرب : (( وحاكمه إلى الحكم : أى دعاه )) أ.ه ..قال تعالى

(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))

.. قال ابن كثير : أى وإذا كانت الخصومه لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله مذعنين ؛ وإذا كانت الخصومه عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبى صل الله عليه وسلم ليروج باطله ؛ ثم فإذعانه أولا لم يكن عن أعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره أ.ه

فأنظر إلى صوره إجابه الداعى أو الأعراض عنه كعلامه ظاهره على القبول أوالرفض

__ فلا فرق بين الطالب والداعى والذى يأتى مذعنا والذى يذهب مذعنا فى علامه قبولهم التحاكم ظاهرا

فالمؤمن بالله إذا دعى إلى حكم الله ورسوله ليحكم بينه وبين خصمه سمع وأطاع باطنا وظاهرا ؛ ولكن إذا دعاه الطاغوت ليحكم بينه وبين خصمه كفر به وأعرض عنه وعصاه







***** جاء فى الفتح القدير للشوكانى

(( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ))

(( وفى هذه الاّيه دليل وجوب الإجابه إلى القاضى العالم بحكم الله العادل فى حكمه لأن العلماء ورثه الأنبياء والحكم من قضاه الأسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنه العادلين فى القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله ؛ فالداعى إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله : أى إلى حكمهما قال ابن خويز منداد واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب مالم يعلم أن الحاكم فاسق

..(( سبحان الله فكيف إذا كان الحاكم كافرا ))(( تأمل فى قوله أطعنا بالأجابه فإنه ظاهر فى أن أجابه الدعوه طاعه ؛ فإما أن تكون طاعه وإذعان لحكم الله أو طاعه وإذعان لحكم الطاغوت ))

*****قال القرطبى فى هذه الاّيه دليل على وجوب إجابه الداعى إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال : (( أفى قلوبهم مرض )) الاّيه أنتهى .. فإن كان القاضى مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنه ولا يعقل حجج الله ومعانى كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشيء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض أجتهادات المجتهدين وأطلع على شيء من علم الرأى فهذا فى الحقيقه جاهل وإن أعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فأعتقاده باطل فمن كان القضاه هكذا فلا تجب الإجابه إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاه الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأى إنما رخص فى العمل به للمجتهد الذى هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنه ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتى بعده. أ.ه

*****وجاء فى اللباب فى علوم الكتاب لأبى حفصعمر بن على ابن عادل الدمشقى الحنبلى قوله : (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله (( أى إلى كتاب الله )) وسوله ليحكم بينهم (( وهذا ليس على طريق الخبر ؛ ولكنه تعليم أدب الشرع ؛ بمعنى أن المؤمنين ينبغى أن يكونوا هذا )) أن يقولوا سمعنا وأطعنا (( أى سمعنا الدعاء وأطعنا بالأجابه . أه

___ يقول الشوكانى فى فتح القدير :(( ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم )) والحال أنهم معرضون عن الأجابه إلى ما دعوا إليه مع علمهم به وأعترافهم بوجوب الإجابه إليه أ.ه

ويقول أيضا : ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريق منهم يعرضون عن إجابه الدعوه إلى الله ورسوله فى خصوماتهم فقال (( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم )) أ.ه

__ وفى كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لأبن جزى : (( مذعنين )) أى منقادين طائعين لقصد الوصول إلى حقوقهم أ.ه







قاعدة فى الطريق

الشيخ سليمان بن سحمان عندما سئل عن التحاكم الى الطاغوت بحجة الاضطرار قال

__ المقام الثانى : ان يقال اذا عرفت ان التحاكم الى الطاغوت كفر فقد ذكر الله فى

كتابه ان الكفر اكبر من القتل ,قال تعالى (و الفتنة اكبر من القتل) ..وقال (والفتنة اشد

من القتل ) .. و الفتنة هى الكفر ..فلو اقتتلت البادبة و الحاضرة حتى يذهبوا لكان اهون

من ان ينصبوا فى الارض طاغوتا يحكم بخلاف شريعة الاسلام التى بعث الله بها رسوله .

__المقام الثالث : ان نقول اذا كان التحاكم كفرا ..... و النزاع انما يكون لاجل الدنيا .....

فكيف يجوز ان تكفر لاجل ذلك فانه لا يؤمن احد حتى يكون الله و رسوله احب اليهما مما

سواهما و حتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين ,

.....فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز المحاكمة الى الطاغوت لاجلها ..ولو اضطرك احد و

خيرك بين ان تحاكم الى الطاغوت او تبذل دنياك لوجب عليك البذل , و لم يجز لك

المحاكمة الى الطاغوت والله اعلم اه.....الدرر السنيه جزء حكم المرتد ص275

رحم الله الشيخ ما ابلغ كلامه و ما ابينه لمن تدبره







*** الكلام فى رد التهمه و انه من افعال التحاكم و بيان حال المتهم و اثبات انه طرف من اطراف التحاكم و ان اقواله معتبرة عند القاضى

......ان التحاكم كما لا يخفى يكون ب :

1)حاكم او قاض

2)ومدع يرفع الدعوى على غريمه

3)و الثالث هو المدعى عليه .._( و دوره فى التحاكم ان يدافع عن نفسه و ينفى تهمة الخصم الموجهه اليه ويأتى ببينات على ذلك )

__ فالمدعى يشكو للجهة الحاكمة و يدلى باقواله و يأتى بالبينة او الشهود على مايقول و الجهة الحاكمة تأخذ اقوال المتهم ,و تنظر بعد ذلك فيما بين يديها من المعطيات (و منها اقوال المتهم) و تصدر ماتراه حكما مناسبا للفصل فى القضىة

.. يقول ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى (و ايضا فالقضاء نوعان :(احدهما الحكم عند تجاحد الخصمين مثل ان يدعى احدهما امرا يكذبه الاخر فيه ,فيحكم فيه بالبينه و نحوها و الثانى مالايتجاحدان فيه .... يتصادقان ....و لكن لا يعلمان مايستحق كلا منهما كتنازعهما :فى قسم فريضة او فيما يجب لكلا من الزوجين على الاخر او فيما يستحقه كلا من الشريكين و نحو ذلك )اه
مجموع الفتاوى ج4 ص409

***...فلا يختلف عاقلان فى كون المتهم طرف اساسى من اطراف عملية التحاكم ,وان اقواله معتبرة للحاكم فى اصداره للحكم ..***

****و قوله بانه غير معنى بما يترتب على اقواله من حكم القاضى فى قضيته فهو كلام مردود لاننا ماخذين بما نتلفظ به (وهل يكب الناس فى النار على مناخيرهم الا حصائد السنتهم)..وان الرجل ليبكلم بالكلمة من سخط الله يهوى بها فى النار 70 خريفا او كما قال النبى صل الله عليه وسلم

__ اذن فان المدعى متحاكم

__ و كذلك المتهم متحاكم اذا اجاب دعوة التحاكم الموجها له من قبل المحكمة

*****فاكيف نجعل المتهم رجلا اجنبيا عن عمليه التحاكم و نزعم انه لا علاقة له بما يجرى من الكفر ؟؟؟!!!!
(...قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين )

****ولا ادل على ان المتهم اذا مادافع عن نفسه فقد دخل فى عمليه التحاكم من قول الرسول صل الله عليه وسلم من حديث ام سلمى زوج النبى صل الله عليه وسلم قال:((انما انا بشرا وانكم تختصمون الى فالعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فا اقضى له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذن منه شيئا فانما اقطع له قطعه من النار ))

**** يقول ابو عمر بن عبد البر رحمه الله تعليقا على هذا الحديث ....فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض) يعنى افطن لها و اجدل بها

__وفيه ان القاضى انما يقضى على الخصم بما يسمع منه من اقرار او انكار او بينات على حسب ما امكنته السنة فى ذلك .

__وفيه ان القاضى يقضى بكل مايقر به عند (المقر) لمن ادعى عليه لقوله صل الله عليه وسلم (فاقض لهم )بمعنى اقضى عليه (بما اسمع منه)يريد او من بينة المجعى لان هذا هو الذى يسمع مما يحتاج ان يقض به .اه ..الاستذكار ابو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر النمرى

****كما يقول الشافعى رحمه الله فى كتابه الام فى نفس الحديث ...و فى مثل معنى هذا من سنة رسول الله صل الله عليه وسلم قوله :انما انا بشرا و انكم تختصمون الى ولعل بعضكم يكون الحن بحجته من بعض فا اقض له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق اخيه فلا يأخذه فا انما اقطع له قطعه من النار

__ فا اخبر انه يقضى على الظاهر من كلام الخصمين و انما يحل لهما و يحرم عليهما فيما بينهما و بين الله على ما يعلمان .اه
الام الجزء السادس ص332

***و قال الزركشى :(و ظاهره انه لا يحكم الا بما يسمع فى حال حكمه و قد روى :(و انما احكم )و هذا صريح او كالصريح فى انه لا يحكم الا بما يسمع )اه
شرح الزركشى على مختصر الخرقى ج3 ص371

.....يقول ابن بطال (انما اقض على نحو ما اسمع )ولم يفرق بين سماعه من الشهود او المدعى عليه فيجب ان يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود )اه
شرح صحيح البخارى لابن بطال ابو الحسن على بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكرى القرطبى

__اما نيه المتهم انه لا يريد ان يذهب للمحكمة الا للدفاع عن النفس لا يبيح اجابة الدعوة للتحاكم .

__اذ من المعلوم ان النيه الصالحة لا تصلح العمل الفاسد بل يبقى على حاله و حقيقته الفاسدة .

__و هناك فرق كبييييييير جدا بين الدفاع عن النفس امام خصوم عاديين بدون تحكيم ولا تقاضى و بين الدفاع عن النفس عن طريق قاض و محكمة منتصبة لفصل المنازعات و قوانين الطاغوت.

فالمدافع عن نفسه عن طريق المحاكم الطاغوتية بالذهاب للتحاكم و فض النزاع عن طريقهم يشمله وصف القبول كما شمل الطالب ابتدءا سواءا بسواء

__و قد تدافع عن نفسك و تسترد حقك و لكن ليس عن طريق المحاكم و القضاء الكافر ,فهذا اشد الضرر و الظلم على النفس ..كالمستجير من الرمضاء بالنار ..لان دفع الظلم او استرداد الحقوق فى المحاكم لا يكون الا بحكم القاضى .

__و قد علمنا ان مجيب دعوة المحكمة سيذهب لجلسة محكمة ,تحكم بغير ما انزل الله ,و كل شئ فيها بنظام و اوامر ملزمة ,حتى جلوسه ووقت كلامه ووقت خروجه.

__اما مصلحة رد التهمة فتقابلها مفسدة الوقوع فى التحاكم فتقدم عليها ,لان دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح

كما أن من سلم نفسه لهذه المحكمه وهو لا يملك أمره عندها ولا يستطيع أن يفعل إلا ما يأمروه به فهذا هو واقع المحاكم ؛ فلا يتجاهله من يدعى أنه يدافع عن نفسه فقط ثم يمضى ولا ينتظر حكم ولا يلتفت إلى محكمه ؛ وكأنه يدافع عن نفسه فى فراغ لا علاقه له بواقع .

***** يقول ابن القيم رحمه الله فى أعلام الموقعين : ( ولا يتمكن المفتى ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما فهم الواقع والفقه فيه وأستنباط علم حقيقه ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علما والنوع الثانى فهم الواجب فى الواقع وهو فهم حكم الله الذى حكم به فى كتابه أو على لسان رسوله فى هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الاّخر ) أه

**** فالواقع معتبر ولا يجوز تجاهله والتحايل عليه والواقع بل الحقيقه أن الذى يرد التهمه أمام المحكمه هو طرف من أطراف التحاكم .

... وقد أستدل من أجاز إجابه دعوه المحكمه والذهاب لها بناءا على الدعوه الموجهه إليه من قبلها بحجه الدفاع عن النفس بشبهات ونحن نرد - بأذن الله - عليها ونوضح واقعها الذى غفل عنه مخالفونا


====================================
شبهات وردود
=======

الشبهه الأولى

من قصه نبى الله يوسف (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) و دفاعه عن نفسه كما جاء فى سورة يوسف ( وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) ) ..فقالوا هذا نبى الله يوسقالَ ف عليه السلام قد دافع عن نفسه فى محكمة (بزعمهم) وان يوسف عليه السلام كان خصم امرأة العزيز و كان العزيز زوج المرأة هو الحاكم بينهم؟؟!!

فياليت شعرى اين هى المحكمة المزعومة و من سلفهم فى هذا القول؟؟؟!!!!

*و نأتى الان ببيان حقيقة ماوقع فى قصة يوسف عليه السلام فالمتدبر للايات و لتفسير السلف لها يرى ان هناك طرفان لا ثالث لهما ,هما يوسف عبيه السلام و العزيز ,ويوسف عليه السلام رد التهمة فى وجه خصومه وليس فى محكمة كما يزعمون فالذى يخاصم عن المرأة زوجها و اهلها ولا يكونون حكاما بينها و بين خصومها ,كما ان الاساءة الى المرأة هى اسأءة الى زوجها واهلها

كما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم حين قال فى حادثة الإفك : (ايها الناس مابال رجال يؤذوننى فى اهلى و يقولون عليهم غير الحق ) البداية والنهاية ج4

و هذا مابينه ايضا صاحب تفسير زاد المسير فى علم التفسير حيث نقل عن وهب بن منبه قوله : (قال له العزي حين اذ اخنتنى يا يوسف فى اهلى و غدرت بى و غررتنى بما كنت ارى من صلاحك ) فقال حين اذ هى راودتنى عن نفسى .)زاد المسير ج 4 ص 210
و هذا واضح بين فى قولها كما حكى عنها القران (ماجزاء من اراد بأهلك سوءا )انظر الى قولها باهلك و لم تقل اراد بى سوءا

فلما تبين للعزيز صدق يوسف عليه السلام من رأى مستشاره بدأ يعامله باللين حتى يكتم هذا الامر كما جاء فى تفسير ابى السعودرحمه الله قال :(يوسف) حذف منه حرف النداء لقربه و كمال تفطنه بالحديث و فيه تقرير به و تلطيف لمحله (اعرض عن هذا ) اى عن هذا الامر و عن التحدث به و اكتمه فقد ظهر صدقك و نزاهتك ,(واستغفرى)انت يا هذه (لذنبك) الذى صدر عنك و ثبت عليك (انك كنت ) بسبب ذلك (من الخاطئين ) من جملة القوم المعتمدين للذنب او من جنسهم يقال خطئ اذا أذنب عمدا وهو تعليل للأمر بالاستغفار والتذكير لتغليب الذكور و كان العزيز رجلا حليما فاكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها و قيل كان قليل الغيرة .)تفسير ابى السعود 4<269

فقوله عن العزيز انه كان قليل الغيرة اشارة الى انه صاحب الشأن وهو الطرف الرئيسى فالقضية و لكنه لما كان قليل الغيرة انتهت الخصومة بينه و بين يوسف عليه السلام بطلب الكتمان منه دون التعرض لاهله بالعقوبه التى تستحقها كل خائنة لزوجها و اقل ذلك الطلاق ...

فهل ترى بالله عليك من هذا السياق و الحوار الدائر بينهم جميعا ,محاكمة و قاض و رد نزاع و حكم (ومحكمة)!!!؟؟؟؟.

فالاعتداء الذى يقع على الزوجة هو اعتداء على زوجها لانه المسئول عنها و سيدها ..و هذا معروف لكل احد فتبين ان هاهنا طرفان :

1)عائله (العزيز و امرأته)

2)و يوسف عليه السلام

او قل يوسف عليه السلام و العزيز .

و يزيد هذا وضوحا ماورد فى القران عن سجن يوسف عليه السلام لم يسجن بحكم من قاضى ,وانه رأى ظهر لهم ليستروا امرهم .

قال ابن كثير رحمه الله :(بذكر تعالى عن العزيز و امراته انهم بدا لهم اى ظهر لهم من الراى بعد ماعلموا برأة يوسف ان يسجنوه الى وقت ..)البداية والنهاية

اذن فالعزيز خصم اراد بزوجته (بمكرها )ان ينتصر لها من يوسف عليه السلام و يعاقبه على عصيانه لها فحرضته على ذلك و زعمت انه اراد بزوجته سوءا و كما تطلب الزوجة من زوجها ان يعاقب احد ابناءها لعقوقه او عصيانه عليها و هذا يحدث غالبا فى كل البيوت

و قد ذكر الامام ابن كثير رحمه الله فى البدابة و النهاية مايشير الى ذلك:(وتسابق الباب )اى هربا منها طالبا الى الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته فى اثره (والفيا ) اى وجد سيدها اى زوجها لدى الباب فبادرته بالكلام و حرضته عليه قالت :(ماجزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم ) اه

هذا و قد طلبت امرأة العزيز العقوبة و لم تطلب الحكم من العزيز حين قالت (ماجزاء من اراد باهلك سوءا) .. جاء فى لسان العرب (والجزاء يكون ثوابا وعقابا ).

فهناك فرق بين طلب الحكم و طلب العقاب ,فقد يعاقب غير الحاكم والقاضى ..كما قد يعاقب الاب ابنائه بطلب من الام لكن طلب الحكم محصور فض النزاع بحكم ملزم قد يندرج تحته امر او نهى او عقوبة او ثواب والله اعلم

الخلاصة

انه لم توجد محكمة ولا تحاكم اصلا فى قصة كيد امرأة العزيز ز استنصارها بزوجها على يوسف عليه السلام و انما الذى حدث تحريض و استنصار و استغاثة ..و قد نجى الله تعالى نبيه عليه السلام (كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين ..)الايه



شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك )
=======

قال الطبري رحمه الله فيها (يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا { اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبِّكَ } يقول: اذكرنـي عند سيدك، وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم) . أهـ

وقال القرطبي:أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب

وفي فتح القدير:{ وَقَالَ للذي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته .

وعند البغوي"يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه"

وقال السعدي"أي: اذكر له شأني وقصتي، لعله يرقُّ لي، فيخرجني مما أنا فيه،"فلم يرد في أي من التفاسير انه قول يوسف عليه السلام ( اذكرني عند ربك ) إرادة للتحاكم أو إعادة جلسة الحكم

***** أولا : شبهة القوم في هذه الآية ( اذكرني عند ربك ) :

يرى بعضهم أن هذا القول الصادر من يوسف عليه السلام بمثابة طلب استئناف الحكم من الملك في القضية التي حوكم فيها من قبل ظلماً ، بينما يرى آخرون أن هذا أشبه ما يكون بإرسال دعوى على يد محامٍ لرفع قضية عند الطاغوت .

ثانيا : تفسير الآية ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ :
"قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } قِيلَ أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ رَبِّهِ لَمَّا قَالَ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } . وَقِيلَ : بَلْ الشَّيْطَانُ أَنْسَى الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ذِكْرَ رَبِّهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْقَرِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَنْسَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؛ بَلْ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ . وَقَدْ دَعَاهُمَا قَبْلَ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ وَقَالَ لَهُمَا : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . وَقَالَ لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ { لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } أَيْ فِي الرُّؤْيَا { إلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } يَعْنِي التَّأْوِيلَ { ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } فَبِذَا يَذْكُرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا عَلَّمَهُ رَبُّهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِلَّةَ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ آبَائِهِ أَئِمَّةَ الْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ - إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ؛ فَذَكَرَ رَبَّهُ ثُمَّ دَعَاهُمَا إلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهِ . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عَبَرَ الرُّؤْيَا فَقَالَ : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } الْآيَةُ ثُمَّ لَمَّا قَضَى تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ ؟ وَإِنَّمَا أَنْسَى الشَّيْطَانُ النَّاجِيَ ذِكْرَ رَبِّهِ أَيْ الذِّكْرَ الْمُضَافَ إلَى رَبِّهِ وَالْمَنْسُوبَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَهُ يُوسُفَ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ قَالُوا : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقُولَ اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك . فَلَمَّا نَسِيَ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ جُوزِيَ بِلُبْثِهِ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ . فَيُقَالُ : لَيْسَ فِي قَوْلِهِ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مَا يُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ ؛ بَلْ قَدْ قَالَ يُوسُفُ : { إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ } كَمَا أَنَّ قَوْلَ أَبِيهِ : { لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } لَمْ يُنَاقِضْ تَوَكُّلَهُ ؛ بَلْ قَالَ : { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } . و "أَيْضًا "فَيُوسُفُ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْمُخْلِصُ لَا يَكُونُ مُخْلِصًا مَعَ تَوَكُّلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ وَيُوسُفُ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا لَا فِي عِبَادَتِهِ وَلَا تَوَكُّلِهِ بَلْ قَدْ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } فَكَيْفَ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِ عِبَادِهِ







شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 2 ) تكمله تفسير ابن تيميه
=======
وَقَوْلُهُ : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مِثْلُ قَوْلِهِ لِرَبِّهِ : { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ

عَلِيمٌ } فَلَمَّا سَأَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَا هُوَ مِنْ سُؤَالِ

الْإِمَارَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ لِلْفَتَى : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ وَلَيْسَ

فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْمَلِكِ بِهِ ؛ لِيَعْلَمَ حَالَهُ لِيَتَبَيَّنَ الْحَقُّ وَيُوسُفُ كَانَ مَنْ أَثْبَتِ النَّاسِ .

وَلِهَذَا بَعْدَ أَنْ طُلِبَ { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } قَالَ { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ

اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } فَيُوسُفُ يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا

ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ . وَيَقُولُ : { ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ } فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ لَهُ :

{ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمُحَرَّمِ حَتَّى يُعَاقِبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِلُبْثِهِ فِي

السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ عَزَمُوا عَلَى حَبْسِهِ إلَى حِينِ قَبِلَ هَذَا ظُلْمًا لَهُ مَعَ

عِلْمِهِمْ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ

حَتَّى حِينٍ } وَلُبْثُهُ فِي السَّجْنِ كَانَ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ؛ لِيَتِمَّ بِذَلِكَ صَبْرُهُ وَتَقْوَاهُ

فَإِنَّهُ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى نَالَ مَا نَالَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إنَّهُ

مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وَلَوْ لَمْ يَصْبِرْ وَيَتَّقِ بَلْ أَطَاعَهُمْ فِيمَا

طَلَبُوا مِنْهُ جَزَعًا مِنْ السَّجْنِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَفَاتَهُ الْأَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ

.. إلى أن قال .. و "الْمَقْصُودُ "أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا

يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ اسْتِغْفَارًا مِنْ

هَذِهِ الْكَلِمَةِ . كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا

فِي هَذَا وَلَا هَذَا ؛ بَلْ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ ؛ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ حَسَنَةً .. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ

رَبَّهُ هُوَ الْفَتَى لَا يُوسُفُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ

بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } وَقَوْلُهُ : { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَسِيَ فَادَّكَر "اهـ .







شبهات وردود ... قول الله تعالى ( اذكرني عند ربك ) ...( 3 ) بالنسبة للرد على هذه الشبهة :
=============

أن نقول كما قال يوسف عليه السلام ( الله المستعان على ماتصفون )

.. فيوسف عليه السلام لم يطلب استئناف الحكم من الحاكم ، وكذلك لم يرسل دعوة مع محامى إلى محكمة الطاغوت ؛ لأن كلا الأمرين يعد تحاكما للطاغوت .

.. ولكن كل ما فعله عليه السلام أنه ( استعان بمكانة الساقي ومنزلته التي سيكون عليها في القصر الملكي فيما بعد ، وذلك استناداً إلى الرؤيا التي فسرها له بعلم أعلمه الله إياه ؛ لكي يشفع له ذلك الساقي عند الملك فيخرج من السجن ويُبَلِّغ دعوة التوحيد ) .
.. فلم يطلب استئناف الحكم ؛

..لأنه عليه السلام لم يُسجن نتيجة محاكمة ، ولكن بأمر من العزيز حتى لا يفتضح أمره.

..قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : "ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي إلى مدة ، وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الآيات ، وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته ، وكأنهم ـ والله أعلم ـ إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاماً أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك. ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة. فلما تقرر ذلك ، خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه.

..وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحه أهـ
..وهذا ليس يشبه ما يسمى في عصرنا بتوكيل محامى ؛ لرفع دعوه عند الطاغوت . لأن هذا لو كان جائزاً لما تركه يوسف من بداية الأمر عندما زُجَّ به في السجن ظلما و تأولناه بأنه عليه السلام أراد أن يعلم الملك معجزته وهى تعبيره للرؤيا ، والتي بموجبها يستطيع أن يُبرهِن على نبوته ، ثم يخبر الملك أنه محبوس ظلماً حتى يُبرهِن على عفته ونزاهته ، إذ أن العادة قد جرت بأنه لا يدخل السجن إلا الآثمين ،

..وقد ذكر ابن كثير أنه عليه السلام قد دعا ملك مصر ـ الريان بن الوليد ـ إلى التوحيد فأسلم . وأستمع لكلام المفسرين يشرح و يوضح صحة تأولنا.

..يقول القرطبي في تفسير الآية :
أي اذكر ما رأيته، وما أنا عليه من عبارة الرؤيا للملك، وأخبره أني مظلوم محبوس بلا ذنب .ا هـ
..يقول صاحب تفسير البحر المحيط في هذه الآية :
فالمعنى أن يوسف عليه السلام قال لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : اذكرني عند الملك أي : بعلمي ومكانتي وما أنا عليه مما آتاني الله ، أو اذكرني بمظلمتي وما امتحنت به بغير حق . وهذا من يوسف على سبيل الاستعانــة والتعاون في تفريج كربه ، وجعله بإذن الله وتقديره سبباً للخلاص كما جاء عن عيسى عليه السلام : { من أنصاري إلى الله } وكما كان الرسول يطلب من يحرسه . والذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك : اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله ، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه .ا هـ










قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت)
____________
تيسير العزيز الحميد 418







شبهات وردود .. (((((((((>>>>>..... الاستئناف .....<<<<<)))))))))

وقد رأينا أن نورد تلك المسألة في هذا المكان خاصا لإتمام الرد عليها ملحقة بشبهة قول يوسف أذكرني عند ربك فقد عرف عن (( أهل الزيغ والكفران )) أنهم يستدلون بذلك على جواز استئناف الحكم الصادر من الطاغوت وطلب إعادة الحكم والنظر فيه أو ما يسمي فى بعض البلدان بالتمييز أو غيره من المسميات

فالعجب لهؤلاء كيف أضلهم الشيطان فما كان منه الا أن دعاهم فأستجابوا له وما كان له عليهم من سلطان فى ذلك , فكما رددنا على تلك الشبهة وبينا لكم حقيقة استدلالهم نقول ,
إن عملية طلب إعادة الحكم أو استئناف الحكم هى * أشد كفرا من كفر التحاكم الأول

لأن ما يسمى الاستئناف ما هو إلا رجاءاً من الطاغوت ورغبة فى عدل حكمه فبعد أن

قضى بخمس سنوات سجن على سبيل المثال فيطلب إعادة المحاكمة في ذلك

الحكم الجائر وأن يعاد النظر في القضية من عدة وجوه وإستدلالاً ببعض القوانين والمواد

التي تخدم المتهم في قضيته وتفيد بأنه فقط يستحق ثلاث سنوات , فهذا الاستحقاق

وهذه العدالة المرجوة وهذا الحكم الصادر صدر بناءا على طلب المتهم الاستدراك على

الحكم الأول فهذا وإن كان بطبيعته يعطى الشرعية للحكم الأول وذلك بطلب التخفيف

فيه أو النظر فيه أو إعادة تقريره , فهو طلبا لإعادة التمحص والبحث والتدقيق في قوانين

الطاغوت وشرعه وأن تهمته هذه لا تقتضي هذا الحكم إنما تقتضى غيره فأنى للطاغوت

من مقر بشرعه مثل هذا , فالكفر بالطاغوت يكون جملة وتفصيلا وهم امنوا بالطاغوت

جملة وتفصيلا فكما عرفنا أن التحاكم إلى الطاغوت كفر فإعادة التحاكم إلى الطاغوت

كفر فوق كفر وعدم رضا بالحكم الأول ليس لأنه حكما بغير ما أنزل الله إنما لأنهم يرونه

غير عادل فى حقهم ويطلبون غيره الذى يكون مؤكدا من شرع الطاغوت وحكمه وإنا لله و

إنا إليه راجعون .







شبهات وردود .. .. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ).. ( أ )

يقول القرطبي رحمه الله فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند المالك مما قُذف بهِ ، وأنه حُبس بلا جرم .. قال ابن عطية : كان هذا الفعل أناءة وصبراً وطلباً لبراءة الساحة ، وذلك أنه - فيما يروى - خشي أن يخرج ويَنال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبهِ صفحاً فيراه الناس بتلك العين ، ويقولون هذا الذي راود إمراءة مولاه ، فأراد يوسف أن يثبت براءته ويحقق منـزلته من العفة والخير.. فلهذا قال للرسول : ارجع إلى ربكَ وقُل له ما بال النسوة ، ومقصد يوسف إنما كان : وقل له يستقصي عن ذنـبي وينظر في أمري هل سُجنت بحق أو بظلم ] أهـ.

* يقول ابن تيمية رحمه الله وقول يوسف عليه السلام في الآية : "أذكرني عند ربك "، مثل قولهِ لربهِ : "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية ، لم يكُن هذا مُناقضاً للتوكل ، ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنهُ ، فكيف يكون قوله للفتى : "اذكرني عند ربك "مناقضاً للتوكل وليس فيهِ إلا مجرد إخبار الملك بهِ ليعلم حالهُ ليثبت الحق ، ويوسف كان من أثبت الناس ولهذا بعد أن طلبهُ الملك : "وقال الملك ائتوني به"، قال : "ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة "، فيوسف يذكر ربهُ في هذه الحال ،كما ذكرهُ في تلك الحال "أهـ .

ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية السابقة فلما جاءهُ الرسول بذلك أمتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيتهِ براءة ساحتهِ ونزاهة عرضهِ مما نُسيب إليه من جهة امرأة العزيز ، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظُلماً وعدوناً ] أهـ .

وقال في موضع آخر : [ ولهذا لما طلبهُ الملك الكبير في أخر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نُسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض صلوات الله وسلامهِ عليهِ "أهـ .

* ويقول ابن العربي رحمه الله :[المسألة السادسة : قال علماؤنا إنما لم يُرد يوسف الخروج من السجن حتى تظهر براءته ، لئلا ينظر إليه الملك بعين الخائن فيسقط في عينه ِ ، ولم يتبين أن سجنهُ كان جوراً محضاً وظلماً صريحاً .. وقد طلب قبل ذلك من الذي ظن أنهُ ناج أن يذكرهُ عند سيدهِ ليعلم براءتهُ ويتبين حالهُ ] أهـ



شبهات وردود .. .. تابع.. قول الله تعالى ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة ) . ( ب )

إن واقعة يوسف التي حدثت عند خروجه من السجن عندما قال ارجع إلى ربك فسأله ما

بال النسوة التي قطعن أيديهن ) لم يكن طلبا للحكم له بالبراءة إنما كان طلبا للتبرئة

وإظهار براءته والفرق واضح

وسنبينه بدقه فتنبه فان قضية يوسف كانت قضية ثبوت

ابتداءاً وليس قضية حكم فانتهت قضيته عند مرحلة ثبوت الأدلة وتم إيداعه في السجن

مع علم العزيز ببراءته فإنما كان سجنه من باب ظلم ذوى السلطان وقدرتهم على إنفاذ

ما يريدون فقضية يوسف لم تحال أصلاً إلى الحكم فيها وأراد يوسف دفع تلك التهمه

المشينة عنه وتبرئة نفسه عند سؤال العزيز له وإنما كان سؤال العزيز من باب ثبوت

التهمه عليه من عدمها وليس من باب الحكم والقضاء في الواقعة وكما بينا أن العزيز كان

في هذه الحالة خصما لأن طرف النزاع هي زوجته وقضية النزاع في عرضها وهى تابعة

لزوجها فيه وعندما أودع يوسف السجن ظلما ثم أراده العزيز في وقتها للخروج فانتوى

يوسف إن يظهر ظلم خصومه وافتراءهم عليه وتنزيه نفسه مما نسب إليه فطلب التبين

مما حصل عند واقعة سجنه والتبين من النسوة عن ذلك الأمر فتظهر براءته مما نسب

إليه إمام العزيز وإمام الناس ولم يطلب منه حكما في ذلك إنما أراد مرحلة الثبوت أن تتم

أي ثبوت الأدلة فعندها تظهر تبرئته ومؤكد انه لم يرد حكم البراءة من العزيز لأنه قد أمر

ابتداءا بخروجه إنما ما أراده هو التبرئة والتنزيه , كمثل رجل اتهم في سرقه وتم التحقيق

في واقعة تهمته ثم ثبت عند القاضي انه لم يسرق فقال القاضي انه لم يسرق فهذا

ليس حكما عند القاضي إنما حكمه يكون بإصدار حكم البراءة وقوله انه لم يسرق إنما هو

من باب ما ثبت عنده من أدلة فمثله لو سرق وقال القاضي هو سارق فهذا ثبوت للتهمة

وحكمه عليه يكون بإصدار الحكم بقطع اليد , فكذلك عندما تبين العزيز من النسوة

واعترفت امرأة العزيز بما كان فقرر العزيز استخلاصه لنفسه عندما بدت نزاهته و بعده

عن ما نسب إليه ومعلوم انه لم يحكم بعقاب امرأة العزيز أو ببراءة يوسف فتنبه هدانا الله

وإياك للحق

====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( أ )

قال تعالى حاكيا عن أخوة يوسف عليه السلام : قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) .

**فيستدل البعض بهذه الآيات على أن الأسباط طلبوا من عزيز مصر ـ أخاهم يوسف قبل أن يعرفوه ـ تبديل الحكم الذي صدر بشان أخاهم بنيامين ، وهذا يدخل في باب التحاكم المنهي عنه شرعا ، بدليل أن أخاهم الصديق قال لهم ( معاذ الله ........ إن إذا لظالمون ) أي لو أجبتكم إلى مرادكم .

**فنقول : الله المستعان على ما تصفون ، اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الإفتراء ، والتجرؤ على مقام الأنبياء ، حفدة إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام .

**والرد على ما سبق من وجوه هي كالتالي :

أولا : أن نحدد المقصود من قولة أخوة يوسف ( فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) من الوجهة الشرعية ، وفقا لسياق الآيات ووفقا لفهم أهل العلم ، ومن ثم نحدد مرادهم ، وهل هو داخل في
معنى التحاكم ، أم خارجاً عن معناه ..

**فنقول سبق وأن أوضحنا معنى التحاكم ، وفرقنا بينه وبين الحكم والقضاء ، ، فذكرنا

؛ أنَّ التحاكم هو (( طلب حكم جهة معينة ؛ لفض خصومة أو مظلمة .... وفيها يظهر دور المتحاكمين )) .

وأنَّ الحُكم هو (( الفصل في هذا النزاع "المظلمة "على سبيل الإلزام .... وفيها يظهر دور الحاكم أو القاضي )) .

وأنَّ القضاء هو (( السعي في تنفيذ هذا الحكم المُلزم به .... وفيها يظهر دور القاضي ومعاونوه )) .

إذا فهمت هذا فاعلم أن قول أخوة يوسف (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) ، ثم تعقيب أخيهم الصديق عليه مباشرة (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ) ..

__ قد خرج عن مرحلتي التحاكم والحكم ، وجاء قبل مرحلة القضاء والتنفيذ ، واسمع لكلام الله ووصفه الأمر وتصويره ، وهو ما يُفهم من خلال تسلسل أحداث القصة والقضية .
قال تبارك وتعالى : فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79).

__فأخوة يوسف طلبوا تحكيم شريعة الله التي عرفوها عن أبيهم عليه السلام ، وحكموا بها على أنفسهم ورضوا بنتيجة حكمها عندما أقروا على أخيهم بالسرقة ، بل أوضحوا لعزيز مصر ـ الذي لم يعرفوا أنه أخاهم بعد ـ بأن فعلة بنيامين هذه ليست بغريبة عليه ؛ فشقيقه لأبويه ـ يعنون يوسف ـ كان مثله سارق .

__أي أنهم بعد انتهاء عمليتي التحاكم والحكم وصدور الحكم والإقرار به ... جاءت شفاعتهم في أخيهم على سبيل ( الحمالة ) أي أنهم أرادوا أن يتحملوا عنه جُرمَهُ الذي اقترفه ، فغضب يوسف الصديق لذلك وقال (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ )

.. وليس هذا بمستغرب على الكريم بن الكريم بن الكريم ، وقد فعلها من بعده خاتم النبيين وإمام المرسلين يوم تَمعَّر وجهُه من الغضب وقال لِحبِه ـ أسامه بن زيد رضي الله عنه ـ ثكلتك أُمُك يا أسامة ، أتشفع في حد من حدود الله ، وأيمُ الله لو أن فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ، وكان هذا كله عقب صدور الحكم في المرأة المخزومية وقبل القضاء والتنفيذ .
===================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ب )

وبالنسبة للآيات السابقة فلنرجع إلى تفسير القرطبي إذ يقول :
قوله تعالى : { قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه} خاطبوه باسم العزيز إذ كان في تلك اللحظة بعزل الأول أو موته وقولهم : ( إن له أبا شيخا كبيرا ) أي كبير القدر ولم يريدوا كبر السن لأن ذلك معروف من حال الشيخ ( فخذ أحدنا مكانه ) أي عبدا بدله وقد قيل : إن هذا مجاز لأنهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حر يسترق بدل من قد أحكمت السنة عندهم رقه وإنما هذا كما تقول لمن تكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك مبالغ في استنزاله ويحتمل أن يكون قولهم : ( فخذ أحدنا مكانه ) حقيقة وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يروا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة أي خذ أحدنا مكانه حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر فمنع يوسف عليه السلام من ذلك إذ الحمالة في الحدود ونحوها - بمعنى إحضار المضمون فقط - جائزة مع التراضي غير لازمة إذا أبى الطالب وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الجميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة فلا يجوز إجماعا وفي ( الواضحة ) : إن الحمالة في الوجه فقط في جميع الحدود جائزة إلا في النفس وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس واختلف فيها عن الشافعي فمرة ضعفها ومرة أجازها
قوله تعالى : { إنا نراك من المحسنين } يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوا من إحسانه في جميع أفعاله معهم ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا وهذا تأويل ابن إسحق
قوله تعالى : { قال معاذ الله } مصدر { أن نأخذ } في موضع نصب أي من أن نأخذ { إلا من وجدنا } في موضع نصب بـ ( نأخذ ) { متاعنا عنده } أي معاذ الله أن نأخذ البريء بالمجرم ونخالف ما تعاقدنا عليه { إنا إذا لظالمون } أي أن نأخذ غيره .أهـ
وجاء في تفسير البحر المحيط لأبى حيان ما نصه :
ومعنى مكانه أي : بدله على جهة الاسترهان أو الاستعباد ، قاله الزمخشري . وقال ابن عطية : يحتمل قولهم أن يكون مجازاً ، وهم يعلمون أنه لا يصح أخذ حرّ بسارق بدل من قد أحكمت السنة رقه ، وإنما هذا كمن يقول لمن يكره فعله : اقتلني ولا تفعل كذا وكذا ، وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله ، وعلى هذا يتجه قول يوسف : معاذ الله لأنه تعوذ من غير جائز . ويحتمل أن يكون قولهم حقيقة ، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر ، فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك طريق الحمالة ، أي : خذ أحدنا حتى ينصرف إليك صاحبك . ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه ويعرف يعقوب جلية الأمر . وقوله : من المحسنين ، وصفوه بما شاهدوه من إحسانه لهم ولغيرهم ، أو من المحسنين إلينا في هذه اليد إنْ أسديتها إلينا ، وهذا تأويل ابن إسحاق ومعاذ الله تقدم الكلام فيه في قوله : معاذ الله إنه ربي ، والمعنى : وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده . فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلماً في مذهبكم ، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم ، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة ، أو مصالح جمة علمها في ذلك . فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالماً وعاملاً على خلاف الوحي . وأن نأخذ تقديره : من أن نأخذ ، وإذن جواب وجزاء أي : إن أخذنا بدله ظلمنا . وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم : إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه السلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف ، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله .أهـ


====================================
شبهات وردود ..قول الله تعالى ( خذ أحدنا مكانه ) .. ( ج )

وبالنظر إلى واقعة يوسف عليه السلام نُلاحظ والحمد لله وجود الاختلاف بين هذه

الحالة طلب البراءة ودفع الظلم كما فعل يوسف عليه السلام ، وبين طلب البراءة ودفع

الظلم أمام المحاكم الكفرية .. فلا تعارض في الحقيقة

فبمجرد الرجوع إلى محاكم الطاغوت لفصل الخصومات وإنزال الأحكام هو في

حقيقتهِ قبول وإذعان واعتراف بشرعية هذه المحاكم .

بل المسلم على العكس مُطالب ابتداء بالبراءة من هذه المحاكم ودساتيرها ،

واجتنابها ،كما قال تعالى :﴿ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾.

وهذا هو حكم الله سُبحانه فيها ، فالمسلم حينما تحدث لهُ قضية وتصل للمحاكم

الكفرية فهو أمام أمرين : حكم الله سُبحانه أو حكم الجاهلية وحُكم الله سبحانه : أن

يرفض مُطلقاً الذهاب والاعتراف بهذه المحاكم ، وقبول الأحكام منها ، وأن خسر ما خسر

، فلا مساومة بين الكفر ومتاع الحياة الدنيا .قال الله تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ

وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ

تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.


شبهات وردود .. شبهة موسى عليه السلام ..قول الله تعالى ..( قال قتلته اذا )

أما الاستدلال بجدال فرعون لموسى عليه السلام فيقال ومن قال بذلك قبلكم ؟؟

وما هو النص الصحيح والقول الصريح الذي يثبت ذلك ,

إن سؤال فرعون لموسى عليه السلام لم يكن من قبيل التحاكم ولادلّ على ذلك دليل

وإنما كان من قبيل الطعن في عدالة نبي الله كما يطعن خلفه اليوم في الموحدين لكي لايُقبل منهم الحق.

ثم لو كان هذا تحاكما فلم يعلم أن فرعون قضى بسجن موسى بعد ثبوت قتل موسى للرجل فأين الذي حكم به فرعون ؟؟

فسؤال فرعون لموسى عليه السلام كان عقب إبلاغ موسى له بأنه رسول من رب

العالمين فأراد فرعون أن يُقال كيف لقاتل نفس وجاحد نعمة أن يدّعى الصلاح .


شبهات وردود ..شبهة حلف الفضول

بالنسبة لحلف الفضول : يتحدث عن التظلم لا التحاكم ، شواهد ذلك ؛

**ـ ما ذكره الإمام البيهقي رحمه الله عندما قال : "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن أنكثه وأن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت - (قال القتيبى) فيما بلغني عنه وكان سبب الحلف أن قريشا كانت تتظالم بالحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير ابن عبد المطلب فدعوهم إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابهما بنو هاشم وبعض القبائل من قريش "اهـ .

**ـ وقال أيضا : "قال أحمد : وكان سبب الحلف فيما زعم أهل التواريخ ، أن قريشا كانت تتظالم بالحرم ، فقام عبد الله بن جدعان ، والزبير بن عبد المطلب ، فدعوا إلى التحالف على التناصر ، والأخذ للمظلوم من الظالم ، فأجابهما بنو هاشم ، وبعض القبائل من قريش ". اهـ

**ـ وقال ابن كثير رحمه الله : "و كان حلف الفضول أكرم حلف سمع به و أشرفه في العرب و كان أول من تكلم به و دعا إليه الزبير بن عبد المطلب و كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار و مخزوما و جمحا و سهما و عدي بن كعب فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل و زبروه ـ أي انتهروه ـ فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس و قريش في أنديتهم حول الكعبة فنادى بأعلى صوته :
( يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار و النفر )
( و محرم أشعث لم يقض عمرته... يا للرجال و بين الحجر و الحجر )
( إن الحرام لمن تمت كرامته ... و لا حرام لثوب الفاجر الغدر )
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب و قال : ما لهذا مترك .. فاجتمعت هاشم و زهرة و تيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما و تحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا و تعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة و مارسي ثبير و حراء مكانهما و على التآسي في المعاش ،
فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و قالوا : لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه "أهـ .

**ثم إنك إذا تأملت نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عندما قال عن حلف الفضول : "وَلَوْ دُعِيت بِهِ الْيَوْم فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت "انظر فتح الباري لابن حجر،كتاب الحوالات ، ( بَاب قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) ) .. لأفادك فائدتين هما :

**الفائدة الأولى : أنِّ ( لو ) حرف امتناع لامتناع. أي: تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول ، كما يقول جمهور أهل اللغة ... أي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعقد مثل هذا الحلف ، ولم يُدعى إلى عقده .

**الفائدة الثانية : أنَّ (دُعِيت) فعل ماضي مبنى للمجهول ، يدُل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لو دعي إلى هذا الحلف لأجاب ، فتكون إجابته صلى الله عليه وسلم بذلك تشريعاً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المُشرِّع عن ربه ، وهذا بنص التنزيل ، قال تعالى : "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " .. ويؤكِد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "الْيَوْم فِي الْإِسْلَام "، فهذه عبارة تفيد التخصيص ، أي أن تكون الدعوة إلى هذا الحلف أو لمثله اليوم في الإسلام ، أي في وقت وزمن وجود النبي صلى الله عليه وسلم .


شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي . ( أ )

1740 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ، النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ لَا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ (1) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا (2) إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَت: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: لَا هَيْمُ اللهِ، إِذَاً لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ إليهما وَرَدَدْتُهُمِ إلى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي. قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ
جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، "فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ "، قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ
صَدْرًا مِنْ (كهيعص) ، قَالَتْ: فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ إليكم أبدا، وَلا أُكَادُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا -: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ أرحاما، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاللهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلِ إليهم فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ اذْهَبُوا، فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ – مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ - يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ - قَالَ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ. قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ. قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ

شبهات وردود .. شبهة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي .. ( ب )
=========

**أما حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة مع النجاشي ومشركي قريش لم تكن واقعة محكمة لكي نقيس عليها محاكم اليوم الطاغوتية البين الواضح كفرها , ولا يوجد هناك دليل صريح على ذلك سوى محاكمة النصوص الشرعية للأهواء وتوظيفها على حسب ما يقضيه الحال.

**وهي حادثة جوار, فالصحابة رضي الله عنهم دخلوا في جوار النجاشي ومشركي قريش طالبوا بتسليم المسلمين إليهم فكانت الصورة كالأتي :

النجاشي والمسلمون (طرف)... ومشركي قريش (طرف )

**اما أنها قصة طلب جوار فيثبت ذلك قول الصحابة أنفسهم:(...لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي..) وقال جعفر رضي الله عنه (...خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.. )

**فكانت الصورة هي مطالبة غريم بتسليم - حق لهم عنده - كالأمانة أو اللقطة ونحوها لصاحبها .. وليس طلب التحاكم وفض النزاع .. بل بالعكس

**فإن الوفد طلب من النجاشي أن يسلم لهم الصحابة لكي يحكموا هم عليهم بحكمهم حيث قالوا ( أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه)

**ولهذا يعتبر هذا تسليم حق – مزعوم - لصاحبه .. كتسليم الأمانة واللقطة لصاحبها ..

**لا محكمة فيه ولا تحاكم أساسا..

**فالواضح البين أن الوفد لم يطلبوا من النجاشي أن يحكم لهم ولا طلبوا منه أن يكون

قاضيا .. وأن الصحابة لم يأتوا لمحكمة ولم يذهبوا لجلسة القاضي فيها هو النجاشي...

ولكن الذي عرفوه أن قريش تطلبهم ممن لجئوا عنده .. لتردهم إليها

فتحكم عليهم هي وتعاقبهم.. وكان مجيئهم رضي الله عنهم لمجلس الملك وإلى

صاحب الأرض وخير جار ...وليس لمجلس القضاء

شبهات وردود .. ولمزيد من البيان ..

لاشك أن قضية الحاكمية من القضايا التى كثُر فيها الخلاف بين الجماعات التي ترفع شعآر الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ومن هذه القضايا قضية تجويز ذهاب الموحد لمحاكم الطاغوت عند إستدعائه لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي بغير إكراه وقد كتب بعض الإخوة ردود شافية وكافية في هذه المسألة , وهذا تقرير مختصر كتبتُه لبيان الحق في هذه القضية للرد على المخالفين وأسال الله أن يهدينا وإياهم إلى الحقُ المبين, وأن يحينا موحدين ويميتنا موحدين آمين آمين .الجديد أبو محمد

شبهات وردود .. تقرير المســألة: ( أ )

***الحكم عبادة بنص القرآن الكريم وهو قوله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) سورة يوسف (40)وقوله تعالى(ولايشرك في حكمه أحدا) الكهف (26)

***وعبادة التحاكم تشمل العبادة القلبية (الرضي والقبول) بالتحاكم وتشمل العبادة العملية (فعل التحاكم), فمن أظهر الرضي بالتحاكم للطاغوت يكفر وإن لم يتحاكم عملياً , ومن وقع في التحاكم للطاغوت فعلياً (عملياً) يكفر وإن صّرح بلسانه إنه لم يُرد التحاكم وإنما أراد أخذ حقه أو الدفاع عن نفسه وتبرأتها .

***وفعل التحاكم يكون إما برفع الشكوى إلى الطاغوت وطلب الحكم وإما بالإذعان والإنقياد العملي لأمر الطاغوت بالتحاكم بغير إكراه.

***فالصورة الأولى هي أن يذهب المدّعي ويرفع شكواه إلى جهة لتفصل له في القضية سواء كانت هذه الجهة إسلامية أو غير ذلك.

***والصورة الثانية هي أن يُطلب من المدّعي عليه أن يمثل أمام القضاء ليدلى بأقواله ويدافع عن نفسه إن كان بريئاًً.

___فمن يُلبّى هذه الدعوة ويذهب إلى جلسة الحكم ويُجيب على أسئلة القاضي في القضية المُستدعى من أجلها يكون قد تحاكم سواءً كان ذلك في المحكمة الإسلامية أو في المحكمة الطاغوتية وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم لأنه أظهر فعل التحاكم مختاراً والعبرة ليست بالأسماء والعناوين وإنما بحقائق المسميات ومضامينها فالله عز وجل حكم على من يريد التحاكم بالكفر بقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) فتكفير من يتحاكم بالفعل أولىّ وهذه هي صورة التقاضي وهي أشمل من التحاكم وأعمّ .

***فالتحاكم فرعٌ من التقاضي وصورة منه وهو أن يتفق إثنان أو أكثر على تحكيم زيد أو عمرو من الناس ولايشترط أن يكون لهذا المُحكّم سلطة و قوة, فقوته وسلطته يستمدها من الطرفين الذين رضيا به حكماً بينهما, ولا يسمى هذين الطرفين متحاكمين إلا برضاهما بالطرف المُحكّم الذي تنتهي مهمته بانتهاء الحُكم وهو مايسمى بالتحاكم الإختياري.

***وهناك صورة أخرى للقضاء يتم فيها طلب المتخاصمين من القاضي أن يفصل بينهما, أو قد يتم بطلب أحد الخصمين في الغالب للحكم ويستدعى الآخر للمثول أمام القاضي للدفاع عن نفسه أو تبرأتها بإجابته على أسئلة القاضي ومخاصمته أمامه. وهذا ما يسمى بالقضاء العام الإجباري .

====================================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ب )

* جاء في لسان العرب ج12 ص 180-181

__ الخصومة : الجدَلُ.خاصَمَه خِصاماً ومُخاصَمَة فخَصمَهُ يَخْصِمُه خَصْماً: غلبه بالحجة, والخُصومَة الاسم من التّخاصُم والاخْتِصام. والخَصْمُ:معروف, واخْتَصَمَ القومُ وتَخاصموا, وخَصْمُك: الذي يُخاصِمُكَ, وجمعه خُصُومٌ, وقد يكون الخَصْمُ للاثنين والجمع والمؤنث.

__ وقوله عز وجل ( لا تَخفْ خَصْمان) أي نحن خَصْمان, قال: والخَصْمُ يصلح للواحد والجمع والذكروالاُنثى لأنه مصدر خَصَمْتُه خَصْماً, كأنك قلت: هو ذو خَصْم, وقيل للخَصْمَين خَصْمان لأخذ كل واحد منهما في شِقَ من الحِجاج والدَّعْوى أهـــ.

* وجاء في لسان العرب أيضاً ج 10 ص 53

__ حاقه في الأمر محاقة وحقاقا ادعى أنه أولى بالحق منه . وأكثر مااستعملوا هذا في قولهم حاقني أي أكثر مايستعملونه في فعل الغائب وحاقه فحقه يحقه غلبه وذلك في الخصومة واستيجاب الحق وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قيل حقه والتحاق التخاصم والاحتقاق الاختصام ويقال احتق فلان وفلان ولايقال للواحد كما لايقال اختصم للواحد دون الآخر أهـــ.

*وجاء في مختار الصحاح ج1 ص 62

__ ح ك م الحُكْم القضاء وقد حَكَم بينهم يحكم بالضم حُكْما وحَكَم له وحكم عليه والحُكْمُ أيضا الحكمة من العلم والحكِيمُ العالم وصاحب الحكمة والحكيم أيضا المتقن للأمور وقد حَكْم من باب ظرُف أي صار حكيما وأحكَمَهُ فاسْتَحْكَمَ أي صار مُحْكَما والحَكَمُ بفتحتين الحاكم وحَكّمه في ماله تحكِيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحْتَكَمَ عليه في ذلك واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكموا بمعنى والمُحاكَمَة المخاصمة إلى الحاكم أهـــ.

***ويتضح جلياً مما نقلناه من معاجم اللغة أن كلا طرفي النزاع _ المدّعى والمدّعى عليه _ يجري عليهم مسمّى التحاكم لكونهما متخاصمين متحاققين فكل منها يُكذب الآخر ويدعى أنه المُحق وخصمه المبطل ويحكم القاضي أو الحاكم على مقتضي إختصامهم وتجادلهم أمامه.

* وفى هذا يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :

=========================
شبهات وردود .. تابع تقرير المســألة: ( ج )

*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!

*** يقول الإمام بن تيمية في الفتاوى رحمه الله :

__[ وأيضاً فالقضاء نوعان أحدهما : الحكم عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمراً يكذبهُ الآخر ، فيحكم فيه بالبينة ونحوها .

__الثاني : مالا يتجاحدان فيه = يتصادقان = ولكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما ،كتنازعهم في قسم الفريضة ، أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر ، أو فيما يستحقه كل من الشريكين ، ونحو ذلك فهذا الباب هو من أبواب الحلال والحرام ، فإذا أفتهاهما من يرضيان بقولهِ كفاهما ذلك ، ولم يحتاجا إلى من يحكم بينهما ، وإنما يحتاجان إلى حاكم عند التجاحد ، وذلك إنما في الأغلب مع الفجور وقد يكون مع النسيان ].أهـ

***ويقول الإمام بن قدامة المقدسي في كتاب القضاء :

__[ فصل : ولا يخلو المستعدى عليه من أن يكون حاضراً أو غائباً فإن كان حاضراً فيالبلد أو قريباً منه ، فإن شاء الحاكم بعث مع المستعدي عوناً يحضر المدعى عليه وإنشاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوماً بخاتمه فإذا بعث معه ختماً ، فعاد فذكر أنهإمتنع أو كسر الختم ، بعث إليه عيوناً ، فإن إمتنع أنفذ صاحب المعونة فأحضره فإذا حضروشهد عليه شاهدان بالامتناع ، عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه تأديباً له إما بالكلاموكشف رأسه ، أو بالضرب أو بالحبس فإن إختبأ بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثاأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه ، ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على إعذاره فإنلم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ، ويختم عليه وتقرر عند الحاكم أن المنـزلمنـزله سمره أو ختمه فإن لم يحضر بعث الحاكم من ينادي على بابه بحضرة شاهدي عدل ،أنه إن لم يحضر مع فلان أقام عنه وكيلاً وحكم عليه ، فإن لم يحضر أقام عنه وكيلاًوسمع البينة عليه ، وحكم عليه كما يحكم على الغائب وقضى حقه من ماله إن وجد لهمالاً وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ، وأهل البصرة حكاه عنهم أحمد وإن لم يجد لهمالاً ولم تكن للمدعي بينة فكان أحمد ينكر التهجم عليه ، ويشتد عليه حتى يظهر وقالالشافعي : إن علم له مكاناً أمر بالهجوم عليه فيبعث خصياناً أو غلماناً لم يبلغواالحلم ، وثقات من النساء معهم ذوو عدل من الرجال فيدخل النساء والصبيان فإذا حصلوافي صحن الدار دخل الرجال ، ويؤمر الخصيان بالتفتيش ويتفقد النساء النساء فإن ظفروابه ، أخذوه فأحضروه ، وإن استعدى على غائب نظرت فإن كان الغائب في غير ولاية القاضيلم يكن له أن يعدي عليه وله الحكم عليه ]. المغني / كتاب القضاء .
..
*****فكيف لعاقل فضلاً عن مسلم أن يتصّور أو يصور أن المدّعى عليه الذي هو أحد طرفي النزاع الذي يذهب بإختياره _ بغير إكراه _ إلى جلسة الحُكم الطاغوتية ويحاقق ويخاصم ويجادل خصمه ويورد البينات والأدلة والشهود على صدق دعواه خارج مشهد التحاكم؟؟ وأنه بريئاً ليس عليه شئ ؟؟ ووالله إن هذا لمن العجب العُجاب !!

=================
.. تابع تقرير المســألة: ( د )

***فالتحاكم أو التقاضي لايتم إلا بثلاث أركان رئيسية :

أ/ طرفان متنازعان.

ب/ قضية متنازع فيها.

ج/جهة ثالثة يُرفع ويُرد إليها النزاع.

*وماعدا ذلك لايُعد تحاكماً والدليل على ذلك هو قوله تعالى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ) النساء (59)

فَإِن تَنَازَعْتُمْ = نزاع بين شخصين او أكثر

فِي شَيْءٍ = قضية متنازع فيها

فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ = جهة ثالثة وهي بالضرورة غير الطرفين المتنازعين .

*****يجوز للمسلم التنازع مع المشرك ونفي كل ما نُسب اليه من باطل وإن كان طاغوتاً , وأما رفعُ ذلك النزاع إلى غير مُسلم أو الإستجابة لذلك مع الإختيار كفرٌ صريح.

*فإذا أتفقنا على ثبوت هذا الأصل فلايجوز نقضه بمتشابه الكتاب والسنة ويجب ان نرد ماأشكل علينا فهمه إلى محكم النصوص.

قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7]

فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.

=====================
.. تابع تقرير المســألة: ( ه )

قال تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران 3/7] فالصحيح الرجوع إلى محكم النصوص عند ورود إشكال فالتمسك بالمحكم هو طريق الفوز والنجاة من الخُسران ومتّبع المتشابه مذموم.

يقول الإمام بن كثير رحمه الله في تفسير هذه الأية:

( يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي : بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على احد ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن ردٌَ ما اشتبه إلى الواضح منه وحكٌم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ، ومن عكس انعكس ، ولهذا قال تعالى : ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب ِ﴾ أي : أصله الذي يُرجع إليه عند الإشتباه ، وقوله تعالى : ﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات ٌ﴾ أي : تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد) أهـ تفسير القران العظيم .

وفي هذا يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

وقد ثبت في الأصول العلمية أنّ كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معانِ أصولية ، أو فرعية ولم يقترن بها تقييد ، ولا تخصيص مع تكررها وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم .
فالأصول الكلية القطعية لا يدخلها التخصيص بحال لأنها راجعة إلى أصل الدين ، أو لتكررها وتقررها وإنتشارها وتأكدها وبقائها مع ذلك على مقتضى عمومها في تكررها وإنتشارها.

ودخول التخصيص على ما هذا شأنه توهين للدلالة ، لأن العموم القطعي إذا دخله التخصيص لم يبقَ حجة أو دخل الخلاف في حجيته أو إنقلبت قطعيته إلى الظن ، لأن ما دخلهُ التخصيص بوجه جاز أن يدخله من كل وجه فلا يبقى للعموم مع هذا حجيته ، أو تصير دلالتهِ ظنية وإن كان أصله قطعياُ ] أهـ.
وبما أن أصلنا هو التحاكم إلى شرع الله وهو أصل قطعي بل هو أصل الأصول ، ولا يشك أحد في قطعيتهِ ، لذلك فدخول التخصيص عليه من المُحال ، ولو وجد ما يعارضهُ من شبه تخصيص أو إستثناء فلا بد لنا من التأويل أو الطرح .. كما قال الشاطبي رحمه الله فإن في حقيقة الأمر لا يمكن التعارض في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً أصل ثابت عند عُلماء الأمة.

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات :

( إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا يؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال) والدليل على ذلك :

1/أن القاعدة مقطوعبها ، وقضايا الأعيان مظنونة .
2/أن القاعدة غير محتملة لإستنادها إلى الأدلة القطعية ، وقضايا الأعيان وآحاد الجزئيات محتملة.

3/أن قضايا الأعيان جزئية ، والقواعد المطردة كليات ، ولا ينهض الجزئي للكلي .
ويجب أن يراعى أن ما نحن فيه من قبيل ما يتوهم فيه الجزئي معارضاً ، وفي الحقيقة ليس بمعارض ، فإن القاعدة إذا كانت كلية ثم ورد في شيء مخصوص والقضية عينية ما يقتضي بظاهره المعارضة في تلك القضية المخصوصة وحدها مع إمكان معناها موافقاً لا مخالفاً ، فلا إشكال في هذه المعارضة هنا ، وهو هنا محل التأويل لمن تأول أو محل عموم الإعتبار إن لاق بالموضوع الإطراح والإهمال ،كما إذا ثبت لدينا أصل التنـزيه كلياً عاماً ، ثم ورد موضع ظاهره التشبيه في أمر خاص يُمكن أن يراد بهِ خِلاَف ظاهره على ما أعطته قاعدة التنـزيه فمثل هذا لا يؤثر في صحة الكلية الثابتة وهكذا ، أن الأصل في الأنبياء العصمة من الذنوب ثم جاء في الحديثلم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) ونحو ذلك فهذا لا يؤثر في القاعدة لإحتمال حمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل ] أهـ
ويقول رحمه الله وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى التمسك بالكليات إذا عارضها الجزئيات وقضايا الأعيان ، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة ، فإن تمسك بالجزئي لم يُمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي فثبتت في حقه المعارضة ، ورمت بهِ أيدي الإشكالات في مهاوِ بعيدة ، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين لأنه إتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات ] أهـ .
وإن قال قائل : وما يدريكم لعل الأصل أو الدليل الواقف عليه قطعي الدلالة وكُلي الإعتبار ، حتى مع وجود التعارض !!.

فنترك الرد للإمام الشاطبـي رحمه الله إذ يقول :
( والتعارض لا يمكن أن يكون بين القطعيان ، فتعارض القواعد الكلية مُحال وإنما يقع أو قد يقع التعارض بين القواعد الكلية وبين قضايا الأعيان وحكايات الأحوال ، أو بينها وبين أفراد الأدلة)

ثم أن قضايا الأعيان ليست حُجة مالم تستند إلى دليل آخر، فلا يمكن أن يُعارض بها دليل جزئي فضلاً عن قاعدة كلية ، أما آحاد الأدلة ولو كانت أكثر من دليل في قضية واحدة فهي ظنية والقواعد الكلية قطعية والظنيات لا تعارض القطعيات ] أهـ.

.. تابع تقرير المســألة: ( و )

*مفهوم الدليل الصحيح :

يقول الشاطبـي رحمه الله إن كل دليل فيه إشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه ، ويشترط في ذلك أن لا يُعارضه أصل قطعي ، فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو إشتراك أو عارضه قطعي فليس بدليل ، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه ودالآً على غيره وإلا أحتيج إلى دليل ، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً ، ولا يمكن أن تعارض الفروع الجزئية الأصول الكلية ، لأن الفروع الجزئية إن لم تقتضِ عملاً فهي في محل التوقف ، وإن اقتضت عملاً فالرجوع إلى الأصول هو الصراط المستقيم ، ويتناول الجزئيات حتى إلى الكليات فمن عكس الأمر حاول شططاً ودخل في حُكم الذم ، لأن متبع الشبهات مذمومٍ ] أهـ.

وفي قضيتنا ,وهي رد الأمر عند التنازع إلى شريعة غير شريعة الله والذي جاءت النصوص المتواترة بكفر مرتكبهِ بل نقل العلماء ومنهم ابن كثير الإجماع بين المسلمين على ذلك ، وهذا شأن القواعد الكلية في كونها لاتستند إلى آحاد الأدلة بل تتكرر النصوص وتتواتر عليها أدلة حتى تتقرر وتنتشر فتتأكد ويؤتى بها شواهد على معان أصولية فلا تتطرق إليها الإحتمالات وبهذا أختلفت القواعد "الكلية"القطعية عن الأحكام "الجزئية"المحتملة وبالله التوفيق ..


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:
..
..هذا الشخص يكفر بكل قضاء غير شرعي ويكّفر من يحكم بغير ما أنزل الله تعالى ويكّفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر ويتبرأ من الشرك والمشركين... هذا الشخص لايرفع للطاغوت مظلمة إذا ظُلم ولايتفق مع خصمه على الترافع للطاغوت ويُحذر حتى أن يُرشد أحد أراد التحاكم للطاغوت إلى الطريق الموصل للمحكمة ويرى ذلك عوناً لهم.
هذا الشخص فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد عن نفسه ويرى أن ذلك ليس بتحاكم ويستمسك بظاهر نصوص على فعله أهــ.

***أقول وبالله التوفيق والسداد :
..
هذا القول ينقض آخره أوله فقوله: فقط يري أنه إذا أُخذ بتهمة جاز له الإدلاء بأقواله والرد

عن نفسه. يناقض قوله :ويكفر من يقول أو يفعل التحاكم للحاكم الكافر.

...وماهو قول وفعل التحاكم المُكفّر إذاً؟؟ أليس هو الذهاب لمحاكم الطاغوت مختاراً بغير

إكراه؟؟ إذا كنتم تكفرون من فعل فعل التحاكم حقيقةً ولاتشترطون على ذلك الرضي

القلبي فكيف تجوزون أن يذهب الموحد إلى محاكم الطاغوت مختاراً بغير إكراه؟؟

فالصوآب أن يُقال لايجوز هذا الفعل إلا تحت الإكراه الشرعي المُعتبر.

..ويلزمكم أحد أمرين إما أن تقولوا بعدم جواز ذلك وهذا هو الحق الذي نحن عليه وإما ان

تشترطوا لتكفير من يفعل فعل التحاكم الرضي القلبي ولاتكفرون حتىّ الذي يرفع

الدعوى للطاغوت إلا إذا صّرح بأنه أراد التحاكم إلى الطاغوت لان مناط التكفير عندكم هو

الرضي القلبي بالتحاكم وليس الذهاب, ولأن الشخص الذي ذكرتموه في الحالة

المذكورة لم يُرد التحاكم للطاغوت ولكنه أراد الذهاب إلى محاكم الطاغوت عند إستدعائه

للإجابة على أسئلة الطاغوت المتعلقة بالقضية التي أُستدعي من أجلها ولايري حرجاً في ذلك ؟؟

...فالذي يرفعُ دعواه للحاكم الكافر ويصّرح بأنه لا يرضي بالتحاكم له وإنما فعل ذلك

مقابل مصلحة وهي رد حقه الشرعي إليه قابلت هذه المصلحة مفسدة الوقوع في

التحاكم وبالمقابل فمصلحة رد التهمة تقابلها مفسدة الوقوع في التحاكم أيضاً فكلاهما

أفعال وأقوال نص الله عزوجل على كفر مرتكبهاولايشترط لتكفير مرتكبها الرضي أو الإرادة القلبية.


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة
.
***قال المخالف:

___إلحاق هذا الشخص بالشاكي ومساواته به جور وظلم وتعسف لأنه لايرفع مظلمة إلى طاغية وإلحاقه بحالة الخصمان المتفقان على الترافع جور وظلم أيضاً إذ أننا نعلم منه عدم الإتفاق مع الخصم على الترافع ولا يجوز أن نتكلف له التأويلات حتى نساويه هو والشاكي والراضي المجوز لذلك.

***أقول وبالله التوفيق والسداد:

هذه الصور الثلاث لاتخرج عن صورة التحاكم العملي للطاغوت,والكفر يكون بالفعل والقول

كما يكون بالإعتقاد فالمدعى عليه أطاع الطاغوت بذهابه لجلسة الحُكم ثم أجاب عن

أسئلة القاضي وجّرم خصمه إذ أن نفى التُهمة عن نفسه هو تجريم لخصمه الذي رفع

عليه الدعوى, وهذه هي عين الطاعة الكفرية وهي دعوة لعبادة الطاغوت بالتحاكم إليه

فالأول ذهب بنفسه ورفع دعوته إلى الطاغوت والثاني طُلب منه أن يذهب إلى جلسة

الحُكم فأجاب بإختياره فلافرق بين الصورتين حُكماً.

وماذا يُقصد بالراضي هنا ؟؟ هل يقصد الراضي بالتحاكم ؟؟ أم الراضي بالذهاب لجلسة

الحُكم ؟؟ وماذا يُقصد بالمجوز هنا ؟؟ أهو المجّوز للذهاب لمحاكم الطاغوت عند

الإستدعاء ؟؟ أم المجّوز للتحاكم إلى الطاغوت؟؟ فحال هذا الشخص حقيقةً أنه متحاكم

إلى الطاغوت وإن صّرح بلسانه أنه لم يُرد التحاكم فكذب فعله وذهابه قوله وادعاء ه فلا

يشترط لتكفير من يُلبىّ دعوة الطاغوت لجلسة الحُكم أن يقول للقاضي أحكم بيننا أو

إنني أرضى بحكمك , فصورة المدعّى عليه صورة مُتحاكم بمجرد ذهابه إلى جلسة

الحُكم بإختياره وإجابته لأسئلة القاضي.


التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة

***قال المُخالف :

هذا الشخص يستند إلى نصوص على حاله هذه نوردها هنا :
وقام بإيراد بعض النصوص التي ظنّ أنها أدلة قاطعة وبراهين ساطعة فيما ذهب إليه وهي :
1- قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز عندما راودته عن نفسه في قوله تعالى:
(وَ?سْتَبَقَا ?لْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ?لْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُو?ءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين)
2- جدال إخوة يوسف عليه السلام عندما أُتهموا بسرقة صواع الملك وهو قوله تعالى:
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ?لسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ?لْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون)َ)
3- حادثة جعفر بن أبي طالب والصحابة رضي الله عنهم مع النجاشي رضي الله عنه عندما طلب المشركون من النجاشي تسليم المهاجرين لهم.
4- قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما قال له فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
5- قصة ابي بكر الصديق رضي الله عنه عندما أخرجه قومه وأجاره بن الدغنة . (( تم الرد تفصيلا على هذه الشبهات فى المنشورات السابقه

*** أقول وبالله التوفيق والسداد:

لا يصح تقرير مسألة من أصل الدين او إخراجها منه بمثل هذه النصوص المتشابهة في

هذا الباب, فمسألة التحاكم إلى الطاغوت قد بينها الله في كتابه أتم بيان وأحسن تبيان,

فالمسلم الذي يكقر بالطاغوت ويؤمن بالله يكفر بكل شرائع الطواغيت وأنظمتهم

وقوانينهم الوضعية, والمسلم الذي تُرفع فيه دعوى من أحد المشركين إلى المحاكم

الطاغوتية يستدعى لجلسة الحُكم لأجل أن يتحاكم إليهم ,فموقف المسلم من هذه

الدعوة الطاغوتية للكفر عدم الطاعة يقول الله تعالى ( وماكان قول المؤمنين إذا دعوا ..)

فالطاعة والتسليم واجبة في دعوة المسلم إلى الله ورسوله وحكمهما, وعدم الطاعة

والتسليم واجب في دعوة المسلم إلى الطاغوت وشرعه.

فلو كان ما قررتموه حق فلابد أن يكون قد سبقكم له السلف الصالح , وقد تتبعنا _

والحمدُ لله _ فلم نجد أن السلف الصالح قد قرروا ما قررتموه أو فهموا مافهمتموه ولم

يفهموا ما فهمتموه من النصوص, ولم يقل أحد أن هذه الوقائع كانت في مقام المحاكم

ولم يصرح عالم واحد منهم بأنه يُفهم من هذه النصوص جواز ذهاب الموحد لمحاكم

الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي, فإن كان هناك من السلف من صّرح

بذلك فأوردوه لنا.

التعليقات المختصرة على من جوّز الذهاب لمحكام الطواغيت الكفرة

***قال المُخالف :

__بعض الإخوة سأل أحد المخالفين في جلسة نقاش في نفس الموضوع عن أنّه إذا تنازع مسلمٌ وكافر في قطعة أرض مثلاً, والأرض ملك للمسلم فقام المشرك برفع دعوى إلى الطاغوت بحجة أن الأرض له ,فأستدعى المسلم وهو معه جميع الأوراق التي تثبت أن الأرض ملكاً له ماذا يفعل ؟؟ هل يذهب ويجادل خصمه ويقدم أوراقه الثبوتية للمحكمة الكافرة ؟؟ فأجاب المخالف بنعم يجوز له أن يذهب ويُثبت بأنه المالك للأرض وأن خصمه كاذب.

فقلتُ له : ماهو التحاكم إذاً إن لم يكن هذا تحاكم ؟؟ وهل هذا الفعل جائز؟؟

قال : نعم .

فقلت له : لماذا تشترط للذهاب الإستدعاء ؟؟ ولماذا لاتذهب بمجرد وقوع النزاع ؟؟وهل

الأفعال المباحة يشترط لفعلها ؟؟ وماهي الدليل على أن هذا الفعل لايجوز إلا بالشرط

؟؟ وكيف يكون الفعل جائز ثم غير جائز إلا بالشرط ؟؟


=====================

***** ((( الخلاصه ))) *****

إن كل ما أورده المخالفون من وقائع ونصوص لانخالفهم فيها على جواز دفع الصائل الشرعي بالدفاع عن النفس والعرض في كل مقام مالم يكن مقام تحاكم وقد ضبطنا في ثنايا هذه الرسالة متى يكون المقام مقام تحاكم ومتى لايكون,وهذا يُعرف بالنظر لأركان التحاكم والقرائن المحيطة بواقع الحادثة, فلانتحرج البتة في التأسي بالأنبياء عليهم السلام في كل أحوالهم إلا ما نهانا الله عزوجل,أما تصّور واقعهم على خلاف ماهو عليه ثم تجويز الباطل على مقتضى ذلك التصّور الفاسد فنبرأ إلى الله منه.

***تساؤلات ولوازم

السؤال الأول :
هل الحكم عبادة ؟

السؤال الثاني :
ماهو مناط تكفيركم للمتحاكم للطاغوت بغير إكراه؟

السؤال الثالث:
هل حضور المدعّى عليه لجلسة الحكم وإجابته أسئلة القاضي مختاراً لاتدخل في صور التحاكم ؟

السؤال الرابع:
هل تشترطون الإرادة القلبية لتكفير المتحاكم إلى الطاغوت عملياً؟

السؤال الخامس :
وماهو برهانكم لتكفير الذي يرفعُ شكواه إلى الطاغوت بغرض رد المظالم ويحتج بأنه لم يرُد التحاكم للطاغوت ؟

السؤال السادس:
هل لايكون المدعّى عليه متحاكماً إلى الطاغوت إذا أجاب الدعوة من غير إكراه إلا بتصريحه انه يريد التحاكم؟

السؤال السابع:
ماهو مالفرق العلمي بين مدعّى عليه كافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم وبين مدعّى عليه ليس بكافر بتلبية دعوة الطاغوت لجلسة الحكم؟

السؤال الثامن:
هل تشترطون لذهاب المدّعى عليه أن يظهر عدم إرادته للتحاكم بإنكاره على الطاغوت ؟ وأنه ليست الجهة الشرعية التي يُحق لها أن تفصل في القضايا ؟ وإن كان كذلك ما هو دليل الشرط؟ وماحكم مخالف الشرط ؟ أي من يذهب بغير الإتيان بالشرط ؟

السؤال التاسع:
وهل تحصرون المتحاكم في المدعّي فقط ؟ اي الذي يرفع الشكوى للحاكم او القاضي؟

السؤال العاشر:
وإن كان هناك مدعّى عليه يكفر بتلبيته لدعوة الطاغوت لجلسة الحكم وإجابته لأسئلة القاضي وضحوا لنا ما هي لنا ما هي صورته؟

السؤال الحادي عشر:
قلتم إنكم تتمسكون بظاهر النصوص على تجويزكم أين ظهر لكم أن هذه الوقائع كانت وقائع محاكم وجلسات تحاكم؟؟ أين دلّ ظاهر النصوص على ذلك؟؟ أم أنه من فقه الباطن؟؟ وهل أستدعي يوسف عليه السلام عندما أجاب بقوله (هي راودتني ...)؟؟ ولماذا تشترطون على الذهاب والإدلاء بالأقوال الاستدعاء؟؟ أين ذلك في ظاهر النصوص؟؟ وما هو دليل هذا الشرط؟؟ وما حكم من يذهب ويرد التهمة عن نفسه بدون أن يستدعى ؟؟ وما دليل كفره على حسب مذهبكم ؟؟

السؤال الثاني عشر:
ماهو ظاهر قول يوسف عليه السلام (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم )؟؟ وكيف تقولون _على حسب تمسككم بالظاهر _بأنه لم يكن مستأنفاً لقضية ؟؟ وما هي طريقة الاستئناف اليوم؟؟ وما الفرق بينها وبين ما طلبه يوسف عليه السلام ؟؟

السؤال الثالث عشر :
فهمتم من النصوص التي استدللتم بها أن واقعها كان واقع محاكم طاغوتية فمن سبقكم بهذا الفهم من السلف الصالح؟؟ وأين كان ذلك؟؟ ومن قال بأنه يجوز للمسلم الذهاب لمحاكم الطواغيت في جلسة الحُكم من السلف ؟؟وهل خفى على السلف من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى القرن السابع والثامن الهجري مافهمتموه من الآيات؟؟ أوردوا لنا صريح أقوالهم على ذلك إن كنتم على نهجهم وفهمهم حقاً؟؟

تم بعون الله



الارجــاء لادين له

$
0
0


ماهى اقامه الحجه؟ ومالفرق بينها وبين الاستتابه؟
وهل اقامه الحجه تعنى استيفاء الشروط وانتفاء الموانع

والجواب :

المقصود بقيام الحجة هو بلوغ النص الشرعي من الكتاب أو السنة بوجوب عمل ما أو تحريم عمل ما للمكلف بلوغا حقيقيا أو بلوغا حكميا (أي الوجود في مكان يتمكن فيه المكلف من سماع الحجة) .

وهي تختلف باختلاف نوع المسألة التي نتكلم عليها فالحجة في أصل الدين والشرك غير الحجة في مسائل الشرائع الظاهرة غير الحجة في باب المسائل الخفية .

ومن أنواع اقامة الحجة استتابة المرتد ولكن الاستتابة ليست كما يظن البعض من أجل الحكم على من أتى بالردة بأنه مرتد ولكن تكون الاستتابة لمن حكمنا عليه بأنه مرتد لإنزال حد الردة عليه فهي بمثابة المراجعة والانذار الأخير للمرتد قبل قتله .

أما صور اقامة الحجة المختلفة بحسب طبيعة المسألة فهي:
_________________________________________

1- في مسائل أصل الدين واتيان الشرك بالله فالحجة هي السماع بالرسول وبلوغ القرآن والسماع به وهذه الحجة تفيد في لزوم العذاب على الشرك الذي اقترفه العبد أما التسمية فهو مشرك بمجرد فعله للشرك سواء كان جاهلا أو متأولا أو مقلدا لأنه أتى بما يخرجه عن حد التوحيد ويدخله في حقيقة الشرك .

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (الإجماع منعقد على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن فهو كافر ولا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة) الدرر10/247
وقال الشيخ حمد بن ناصر (قد أجمع العلماء أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحجة عليه قائمة) الدرر 11/72.

قال ابن القيم في طريق الهجرتين : "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل " .

2- أما الحجة في المسائل الظاهرة فهي أحد الطرق الآتية :
______________________

1- العلم حقيقة بالنص الشرعي
2- البلاغ عن أي طريق من الطرق
3- وجود دعوة أودعوه قائمة
4- الوجود في مكان به علماء أودعوه
5- التمكن من الوصول للحجة

والدليل :
قال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)

وقال تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة)،

وقال ابن تيمية: إن القرآن حجة على من بلغه... فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول صل الله عليه وسلم) الفتاوى 16/149

وقال: على قوله تعالى (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع ففي الكفار من تجنب سماع القرآن واختار غيره، الفتاوى 16/166

وقال (حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانع من قيام حجة الله عليهم) كتاب الرد على المنطقيين ص113 في المقام الثالث ،

وقال أيضا: ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه) ( بتصرف ) الفتاوى 28/125).

ملاحظة 1 :
ــــــــــــــ

حد المسائل الظاهرة هو ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله (العلم علمان: علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا في كتاب الله موجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله صل الله عليه وسلم ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم وهذا العلم الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التنازع) الرسالة ص 359،357

ملاحظة2 :
ـــــــــــــــ

يكفي لقيام الحجة مجرد بلوغها للمكلف ولا يشترط في أصل الدين والمسائل الظاهرة أن يفهمها الفهم الموجب للانتفاع بها واستيعابها استيعابا كاملا والإحاطة بها من جميع جوانبها .
قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام)
وقال تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون )

وقال تعالى (وأُوحي إلى هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ) وقال تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مع أن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) الآية ثم ضرب أمثلة لأناس قامت عليهم الحجة لكن لم يفهموها مثل: الخوارج، والذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وغلاة القدرية، ( تاريخ نجد ص 410).

3-الحجة في المسائل الخفية (كـ/مسائل القدر والصرف والعطف )هو بلوغ الدليل الشرعي للمكلف وإزالة الشبهة
___________________________

1-قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في شرح العمدة : "وفي الحقيقة: فكل رد لخبر الله، أو أمره فهو كفر، دق أو جل، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم وكان أمرا يسيرا في الفروع، بخلاف ما عظم أمره وكان من دعائم الدين، من الأخبار والأوامر، يعني: فإنه لا يقال قد يعفى عنه"

2-وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله - : "فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله : صل الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله : (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة...".

- أما استيفاء الشروط وانتفاء الموانع فهو التحقق من توفر الشروط الشرعية في المكلف ليكفر ويؤاخذ على فعله وقد يحدث هذا التحقق أثناء عملية اقامة الحجة وقد يحدث قبلها .

- ومن هذه الشروط :
_______________

1- أن يكون بالغًا
2- أن يكون عاقلاً
3- أن يكون مختارا للفعل غير مكره

ونلاحظ أن هذه الشروط والموانع سهلة بسيطة لا تحتاج لكبير جهد ووقت لاستيفائها وليست بالصعوبة التي يدعيها أهل الارجاء والتجهم ليلغوا بها أحكام الكفر والإيمان كما يتمنون.

- ونلاحظ أيضا أن التأويل والجهل لا يعدان من موانع تكفير من نقض أصل دينه بالشرك خاصة لأن التوحيد والاسلام له حقيقة واحدة يناقضها تماما الشرك بالله تعالى فإذا أشرك المكلف مع الله آلهة آخرى فقد انتفت حقيقة التوحيد عنه وثبت له حقيقة الشرك واسم الشرك سواء كان ما فعل جهلا منه أو تأولا والنصوص متضافرة على ذلك والإجماع قد انعقد على ذلك .

والحجة تشترط على المشرك لإنزال العقوبة عليه من قتل والجزم له بالخلود في النار من غير امتحان في العرصات على قول بعض أهل العلم وليس اقامة الحجة شرطا ليسمى مشركا بعد بلوغها إليه إذ هو مشرك بمجرد صرف عبادة لغير الله تعالى .
__________________________________

قال الشيخ أبا بطين في "الدرر" [10/401]، قال:
(ونحن نعلم أن من فعل ذلك – الشرك - ممن ينتسب للإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد وأنه من الشرك الذي حرم الله لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل كما يقول بعض الضالين؛ إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال).

قال الشيخ أبا بطين في"الدرر السنية" [12/72 – 73]، وفي"مجموعة الرسائل"[1/659]، [1/659]، قال: (فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا معذور، مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله؛ كفر بلا ريب، كما لوتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صل الله عليه وسلم

يقول الامام ابن القيم في كتابه الماتع طريق الهجرتين في معرض كلامه حول طبقات المكلفين(الطبقه السابعة عشر)
_____________________________________

طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم، الذين هم معهم تبعا لهم، يقولون؛ إنا وجدنا آباءنا على ذلك، ولنا بهم أسوة، ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام، غير محاربين لهم، كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم، الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصبت له أولئك، من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بلهم بمنزلة الدواب.

قال ابن القيم: وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع؛ أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام.

(ويقول الامام ابن القيم)

(والإسلام؛ هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فان لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا، فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة؛ أنهم كفار جهال غير معاندين، وعم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا، فإن الكافر من جحد توحيد الله )
______________________

شيخ الاســلام يرد علي الجهميــة قديمآ وحديثآ

$
0
0


شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيميَّة . ت : 728هـ .
_______________________________

قال في "مجموع الفتاوى"
__________________

(( فهؤلاء القائلون بقول جهم والصَّالحي قد صرَّحوا بأَنَّ سبَّ الله ورسوله : والتكلُّم بالتَّثليث وكلّ كلمة من كلام الكفر ليس هو كفراً في الباطن ولكنَّه دليل في الظَّاهر على الكفر ويجوز مع هذا أَنْ يكون هذا السابُّ الشاتِم في الباطن عارفاً بالله موحداً له مؤمناً به فإذا أُقيمَتْ عليهم حجَّةٌ بنصٍّ أو إجماعٍ أَنَّ هذا كافرٌ باطناً وظاهراً . قالوا : هذا يقتضي أَنّ ذلك مستلزِمٌ للتَّكذيب الباطن وأَنَّ الإيمان يستلزم عدم ذلك : فيقال لهم : معنا أمران معلومان :
(أحدهما) : معلومٌ بالاضطرار من الدِّين . و(الثاني): معلوم بالاضطرار من أنفسِنا عند التأمُّل .
أمَّا "الأول" : فإنَّا نعلم أَنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعاً بغير كَرْه ، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعاً غير مُكْرَهٍ ، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطناً وظاهراً ، وإِنَّ من قال : إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر ، فإنَّه قال قولاً معلوم الفساد بالضَّرورة من الدِّين وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفريَّة بمنزلة شهادةِ الشُّهود عليهم ، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقِرُّ لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صِدْقاً وقد تكون كَذِباً ،بل كان ينبغي أَنْ لا يعذِّبهم إلاَّ بشرط صِدْق الشَّهادة وهذا كقوله تعالى :{ لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } {لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ } وأمثال ذلك .

وأما "الثاني" : فالقلب إذا كان معتقداً صدقَ الرَّسول ، وأَنَّه رسول الله ، وكان محِبَّاً لرسول الله معظِّماً له ، امتنع مع هذا أن يلعنَه ويسبَّه فلا يُتَصَّور ذلك منه إلاَّ مع نوعٍ من الاستخفاف به وبحرمَتِه ، فَعُلِم بذلك أنَّ مجرَّد اعتقاد أَنَّه صادق لا يكون إيماناً إلاَّ مع محبَّته وتعظيمه بالقلب )) .

وقال أيضاً : (( قوله : { مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ .لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ }

، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعدِ إيمانِهِ وذكر وعيدَه في الآخرة ، ثم قال: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ } وبَيَّن تعالى أَنَّ الوعيد استحقوه بهذا .
ومعلومٌ أَنَّ باب التَّصديق والتَّكذيب والعلم والجهل ليس هو من باب الحبِّ والبُغْضِ ، وهؤلاء يقولون إِنَّما استحقُّوا الوعيدَ لزوال التَّصديق والإيمان من قلوبهم ، وإِنْ كان ذلك قد يكون سببه حبَ الدُّنيا على الآخرة ، والله سبحانه وتعالى جعل استحبابَ الدُّنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخُسْران . واستحباب الدُّنيا على الآخرة قد يكون مع العلم والتَّصديق بأَنَّ الكفر يضرُّ في الآخرة ، وبأَنَّه مالَه في الآخرة من خَلاق .

و "أيضاً"فإِنَّه سبحانه استثنى المكْرَه من الكفار ، ولو كان الكفر لا يكون إلاّ بتكذيب القلب وجهله لم يُسْتَثْنَ منه المُكرَه ، لأَنَّ الإكراه على ذلك ممتنعٌ فعُلِمَ أَنَّ التَّكلُّم بالكفركفرٌ إلاَّ في حال الإكراه .

وقوله تعالى : { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } . أي : لاستحبابه الدُّنيا على الآخرة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدُّنيا ) فمن تكلَّم بدون الإكراه ، لم يتكلَّم إلاَّ وصدرُه منشرحٌ به )) .
وقال : (( فإن قيل : فقد قال تعالى : { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا }قيل : وهذا موافقٌ ، لأوَّلها فإِنَّه من كفر من غير إكراهٍ فقد شرح بالكفر صدراً ، وإلا ناقض أول الآية آخرها ، ولو كان المراد بمن كفر هو الشَّارح صدرَه ، وذلك يكون بلا إكراه ، لم يستَثْنِ المكرَه فقط ، بل كان يجب أن يستثنى المكرَهُ وغير المكرَهِ إذا لم يشرح صدرَه، وإذا تكلَّم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهي كفرٌ ، وقد دلَّ على ذلك قولُه تعالى
: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّل عَليْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }

فقد أخبر أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنَّا تكلَّمْنا بالكفر من غير اعتقادٍ له ، بل كنا نخوض ونلعب ، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآيات الله كفرٌ ، ولا يكون هذا إلاَّ ممَّن شرح صدره بهذا الكلام ، ولو كان الإيمانُ في قلبه منعَه أنْ يتكلَّمَ بهذا الكلام )) .

وقال في "الصارم المسلول" : (( من قال بلسانه كلمةَ الكفرِ من غير حاجةٍ عامداً لها عالماً بأَنَّها كلمة كفرٍ فإِنَّه يكفرُ بذلك ظاهراً وباطناً ، ولأنَّا لا نجوِّز أَنْ يقال : إِنَّه في الباطن يجوز أَنْ يكونَ مؤمناً ، ومن قال ذلك فقد مَرَق من الإسلام ، قال سبحانه: { مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ومعلومٌ أَنَّه لم يُرِدْ بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأَنَّ ذلك لا يُكره الرَّجل عليه، وهو قد استثنى من أُكْرِه ولم يُرِدْ من قال واعتقد ، لأَنَّه استثنى المُكرَه وهو لا يُكرَه على العقد والقول ، وإِنَّما يُكرَه على القول فقط ، فعلِم أَنَّه أراد من تكلَّم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذابٌ عظيم وأَنَّه كافرٌ بذلك إلاَّ من أُكرِه وهو مطمئنٌّ بالإيمان ، ولكن من شرح بالكفر صدراً من المُكرَهين فإِنَّه كافرٌ أيضاً ، فصار من تكلَّم بالكفر كافراً إلاَّ من أُكرِه فقال بلسانه كلمةَ الكفر وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، وقال تعالى في حقِّ المستهزئين : لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )) .

وقال أيضاً :
(( وقال سبحانه : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِليْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَليْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } فبيَّن سبـحانه أَنَّ من تولَّى عن طاعة الرَّسول وأعرض عن حكمِه فهو من المنافقين ، وليس بمؤمنٍ ، وأَنَّ المؤمن هو الذي يقول : سمعنا وأَطعنا ، فإذا كان النِّفاق يثبُتُ ، ويزولُ الإيمان بمجرَّد الإعراض عن حكم الرَّسول وإرادة التَّحاكم إلى غيرِه، مع أنَّ هذا ترك محضٌ ، وقد يكون سببه قوَّة الشَّهوة ، فكيف بالتنَّقص والسبِّ ونحوه ؟ )) .

وقال أيضاً :
(( ولا فرقٌ بين من يعتقد أَنَّ الله ربَّه ، وأَنَّ الله أمره بهذا الأمر ثم يقول : إِنَّه لا يطيعه ، لأَنَّ أمره ليس بصوابٍ ولا سدادٍ ، وبين من يعتقد أَنَّ محمَّداً رسول الله وأَنَّه صادقٌ واجبُ الاتباع في خبره وأمره ، ثم يسبّه أو يَعيب أمرَه أو شيئا من أحواله ، أو تنقَّصه انتقاصاً لا يجوز أَنْ يستحقَّه الرَّسول ، وذلك أَنَّ الإيمان قولٌ وعمل ، فمن اعتقد الوحدانيَّة في الألوهيَّة لله سبحانه وتعالى، والرِّسالة لعبده ورسوله ، ثم لم يُتْبِع هذا الاعتقاد موجَبَه من الإجلال والإكرام - الذي هو حالٌ في القلب يظهر أثره على الجوارح ، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل - كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه ، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ، ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصَّلاح ، إذْ الاعتقادات الإيمانية تزكِّي النفوس وتصلِحها ، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحها فما ذاك إلاَّ لأَنَّها لم ترسخْ في القلب ، ولم تصِرْ صفةً ونعتاً للنَّفس ولا صَلاحاً ، وإذا لم يكُنْ علم الإيمان المفروض صفةٌ لقلب الإنسان لازمةٌ له لم ينفعه ، فإِنَّه يكون بمنـزلةِ حديث النَّفس وخواطر القلب ، والنجاة لا تحصل إلا بيقينٍ في القلب ، ولو أَنَّه مثقال ذرَّة . هذا فيما بينَه وبين الله،وأمَّا في الظَّاهر فيُجري الأحكامَ على ما يظهِره من القول والفعل )) .

وقال أيضاً : (( إنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواءً كان السابُّ يعتقد أَنَّ ذلك محرَّم ، أو كان مستحلآ له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ …

وكذلك نُقِلَ عن الشافعيّ أَنَّه سُئِل عمَّن هَزَلَ بشيءٍ من آياتِ الله تعالى أَنَّه قال : هو كافرٌ ، واستدلَّ بقول الله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } وكذلك قال أصحابنا وغيرهم : من سبَّ الله كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به …. ويجب أَنْ يعلم أَنَّ القول بأَنَّ كفر السَّابِّ في نفس الأمر إِنَّما هو لاستحلاله السبَّ زلَّة منكَرةٌ وهفوةٌ عظيمةٌ … وذلك من وجوه :

أحدها : أَنَّ الحكاية المذكورة عن الفقهاء أَنَّه إِنْ كان مستحلاًّ كفر، وإلاَّ فلا ، ليس لها أصلٌ ، وإِنَّما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلِّمين (اي انه كلام المتكلمين )الذين نقلوها عن الفقهاء ، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنُّوه جارياً على أصولِهم ، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قوله قولاً ، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم ، فلا يظنُّ ظانٌ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد ، وإِنَّما ذلك غلطٌ ، لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمةَ الفتْوى هذا التفصيل البتَّةَ .

الوجه الثاني : أَنَّ الكفر إذا كان هو الاستحلال فإِنَّما معناه اعتقاد أَنَّ السبَّ حلالٌ ، فإِنَّه لمَّا اعتقد أَنَّ ما حرَّمه الله تعالى حلالٌ كفَرَ ، ولا رَيْبَ أَنَّ من اعتقد في المحرَّمات المعلوم تحريمها أَنَّها حلال كفر ، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النَّبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغِيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أَنَّ الله حرَّمها ، فإِنَّه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاًّ كفرٌ ، مع أَنَّه لا يجوزُ أَنْ يُقال : مَنْ قذفَ مسلماً أو اغتابه كفر،ويعني بذلك إذا استحلَّه .

الوجه الثالث : أَنَّ اعتقاد حلِّ السَّبِّ كفر ، سواء اقترن به وجود السبِّ أو لم يقترن ، فإذاً لا أثر للسبِّ في التَّكفير وجوداً وعدماً ، وإِنَّما المؤثِّر هو الاعتقاد ، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء .

الوجه الرابع : أَنَّه إذا كان المكفِّر هو اعتقاد الحلِّ فليس في السبِّ ما يدلُّ على أَنَّ السَّابَّ مستحلٌّ ، فيجب أنْ لا يكفَّر ، لاسيَّما إذا قال "أنا أعتقد أَنَّ هذا حرامٌ ، وإِنَّما أقول غيظاً وسفَهاً ، أو عبثاً أو لعباً "كما قال المنافقون : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }.
وكما إذا قال : إِنَّما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً ، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نصِّ القرآن ، وإنْ قيل يكونون كفاراً فهو تكفيرٌ بغير موجبٍ إذا لم يجعل نفس السَّبِّ مكفِّراً ، وقول القائل : أنا لا أصدِّقه في هذا لا يستقيم ، فإنَّ التَّكفير لا يكون بأمرٍ محتملٍ ، فإذا كان قد قال : أنا أعتقد أنَّ ذلك ذنبٌ ومعصيةٌ وأنا أفعلُه ، فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفراً ؟
ولهذا قال سبحانه وتعالى : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ولم يقل قد كذبتم في قولكم إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب ، فلم يكذِّبهم في هذا العُذر كما كذَّبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين ، بل بَيَّن أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم ، بهذا الخوض واللعب )) .اهـ

"يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم"

$
0
0

قال ابن كثير :

( "يوم لا ينفع الظالمين "وهم المشركين "معذرتهم "أي : لا يقبل منهم عذر ولا فدية . ) أ . هـ

ذكر تعالى أن الظالمين لا يسمع لهم عذر يوم القيامة ولا يقبل منهم , وإن كانوا سيقدمون الكثير من الأعذار , منها الصادقة ومنها الكاذبة , وقد أفاض القرآن الكريم بذكر أنواعاً من اعتذاراتهم , منها أنهم سيقولون

"إنا كنا عن هذا غافلون "الأعراف 172.

وآخرون سيقولون :

"إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أتهلكنا بما فعل المبطلون "الأعراف 173.

ويعتذرون : "وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلاً "الأحزاب 76.

بل منهم من تبلغ به الجرأة أن يقسم "والله ربنا ما كنا مشركين "الأنعام 23.

ومنهم من يقول : "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون "المؤمنون 107.

ومنهم من سيقول :
"ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى "طـه 134.

ويقول لهم :
"أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى "طـه 133.

ومنهم من يقول :"ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون "الزخرف 77 -88

هذا هو الحال في الآخرة لذا يقول تعالى :
"فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "الكهف 110.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ( قال ابن القيم رحمه الله تعالى في هذه الآية :
أي : كما أن الله واحد لا إله سواه , فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له , فكما تفرد بالألوهية يجب أن يفرد بالعبودية , فالعمل الصالح : هو الخالص من الرياء المقيد بالسنة .
وفي الآية دليل على أن أصل الدين الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والمرسلين قبله هو إفراده تعالى بأنواع العبادة , كما قال تعالى :
"وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "
والمخالف لهذا الأصل من هذه الأمة أقسام :
إما طاغوت ينازع الله في ربوبيته وألوهيته ويدعو الناس إلى عبادته.
وإما طاغوت يدعو الناس إلى عبادة الأوثان.
أو مشرك يدعو غير الله ويتقرب إليه بأنواع العبادة أو بعضها .
أو شاك في التوحيد:أهو حق أم يجوز أن يجعل لله شريك في عبادته ؟
أو جاهل يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى الله وهذا هو الغالب على أكثر العوام لجهلهم وتقليدهم من قبلهم لما اشتدت غربة الدين ونسي العلم بدين المرسلين . ) أ.هـ

ويحذرك المولى تبارك وتعالى من آفتين تصيبان النفس البشرية فتهلكها :

الأولى : الأماني الكاذبة وترك العمل الصالح. يقول تعالى :
"ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلي ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور. فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم ويئس المصير "الحديد 14 – 15.

الثانية : طول الأمد المؤدي إلى قسوة القلب . يقول تعالى :
"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "الحديد 16.

ويذكر المولى تبارك وتعالى , أن جميع الأعذار التي تتعلق بها النفوس العاتية والنفوس الغافلة , والنفوس الفاجرة, مرفوضة ساقطة , ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .

من ذلك :
1- قوله تعالى :"فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون "الروم 57.
قال ابن كثير :
( "فيومئذ "أي يوم القيامة "لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم "أي اعتذارهم عما فعلوا "ولا يستعتبون "أي ولا يرجعون إلى الدنيا كما قال تعالى : "وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ".) أ.هـ

2- قوله تعالى :
"يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "غافر 52
قال ابن كثير :
( "يوم لا ينفع الظالمين "وهم المشركين "معذرتهم "أي : لا يقبل منهم عذر ولا فدية . ) أ . هـ

3- قوله تعالى :
"بل الإنسان على نفسه بصيرة . ولو ألقى معاذيره "القيامة . 14- 15.
قال القرطبي :
( قال مقاتل : أي لو أدلى بعذر أو حجة لم ينفعة ذلك . نظيره قوله تعالى "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم " . الأعراف 52 وقوله : "ولا يؤذن لهم فيعتذرون "المرسلات . 36 فالمعاذير على هذا مأخوذة من العذر . ) .
ويقول : ( قلت : والأظهر أنه الإدلاء بالحجة والاعتذار من الذنب.. والدليل على هذا قوله تعالى في الكفار : "والله ربنا ما كنا مشركين "الأنعام . 23 . وقوله تعالى في المنافقين "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم "المجادلة . 18 .
وفي الصحيح أنه يقول : ( يارب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ، وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع ) . الحديث أ.هـ
قال ابن كثير :
(وقال مجاهد : "ولو ألقى معاذيره "ولو جادل عنها فهو بصير عليها . وقال قتاده : "ولو ألقى معاذيرة "ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه . وقال السدى "ولو ألقى معاذيره "حجته . وكذا قال ابن زيد والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير ، وقال قتادة عن زرارة عن ابن عباس "ولو ألقى معاذيره "يقول لو ألقى بهتانه ، وقال الضحاك : ولو ألقى ستوره وأهل اليمن يسمون الستر العذار ، والصحيح قول مجاهد وأصحابه كقوله تعالى : "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين "وكقوله تعالى : "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون"وقال العوفي عن ابن عباس : "ولو ألقى معاذيره"هي الاعتذار ، ألم تسمع أنه قال : "لا ينفع الظالمين معذرتهم "وقال : "وألقوا إلى الله يومئذ السلم ما كنا نعمل من سوء "وقولهم "والله ربنا ما كنا مشركين ".اهـ

4- يقول تعالى :
"هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون "المرسلات 35 – 36 .

قال القرطبي :
("هذا يوم لا ينطقون "أي : لا يتكلمون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون "..ولا يؤذن لهم في الاعتذار والتنصل) أ.هـ

وقال : ( وقال الجنيد : أي عذر لمن اعرض عن منعمه وجحده وكفر أياديه ونعمه ؟! ) أ.هـ

قال ابن كثير :
("هذا يوم لا ينطقون "أي : لا يتكلمون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون "أي : لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة , ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون . ) أ.هـ

5- قوله تعالى :
"يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " . التحريم 7

قال القرطبي :
( "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم "فإن عذركم لا ينفع . وهذا النهي لتحقيق اليأس . "إنما تجزون ما كنتم تعملون "في الدنيا . ونظيره : "فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون " . الروم 57 . ) أ.هـ

قال ابن كثير :
( وقوله "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون "أي : يقال للكفر يوم القيامة لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون وإنما تجزون اليوم بأعمالكم . ) أ.هـ

* هذه هي القاعدة العامة "فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم "
* وهكذا تتقرر القواعد العامة في دين الله دائماً تتكرر فتتقرر ، والاستثناء من القواعد العامة لا يتقرر إلا بنص واضح بين الدلالة بصيغة الاستثناء كما هو الحال مع الأحكام الشرعية عموماً .
لذا كان الإكراه استثناء . قال تعالى :
"إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " .
والجهل أكثر وقوعاً من الإكراه بل هو الأكثر شيوعاً أيضاً ، فلو كان عذراً لتقرر بنفس وضوح تقرير القواعد العامة – أو كما يتقرر الاستثناء من القواعد العامة ولكن مثلاً ( إلا من جهل وقلبه مطمئن بالإيمان ).وإلا فهل ينص على العذر الأقل وقوعاً والأقل شيوعاً بهذا الوضوح ، ثم يبهم الحكم بالنسبة للعذر الأكثر وقوعاً والأكثر شيوعاً ويترك للاجتهاد –خاصة القياس الفاسد – وبالتالي يكون الاختلاف

الاختلاف بين الأُمّة علي ضربين

$
0
0

قال منصور بن محمّد السمعانى (489ﻫ) فى "قواطع الأدلَّة"
_________________________

"إنَّ الإختلاف بين الأمَّة على ضربين، إختلاف يوجب البراءة ويوقع الفرقة ويرفع الألفة، وإختلاف لا يوجب البراءة ولايرفع الألفة،

فالأوّل كالإختلاف فى التَّوحيد.

قال: من خالف أصله كان كافراً وعلى المسلمين مفارقته والتبرُّؤ منه وذلك لأنَّ أدلَّة التوحيد كثيرة ظاهرة متواترة قد طبقت العالم، وعمَّ وجودها فى كلِّ مصنوع فلم يعذر أحدٌ بالذهاب عنها، وكذلك الأمر فى النُّبوة لقوَّة براهينها، وكثرة الأدلَّة الباهرة الدالَّة عليها، وكذلك كلُّ ما كان من أصول الدِّين، فالأدلَّة عليها ظاهرة باهرة، والمخالف فيه معاند مكابر، والقول بتضليله واجب، والبراءة منه شرع، ولهذا قال إبن عمر حين قيل له: إنَّ قوماً يقولون: لا قدر، فقال: بلِّغوهم أنَّ ابن عمر برئٌ منهم و أنَّهم منِّى براء.

قال: "والضّرب الآخر من الإختلاف لايُزيل الألفة، ولايُوجب الوحشة، ولا يُوجب البراءة، ولايقطع موافقة الإسلام، وهو الإختلاف الواقع فى النَّوازل الَّتى عدُمت فيها النّصوص فى الفروع، وغمضت فيها الأدلَّة فيُرجع فى معرفة أحكامها إلى الإجتهاد". اهـ
______________________

فمسائلُ الدِّين التي قد يختلفُ فيها النَّاسُ، ويجتهدُون فيها، على ثلاثة أقسام:

(أوّلها) هو التَّوحيد وغيرهُ من أصُولِ الإيمان، ومن زعم أنَّهُ قد اجتهد في معرفتها وبذل فيها وسعهُ، وعجز عن إدراكها، وضلَّ عن الإيمان بها، فليس بمعذور، وهو كافرٌ في الدُّنيا، إمَّا كافرٌ جاهلٌ، وإمَّا كافرٌ مُعاندٌ.

(الثاني) ما كان فيها نصُوص قطعيّة، ولكنّها من المقالات الخفيّة، الّتي قد يجهلها بعضُ النَّاس، أو يضلُّون عنها بتأويلٍ فاسدٍ. ومن زعم أنَّهُ قد اجتهد في معرفتها، وبذل فيها وسعهُ، وعجز عن إدراكها، فهو معذورٌ قبل البيان وإقامة الحُجَّة، أمَّا بعدها فليس بمعذور، وهو كافرٌ مُكذّبٌ بالحقِّ.

(الثالث) وهو الإختلاف الّذي يقعُ بين أهلِ العلم فى النَّوازل الَّتى عدُمت فيها النُصوص فى الفروع، أوغمُضت فيها الأدلَّة، فيُرجع فى معرفة أحكامها إلى الإجتهاد، ويكُونُ للمُصيبِ أجران، وللمُخطئ أجرٌ على اجتهاده.
عن عمرو بن العاص أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا إجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإذا إجتهد فأخطأ، فله أجر" (البخاري)

-قال الإمام ابن تيميّة، بعد ذكره لضلالات المتكلّمين، من المنتسبين إلى الإسلام: وهذا إذا كان في المقالات الخفيّة فقد يقال: إنه فيها مخطىء ضال، لم تقم عليه الحجّة التي يكفر صاحبها؛ لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظّاهرة التي تعلم العامّة والخاصّة من المسلمين أنّها من دين المسلمين؛ بل اليهود والنصارى يعلمون؛ أنّ محمداً صلّى الله عليه وسلّم بعث بها، وكفر مخالفها؛ مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيّين والشّمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك.
فإنّ هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصّلوات الخمس، وإيجابه لها وتعظيم شأنها، ومثل معاداته لليهود والنّصارى والمشركين والصّابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش والرّبا والخمر والميسر ونحو ذلك. ثم تجد كثيراً من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور، فكانوا مرتدين، وإن كانوا قد يتوبون من ذلك ويعودون إلى الإسلام" (الفتاوى:4\43)

-وقال الإمام "ابن القيم" (ت: 751ﻫ) فى طريق الهجرتين: "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتّباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافرٌ جاهلٌ فغاية هذه الطبقة أنّهم كفّار جهّال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يُخرجهم عن كونهم كفّاراً، فإنّ الكافر من جحد توحيد الله وكذّب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد" [طريق الهجرتين: 411]

-وقال أيضاً: في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 28]:
"فهذا إستدلال قاطع على أنّ الإيمان بالله أمر مستقرّ في الفطر والعقول وأنّه لا عُذر لأحد في الكفر به البتة" (بدائع التفسير)

ليس في أمَّة الإسلام، من هو معرُوف بالعلم، وقال: إنَّ من ضلَّ عن التَّوحيد فأشرك باللهِ، أنَّهُ معذورٌ إذا كان قد إجتهد وبذل وسعه في إدراك الحقّ... لم يقُلْ ذلك صراحة إلا الجاحظ ، المعتزلي الضال، وهو على ضلالهِ يقولُ: "أنهُ معذورٌ في الآخرة، أمَّا في الدُّنيا فله أحكامُ الكفّار"، وكذلك هو يشترط الاجتهاد وبذل الوسع، ومع ذلك كفّرهُ العلماء بالاجماع. فكيف بمن يقُولُ: "إنَّهُ مُسلمٌ في أحكام الدُّنيا"، ولا يشترط الاجتهاد وبذل الوسع، لا شكَّ أنَّهم أولى بالتّكفير من الجاحظ.

ذكر القاضي عياض مقالة الجاحظ ، وأنَّهُ كان يرى:"أن كثيراً من العامّة والنّساء والبله ومقلّدة النّصارى واليهود وغيرهم لا حجّة لله عليهم، إذ لم تكن لهم طباع يمكن معها الاستدلال".
قال: وقائل هذا كلّه كافر بالإجماع على كفر من لم يكفّر أحداً من النّصارى واليهود وكلّ من فارق دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم، أو شكَّ". (الشفا:2\167).

وقال ابنُ قدامة:"أمَّا الَّذى ذهب إليه الجاحظ فباطلٌ يقينا وكفر بالله تعالى، وردٌ عليه وعلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّا نعلم قطعا أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر اليهود والنَّصارى بالإسلام واتِّباعه، وذمَّهم على إصرارهم، ونقاتل جميعهم، ونقتل البالغ منهم، ونعلم أنَّ المعاند العارف مما يقل، وإنَّما الأكثر مقلَّدة إعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرَّسول وصدقه، والآيات الدّالَّة فى القرآن على هذا كثيرة كقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: 27].
وقوله ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: 23]. (روضة الناظر).

الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك

$
0
0

الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبدالوهَّاب. ت:1233هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال في "الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك":

((اعلم رحمك الله : أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم : خوفاً منهم ومداراةً لهم ، ومداهنةً لدفع شرِّهم . فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم ، ويحبُّ الإسلام والمسلمين … ولا يستثنى من ذلك إلاَّ المُكرَه ،وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له : اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ فعلنا بك وقتلناك . أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم . فيجوز له الموافقة باللِّسان ، مع طُمأنينة القلب بالإيمان . وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر . فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا ؟…! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم . وإلاَّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين.

قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم)

فذكر تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المؤمنين في الكتاب : أَنَّهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَر بها ، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم ، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره . وأَنَّ من جلس مع الكافرين بآياتِ الله ، المستهزئين بها في حالِ كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ولم يفرِّق بين الخائف وغيره . إلاَّ المٌكْرَه .

هذا وهم في بلد واحدٍ في أوَّل الإسلام . فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده ، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءً وأصحاباً وجلساءً وسمع كفرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم . وطرَدَ أهل التوحيد وأبعدَهم؟..!

…قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

فحكم تعالى حُكماً لا يبدَّل أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكفر، فهو كافرٌ . سواءً كان له عذرٌ : خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ أم لا . وسواءً كفر بباطنه وظاهره ، أمْ بظاهره دون باطنه. وسواءً كفر بفعاله ومقاله ، أم بأحدِهما دون الآخر.

وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أمْ لا… فهو كافرٌ على كلِّ حالٍ ، إلا المُكرَه . وهو في لغتنا : المغصوب…

ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين ، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ ، ويقولون ما فعلنا هذا إلاَّ خوفاً ، فعليهم غضبٌ من الله ، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد ، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر ، وإِنَّما سببه : أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين . فقال : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

فكفَّرهم تعالى ، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأنَّهم الغافلون . ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.

وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة ، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة ، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه . ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به : محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات . ثم قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ)

( فأخبر تعالى أنَّ سبب ماجرى عليهم من الرِّدَّة وتسويل الشيطان ، والإملاء لهم ، هو قولهم للذين كرهوا ما نزَّل الله : سنطيعكم في بعض الأمر.

فإذا كان مَنْ وَعَد المشركين الكارهين لما نزَّل الله بطاعتِهم في بعض الأمر كافراً ، وإنْ لم يفعل ما وعدَهُم به . فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما نزَّل الله من الأمر : بعبادته وحدَه لا شريك له …

وقد قال تعالى في موضعٍ آخر : (يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)

ففي هاتين الآيتين البيان الواضح : أَنَّه لا عذرَ لأحدٍ في الموافقة على الكفر ، خوفاً على الأموال والآباء ، والأبناء والأزواجِ والعشـائر ، ونحـو ذلك مما يعتذر به كثيـرٌ من النَّاس.

إذا كان لم يرخِّص لأحد في موادَّتهم ، واتخاذهم أولياء بأنفسهم : خوفاً منهم وإيثاراً لمرضاتهم . فكيف بمن اتَّخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحاباً ، وأظهر لهم الموافقة على دينهم ، خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبَّةً لها ؟! ومن العجب استحسانهم لذلك واستحلالهم له . فجمعوا مع الرِّدَّة استحلالَ المحرَّم ).اهـ

وقال في "تيسير العزيز الحميد":
_______________________

(( من استهزأ بالله ، أو بكتابه أو برسوله ، أو بدينه ، كفرَ ولو هازِلاً لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاء ؛ إجماعاً .

قال : وقول الله تعالى : (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)

الشرح : يقول تعالى مخاطباً لرسوله، وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ( أي سألت المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمة الكفر استهزاءً (ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ( أي : يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب ، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب : (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه ، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوضِ واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذوراً ، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ ، فإِنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء . وهل يجتمع الإيمان بالله ، وكتابه، ورسوله ، والاستهزاءُ بذلك في قلب ؟ ! بل ذلك عينُ الكفرِ فلذلك كان الجواب مع ما قبله (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)

قال شيخ الإسلام : فقد أمره أنْ يقول : كفرتم بعد إيمانِكم . وقول من يقول : إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كفرهم أوَّلاً بقلوبهم لا يصحُّ ، لأنَّ الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر . فلا يقال : قد كفرتم بعد إيمانِكم فإِنَّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر ، وإنْ أُرِيد : إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد إظهارِكم الإيمان ، فهم لم يُظهروا ذلك إلاَّ لخوضهم ، وهم مع خوضهم مازالوا هكذا ، بل لما نافقوا وحذِروا أنْ تنـزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاق وتكلَّموا بالاستهزاءِ ، أي : صاروا كافرين بعد إيمانهم . ولا يدلُّ اللفظ على أَنَّهم مازالوا منافقين إلى أَنْ قال تعالى : (وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)

فاعْتَرَفوا ولهذا قيل: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً)

فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أَتَوا كُفْراً ، بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس بكفرٍ. فتبيَّن أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله ورسولِه كفرٌ يكفرُ به صاحبُه بعدَ إيمانِه ، فدلَّ على أَنَّه كان عندهم إيمانٌ ضعيفٌ ، ففعلوا هذا المحرَّم الَّذي عرفوا أنَّه محرَّم. ولكنْ لم يظنُّوه كفراً وكان كفراً كفروا به ، فإِنَّهم لم يعتقدوا جوازه) اهـ

الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمن

$
0
0
يقول الفقيه الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا ثلاثة : نص ، ودلالة ، وتبعية .أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا .وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة : صنف منهم ينكرون الصانع أصلا ، وهم الدهرية المعطلة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده ، وهم الوثنية والمجوس ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا ، وهم قوم من الفلاسفة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة ، لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهم اليهود والنصارى ، فإن كان من الصنف الأول والثاني ، فقال : لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ; لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا . فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; لأنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة ، فكان الإتيان بواحد منهما - أيتهما كانت - دلالة الإيمان ، وإن كان من الصنف الثالث فقال : لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه ; لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة ، ولو قال : أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه ; لأنه يمتنع عن هذه الشهادة ، فكان الإقرار بها دليل الإيمان .وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه ; من اليهودية أو النصرانية ; لأن من هؤلاء من يقر برسالة رسول الله ; صلى الله عليه وسلم لكنه يقول : إنه بعث إلى العرب خاصة دون غيرهم فلا يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليلا على إيمانه ، وكذا إذا قال يهودي أو نصراني : أنا مؤمن أو مسلم أو قال : آمنت أو : أسلمت لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون , والإيمان والإسلام هو الذي هم عليه وروى الحسن عن أبي حنيفة - أنه قال : إذا قال اليهودي أو النصراني : أنا مسلم أو قال : أسلمت سئل عن ذلك أي شيء أردت به إن قال : أردت به ترك اليهودية ، أو النصرانية ، والدخول في دين الإسلام يحكم بإسلامه ، حتى لو رجع عن ذلك كان مرتدا وإن قال : أردت بقولي : أسلمت أني على الحق ، ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني لم يحكم بإسلامه ولو قال يهودي أو نصراني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأتبرأ عن اليهودية ، أو النصرانية لا يحكم بإسلامه ; لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد ، والتبرؤ عن اليهودية والنصرانية ، لا يكون دليل الدخول في دين الإسلام لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ، ودخل في دين آخر سوى دين الإسلام ، فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال ، ولو أقر مع ذلك فقال : دخلت في دين الإسلام أو في دين محمد صلى الله عليه وسلم حكم بالإسلام ; لزوال الاحتمال بهذه القرينة والله - سبحانه وتعالى - أعلم . "
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ فصل في بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال .)
___________________

أقول : أنظر بالله عليك ما أدق هذا الكلام . قوله : "أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا"ألا يدل هذا الكلام دلالة صريحة على أن هناك حالات لا ينفع بها الإتيان بالشهادة أو الشهادتين ؟ وأن التبرؤ مع الإحتمال لا يصلح دليلا على التبرؤ ؟ وهذا واضح في قوله : "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "لهذا أقول : إن أكثر الناس اليوم الذين يعيشون في الدول العربية أو بما يسمى بالدول الإسلامية ليس كفرهم بعدم إتيانهم الشهادة أو الشهادتين ، أو عدم قبولهم للإسلام أو بعدم أدائهم بعض الشعائر التعبدية بل أكثرهم مشركون وقعوا بشرك التشريع والولاء للطواغيت وقسم منهم وقع بشرك القبور ومع هذا فهم يقرون بالشهادة أو الشهادتين عن غير علم بمعناهما وما يقتضي الإقرار بهما ويعتزون بانتسابهم للإسلام ويحرصون على أداء الشعائر التعبدية ويدافعون عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والتسليم دفاعاً كبيراً . ومع ذلك يفعلون كثيراً من أنواع الشرك الأكبر ولم يحققوا الركن الأول لدخول الإسلام وهو الكفر بالطاغوت . لهذا لا يجوز اعتبار مجرد قولهم بالشهادة أو الشهادتين أو أداءهم بعض الشعائر التعبدية أو انتسابهم للإسلام أو دفاعهم عن رسول الإسلام علامة قطعية على دخولهم الإسلام الذي يريده الله ، حتى يتبرؤا وبشكل صريح واضح لا يحتمل مما هو منتشر في مجتمعهم من الشرك الأكبر الذي وقع فيه أكثرهم . وهذا معنى قوله : "لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد "وهناك كلام كثير مثل هذا الكلام لعلماء الإسلام ولولا خشية الإطالة لذكرت بعضها .انظر لكتاب السير الكبير- للشيباني- بشرح الإمام محمد السرخسي / ج 1 في باب الإسلام ص 153/155 ) ، وانتبه لقوله : "فأما اليهود ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بنى إسرائيل ، ويتمسكون بظاهر قوله تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ، فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، أو يقر بأنه دخل في الإسلام "وانظر لتوضيح الإمام ابن قدامه المقدسي لكلام الإمام الخرقي في كتابه المغني ج 8 حكم المرتد .وانتبه لقوله : "فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر .. ) (المغنى/ ج 8 حكم المرتد) .وانظر لكلام الإمام ابن حجر في فتح الباريء شرح صحيح البخاري 12|247
وأنظر لما نقله الشوكاني عن البغوي في نيل الأوطارج9 وركز على قوله :"فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم ، فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده "يعني لا يكفي تلفظه بالشهادة أو الشهادتين أو أداءه أي شعيرة من شعائر الإسلام .كل هذا الكلام للعلماء يدل على أن مدخل الشخص للإسلام يختلف باختلاف سبب كفره والحال التي هو عليها ولأن الشرك الذي وقع فيه أكثر الناس اليوم هو شرك التشريع ،شرك التحاكم لغير شرع الله ، شرك مولاة الطواغيت وأتباعهم ، وهناك في بعض المناطق بالإضافة لهذه الأنواع من الشرك انتشار لشرك القبور وهو غالب، لهذا يجب التأكد قبل الحكم بالإسلام على من يعيش في هذه المجتمعات من براءته من هذه الأنواع من الشرك وكذلك براءته من فاعليها ، ولا عبرة بتلفظه بالشهادتين أو أدائه بعض الشعائر التعبدية لأن أكثرهم يقوم بهذه أو أكثر مع تلبسه بالشرك المنتشر في مجتمعه ، والمشرك قد يعبد الله وحده في بعض الدين . لهذا فهذه الدلالات المشتركة بين المسلم والمشرك ليست دلالات كافية على دخول الشخص للإسلام .لأن القرائن المحتملة ليست دليلاً كما قال الإمام الكساني "فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال "

لازم المذهب

$
0
0


معني لازم المذهب / أي ما يقتضيه مذهبه
فإذا قال عالم قولا وذهب إلى رأي من الآراء وكان مقتضى كلامه ورأيه - هذا الذي ذهب إليه - أمرا آخر أيضا، فهل نلزمه بأن مقتضى كلامه مذهبا له؟ وهل نحاسبه عليه أم لا؟

اختلف اهل العلم في هذا فمنهم من قال ان لازم المذهب مذهب

ومنهم من قال ان كان لازم المذهب قريبآ فهو مذهب وان كان بعيدآ فليس بمذهب

ومنهم من فرق بين الاصول والفروع والظاهر والخفي

ومنهم من قال ، أنّ لازمَ المذهبِ إن صرَّح به صاحبُهُ، أو أشار إليه، أو التزمه أو عُلم من حاله أنّه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره؛ فهو مذهبٌ له.

فإن كان لازمُ قوله حقا، فإنّه يضاف إليه؛ لأنّ لازمَ الحقِّ حقٌّ، وكذلك لازمُ الباطل باطلٌ؛ ذلك لأنّ لوازمَ الأقوالِ من جُملة الأدلّة في الحكم على صحّتها أو فسادها، حيث يُستَدَلُّ بصحّة اللازم على صحّة الملزوم، وبفساد اللازم على فساد الملزوم. لذلك كان اللاّزم من قول الله تعالى وقولِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يثبت ويحكم به؛ لأنّ كلامَ الله ورسولِه حقٌّ، ولازمُ الحقِّ حقٌّ؛ ولأنّ الله تعالى عالِمٌ بما يكون لازمًا من كلامه وكلامِ رسوله صَلَّ اللهُ عليه وآله وسَلَّم فيكون مراداً
_______________

يقول ابن تيميه رحمه الله: لازم قول الإنسان نوعان:

أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.

والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول، لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه.
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب: هل هو مذهب أو ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق أحدهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله
(القواعد النورانية) (ص: 129،128)، وانظر: (مجموع الفتاوى)

وقال الشاطبي: (ولازم المذهب: هل هو مذهب أم لا؟ هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول، والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون والمغربيون ويرون أنه رأي المحققين أيضاً أن لازم المذهب ليس بمذهب، فلذلك إذا قرر عليه، أنكره غاية الإنكار) (الاعتصام) (2/549). .

وأورد السخاوي مقالة شيخه ابن حجر حيث قال: (والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه.. أما من لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافراً ولو كان اللازم كفراً)
_____________

وهناك من فرق بين بعض الحالات

فقالوا ان أن اللازم من قول الله تعالى, وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يكون لازماً فهو حق، يثبت ويحكم به؛ لأن كلام الله ورسوله حق، ولازم الحق حق؛ ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازماً من كلامه وكلام رسوله، فيكون مراداً .
وكذلك قول الإنسان إما أن يكون موافقاً للكتاب والسنة فيكون حقاً، ولازمه حقاً، وإما أن يكون مخالفاً للكتاب والسنة فيكون باطلاً ولازمه باطلاً .

ثانياً: اللازم من قول العالم له ثلاث حالات انظر: ((القواعد النورانية)) (ص: 128، 129) و((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (20/217، 35/288)، و((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 237، 238)،

الحالة الأولى: أن يذكر له لازم قوله فليتزمه، مثل أن يقول لمن يثبت وزن الأعمال في الآخرة: يلزمك القول بجواز وزن الأعراض. فيقول المثبت: نعم التزم به، لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا، والله تعالى على كل شيء قدير، ثم إنه قد وجد في زماننا هذا موازين للحرارة, والبرودة, والإضاءة, ونحو ذلك من الأعراض.
وهذا اللازم يجوز إضافته إليه إذا علم منه أنه لا يمنعه.

الحالة الثانية: أن يذكر له لازم قوله، فيمنع التلازم بينه وبين قوله، مثل أن يقول نافي الصفات لمن يثبتها، يلزمك أن يكون الله تعالى مشابهاً للخلق في صفاته، فيقول المثبت: لا يلزم ذلك؛ لأننا عندما أضفنا الصفات إلى الخالق سبحانه قطعنا توهم الاشتراك والمشابهة، كما أنك أيها النافي للصفات، تثبت ذاتاً لله تعالى وتمنع أن يكون الله مشابها للخلق في ذاته، فقل ذلك أيضاً في الصفات إذ لا فرق بينهما.
وهذا اللازم لا يجوز إضافته إليه بعد أن بين هو وجه امتناع التلازم بين قوله وبين ما أضيف إليه.

الحالة الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتاً عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع، فهذا حكمه أن لا ينسب إليه، لأنه إذا ذكر له اللازم: فقد يلتزمه، وقد يمنع التلازم، وقد يتبين له وجه الحق فيرجع عن اللازم والملزوم جميعاً.
_______________________

فيتبين مماسبق ان الاختلاف على أربعة أقوال :

الأول : أنه ليس مذهب

قال الشاطبي في الاعتصام :
ولازم المذهب : هل هو مذهب أو لا ؟ هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول . والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون و المغربيون ويرون أنه رأى المحققين أيضاً : أن لازم المذهب ليس بمذهب إذا قرر عليه، أنكره غاية الإنكار)
ـــــــــــــ

الثاني : أن لازم المذهب مذهب وهو قول الأثرم والخرقي
انظر الفتاوى (35/289) ، والتخريج د يعقوب ص 290
ـــــــــــــــــــ

الثالث : إن لازم المذهب إن كان قريباً فهو مذهب ، وإن كان بعيداً فليس مذهباً
وقال الكوثري فيما نقله عنه السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص364
"وهذا الاستلزام بين وما يقال من أن لازم المذهب ليس بمذهب إنما هو فيما إذا كان اللزوم غير بين ، فاللازم البين لمذهب العاقل مذهب له ، وأما من يقول بملزوم مع نفيه للازمه البين فلا يُعَدُّ هذا اللازم مذهباً له لكن يسقطه هذا النفي من مرتبة العقلاء إلى درك الأنعام وهذا هو التحقيق في لازم المذهب ……."
____________

الرابع : التفصيل وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في الفتاوى ( 29/42) : لازم قول الإنسان نوعان :
1/ لازم القول الحق: فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه
2/ لازم القول الذي ليس بحق: فهذا لا يجب التزامه فلا ينسب إليه.

________________________

أهمية وأسباب ذكر لازم المذهب

ذكر اللوازم الباطلة – لاسيما عند المناظرة – لإظهار شناعة المذهب الباطل (الملزوم)، لأن العاقل إذا نبه إلى ما يلزم قوله من اللوازم الفاسدة، فقد ينتبه ويرجع عن قوله.

وأهل البدع – لاضطرابهم وتناقضهم – قد يفر الواحد منهم من اللازم الحق ليقع في اللازم الباطل، وهو يظن في ذلك السلامة: كالقدري يفر من لازم كون الله يضل من يشاء، فيقع في لازم كونه يقع في ملكه ما لا يشاء، وكذلك منكر الصفات يفر من التشبيه – بزعمه – فيقع في التعطيل، والذي قد يقوده إلى التعطيل الكامل فلا يعرف إلها موجوداً معبوداً!
_____

والله أعلم

غربــــاء الغربــــاء

$
0
0

قال ابن القيم رحمه الله: "إياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عدداً، والناس على خلافهم!
فاعلم أن هؤلاء هم الناس، ومن خالفهم فمشبهون بالناس، وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق؛ وإن كانوا أقلهم عدداً".اهـ
_______________

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:

"فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات.
فأهل الإسلام في الناس غرباء. والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء. وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء. والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين. هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين".اهـ [مدارج السالكين].
______________

قال الإمام ابن رجب الحنبلي : 

"وأهل هذا الشأن هم غرباء الغرباء، غربتهم أعز الغربة، فإن الغربة عند أهل الطريقة غربتان: ظاهرة وباطنة.

فالظاهرة: غُربة أهل الصلاح بين الفساق، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق، وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق، وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سُلبوا الخشية والإشفاق، وغربة الزاهدين بين الراغبين فيما ينفد وليس بباق.

وأما الغربة الباطنة: فغربة الهمة، وهي غربة العارفين بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه".اهـ

[كشف الكربة في وصف أهل الغربة ص12]

شبهــات وردود... أن الطواغيت وعبيدهم (يصلّون)

$
0
0


ومن شبهاتهم،أحتجاجهم بأن بعض هؤلاء الطواغيت وعبيدهم (يصلون).. ويذكرون نصوصاً تذكر فيها الصلاة كعاصم للدم، فيظنون أنها وحدها العاصم، وأن كل من صلى كان مسلماً معصوم الدم والمال وإن اقترف من نواقض الإسلام ما اقترف. أليس يصلي؟؟
ومثل هذه النصوص تجمع مع مبيناتها من النصوص الأخرى فيحملها السلف على المصلين الملتزمين للتوحيد المجتنبين للشرك والتنديد وغيره من نواقض الإسلام ولو ظاهراً..
ولم يفهم أحد من السلف أن أمثال هؤلاء الذين قيلت فيهم تلك الأحاديث، كانوا مسلمين معصومين بالصلاة وحدها، مع تحاكمهم للطاغوت ونصرته واتباعه مثلاً..
أو مع الطعن في دين الله، أو الاستهزاء بشرائعه.. ونحوه من النواقض.. يقول الله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 66]، فإنها نزلت في أناس مظهرين للإسلام والصلاة بل والجهاد - فقد كانوا خارجين مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فكفّرهم الله رغم ذلك كله لما أتوا بناقض من نواقض الإسلام.. وأكثر هؤلاء الذين يسيئون فهم هذه النصوص أو يلوون أعناقها، تجدهم يكفرون تارك الصلاة ويحكمون عليه بحكم المرتد فيبطلون نكاحه ويبينون عنه زوجته المسلمة ويمنعون إرثه من أهله المسلمين ونحو ذلك من لوازم الردة.. ويترددون في الوقت نفسه في تكفير طواغيت المشرعين وعبيدهم، مع أن سلب الإسلام والإيمان عن تارك الكفر بالطاغوت، أولى من سلبه عن تارك الصلاة.. لأن الكفر بالطاغوت فرض يوم أن فرض، ولم يكن ثم صلاة ولا زكاة ولا غيرها.. فكان في وقت من الأوقات وحده مع الإيمان بالله والإقرار بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصماً للدم وعلامة على الإسلام والإيمان إلى حين.. ولأن الصلاة بعد فرضها أيضاً لم تصح ولا تصح أبداً إلا بتحقيق ذلك الركن العظيم وهذا معلوم بإجماع المسلمين.. فلا يسمى تارك الكفر بالطاغوت مسلماً ولا مؤمناً وإن كان معه شعبة أو شعب من الإسلام والإيمان، الصلاة وغيرها، حتى يحقق التوحيد ويكفر بالطواغيت.. بل لو جاء بجميع الشعب الإيمانية لم تنفعه ما دام قد ترك أعلى هذه الشعب وركنها وشرط صحتها كلها..

فمن هذا تعلم بطلان احتجاجهم للطواغيت المصلين!! بهذه الأحاديث كالحديث الذي يرويه مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا ما صلّوا) فأصل السؤال حول الخروج على أئمة الجور.. ومرجئة العصر تدور أعينهم من الخوف عند ذكر ذلك، ويعدونه من الفتنة وفكر الخوارج!! وإن كان في أئمة الكفر..

فذكر الصلاة هاهنا كما ذكر أهل العلم إشارة إلى إقامة الدين والتوحيد، بدليل ما تقدم من أن الصلاة لا تغني مع نقض أصل التوحيد شيئاً.. فقد يكون الرجل مصلياً مزكياً ومجاهداً ومع هذا يكفر ويحل ماله ودمه بمجرد وقوعه بناقض من نواقض "لا إله إلا الله"، ولذا قال النووي فيه: (وأما قوله: (أفلا نقاتلهم؟) قال: (لا ما صلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم والفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام) اهـ.

-ومعنى ما أقاموا فيكم الصلاة أي ما أقاموا فيكم الدين, كحديث: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحدٌ إلا كَبَّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين) [أخرجه البخاري] وحديث: ( اسمعوا وأطيعوا وإن أُمرَ عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله ودين الإسلام ) [رواه أحمد 5/411 عن أبي نضرة، وقال الهيثمي في المجمع 3/269 : رجاله رجال الصحيح] والسنة توضح بعضها بعضاً.
فهل أقام هؤلاء الحكام فينا الدين وحكموه, أم أقاموا فينا الديمقراطية ونحوها؟!

ولفظ (الصلاة) في الحديث من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل, كقوله تعالى: (قُمِ الليل إلا قليلاً) [المزمل: 2] فالمقصود بالقيام: الصلاة. واللغة لم تضع القيام لتدل على الصلاة, ولكن القيام جزء من الصلاة. والنكتة هي أن القيام هو الجزء الأطول في الصلاة, كما أن الصلاة هي الجزء الأهم والبارز في الإسلام لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ما أقاموا فيكم الصلاة). [انظر الموجز الكافي في علوم البلاغة والعروض ص 103 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الظهر يُركب بنفقته...) [ رواه البخاري ] جاء في الشرح: الظهر يعني الدابة, من إطلاق الجزء وإرادة الكل. اهـ والأمثلة على ذلك كثيرة..

وقد علمت أن الدخول إلى الإسلام ليس بالصلاة وحدها، بل لا بد قبل ذلك من (تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد)، وهذه أهم قواعد الإسلام وأجلّها، وقد علمت أن القوم قد هدموها. وماذا تُغني الصلاة والزكاة والصيام والحج وبناء المساجد وتوقيف الأوقاف وغير ذلك مما ليست الخصومة حوله، مع هدم أصل الدين ونقض كلمة الإخلاص التي لا يقبل شيء من ذلك بدونها، ولم يفرض إلا بعدها، وهي أعظم قواعد الدين التي ينهدم الدين وتغدوا الأعمال هباء منثوراً بانهدامها.. وأعني بذلك هاهنا، ابتغاء غير الله حكماً واتخاذه إلهاً ورباً مشرعاً، وإلزام الناس الدخول في دينه واتباع تشريعه المضاد لشرع الله، وتسميته بالعدالة والله يعلم وكل من هدى قلبه، أنه الكفر والشرك والضلالة، مع الصد عن دين الله، ومحاربة أولياء الله.. ثم يقال: يصلي أو يصلون..!!

يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في (مصباح الظلام) ص(328): (فمن جعل الإسلام هو الإتيان بأحد المباني فقط، مع ترك التزام توحيد الله والبراءة من الشرك فهو أجهل الناس وأضلهم) اهـ.

وهؤلاء الجهلة يقرون بأن من أنكر البعث، كفر وقتل وحل ماله ودمه وإن صلى وصام وحج وزكَّى وقال لا إله إلا الله وزعم أنه يعتقدها.. وأن من قال بنبوة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم كالبهائية والبابية ونحوهم أنهم يكفرون بذلك، وتحل أموالهم ودماءهم وإن صلوا وصاموا وحجوا وزكوا وقالوا لا إله إلا الله ألف ألف مرة..

وأن من قال بزيادة القرآن ونقصانه وخوّن الصحابة وكفّرهم وطعن في عرض المطهرة الصديقة بنت الصديق، أنه يكفر وإن صلى وصام وحج وزكى وأعطى الخمس!! وشيّد المساجد وقال لا إله إلا الله وأقسم على اعتقاده بها.

ثم إذا ذكرنا لهم كفريات طواغيتهم الصريحة ونواقضهم القبيحة، نفروا نفور الحمر، وقايسوهم بقياس فاسد متشعب الفوارق، بأئمة الجور المحكمين لشرع الله.. وقالوا: (يصلون)!! فبعداً للقوم الظالمين.

۩۩❁۩۩ ..... (( البَيَانُ السُّنِّي لِكَلامِ الْإِمَامِ الْمَلْطِي. )) ...... ..۩۩❁۩۩

$
0
0

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-

فهذا بيانٌ داحض لشبهةٍ خرجت بعد المخاض من بعض المخالفين من ذوي الاعتراض، فارتأيت أن أعيرها اهتماماً، بعد أن طفح الكيل وفاض من سوء الفهم عن السلف الأفاضل من بعض المخالفين الذين لا يميزون بين السواد والبياض، ولا بين الصحاح من المِراض، ليضلوا بها الخلق العباد في مسائل الدين والاعتقاد دون بينة أو رشاد..يستشهدون فيها بكلام الإمام الزاهد أبي الحسين الملطي العابد (ت 377هـ) عليه رحمة الله حين قال :

◄ ( فأما الذي يكفر فيه معتزلة بغداد معتزلة البصرة فالقول في الشاك والشاك في الشاك، ومعنى ذلك أن معتزلة بغداد والبصرة وجميع أهل القبلة لا اختلاف بينهم أن من شك في كافر فهو كافر؛ لأن الشاك في الكفر لا إيمان له؛ لأنه لا يعرف كفرا من إيمان، فليس بين الأمة كلها المعتزلة ومن دونهم خلاف أن الشاك في الكافر كافر، ثم زاد معتزلة بغداد على معتزلة البصرة أن الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى الأبد إلى ما لا نهاية له كلهم كفار، وسبيلهم سبيل الشاك الأول، وقال معتزلة البصرة الشاك الأول كافر لأنه شك في الكفر والشاك الثاني الذي هو شاك في الشك ليس بكافر، بل هو فاسق لأنه لم يشك في الكفر إنما شك في هذا الشاك أيكفر بشكه أم لا، فليس سبيله في الكفر سبيل الشاك الأول، وكذلك عندهم الشاك في الشاك والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية له كلهم فساق إلا الشاك الأول فإنه كافر، وقولهم أحسن من قول أهل بغداد ).اهـ كتاب التنبيه والرد .

← وهذا الكلام المنسوب للإمام الملطي قد أساء فهمه الكثيرون، حتى باتوا ينقمون على أهل التوحيد اعتبارهم أن قاعدة تكفير المشركين من أصل الدين وأن من لم يعتبرها كذلك فهو كافر ناقض لأصل الديانة ومن لم يكفره فهو مثله، معتبرين استحسان الإمام الملطي لقول معتزلة البصرة ورفضه لقول معتزلة بغداد حجة لهم علينا، ومنشأ الاشتباه عند هؤلاء هو عدم فهمهم واقع الفِرَق التي يتحدث عنها الإمام الملطي، ولماذا صدر منه هذا الكلام في هذا المحل تحديداً ؟، وهل هو يرفض التسلسل فعلا أم لا؟ ولماذا؟ ... وهذا ما سنبيه مفصلاً في هذا المقام إن شاء الله...
وعلى أية حالة فكلام الإمام الملطي في الإساس لا يتحدث عما يرنو إليه هؤلاء، وإن كان من حجة في كلامه فهي عليهم لا لهم،

وبيان ما تقدم على محورين أحدهما مجمل والأخر مفصل ..

◄◄ أولاً :المحور المجمل:-

أقول فيه أن الإمام الملطي لا يتحدث فى الأصل عن مسألة التسلسل، بل غاية الكلام المنقول عنه أعلاه أنه ينقل لنا الخلاف بين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة القائم على أصولهم التي ابتدعوها واخترعوها فى الدين، ومفاد كلام الملطى وهدفه أن يخبرنا أن معتزلة بغداد أشد مغالاة وتعصب وضلال من معتزلة البصرة،

وأصل الحكاية كي نفهم كلام الإمام رحمه الله أن معتزلة بغداد كانت تتفق مع معتزلة البصرة فى أصول الدين التي اخترعوها وخالفوا فيها أهل السنة...وبالرغم من ذلك كانت تكفر معتزلة بغداد معتزلة البصرة ...فلماذا ؟!!
الجواب:
← لأن معتزلة بغداد كانت تكفر من لم يؤمن بالأصول الضالة للمعتزلة ويكفرون من شك في كفره، ثم تسلسوا بعد هذا فكفروا الشاك فى الشاك والشاك في الشاك إلى مالا نهاية،
← أما معتزلة البصرة فكانت تكفر من لم يؤمن بالأصول الضالة المخترعة للمعتزلة ومن شك فى كفره فقط، لكنها لم تتسلسل إلى تكفير الشاك فى الشاك والشاك في الشاك، واعتبرت أن هؤلاء الشاكين المتأخر ذكرهم فساق إلى مالا نهاية.

فمعتزلة بغداد تسلست فى التكفير ..
ومعتزلة البصرة تسلسلت فى التفسيق ..

ومن هاهنا قال الإمام الملطى أن قول معتزلة البصرة أحسن من قول معتزلة بغداد،
وليس معنى استحسانه لهم أنه يوافقهم في التكفير بأصولهم الضالة المخترعة، لكن المقصد أن معتزلة البصرة كانوا أقل عصبية من معتزلة بغداد.. وإليك بيان هذا مفصلاً في المحور التالي .

◄◄ ثانياً : المحور المفصل:-

وابدأ فيه مكرراً أن كلام الإمام الملطي جاء في معرض حديثه عن عقائد المعتزلة وأصول دينهم المخترع، وليس في معرض حديثه عن أصل الدين والتوحيد كي نستنبط منه أحكاماً تتعلق بأصل الدين والكفر بالطاغوت والبراءة من عبيده،

ولما كان حديثه رحمه الله عن رفض التسلسل الذي كان من دين معتزلة بغداد، وجب علينا أن نرجع إلى معتزلة بغداد وننظر فى عقائدهم كى نعلم كيف يتسلسل معتزلة بغداد؟ وفي أي مسائل يتسلسلوا؟ ولنعلم أيضاً لماذا كان الإمام الملطي يرفض التسلسل منهم بهذه الصورة؟!، وهل نحن اليوم نوافق الإمام الملطي في رفضه هذا أم لا ؟!

◄ يقول الإمام طاهر بن محمد الإسفراييني في حديثه عن أبي موسى المردار: "وكان يقول كل من قال بجواز رؤية الباري سبحانه فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر ومن شك في كفر من شك في كفره فهو كافر لا إلى غاية".اهـ كتاب التبصير في الدين

← فها هى عقائد المعتزلة تتجلى أمامنا كي نفهم حقيقة مذهبهم ومن ثم نفهم حقيقة كلام الإمام الملطي ..
فأبو موسى المردار توفي قبل الإمام الملطي بما يزيد عن مائة عام، وكان من معتزلة بغداد، بل من مؤسسى الإعتزال في بغداد مع بشر بن المعتمر، وكانوا يلقبونه براهب المعتزلة ،
وقد اخترع المردار أصولاً ضالة شتى تسلسل فى التكفير بها، حتى أنه كفر بسببها معتزلة البصرة فضلاً عن تكفيره لأهل السنة والجماعة ..
ومن هذه الأصول الضالة كما نقل عنه الإمام الإسفرايينى أنه كان ينفي رؤية الله في الأخرة، ومن قال بإثبات الرؤية – مثل أهل السنة - عنده كافر ومن شك في كفره كافر والشاك في الشاك إلى مالا نهاية،
أما معتزلة البصرة فكانت تكفر مثبت رؤية الله ومن شك فى كفره لكنها لا تتسلسل إلى تكفير الشاك فى الشاك ..

◄ يقول الإمام عبدالقاهر البغدادي :"وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك فى الشاك لا الى نهاية والباقون من المعتزلة انما قالوا بتكفير من أجاز الرؤية على جهة المقابلة او على اتصال شعاع بصر الرائى بالمرئى والذين اثبتوا الرؤية مجمعون على تكفير المردار وتكفير الشاك في كفره".اهـ كتاب الفرق بين الفرق .

← ومن المسائل التى اخترعها معتزلة بغداد أيضاً أنهم كانوا يكفرون من قال بخلق أفعال العباد كما كانوا يقولون بتكفير المجبرة ومن شك في كفرهم إلى مالا نهاية،
وعليه أكفر معتزلة بغداد اهل السنة والجماعة لقولهم أن أفعال العباد مخلوقة،
وأكفروا كذلك معتزلة البصرة لا لنفس السبب، ولكن لأنهم كانوا يكفرون أهل السنة ومن شك فى كفرهم فقط، دون أن يتسلسلوا في تكفير أهل السنة إلى تكفير الشاك والشاك في الشاك فيهم إلى مالا نهاية كما هو حال عقيدة معتزلة بغداد .
ومن هاهنا قال الإمام الملطي أن قول معتزلة البصرة أفضل من قول معتزلة بغداد؛ لأنهم أقل عصبية، فالأخير ذكرهم تسلسلوا فى تكفير أهل السنة في مسألة الرؤيا وخلق أفعال العباد وحكم المجبرة، أما معتزلة البصرة فلم يتسلسلوا ..
وعليه رفض الإمام الملطي قولهم في التسلسل؛ ليس لأنه مبنياً على أصولٍ صحيحة أو نواقض معتبرة، بل لأنه مبنياً على أصولٍ باطلة ..

◄ يقول الإمام التفتازاني :"وقالت قدماء المعتزلة بكفر القائلين بالصفات القديمة وبخلق الأعمال وكفر المجبرة حتى حكي عن الجبائي أنه قال المجبر كافر ومن شك في كفره فهو كافر ومن شك في كفر من شك في كفره فهو كافر".اهـ شرح المقاصد في علم الكلام

◄ ويقول نور الدين التسترى :"ما نقل من الجبائي أن المجبر كافران أراد بالمجبر أهل السنة والجماعة من الأشاعرة فيجب تكفير الجبائي؛ لأنه ذهب كثير من أصحابنا إلى أن من يكفرنا فنحن نكفره، وأما قوله ومن شك في كفره فهو كافر يدل على غاية تعصب هذا القايل وأنه لم يكفر لأجل الخطأ في الاعتقاد، بل يكفر لأجل التعصب المفرط لأن الشك في كفر من كفره لم يصرح الله تعالى بكفره بالخصوص ليس بكفر".اهـ كتاب إحقاق الحق .

← وإلى نفس هذا المنهج من التسلسل فى التكفير على أصول باطلة ذهبت الفرقة الشمرية عنهم قائدهم أبي شمر إلى القول بالتسلسل فى تكفير من يخالف الأصول التي اخترعها،

◄ وقد نقل عنه الإمام عبدالقاهر البغدادي فى كتابه الفرق بين الفرق أنه :"قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك فى الشاك أيضا كافر ثم كذلك أبدا ... إلى أن قال .. وقوله فى مخالفيه انهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر مقابل بقول اهل السنة فيه انه كافر وان الشاك فى كفره كافر".اهـ

← فهاهم الشمرية سلكوا نفس طريقة معتزلة بغداد فى التسلسل الباطل في تكفير أهل السنة، وياليتهم كانوا كمعتزلة البصرة فهم أقلّ منهم وطئة علينا، فضلاً عن أن نتمنى لهم أن كانوا مثل أهل السنة ..

←وبناءً على ما تقدم أقول لمخالفينا ليس الإمام الملطي وحده هو من يرفض التسلسل الباطل الذي اعتقدته معتزلة بغداد في تكفير أهل السنة المبنى على قواعد مخترعة ، بل نحن أيضا نرفض هذا النوع من التسلسل الباطل ونبرأ إلى الله منه، ونحن أيضاً نشهد كما شهد الإمام الملطي أن قول معتزلة البصرة في تكفير أهل السنة أخف وأهدأ من قول معتزلة بغداد، فالأخير ذكرهم تسلسلوا في تكفيرنا بخلاف المتقدم ذكرهم لم يتسلسلوا فى تكفيرنا ..

← والسؤال الآن للمخالفين بعد هذا البيان .. على أي شئ تستدلون بكلام الإمام الملطي ؟!
فاستدلالكم بكلامه على مسألتنا اليوم في وادٍ وكلام الإمام الملطي وفهمه في واد أخر، نسأل الله أن يرزقنا وإياك حسن الفهم ..

◄◄◄ وخلاصة ما تقدم في نقاط :-

◄ 1 - الإمام الملطي لم يتحدث في المسألة محل النزاع اليوم وهي تكفير من اتخذ إلهاً مع الله.

◄ 2 - الإمام الملطى كان كلامه في معرض بيان ضلال المعتزلة سواءً معتزلة البصرة أو بغداد .

◄3- الإمام الملطي قال ما قاله ليبين لنا سر تكفير معتزلة بغداد لمعتزلة البصرة .

◄4 - الإمام الملطي أنكر على المعتزلة التسلسل الباطل المبني على أصول مخترعة .

◄ 5 - الإمام الملطي لم يتحدث من قريب ولا من بعيد عن التسلسل المبني على أصول صحيحة ، وعليه لا يوجد في كلامه حجة للمخالف .

◄ 6 - الإمام الملطي استحسن قول معتزلة البصرة عن قول معتزلة بغداد؛ لأنه أقل ضلال وعصبية وغلو .

◄ 7 - الإمام الملطي نحن نوافقه في كل ما قاله فى تحقيق الخلاف بين معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة، ونوافقه كذلك فى رفض التسلسل الباطل المبنى على أصول باطلة ليشمل تكفير أهل الإسلام جميعا من أهل السنة والجماعة .

◄◄◄ لافتات جانبية هامة :-

◄ 8 - الإمام الملطي نقل موافقة أهل السنة والجماعة لمعتزلة بغداد والبصرة في تكفير من لم يكفر الكافر، وقال أن هذه ملة أهل الإسلام جميعاً... وعليه تبين لنا أن لم يكفر المشركين فهو مخالف لإجماع جميع المسلمين بما فيهم الفرق الضالة !

◄ 9 - الإمام الملطي لم يعلل كفر من لم يكفر الكافر بالتكذيب كما هي عقيدة بعض المخالفين، بل علَّلَ ذلك بعلة مهمة نفيسة وهى نقض أصل الدين، وجهل المخالف في تكفير المشركين لحقيقة الإيمان والإسلام.. وهذا التعليل يعني أن المسألة فطرية ضرورية لتحقيق أصل الدين... وفي هذا هدم لعقيدة بعضٍ من المخالفين ممن بنوا قولهم فى المسألة على أنها خبرية لا تعلم إلا بالرسول كسائر الفروع !!

◄ 10 - الإمام عبدالقاهر البغدادي رحمه الله نقل الإجماع على تكفير المردار زعيم معتزلة بغداد ومن شك في كفره ... وهذا يعني أن تكفير الكافرين من عقائد أهل السنة إجماعاً، وليس كما يدّعي البعض أن قاعدة تكفير المشركين من اختراع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله .

◄ 11 - الإمام عبدالقاهر البغدادي نقل تكفير الشمرية وتكفير من لم يكفرهم ! دون أن يشترط قيام الحجة كما هي عقيد بعضهم، علماً بأن الشمرية كانت لهم نواقض للإسلام لا يتسع المقام لذكرها ..

◄ 12 - تذكير موجز بقواعد هامة : على فرض ثبوت فهم المخالف للكلام المنقول عن الإمام الملطي عاليه فهو أيضاً لا يصلح لأن يكون دليلاً، لأنه ليس مصدراً من مصادر الاستدلال أصلاً، ولا الإمام الملطي معصوماً كالأنبياء من الخطأ والذلل، فالكل مردودٌ قوله إلى الكتاب والسنة، فهما الأصول المعصومة، وهما الحجة والدليل، وبهما يكون الاستدلال .... هذا على فرض صحة فهم المخالف لكلام الإمام، أما نحن فقد أثبتنا – بفضل الله ومنَّته – كما تقدم سوء فهمهم لكلامه ونزهناه عن مقصدهم .. والله الهادي إلى سواء السبيل .

◄◄◄وأخيراً نقولات هامة :-

◄◄ يقول عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:"واما قول من يقول ان من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره، وقائل هذا القول لابد ان يتناقض، ولا يمكن طرد قوله في مثل من أنكر البعث أو شك فيه مع إتيانه بالشهادتين او انكر نبوة احد من الانبياء الذين سماهم الله فى كتابه او قال الزنا حلال او نحو ذلك ، فلا اظن يتوقف فى كفر هؤلاء الا من يكابر ويعاند ،فإن كابر وعاند وقال لا يضر شيء من ذلك ولا يكفر به من اتى بالشهادتين فلا شك فى كفره ولا كفر من شك فى كفره لانه بقوله هذا مكذب لله ولرسوله ولاجماع المسلمين والأدلة على ذلك ظاهرة بالكتاب والسنة والإجماع ".اهـ الدرر السنية .

← فالمتأمل للكلام المتقدم سيرى كيف حكم الشيخ وما هي عقيدته فى التسلسل..

◄ 1- الشيخ هاهنا حكم أولاً بكفر من أنكر البعث أو أنكر نبوة أحد الأنبياء أو استحل الزنا.

◄ 2 - ثم حكم ثانياً بكفر من لم يكفرهم قائلاً لا يضر شئ مادام أتوا بالشهادتين!.

◄ 3 _ ثم حكم ثالثاً بكفر من شك في كفر هذا الثاني .

◄◄ ونقل أبو الحسن الأشعري عن جماعة من أهل السنة قائلاً :"وقال قوم من اهل الحديث ممن زعم ان القرآن غير مخلوق ان قراءته واللفظ به غير مخلوقين وان اللفظية يجرون مجرى من قال بخلقه، واكفر هؤلاء الواقفة التى لم تقل ان القرآن غير مخلوق ومن شك في انه غير مخلوق والشاك في الشاك ".اهـ مقالا الإسلامين .

← فتأمل يرحمك الله إن كانوا يقولون مثل هذا في مسألة خلق القرآن فكيف سيكون قولهم فيما هو أعظم منها ؟!!

◄◄ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ :"من عرف معنى لا اله الا الله عرف ان من شك او تردد فى كفر من اشرك مع الله غيره انه لم يكفر بالطاغوت".اهـ الدرر السنية .

◄◄◄ فهاهنا الشيخ عبدالرحمن بن حسن يكفر من يشرك بالله، ويكفر كذلك من لا يكفره مُعللا هذا بأن الثاني لم يكفر بالطاغوت ولم يعرف معنى لا إله إلا الله مثله مثل الأول.. والسؤال الآن هل البراءة من المشركين عامة تشمل كل من لم يكفر بالطاغوت أم هي خاصة بصنفٍ ممن لم يكفروا بالطاغوت دون صنف؟! .. فإن كانت عامة فمن لم يُكْفِّر الثاني مثله مثل من لم يُكْفِّر الأول، وذلك لأن الأول والثاني متماثلين في العلة فكليهما لم يكفر بالطاغوت، وإن كانت البراءة من الطاغوت خاصة فقد واقع التناقض عند من يخصصها على شخص دون الأخر مع حلول الإشتراك وتحقق العلة في الشخصين !!

وأكتفي بما تقدم من نقولات لضيق المقام سائلاً الله الهداية والتوفيق لكل من فارق الطريق الحق.

وصلَّ اللهم على محمدٍ وصحبه وآله وسلم .

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وكتبه: أبو أسلم الكناني .

20/9/1435هـ
18/7/2014
.

عذرآ ايها الصارم العدناني

$
0
0
Photo: ‎(لقد بايَعنا اللهَ على أن نقول الحقّ حيثُما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم)                   أبو محمد العدناني-المتحدث الرسمي للدولة (الإسلامية)  بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:  فمن منطلق إظهار الحق ، وتجلية الأمور ، لا من منطلق الحقد والحسد، كما يفعل الكثيرون ، أردنا بيان حقيقة إدعاء (الدولة الإسلامية) بإنحراف قيادة القاعدة كما صرح بذلك متحدثها الرسمي وكما أصبح يتكلم بذلك جنودها وشرعيوها فنقول وبالله التوفيق: من المعروف أن تكفير المشركين والبراءة منهم هو لب عقيدة التوحيد التي من زاغ عنها هلك ، وادعى العدناني أن قيادة القاعدة قد انحرفت بتركها هذا الأمر ، بل وأصبحت تصد الناس عنه ، ولا شك عندنا في ذلك ،ولكن ألم يكن هذا منهج القاعدة الدائم منذ تأسيسها وعلى طول أيام تحركها وفعاليتها .  قال أبو محمد العدناني : ((لقد انحرفت قيادة تنظيم القاعدة عن منهج الصواب)) فاعلم أنك إما تلبس على الناس وإما انك لا تعرف ما القاعدة ، ومن خلال معرفتنا بمكانتك وفطنتك فلا أظنها الثانية .  فتلوم الظواهري لعدم تكفيره بعض الطواغيت وتقصد بذلك هبنقة الإخوان مرسي وطواغيت تونس  وتعد ذلك انحرافا منه ولكن الظواهري يقول في اللقاء المفتوح : ((لا أوافق من يساوي بين حماسٍ وفتحٍ، فحماس حركةٌ تؤكد على انتمائها للإسلام، بينما فتح حركةٌ علمانيةٌ، ولا أوافق على تكفير قادة حماسٍ، فتكفير الأعيان مسألةٌ خطيرةٌ، لا بد فيها من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وأنصح إخواني بترك هذه المسألة، والتركيز على تأييد حماسٍ إن أصابت، ونقدها إن أخطأت بأسلوبٍ علميٍ دعويٍ منصفٍ.)) اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري فهاهو لا يكفر بطواغيت الإخوان في غزة ويصد الشباب عن ذلك وهم لا فرق بينهم وبين طواغيت الإخوان في مصر ، فكلاهما مطبق لقوانين الكفر محارب لمن سعى لتحكيم الشرع. وهذا اللقاء مؤرخ في 2008 أي في حياة بن لادن الذي تدعون أن خليفته إنحرف عن نهجه ، فهل كان يعلم بن لادن بهذا الكلام عن من ولاه الأمر من بعده ، وإن كان لا يعلم فهل كنتم أنتم لا تعلمون عنه مثل هذا الإعتقاد الفاسد ، ولماذا سكتم عنه طول هذه المدة؟! ثم هل هو وحده في تنظيم القاعدة  من يصد الناس عن مسائل التكفير التي هو جناح التوحيد حتى تظهروه بمنظر المبدل المغير؟  فاستمع اذا لشيخ القاعدة أسامة بن لادن حيث يقول : ((اما الاخرون-أي عوام الناس- فان ارتكبوا نواقض الاسلام فالمسألة حساسة ودقيقة.... فاتقوا الله وأمسكوا عن هذا الأمر واشغلوا أنفسكم بكثرة الذكر والدعاء)) إصدار لمؤسسة السحاب. هاهو من تسمونه بالمجدد يصد الناس عن التكفير الذي لا يصح التوحيد إلا به كما قال المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب : (( الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه ))  وكذلك نجد غيره من أعلام القاعدة يقول كلاما قريبا من كلامه ، فهذا عطية الله الليبي يقول : ((ولذلك نكرر ونوصي بأن تترك مسائل التكفير للعلماء، وعلى الشباب أن يعلموا أنها –أكثرها- مسائل اجتهادٍيحتمل فيها الاختلاف، فلا يتعصّب أحدٌ لقولٍ ولا لشيخٍ ولا لجماعةٍ، ولا ينصبوا العداء من بعضهم لبعضٍب سبب الاختلاف في تكفير شخصٍ أو أناسٍ أو طائفة، ممن السبيل لتكفيرهم الاجتهاد، بل من بانَ له الحق بنفسه وبحثه ونظره من طلبة العلم فاطمأن له فليعمل به، ومن لم يتبيّن له فليحتطْ، وليعذر كل أحدٍ مَن خالفه في شيءٍ من ذلك))ما ليس عنه انفكاك فهو يوصي بترك التكفير للرهبان و الأحبار ، بل وينكر على من تعصب للتوحيد وأنكر على من لم يكفر المشركين ، كما تنكرون أنتم على الظواهري تركه تكفير عوام الروافض وتركه تكفير الطواغيت، فلماذا لم تبينوا انحراف القاعدة في ذلك الوقت حتى لا ينخدع الشباب بها .  وكذلك فمن مبادئ القاعدة المعروفة أن التأويل مانع معتبر من موانع التكفير ، وهذا أمر قديم معروف عن منظريها ، كما قال بذلك عطية الله الليبي وهو يدفع الكفر  عن المنتخبين  : ((مع علمهم أن جَيع أولئك المرشحين كفارٌ ولن يحكموا بما أنزل الله وأنهم لا يرضونهم ولا يقبلونهم للحكم، وإنما صوّتوا للَأخف ضرراً دفعاً للضرر الأكبر.؟  والذي نراه أقوى وأقرب للصواب : أنه لا يَجوز لهم التصويت، لكن بكل حالٍ لا يكفّر من تلبّس بهذا التأويل وهذه الشبهة، وهذا هو المقصود من ذكر هذه المسألة فعلى الشباب المجاهدين أن يحذروا من تكفير مثل هذا، فإنهم إن فعلوا ارتكبوا إثماً وأفسدوا وفشلوا وصدّوا عن سبيل الله.)) ماليس عنه انفكاك فعنده أن من إختار مشرعا مع الله عالما بذلك ، متوهما دفع طاغوت بآخر أنه لا يكفر بل من كفره فهو آثم مفسد صاد عن سبيل الله ، فإن كان هذا حال القاعدة قبل الإنحراف فليت شعري كيف هو بعد الإنحراف إذا ؟!!! وكيف يكون مفسدا من حقق ملة إبراهيم وكفر المشركين المختارين أربابا من دون الله فما هو التوحيد الذي تؤمن به القاعدة، ولماذا لم تنكروا على الليبي مثل هذا الكلام وتبينوا انحرافه مع أنه يقول  بنفس ما تنقمون على الظواهري؟! ثم هو يقول (والذي نراه أقوى وأقرب للصواب) فهو يجعل التوحيد مثل المسائل الفقهية العادية ورأيه(أقرب للصواب) ولا يجزم فهل المؤمن الموحد لايستطيع أن يجزم أنه على حق وسواه على الباطل؟!  مسألة جنود الطواغيت  ومما ينقمونه على الظواهري أنه لا يكفر جنود الطواغيت ويعتبرون هذا انحرافا، فقد قال الظواهري : (( تكفير الجيوش وأجهزة الأمن فيه تفصيلٌ، فالذي أراه أن ضباط مباحث أمن الدولة فرع مكافحة النشاط الديني وأمثالهم الذين يحققون مع المسلمين ويعذبونهم كفارٌ على التعيين، وحاصل الخلاف في المسألة قليلٌ جداً، وينحصر في الأحكام الشخصية كالزواج والميراث، أما من الناحية العملية فليس هناك فرقٌ بين القولين في قتالهم، والخلاف في المسألة فيه سعةٌ)) اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري     وكأن الظواهري وقاعدة أسامة كان هذا الأمر مستتبا عندها حتى جاء الظواهري فانحرف بالقاعدة عنه ، وهذا كلام باطل لا حقيقة له.  قال أبو يحيى الليبي : ((فإن مسألة حكم أنصار الحكام المرتدين المعاصرين ، وهل هم كفار على التعيين أم لا ؟ ، تبقى في دائرة الاجتهاد الذي تختلف فيه الأنظار شريطة أن تكون مبنية على أدلة صحيحة واستدلال قويم ، فالقدر المتفق عليه في حقهم ، أو الذي ينبغي أن يتفق عليه ولا يختلف فيه ابتداءً ، هو أن هؤلاء المناصرين للحكام المرتدين قد تلبسوا بمكفرات متعددة ، وامتنعوا عليها ، كمظاهرة الكفار على المسلمين ، واستحلال دماء وأموال المعصومين ، وحمايتهم لقوانين ودساتير الكافرين ، وغير ذلك مما هو معلوم من حالهم ، فبعد هذا القدر المتفق عليه في حقهم ، مَن تبين له أن طائفة من هذه الطوائف الممتنعة في مكان من الأمكنة ، أو زمان من الأزمنة ، قد شاع بين أفرادها شيء من موانع التكفير المعتبرة ، فلا يجوز له والحالة هذه الإقدام على تكفير أعيانهم وذلك لوجود المانع في حقهم ، بل يبقى مستمسكاً بأصل إسلامهم إلا من عُلِمَ حاله منهم ، كما أن من علم أن بعض هذه الطوائف لم يعد عندها شيء من الموانع المعتبرة لا يحل له أن يتوقف عن تكفير أعيانها)) نظرات في الاجماع وهذا ممن أثنى عليه العدناني وعلى منهجه في خطابه (عذرا أمير القاعدة) يعتبر التوقف في تكفير جنود الطواغيت المحاربين لله ولدينه الحامين للقوانين الوضعية مما يستساغ بل وينهى عن تكفيرهم في بعض الحالات لموانع اخترعها في حقهم ، ويكفي عنده الإجمال في معرفة أن مناصرة الطواغيت والدخول في طاعتهم كفر وقد لا يعمم هذا الحكم عنده على الجميع .   وكذلك يقول عطية الله الليبي : ((وأما دخول الجيش في تركيا وما شابهها من دول الكفر والردة، فلا يَجوز، لأنه جيش الدولة المرتدة، فمن شارك في هذا الجيش وكان جندياً فيه فهو جنديّ من جنود الكفا ر معَدٌّ لهم مكثرٌ لسوادهم محضَرٌ لنصرَة وحماية دولتهم ونظامهم ودستورهم، لكن هل نكفّر كل من دخل الجيش؟ الجواب : أما في حال العافية والسعة فلا، بل حتّى ننظر في حاله،لأنه يتصَوّر أن يكون للناس أعذارٌ تمنع تكفيرهم في دخولهم الجيش، كالتأول وظن أنه جيش البلد بغض النظر عن الدولة والسلطة الحاكمة، مع زعم الداخل أنه يحفظ دينه ولا يشارك في الكفر ولا في المعصية.(( ما ليس عنه إنفكاك فالجندي قد يعذر بتأويل ولو كان محاربا لدين الله مدافعا عن القانون الوضعي ، والكفر في حال السعة مختلف عندهم عن حال العافية ، وهذا والله دين جديد في التفريق بين الكفر في حالة السعة والعافية.  بعض مسائل أخرى  يقول عطية الله الليبي واصفا الشعب التركي على فرض أن أغلبه كفار : ((على أن عبارة "الشعب المسلم" حتّى في أسوأ الاحتمالات يمكن حملها على "اعتبار ما كان"، فلا يعتَرَض في "الأدب" والسياسة عليها)). فعليه إذا أن يخاطب الشعب اليهودي والنصراني ب(الشعب المسلم) على إعتبار ماكان ، فلا خلاف أن أجدادهم كانوا مسلمين !!!!!  ويقول أيضا : ((ولا يكتفى بمجرد الزعم بأن فلانا أو فلانا قد أقيمت عليه الحجة، وصار مصرا مستكبرا كأن لم يسمعها، ثم  يبادَر إلى تكفيره فإن هذا مجازفة واندفاع لا سيما في مثل هذه المسألة الدقيقة والتي يفتي كثيرٌ من العلماء بجواز أو وجوب انتخاب "الأصلح" كما هو معلوم مشهورٌ والحمد لله)) فهل إفتاء العلماء بجواز دعاء الأموات أو إيجابها عند بعضهم يرفع حكم الشرك عن من يتبعهم ، وهل هي حجة لمن اتبعهم أم زيادة في الإثم و الكفر لأنه اتبع علماءه بدون مرجع للشرع. ثم قوله في الحجة وقيامها الذي يشبه كلام الجهمية والقبورية يرد عليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : ((أما أصول الدين التي وضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا))تكفير المعين  قال العدناني : (هذه قاعدةُ الجهاد التي عرفناها، وهذا منهجُها) نعم هذا منهجها منذ نشأتها لم تغير ولم تبدل ، وتتلخص ضلالات عقيدة القاعدة الواضحة فيما يلي : أولا : تنفير الشباب عن تكفير المشركين وصدهم عن ذلك وهذا ظاهر في خطابات أسامة بن لادن والظواهري والليبيين. ثانيا : دعوتهم لتقديم القتال على العلم الشرعي وتعلم التوحيد. ثالثا : الاختلاف في تكفير جنود الطاغوت وجعل هذا الأمر مما يستساغ الخلاف فيه. رابعا : تخطئة من أقدم على تكفير المشركين وتبرء منهم.  فتى إذا انحرفت القاعدة ، وهذه عقيدة زعمائها تبين أنها لم تنحرف ، وجل كلام الظواهري الذي تدعون انحرافه كان في حياة بن لادن ، بل ومنذ نشأة حركة الجهاد في مصر ومتواتر من عقيدتها أنها لا تكفر طواغيت الإخوان كحسن البنا المترشح للإنتخابات مرتين ، العبد الذليل عند طاغوت عصره فاروق حاكم مصر.  ولنا تساؤلات عدة أيضا : لماذا سكتم عن انحراف الظواهري طول هذه المدة؟ لماذا سكتم عن الظواهري حتى ظهر الخلاف بينكم في سوريا؟ ما نتيجة انحراف القاعدة أهو انحراف كفر أم انحراف بدعة وضلال؟ ما حكم فروع القاعدة التي مازالت لها بيعة لقيادتها مع علمها بحالها؟ ما حكم فروع القاعدة اذا تمسكت ببيعتها رصا للصفوف ودرءا للتفرقة؟ لماذا أصدرتم بيان في نفي  تكفير الظواهري وقلتم عنه حفظه الله ؟ ما الفرق عندكم بين دولة الطالبان وأي دولة وطنية أخرى مع تشابه خطاباتهم مع الدول الوطنية؟ لماذا بدء بعض أنصاركم وأتباعكم بالتعريض بمنهج الطالبان بعد ما أثير حول أن الملا عمر هو الخليفة وليس البغدادي ؟ لماذا تسكتون عن بيان ضلال الطالبان ذات الدستور الوضعي؟  قلتم في بيانكم حول حكم قيادة الجبهة الإسلامية أنهم يجب أن يبينوا موقفهم من الديمقراطية وحكم الداخلين فيها كونهم كانوا جزءا من هيئة الأركان فسؤالنا لماذا لا تطلبوا من طالبان تبيين موقفها من الأمم المتحدة وحكم الداخلين فيه كونهم طلب الانضمام لهذا المجلس الشركي؟ وأخيرا لماذا لا تصدرون بيانا عاما واضحا يبين عقيدتكم أم أن المسألة عندكم غير مهمة كثيرا؟ فإن قال قائل :لماذا اذن حصل الشقاق في الشام مع أن الأمر مماثل لما حصل في العراق؟فإن هذا يدل على حصول انحراف في منهج القاعدة ؟ قلت لأن أسامة بن لادن كان ذكيا يعلم كيف يجمع ولا يفرق ,بينما خليفته (حكيم الأمة) كان عكس اسمه تماما. ثم ربما هناك تغير في منهج الحركة أما في العقيدة فلم تتغير أبدا ، فالظواهري أيام حرب العراق كان ينكر على الزرقاوي قتله لعوام الروافض لأنهم مسلمون!!!!!  فعذرا أيها الصارم العدناني ، لم نجد لقولك بانحراف القاعدة أصلا ، إلا في انحرافها في معاملتكم فقط، فربما أنتم من انحرفتم نحو الإتجاه الصحيح، ولكن لم تزالوا في بداية الطريق نحو الحق. فلا تلبسوا على الناس دينهم واتقوا الله في الشباب الفتي المتعطش لنصرة الحق ، ولا تضيعوه كما أضاعه سلفكم تنظيم القاعدة. والحمد لله رب العالمين أبو العباس الشمالي‎




(لقد بايَعنا اللهَ على أن نقول الحقّ حيثُما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم)
أبو محمد العدناني-المتحدث الرسمي للدولة (الإسلامية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن منطلق إظهار الحق ، وتجلية الأمور ، لا من منطلق الحقد والحسد، كما يفعل الكثيرون ، أردنا بيان حقيقة إدعاء (الدولة الإسلامية) بإنحراف قيادة القاعدة كما صرح بذلك متحدثها الرسمي وكما أصبح يتكلم بذلك جنودها وشرعيوها فنقول وبالله التوفيق:
من المعروف أن تكفير المشركين والبراءة منهم هو لب عقيدة التوحيد التي من زاغ عنها هلك ، وادعى العدناني أن قيادة القاعدة قد انحرفت بتركها هذا الأمر ، بل وأصبحت تصد الناس عنه ، ولا شك عندنا في ذلك ،ولكن ألم يكن هذا منهج القاعدة الدائم منذ تأسيسها وعلى طول أيام تحركها وفعاليتها .

قال أبو محمد العدناني : ((لقد انحرفت قيادة تنظيم القاعدة عن منهج الصواب))
فاعلم أنك إما تلبس على الناس وإما انك لا تعرف ما القاعدة ، ومن خلال معرفتنا بمكانتك وفطنتك فلا أظنها الثانية .

فتلوم الظواهري لعدم تكفيره بعض الطواغيت وتقصد بذلك هبنقة الإخوان مرسي وطواغيت تونس وتعد ذلك انحرافا منه ولكن الظواهري يقول في اللقاء المفتوح : ((لا أوافق من يساوي بين حماسٍ وفتحٍ، فحماس حركةٌ تؤكد على انتمائها للإسلام، بينما فتح حركةٌ علمانيةٌ، ولا أوافق على تكفير قادة حماسٍ، فتكفير الأعيان مسألةٌ خطيرةٌ، لا بد فيها من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وأنصح إخواني بترك هذه المسألة، والتركيز على تأييد حماسٍ إن أصابت، ونقدها إن أخطأت بأسلوبٍ علميٍ دعويٍ منصفٍ.)) اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري
فهاهو لا يكفر بطواغيت الإخوان في غزة ويصد الشباب عن ذلك وهم لا فرق بينهم وبين طواغيت الإخوان في مصر ، فكلاهما مطبق لقوانين الكفر محارب لمن سعى لتحكيم الشرع.
وهذا اللقاء مؤرخ في 2008 أي في حياة بن لادن الذي تدعون أن خليفته إنحرف عن نهجه ، فهل كان يعلم بن لادن بهذا الكلام عن من ولاه الأمر من بعده ، وإن كان لا يعلم فهل كنتم أنتم لا تعلمون عنه مثل هذا الإعتقاد الفاسد ، ولماذا سكتم عنه طول هذه المدة؟!
ثم هل هو وحده في تنظيم القاعدة من يصد الناس عن مسائل التكفير التي هو جناح التوحيد حتى تظهروه بمنظر المبدل المغير؟

فاستمع اذا لشيخ القاعدة أسامة بن لادن حيث يقول : ((اما الاخرون-أي عوام الناس- فان ارتكبوا نواقض الاسلام فالمسألة حساسة ودقيقة.... فاتقوا الله وأمسكوا عن هذا الأمر واشغلوا أنفسكم بكثرة الذكر والدعاء)) إصدار لمؤسسة السحاب.
هاهو من تسمونه بالمجدد يصد الناس عن التكفير الذي لا يصح التوحيد إلا به كما قال المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب : (( الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه ))

وكذلك نجد غيره من أعلام القاعدة يقول كلاما قريبا من كلامه ، فهذا عطية الله الليبي يقول : ((ولذلك نكرر ونوصي بأن تترك مسائل التكفير للعلماء، وعلى الشباب أن يعلموا أنها –أكثرها- مسائل اجتهادٍيحتمل فيها الاختلاف، فلا يتعصّب أحدٌ لقولٍ ولا لشيخٍ ولا لجماعةٍ، ولا ينصبوا العداء من بعضهم لبعضٍب سبب الاختلاف في تكفير شخصٍ أو أناسٍ أو طائفة، ممن السبيل لتكفيرهم الاجتهاد، بل من بانَ له الحق بنفسه وبحثه ونظره من طلبة العلم فاطمأن له فليعمل به، ومن لم يتبيّن له فليحتطْ، وليعذر كل أحدٍ مَن خالفه في شيءٍ من ذلك))ما ليس عنه انفكاك
فهو يوصي بترك التكفير للرهبان و الأحبار ، بل وينكر على من تعصب للتوحيد وأنكر على من لم يكفر المشركين ، كما تنكرون أنتم على الظواهري تركه تكفير عوام الروافض وتركه تكفير الطواغيت، فلماذا لم تبينوا انحراف القاعدة في ذلك الوقت حتى لا ينخدع الشباب بها .

وكذلك فمن مبادئ القاعدة المعروفة أن التأويل مانع معتبر من موانع التكفير ، وهذا أمر قديم معروف عن منظريها ، كما قال بذلك عطية الله الليبي وهو يدفع الكفر 
عن المنتخبين : ((مع علمهم أن جَيع أولئك المرشحين كفارٌ ولن يحكموا بما أنزل الله وأنهم لا يرضونهم ولا يقبلونهم للحكم، وإنما صوّتوا للَأخف ضرراً دفعاً للضرر الأكبر.؟ 
والذي نراه أقوى وأقرب للصواب : أنه لا يَجوز لهم التصويت، لكن بكل حالٍ لا يكفّر من تلبّس بهذا التأويل وهذه الشبهة، وهذا هو المقصود من ذكر هذه المسألة فعلى الشباب المجاهدين أن يحذروا من تكفير مثل هذا، فإنهم إن فعلوا ارتكبوا إثماً وأفسدوا وفشلوا وصدّوا عن سبيل الله.)) ماليس عنه انفكاك
فعنده أن من إختار مشرعا مع الله عالما بذلك ، متوهما دفع طاغوت بآخر أنه لا يكفر بل من كفره فهو آثم مفسد صاد عن سبيل الله ، فإن كان هذا حال القاعدة قبل الإنحراف فليت شعري كيف هو بعد الإنحراف إذا ؟!!!
وكيف يكون مفسدا من حقق ملة إبراهيم وكفر المشركين المختارين أربابا من دون الله فما هو التوحيد الذي تؤمن به القاعدة، ولماذا لم تنكروا على الليبي مثل هذا الكلام وتبينوا انحرافه مع أنه يقول بنفس ما تنقمون على الظواهري؟!
ثم هو يقول (والذي نراه أقوى وأقرب للصواب) فهو يجعل التوحيد مثل المسائل الفقهية العادية ورأيه(أقرب للصواب) ولا يجزم فهل المؤمن الموحد لايستطيع أن يجزم أنه على حق وسواه على الباطل؟!

مسألة جنود الطواغيت

ومما ينقمونه على الظواهري أنه لا يكفر جنود الطواغيت ويعتبرون هذا انحرافا، فقد قال الظواهري : (( تكفير الجيوش وأجهزة الأمن فيه تفصيلٌ، فالذي أراه أن ضباط مباحث أمن الدولة فرع مكافحة النشاط الديني وأمثالهم الذين يحققون مع المسلمين ويعذبونهم كفارٌ على التعيين، وحاصل الخلاف في المسألة قليلٌ جداً، وينحصر في الأحكام الشخصية كالزواج والميراث، أما من الناحية العملية فليس هناك فرقٌ بين القولين في قتالهم، والخلاف في المسألة فيه سعةٌ)) اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري

وكأن الظواهري وقاعدة أسامة كان هذا الأمر مستتبا عندها حتى جاء الظواهري فانحرف بالقاعدة عنه ، وهذا كلام باطل لا حقيقة له.

قال أبو يحيى الليبي : ((فإن مسألة حكم أنصار الحكام المرتدين المعاصرين ، وهل هم كفار على التعيين أم لا ؟ ، تبقى في دائرة الاجتهاد الذي تختلف فيه الأنظار شريطة أن تكون مبنية على أدلة صحيحة واستدلال قويم ، فالقدر المتفق عليه في حقهم ، أو الذي ينبغي أن يتفق عليه ولا يختلف فيه ابتداءً ، هو أن هؤلاء المناصرين للحكام المرتدين قد تلبسوا بمكفرات متعددة ، وامتنعوا عليها ، كمظاهرة الكفار على المسلمين ، واستحلال دماء وأموال المعصومين ، وحمايتهم لقوانين ودساتير الكافرين ، وغير ذلك مما هو معلوم من حالهم ، فبعد هذا القدر المتفق عليه في حقهم ، مَن تبين له أن طائفة من هذه الطوائف الممتنعة في مكان من الأمكنة ، أو زمان من الأزمنة ، قد شاع بين أفرادها شيء من موانع التكفير المعتبرة ، فلا يجوز له والحالة هذه الإقدام على تكفير أعيانهم وذلك لوجود المانع في حقهم ، بل يبقى مستمسكاً بأصل إسلامهم إلا من عُلِمَ حاله منهم ، كما أن من علم أن بعض هذه الطوائف لم يعد عندها شيء من الموانع المعتبرة لا يحل له أن يتوقف عن تكفير أعيانها)) نظرات في الاجماع
وهذا ممن أثنى عليه العدناني وعلى منهجه في خطابه (عذرا أمير القاعدة)
يعتبر التوقف في تكفير جنود الطواغيت المحاربين لله ولدينه الحامين للقوانين الوضعية مما يستساغ بل وينهى عن تكفيرهم في بعض الحالات لموانع اخترعها في حقهم ، ويكفي عنده الإجمال في معرفة أن مناصرة الطواغيت والدخول في طاعتهم كفر وقد لا يعمم هذا الحكم عنده على الجميع .

وكذلك يقول عطية الله الليبي : ((وأما دخول الجيش في تركيا وما شابهها من دول الكفر والردة، فلا يَجوز، لأنه جيش الدولة المرتدة، فمن شارك في هذا الجيش وكان جندياً فيه فهو جنديّ من جنود الكفا ر معَدٌّ لهم مكثرٌ لسوادهم محضَرٌ لنصرَة
وحماية دولتهم ونظامهم ودستورهم، لكن هل نكفّر كل من دخل الجيش؟
الجواب : أما في حال العافية والسعة فلا، بل حتّى ننظر في حاله،لأنه يتصَوّر أن يكون للناس أعذارٌ تمنع تكفيرهم في دخولهم الجيش، كالتأول وظن أنه جيش البلد بغض النظر عن الدولة والسلطة الحاكمة، مع زعم الداخل أنه يحفظ دينه ولا يشارك في الكفر ولا في المعصية.(( ما ليس عنه إنفكاك
فالجندي قد يعذر بتأويل ولو كان محاربا لدين الله مدافعا عن القانون الوضعي ، والكفر في حال السعة مختلف عندهم عن حال العافية ، وهذا والله دين جديد في التفريق بين الكفر في حالة السعة والعافية.

بعض مسائل أخرى

يقول عطية الله الليبي واصفا الشعب التركي على فرض أن أغلبه كفار : ((على أن عبارة "الشعب المسلم"حتّى في أسوأ الاحتمالات يمكن حملها على "اعتبار ما كان"، فلا يعتَرَض في "الأدب"والسياسة عليها)).
فعليه إذا أن يخاطب الشعب اليهودي والنصراني ب(الشعب المسلم) على إعتبار ماكان ، فلا خلاف أن أجدادهم كانوا مسلمين !!!!!

ويقول أيضا : ((ولا يكتفى بمجرد الزعم بأن فلانا أو فلانا قد أقيمت عليه الحجة، وصار مصرا مستكبرا كأن لم يسمعها، ثم يبادَر إلى تكفيره فإن هذا مجازفة واندفاع لا سيما في مثل هذه المسألة الدقيقة والتي يفتي كثيرٌ من العلماء بجواز أو وجوب انتخاب "الأصلح"كما هو معلوم مشهورٌ والحمد لله))
فهل إفتاء العلماء بجواز دعاء الأموات أو إيجابها عند بعضهم يرفع حكم الشرك عن من يتبعهم ، وهل هي حجة لمن اتبعهم أم زيادة في الإثم و الكفر لأنه اتبع علماءه بدون مرجع للشرع.
ثم قوله في الحجة وقيامها الذي يشبه كلام الجهمية والقبورية يرد عليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : ((أما أصول الدين التي وضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا))تكفير المعين

قال العدناني : (هذه قاعدةُ الجهاد التي عرفناها، وهذا منهجُها)
نعم هذا منهجها منذ نشأتها لم تغير ولم تبدل ، وتتلخص ضلالات عقيدة القاعدة الواضحة فيما يلي :
أولا : تنفير الشباب عن تكفير المشركين وصدهم عن ذلك وهذا ظاهر في خطابات أسامة بن لادن والظواهري والليبيين.
ثانيا : دعوتهم لتقديم القتال على العلم الشرعي وتعلم التوحيد.
ثالثا : الاختلاف في تكفير جنود الطاغوت وجعل هذا الأمر مما يستساغ الخلاف فيه.
رابعا : تخطئة من أقدم على تكفير المشركين وتبرء منهم.

فتى إذا انحرفت القاعدة ، وهذه عقيدة زعمائها تبين أنها لم تنحرف ، وجل كلام الظواهري الذي تدعون انحرافه كان في حياة بن لادن ، بل ومنذ نشأة حركة الجهاد في مصر ومتواتر من عقيدتها أنها لا تكفر طواغيت الإخوان كحسن البنا المترشح للإنتخابات مرتين ، العبد الذليل عند طاغوت عصره فاروق حاكم مصر.

ولنا تساؤلات عدة أيضا :
لماذا سكتم عن انحراف الظواهري طول هذه المدة؟
لماذا سكتم عن الظواهري حتى ظهر الخلاف بينكم في سوريا؟
ما نتيجة انحراف القاعدة أهو انحراف كفر أم انحراف بدعة وضلال؟
ما حكم فروع القاعدة التي مازالت لها بيعة لقيادتها مع علمها بحالها؟
ما حكم فروع القاعدة اذا تمسكت ببيعتها رصا للصفوف ودرءا للتفرقة؟
لماذا أصدرتم بيان في نفي تكفير الظواهري وقلتم عنه حفظه الله ؟
ما الفرق عندكم بين دولة الطالبان وأي دولة وطنية أخرى مع تشابه خطاباتهم مع الدول الوطنية؟
لماذا بدء بعض أنصاركم وأتباعكم بالتعريض بمنهج الطالبان بعد ما أثير حول أن الملا عمر هو الخليفة وليس البغدادي ؟
لماذا تسكتون عن بيان ضلال الطالبان ذات الدستور الوضعي؟

قلتم في بيانكم حول حكم قيادة الجبهة الإسلامية أنهم يجب أن يبينوا موقفهم من الديمقراطية وحكم الداخلين فيها كونهم كانوا جزءا من هيئة الأركان فسؤالنا لماذا لا تطلبوا من طالبان تبيين موقفها من الأمم المتحدة وحكم الداخلين فيه كونهم طلب الانضمام لهذا المجلس الشركي؟
وأخيرا لماذا لا تصدرون بيانا عاما واضحا يبين عقيدتكم أم أن المسألة عندكم غير مهمة كثيرا؟
فإن قال قائل :لماذا اذن حصل الشقاق في الشام مع أن الأمر مماثل لما حصل في العراق؟فإن هذا يدل على حصول انحراف في منهج القاعدة ؟
قلت لأن أسامة بن لادن كان ذكيا يعلم كيف يجمع ولا يفرق ,بينما خليفته (حكيم الأمة) كان عكس اسمه تماما.
ثم ربما هناك تغير في منهج الحركة أما في العقيدة فلم تتغير أبدا ، فالظواهري أيام حرب العراق كان ينكر على الزرقاوي قتله لعوام الروافض لأنهم مسلمون!!!!!

فعذرا أيها الصارم العدناني ، لم نجد لقولك بانحراف القاعدة أصلا ، إلا في انحرافها في معاملتكم فقط، فربما أنتم من انحرفتم نحو الإتجاه الصحيح، ولكن لم تزالوا في بداية الطريق نحو الحق.
فلا تلبسوا على الناس دينهم واتقوا الله في الشباب الفتي المتعطش لنصرة الحق ، ولا تضيعوه كما أضاعه سلفكم تنظيم القاعدة.
والحمد لله رب العالمين
أبو العباس الشمالي

أهميـة الكفــر بالطـاغوت ومعناه من كلام أهل العلم.

$
0
0
Photo: ‎أهميـة الكفــر بالطـاغوت ومعناه من كلام أهل العلم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ـ قال الشيخ سليمان بن سحمان ( …فبيّن تعالى أنَّ المُستمسك بالعروة الوثقى هو الذي يكفر بالطاغوت ، وقدّم الكفر به على الإيمان بالله ، لأنه قد يدعي المدعي أنه يؤمن بالله وهو لا يجتنب الطاغوت ، وتكون دعواه كاذبة ، وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ سورة النحل : (36) ، فأخبر أن جميع المرسلين قد بُعِثوا باجتناب الطاغوت ، فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين ) .  -وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى ( التوحيد : هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله…والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه ) .  ـ وقال أيضاً  ( قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا سورة البقرة : (256) ، فدلت الآية على أنه لا يكون العبد مستمسكاً بلا إله إلاَّ الله إلاَّ إذا كفر بالطاغوت ، وهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، ومن لم يعتقد هذا ، فليس بمسلم ، لأنه لم يتمسك بلا إله إلاَّ الله ، فتدبر واعتقد ما ينجيك من عذاب الله ، وهو تحقيق معنى لا إله إلاَّ الله نفياً وإثباتاً ) .  ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( بل لا يصح دين الإسلام ، إلاَّ بالبراءة من هؤلاء ـ أي الطواغيت المعبُدون من دون الله ـ وتكفيرهم ، كما قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ )سورة البقرة   ـ وقال أيضاً مبيناً الفرق بين الظلم الأكبر والأصغر : ( وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه ، أو مدح الطواغيت ، أو جادل عنهم ، خرج من الإسلام ، ولو كان صائماً قائماً ؟ من الظلم الذي لا يُخرج من الإسلام ، بل إما أن يؤدي إلى صاحبه بالقصاص ، وإما أن يغفره الله ، فبين الموضعين فرق عظيم ) .  ـ وقال رحمه الله : ( اعلم رحمك الله تعالى ، أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، والدليل قوله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) سورة النحل    ـ وقال في كتاب التوحيد : ( المسألة السابعة : المسألة الكبيرة ، أن عبادة الله لا تحصل إلاَّ بالكفر بالطاغوت ) .  ـ وقال الشيخ سليمان بن عبد الله : ( لأن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله ، أن لا يُعبد إلاَّ الله وأن لا يعتقد النفع والضر إلاَّ في الله ، وأن يُكفر بما يعبد من دون الله ، ويتبرأ منها ومن عابديها ) .  ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد : ( وهذا من أعظم ما يُبين معنى لا إله إلاَّ الله ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله ، فإن شك أو تردد لم يُحرم ماله ودمه ) .  معنى الطاغوت : ـــــــــــــــــــــــ  ـ قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله   ( اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلال يدعوا إلى الباطل ويُحسنه . ويشمل أيضاً كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المُضادة لحكم الله ورسوله ، ويشمل أيضاً الكاهن والساحر وسدنة الأوثان إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذِبون من الحكايات المُضلة للجهال ، الموهمة أن المقبور ونحوه ، يقضي حاجة من توجه إليه وقصده ، وأنه فعل كذا وكذا ، مما هو كذ ، أو من فعل الشياطين ، ليوهموا الناس أن المقبور ونحوه يقضي حاجة من قصده ، فيوقعهم في الشرك الأكبر وتوابعه . وأصل هذه الأنواع كلها وأعظمها الشيطان فهو الطاغوت الأكبر ) .  ـ وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله    ( ..وقال مجاهد : الطاغوت : الشيطان في صورة الإنسان ، يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم… وقال ابن القيم : الطاغوت ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ، فهذه طواغيت العالم ، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ) .  ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( والطواغيت كثيرة ، ورؤوسهم خمسة ،  الأول : الشيطان ، الداعي إلى عبـادة غير الله ، والدليـل قوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ سورة يس : (60) .  الثاني : الحاكم الجائر ، المغيِّر لأحكام الله تعالى ، والدليل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا النساء : (60) ،  الثالث : الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ سورة المائدة : (44) ،  الرابع : الذي يدعي علم الغيب من دون الله ، والدليل قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا سورة الجن : (26،27) ، وقال تعالى : وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ سورة الأنعام: (59) ،  الخامس : الذي يُعبد من دون الله ، وهو راضٍ بالعبادة ، والدليل قوله تعالى : وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء: (29) ، واعلم : أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلاَّ بالكفر بالطاغوت ) .اهـ  معنى الكفر بالطاغوت : ـــــــــــــــــــــــــــــــــ  ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( ومعنى الكفر بالطاغوت ، أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله ، من جني أو إنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك ، وتشهد عليه بالكفر والضلال ، وتبغضه ولو كان أباك و أخاك . فأما من قال أنا لا أعبد إلاَّ الله ، وأنا لا أتعرَّض السَّادة والقباب على القبور وأمثال ذلك ، فهذا كاذب في قول لا إله إلاَّ الله ، ولم يؤمن بالله ، ولم يكفر بالطاغوت ) .  ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى : ( والمراد من اجتنابه ـ أي الطاغوت ـ هو بغضه ، وعداوته بالقلب ، وسبَّه وتقبيحه باللسان ، وإزالته باليد عند القدرة ، ومُفارقته ، فمن أدعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق ) .  ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( فأما صفة الكفر بالطاغوت : فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله ، وتتركها ، وتبغضها ، وتُكفر أهلها ، وتعاديهم ، وأما معنى الإيمان بالله فأن تعتقد ، أن الله هو الإله المعبود وحده ، دون ما سواه ، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله ، وتنفيها عن كل معبود سواه ، وتُحب أهل الإخلاص وتواليهم ، وتبغض أهل الشرك ، وتُعاديهم .  وهذه : ملة إبراهيم التي سفِه نفسه من رغب عنها ؛ وهذه : هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "سورة الممتحنة _________________‎


ـ قال الشيخ سليمان بن سحمان ( …فبيّن تعالى أنَّ المُستمسك بالعروة الوثقى هو الذي يكفر بالطاغوت ، وقدّم الكفر به على الإيمان بالله ، لأنه قد يدعي المدعي أنه يؤمن بالله وهو لا يجتنب الطاغوت ، وتكون دعواه كاذبة ، وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ سورة النحل : (36) ، فأخبر أن جميع المرسلين قد بُعِثوا باجتناب الطاغوت ، فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين ) .

-وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى ( التوحيد : هو الكفر بكل طاغوت عبده العابدون من دون الله…والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه ) .

ـ وقال أيضاً ( قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا سورة البقرة : (256) ، فدلت الآية على أنه لا يكون العبد مستمسكاً بلا إله إلاَّ الله إلاَّ إذا كفر بالطاغوت ، وهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، ومن لم يعتقد هذا ، فليس بمسلم ، لأنه لم يتمسك بلا إله إلاَّ الله ، فتدبر واعتقد ما ينجيك من عذاب الله ، وهو تحقيق معنى لا إله إلاَّ الله نفياً وإثباتاً ) .

ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( بل لا يصح دين الإسلام ، إلاَّ بالبراءة من هؤلاء ـ أي الطواغيت المعبُدون من دون الله ـ وتكفيرهم ، كما قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ )سورة البقرة

ـ وقال أيضاً مبيناً الفرق بين الظلم الأكبر والأصغر : ( وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه ، أو مدح الطواغيت ، أو جادل عنهم ، خرج من الإسلام ، ولو كان صائماً قائماً ؟ من الظلم الذي لا يُخرج من الإسلام ، بل إما أن يؤدي إلى صاحبه بالقصاص ، وإما أن يغفره الله ، فبين الموضعين فرق عظيم ) .

ـ وقال رحمه الله : ( اعلم رحمك الله تعالى ، أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، والدليل قوله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) سورة النحل

ـ وقال في كتاب التوحيد : ( المسألة السابعة : المسألة الكبيرة ، أن عبادة الله لا تحصل إلاَّ بالكفر بالطاغوت ) .

ـ وقال الشيخ سليمان بن عبد الله : ( لأن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله ، أن لا يُعبد إلاَّ الله وأن لا يعتقد النفع والضر إلاَّ في الله ، وأن يُكفر بما يعبد من دون الله ، ويتبرأ منها ومن عابديها ) .

ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد : ( وهذا من أعظم ما يُبين معنى لا إله إلاَّ الله ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله ، فإن شك أو تردد لم يُحرم ماله ودمه ) .

معنى الطاغوت :
ـــــــــــــــــــــــ

ـ قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله

( اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلال يدعوا إلى الباطل ويُحسنه . ويشمل أيضاً كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المُضادة لحكم الله ورسوله ، ويشمل أيضاً الكاهن والساحر وسدنة الأوثان إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذِبون من الحكايات المُضلة للجهال ، الموهمة أن المقبور ونحوه ، يقضي حاجة من توجه إليه وقصده ، وأنه فعل كذا وكذا ، مما هو كذ ، أو من فعل الشياطين ، ليوهموا الناس أن المقبور ونحوه يقضي حاجة من قصده ، فيوقعهم في الشرك الأكبر وتوابعه . وأصل هذه الأنواع كلها وأعظمها الشيطان فهو الطاغوت الأكبر ) .

ـ وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله

( ..وقال مجاهد : الطاغوت : الشيطان في صورة الإنسان ، يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم… وقال ابن القيم : الطاغوت ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ، فهذه طواغيت العالم ، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ) .

ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( والطواغيت كثيرة ، ورؤوسهم خمسة ،

الأول : الشيطان ، الداعي إلى عبـادة غير الله ، والدليـل قوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ سورة يس : (60) .

الثاني : الحاكم الجائر ، المغيِّر لأحكام الله تعالى ، والدليل قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا النساء : (60) ،

الثالث : الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ سورة المائدة : (44) ،

الرابع : الذي يدعي علم الغيب من دون الله ، والدليل قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا سورة الجن : (26،27) ، وقال تعالى : وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ سورة الأنعام: (59) ،

الخامس : الذي يُعبد من دون الله ، وهو راضٍ بالعبادة ، والدليل قوله تعالى : وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء: (29) ، واعلم : أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلاَّ بالكفر بالطاغوت ) .اهـ

معنى الكفر بالطاغوت :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( ومعنى الكفر بالطاغوت ، أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله ، من جني أو إنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك ، وتشهد عليه بالكفر والضلال ، وتبغضه ولو كان أباك و أخاك . فأما من قال أنا لا أعبد إلاَّ الله ، وأنا لا أتعرَّض السَّادة والقباب على القبور وأمثال ذلك ، فهذا كاذب في قول لا إله إلاَّ الله ، ولم يؤمن بالله ، ولم يكفر بالطاغوت ) .

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى : ( والمراد من اجتنابه ـ أي الطاغوت ـ هو بغضه ، وعداوته بالقلب ، وسبَّه وتقبيحه باللسان ، وإزالته باليد عند القدرة ، ومُفارقته ، فمن أدعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق ) .

ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( فأما صفة الكفر بالطاغوت : فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله ، وتتركها ، وتبغضها ، وتُكفر أهلها ، وتعاديهم ، وأما معنى الإيمان بالله فأن تعتقد ، أن الله هو الإله المعبود وحده ، دون ما سواه ، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله ، وتنفيها عن كل معبود سواه ، وتُحب أهل الإخلاص وتواليهم ، وتبغض أهل الشرك ، وتُعاديهم .
وهذه : ملة إبراهيم التي سفِه نفسه من رغب عنها ؛ وهذه : هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ "سورة الممتحنة

أنواعُ الطواغيتِ التي يجبُ الكفرُ بِها بالصِّفَةِ الَّتي بَيَّنَّا:

$
0
0
Photo: ‎أنواعُ الطواغيتِ التي يجبُ الكفرُ بِها بالصِّفَةِ الَّتي بَيَّنَّا: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  والطَّواغيتُ كثيرةٌ وعلى رأسِها في هذا الزَّمانِ: المُشَرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ والعلماءُ الَّذينَ يُحَلِّلونَ ويُحرِّمونَ بغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللهِ.  أوَّلاً: المُشَرِّعُ مِنْ دُونِ اللهِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  يختَلِفُ المُشرِّعُ عَنِ الحاكِمِ المُنَفِّذِ، وهذا ما يُسمُّونَهُ في هذهِ الأيَّامِ بالسُّلطَةِ التَّشريعيَّةِ  الَّتي تُلْزِمُ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ - وهُمُ الحكَّامُ - بتنفيذِ مايَصْدُرُ عنها مِنْ أحكامٍ وتقريراتٍ وتشريعاتٍ. وقَدْ يكونُ المُشرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ شخصًا أَوْ هيئةً أَوْ جماعةً أَوْ حِزبًا أَوْ مَجْلِسًا يضُمُّ مُشرِّعينَ أَوْ أحبارًا ورهبانًا ومشايخَ يكتسونَ بالطَّابِعِ الدِّينيِّ...وغَيْرَذلكَ.وعلى العُمومِ فإنَّنا نقولُ: كُلُّ مَنْ جَعَلَ خاصِّيَّةَ التَّشريعِ: التَّحليلِ والتَّحريمِ والتَّحسينِ والتَّقبيحِ لنفسِهِ مِنْ دونِ اللهِ، وأَخَذَ يُشرِّعُ للعِبادِ ما يهواهُ ويراهُ، فهُوَ طاغوتٌ وقَدْ جَعَلَ مِنْ نفسِهِ نِدًّا للهِ تعالى، يَجِبُ تكفيرُهُ والكُفْرُ بِهِ.  وقولُهُ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ}  يَطالُهُ ويَشمَلُهُ كطاغوتٍ يُعبَدُ مِنْ جِهةِ التَّحاكُمِ إلى ما يُشَرِّعُ، ومِنْ جِهَةِ طاعتِهِ والإقرارِ لَهُ بخاصِّيَّةِ التَّشريعِ الَّتي تُعتبرُ مِنْ خصوصيَّاتِ اللهِ وحدَهُ، كما قالَ تعالى: {وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]. فأيُّما مخلوقٍ يعتَرِفُ لَهُ بهذا الحقِّ، ويتحاكَمُ إلى ما يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أحكامٍ وتشريعاتٍ، فقَدْ أقَرَّ لَهُ بالإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ، واتَّخذَهُ معبودًا ونِدًّا للهِ تعالى في أخصِّ خصائصِهِ، وإِنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ المسلمينَ.  ثانيًا: الحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ هُوَ رأسُ الطُّغيانِ والجُورِ، لمُجاوَزَتِهِ حُكْمَ اللهِ تعالى وإعراضِهِ عَنْهُ واستبدالِهِ بِحُكْمِ وشرائعِ الجاهليَّةِ الأخرى، الَّتي وَضعَها المُشرِّعونَ مِنَ البشرِ أمثالِ جِنْكيز خان والمُشرِّعونَ للقوانينِ الوضعيَّةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ.  قالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].  وقالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ} [المائدة: 45].  وقالَ تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْم يُّوقِنُونَ} [المائدة: 50].  وكُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللهِ فهُوَ حُكْمُ الجاهليَّةِ، والآيةُ تشمَلُهُ وتطالُهُ، وكُلُّ مَنْ يبغي حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ اللهِ فهُوَ مِمَّنْ يبغي حُكْمَ الجاهليَّةِ.  ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى  الطَّاغوتِ وصِفَتُهُ ويَقَعُ عليهمُ اسمُ الكفرِ والظُلْمِ والفِسْقِ الوارِدِ في الآياتِ لعَدَمِ حكمِهمْ بما أنزَلَ اللهُ: المُشرِّعونَ الَّذينَ وضعوا هذهِ القوانينَ ومَنْ سَوَّغَ لهمْ وَضْعَهَا وأَفسَحَ لهمُ المجالَ لذلكَ، واعتَقَدَ أحقيَّتَهمْ في وَضْعِ نُظُمٍ وقوانينَ تقومُ عليها حياةُ البشرِ.  ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى الطَّاغوتِ  أيضًا قُضاةُ المحاكِمِ الوضعيَّةِ، والمحامونَ العامِلونَ فيها الَّذينَ يحكمونَ في النَّاسِ بشرائعِ الطَّاغوتِ، ونَحْوُهمْ مشايخُ العشائِرِوالقبائِلِ الَّذينَ يحكمونَ بالعاداتِ السَّائدةِ وبالأعرافِ والأهواءِ وسَواليفِهمُ الباطلةِ، ويقدِّمونَها على شَرْعِ اللهِ تعالى. فإِنْ قيلَ:  تُقُرِّرَ في التَّعريفِ أَنَّ الطَّاغوتَ هُوَ الَّذي يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، فأيْنَ تَكْمُنُ عبادةُ الحاكِمِ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ حتَّى سُمِّيَ طاغوتًا؟  والجوابُ على ذلكَ مِنْ أوجُهٍ: _____________________  - منها: أَنَّ اللهَ تعالى قَدْ سمَّى الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ طاغوتًا في قولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60]  ولا شكَّ أَنَّ الطَّاغوتَ الواردَ ذِكرُهُ في الآيةِ يشمَلُ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، ولَرُبَّما يكونُ المعنى بالدَّرجةِ الأولى مِنْ صِفَةِ الطُّغيانِ ومُسَمَّى الطَّاغوتِ الواردَةِ في الآيةِ. وقَدْ أُثِرَ عَنْ بعضِ السَّلَفِ أَنَّ المُرادَ بالطَّاغوتِ الواردِ في هذهِ الآيةِ هُوَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ اليهوديُّ، لكوْنِهِ يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ.  والمرادُ بالطَّاغوتِ في هذهِ الآيةِ صَراحةً الحاكِمُ الَّذي يحكمُ بقوانينَ أخرى غَيْرِ قانونِ اللهِ وشَرْعِهِ، وكذلكَ نظامُ المحاكِمِ الَّذي لا يُطيعُ سلطةَ اللهِ العُليا ويستندُ إلى كتابٍ آخرَ غَيْرِ كتابِ اللهِ.  - ومنها: أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أَنزلَ اللهُ يُعْبَدُ مِنْ جِهَةِ التَّحاكُمِ والطَّاعةِ مِنْ قِبَلِ المُتَحاكِمِ إليهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحاكُمَ عبادةٌ لا تُصْرَفُ إلاَّ للهِ تعالى، فمَنْ تحاكمْ إلى غَيْرِهِ فهُوَ مُأَلِّهٌ لهذا الغَيْرِ وعابدٌ لَهُ.  - ومنها: أَنَّ الَّذي يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُخرِجُ أولياءَهُ ومُتابعيهِ الرَّاضينَ بِهِ مِنْ نُورِ الوَحْيِ وعَدْلِ الإسلامِ، وهُوَ الحُكْمُ بما أنزلَ اللهُ، إلى ظُلماتِ الشِّرْكِ والكفرِ والجاهليَّةِ، وهُوَ الحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، وهُوَ المُرادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].  ومِنْهُ يُعلمُ أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُجْرَى عليهِ مُسَمَّي الطَّاغوتِ اسْمًا وَصِفَةً وَمَعْنًى، ولا محالةَ مِنْ ذلكَ.  قالَ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِالوهَّابِ  رحمَهُ اللهُ: [الطَّواغيتُ كثيرةٌ ورؤوسُهمْ خمسةٌ، منهمُ الَّذي يحكُمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}]. (مجْمُوعَةُ التَّوْحِيدِ ) اهـ  ثالثًا: العلماءُ الَّذينَ يُحلِّلونَ ويُحرِّمونَ بما لَمْ يأذنْ بِهِ اللهُ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  وهؤلاءِ  أمثالُ كَعْبِ بنِ الأشرَفِ في زَمَنِ الجاهليَّةِ الأولى وعلماءِ السُّلْطةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ بما أقرُّوا حكَّامَهمْ على ما شَرَّعُوهُ مِنْ قوانينَ وضعيَّةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ بَلْ وَسَوَّغُوا لَهُمُ الحُكمَ بها واعتبَروهُ مرجعيَّةً في فَتْوَاهُمْ في التَّحليلِ والتَّحريمِ بَلْ وَهَلَّلوا وصفَّقوا لِمَا اعتبَروهُ نصرًا مُؤَزَّرًا لَمَّا غَرَّرَ بهمْ أسيادُهمْ مِنَ الكبراءِ باستبدالِ بَعْضِ الأحكامِ الطَّاغوتيَّةِ بأحكامٍ طاغوتيَّةٍ أخرى، أيضًا مِنْ صُنعِ البشرِ. وصَدَقَتْ تسميةُ اللهِ لهمْ بالأحبارِ والرُّهبانِ بَلْ وتسميةُ مَنْ اعتبرَهمْ مرجعيَّةً دينيَّةً يستفتيهمْ في أمرِهِ بقولِهِ جَلَّ وعلا: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31] _________________‎


والطَّواغيتُ كثيرةٌ وعلى رأسِها في هذا الزَّمانِ: المُشَرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ والعلماءُ الَّذينَ يُحَلِّلونَ ويُحرِّمونَ بغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللهِ.

أوَّلاً: المُشَرِّعُ مِنْ دُونِ اللهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يختَلِفُ المُشرِّعُ عَنِ الحاكِمِ المُنَفِّذِ، وهذا ما يُسمُّونَهُ في هذهِ الأيَّامِ بالسُّلطَةِ التَّشريعيَّةِ

الَّتي تُلْزِمُ السُّلطةَ التَّنفيذيَّةَ - وهُمُ الحكَّامُ - بتنفيذِ مايَصْدُرُ عنها مِنْ أحكامٍ وتقريراتٍ وتشريعاتٍ.
وقَدْ يكونُ المُشرِّعُ مِنْ دونِ اللهِ شخصًا أَوْ هيئةً أَوْ جماعةً أَوْ حِزبًا أَوْ مَجْلِسًا يضُمُّ مُشرِّعينَ أَوْ أحبارًا ورهبانًا ومشايخَ يكتسونَ بالطَّابِعِ الدِّينيِّ...وغَيْرَذلكَ.وعلى العُمومِ فإنَّنا نقولُ: كُلُّ مَنْ جَعَلَ خاصِّيَّةَ التَّشريعِ: التَّحليلِ والتَّحريمِ والتَّحسينِ والتَّقبيحِ لنفسِهِ مِنْ دونِ اللهِ، وأَخَذَ يُشرِّعُ للعِبادِ ما يهواهُ ويراهُ، فهُوَ طاغوتٌ وقَدْ جَعَلَ مِنْ نفسِهِ نِدًّا للهِ تعالى، يَجِبُ تكفيرُهُ والكُفْرُ بِهِ.

وقولُهُ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ}

يَطالُهُ ويَشمَلُهُ كطاغوتٍ يُعبَدُ مِنْ جِهةِ التَّحاكُمِ إلى ما يُشَرِّعُ، ومِنْ جِهَةِ طاعتِهِ والإقرارِ لَهُ بخاصِّيَّةِ التَّشريعِ الَّتي تُعتبرُ مِنْ خصوصيَّاتِ اللهِ وحدَهُ، كما قالَ تعالى: {وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].
فأيُّما مخلوقٍ يعتَرِفُ لَهُ بهذا الحقِّ، ويتحاكَمُ إلى ما يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ أحكامٍ وتشريعاتٍ، فقَدْ أقَرَّ لَهُ بالإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ، واتَّخذَهُ معبودًا ونِدًّا للهِ تعالى في أخصِّ خصائصِهِ، وإِنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ المسلمينَ.

ثانيًا: الحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والحاكِمُ بغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللهُ هُوَ رأسُ الطُّغيانِ والجُورِ، لمُجاوَزَتِهِ حُكْمَ اللهِ تعالى وإعراضِهِ عَنْهُ واستبدالِهِ بِحُكْمِ وشرائعِ الجاهليَّةِ الأخرى،
الَّتي وَضعَها المُشرِّعونَ مِنَ البشرِ أمثالِ جِنْكيز خان والمُشرِّعونَ
للقوانينِ الوضعيَّةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ.

قالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

وقالَ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ} [المائدة: 45].

وقالَ تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْم يُّوقِنُونَ} [المائدة: 50].

وكُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللهِ فهُوَ حُكْمُ الجاهليَّةِ، والآيةُ تشمَلُهُ وتطالُهُ، وكُلُّ مَنْ يبغي حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ اللهِ فهُوَ مِمَّنْ يبغي حُكْمَ الجاهليَّةِ.

ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى

الطَّاغوتِ وصِفَتُهُ ويَقَعُ عليهمُ اسمُ الكفرِ والظُلْمِ والفِسْقِ الوارِدِ في الآياتِ لعَدَمِ حكمِهمْ بما أنزَلَ اللهُ: المُشرِّعونَ الَّذينَ وضعوا هذهِ القوانينَ ومَنْ سَوَّغَ لهمْ وَضْعَهَا وأَفسَحَ لهمُ المجالَ لذلكَ، واعتَقَدَ أحقيَّتَهمْ في وَضْعِ نُظُمٍ وقوانينَ تقومُ عليها حياةُ البشرِ.

ومِمَّنْ ينالُهمْ مُسمَّى الطَّاغوتِ

أيضًا قُضاةُ المحاكِمِ الوضعيَّةِ، والمحامونَ العامِلونَ فيها الَّذينَ يحكمونَ في النَّاسِ بشرائعِ الطَّاغوتِ، ونَحْوُهمْ مشايخُ العشائِرِوالقبائِلِ الَّذينَ يحكمونَ بالعاداتِ السَّائدةِ وبالأعرافِ والأهواءِ وسَواليفِهمُ الباطلةِ، ويقدِّمونَها على شَرْعِ اللهِ تعالى.
فإِنْ قيلَ:

تُقُرِّرَ في التَّعريفِ أَنَّ الطَّاغوتَ هُوَ الَّذي يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، فأيْنَ تَكْمُنُ عبادةُ الحاكِمِ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ حتَّى سُمِّيَ طاغوتًا؟

والجوابُ على ذلكَ مِنْ أوجُهٍ:
_____________________

- منها: أَنَّ اللهَ تعالى قَدْ سمَّى الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ طاغوتًا في قولِهِ تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَّتَحَاكَمُوا إِلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَّكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60]

ولا شكَّ أَنَّ الطَّاغوتَ الواردَ ذِكرُهُ في الآيةِ يشمَلُ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، ولَرُبَّما يكونُ المعنى بالدَّرجةِ الأولى مِنْ صِفَةِ الطُّغيانِ ومُسَمَّى الطَّاغوتِ الواردَةِ في الآيةِ. وقَدْ أُثِرَ عَنْ بعضِ السَّلَفِ أَنَّ المُرادَ بالطَّاغوتِ الواردِ في هذهِ الآيةِ هُوَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ اليهوديُّ، لكوْنِهِ يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ.

والمرادُ بالطَّاغوتِ في هذهِ الآيةِ صَراحةً الحاكِمُ الَّذي يحكمُ بقوانينَ أخرى غَيْرِ قانونِ اللهِ وشَرْعِهِ، وكذلكَ نظامُ المحاكِمِ الَّذي لا يُطيعُ سلطةَ اللهِ العُليا ويستندُ إلى كتابٍ آخرَ غَيْرِ كتابِ اللهِ.

- ومنها: أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أَنزلَ اللهُ يُعْبَدُ مِنْ جِهَةِ التَّحاكُمِ والطَّاعةِ مِنْ قِبَلِ المُتَحاكِمِ إليهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحاكُمَ عبادةٌ لا تُصْرَفُ إلاَّ للهِ تعالى، فمَنْ تحاكمْ إلى غَيْرِهِ فهُوَ مُأَلِّهٌ لهذا الغَيْرِ وعابدٌ لَهُ.

- ومنها: أَنَّ الَّذي يحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُخرِجُ أولياءَهُ ومُتابعيهِ الرَّاضينَ بِهِ مِنْ نُورِ الوَحْيِ وعَدْلِ الإسلامِ، وهُوَ الحُكْمُ بما أنزلَ اللهُ، إلى ظُلماتِ الشِّرْكِ والكفرِ والجاهليَّةِ، وهُوَ الحكمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، وهُوَ المُرادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].

ومِنْهُ
يُعلمُ أَنَّ الحاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ يُجْرَى عليهِ مُسَمَّي الطَّاغوتِ اسْمًا وَصِفَةً وَمَعْنًى، ولا محالةَ مِنْ ذلكَ.

قالَ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِالوهَّابِ

رحمَهُ اللهُ: [الطَّواغيتُ كثيرةٌ ورؤوسُهمْ خمسةٌ، منهمُ الَّذي يحكُمُ بغَيْرِ ما أنزلَ اللهُ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}]. (مجْمُوعَةُ التَّوْحِيدِ ) اهـ

ثالثًا: العلماءُ الَّذينَ يُحلِّلونَ ويُحرِّمونَ بما لَمْ يأذنْ بِهِ اللهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهؤلاءِ

أمثالُ كَعْبِ بنِ الأشرَفِ في زَمَنِ الجاهليَّةِ الأولى وعلماءِ السُّلْطةِ في هذا الزَّمانِ وفي كُلِّ زمانٍ ومكانٍ بما أقرُّوا حكَّامَهمْ على ما شَرَّعُوهُ مِنْ قوانينَ وضعيَّةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ بَلْ وَسَوَّغُوا لَهُمُ الحُكمَ بها واعتبَروهُ مرجعيَّةً في فَتْوَاهُمْ في التَّحليلِ والتَّحريمِ بَلْ وَهَلَّلوا وصفَّقوا لِمَا اعتبَروهُ نصرًا مُؤَزَّرًا لَمَّا غَرَّرَ بهمْ أسيادُهمْ مِنَ الكبراءِ باستبدالِ بَعْضِ الأحكامِ الطَّاغوتيَّةِ بأحكامٍ طاغوتيَّةٍ أخرى، أيضًا مِنْ صُنعِ البشرِ.
وصَدَقَتْ تسميةُ اللهِ لهمْ بالأحبارِ والرُّهبانِ بَلْ وتسميةُ مَنْ اعتبرَهمْ مرجعيَّةً دينيَّةً يستفتيهمْ في أمرِهِ بقولِهِ جَلَّ وعلا:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31]

صفةُ الكفر بالطواغيتِ

$
0
0
Photo: ‎صفةُ الكفر بالطواغيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ  بَعْدَ أَنْ عرفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ عليكَ الكفرُ بالطَّاغوتِ، وأَنَّ إيمانَ المَرْءِ لا يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ الكفرِ بِهِ، يتعيَّنُ عليكَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الكفرِ بالطَّاغوتِ لتمارِسَهُ في واقِعِ حياتِكَ العمليَّةِ، وحتَّى لا يكونُ كفرُكَ بِهِ مجرَّدَ دعوَى أَوْ زعمًا بالِّلسانِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ، لا تَظهَرُ آثارُهُ على الجوارِحِ وفي واقِعِ الحياةِ، فيَطَالُكَ قولُهُ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].  أوَّلاً:  (معاداتُهمْ وبغضُهمْ والتبرُّؤُ منهمْ _________________  أي الطواغيتِ - وممَّنْ يعبدونَهمْ مِنْ دونِ اللهِ). قالَ تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا يْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: 4]. تأمَّل قولَهُ {بَدَا} الَّذي يُفيدُ غايةَ الظُّهورِ والوضوحِ وتقديمَ العداوةِ الَّتي مَحِلُّها الجوارِحُ الظَّاهرةُ على البغضاءِ الَّتي مَحِلُّها القَلْبُ، وهذا يدلُّ على أهمِّيَّةِ إظهارِ العداوةِ والبراءَةِ منهمْ إظهارًا لا لَبْسَ فيهِ ولا مُوارَبَةَ ولا غموضَ، إِذْ لا يَكفي إضمارُ البغضاءِ لهمْ في القلبِ ثُمَّ نحنُ في الظَّاهرِ طائعونَ مُسَلِّمونَ متودِّدونَ لهمْ! ثُمَّ تأمَّلْ تقديمَ البراءةِ مِنَ العابدينَ وشِرْكِهِمْ قِبَلَ المعبودينَ، وما ذلكَ إلاَّ للأهمِّيَّةِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ العابِدِ وشِرْكِهِ يقتضي البراءةَ مِنَ المعبودينَ دونَ العكسِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ المعبودينَ لا تستلزِمُ البراءةَ مِنْ عابديهمْ ومايُشركونَ. وقالَ تعالى عَنْ الخليل إبراهيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26]. وقالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العَالمِينَ (77)}[الشعراء: 75-77]. وقالَ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67]. هذهِ هِيَ الأُسوةُ الحسنةُ الَّتي أُمِرْنا بالاقتداءِ بها، وهذهِ هِيَ مِلَّةُ إبراهيمَ الَّتي لا يَرْغَبُ عنها إلاَّ مَنْ سَفِهَ نفسَهُ: {وَمَن يَّرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: 130].  ثانيًا: (تكفيرُ الطواغيتِ). _____________  قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، فلا بُدَّ مِنِ اعتقادِ كفرِهمْ بَلْ إِنَّهُ ركن في صِحَّةِ الإسلامِ. وقالَ تعالى: {وَمَن يَّقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ} [الأنبياء: 29]، وهذا وعيدٌ بحقِّ الكافرينَ.  ثالثًا: (عدمُ التحاكُمِ إلى الطواغيتِ). __________________  يكونُ الكفرُ بالطَّواغيتِ أيضًا بعَدَمِ التَّحاكُمِ إليهمْ بما يُشَرِّعونَ مِنْ قوانينَ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ وعَدَمِ إقرارِهمْ على دساتيرِهمُ المزعومَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أَنَّ ذلكَ يكونُ عبادةً لهمْ مِنْ دونِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَّعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17]. وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 35]. وقالَ عَنْ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48] وقالَ تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].  رابعًا: (البراءةُ منهم وعدمُ موالاتِهمْ). ___________________  ومِنْ اركان الكفرِ بالطَّواغيتِ انتفاءُ موالاتِهمْ أَوْ مُوَادَّتِهِمْ أَوِ الرُّكونِ إليهمْ أَوِ التَّحالُفِ معهمْ. قالَ تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَّتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]. فهذا مستحيلٌ إلاَّ إذا آثَرَ عبادُ اللهِ الكفرَ وَأَنْ يكونوا غَيْرَ مؤمنينَ. وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...} [النساء: 144] وقالَ تعالى: {وَمَن يَّتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].  وقالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]. وقالَ تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. وقالَ تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود: 113].  قالوا في الرُّكونِ: هوَ المَيْلُ اليسيرُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ: {وَلا تَرْكَنُوا} قالَ: ولا تميلوا.  ولمَّاكانتِ الطواغيتُ على رأسِ الظالمينَ كانَ لِزَامًا على كلِّ مَنْ ينتسبُ للإسلامِ أنْ يكَفِّرَهُمْ ويجاهِدَهُمْ بقلبهِ وبِمَا استطاعَ مِنْ جوارِحِهِ.  قالَ تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}  قالَ ابنُ مسعودٍ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ؛ أَيْ عَابِسٍ مُتَغَيِّرٍ مِنَ الْغَيظِ والبُغْضِ.  هذهِ هِيَ صفةُ الكفرِ بالطَّواغيتِ، وهكذا يَجِبُ أَنْ تكونَ، أمَّا أَنْ يَبْسُطَ لهمْ في المُوالاةِ والتَّودُّدِ ويَركَنَ إليهمْ، ويذودَ عنهمْ، ويَتَوَسَّعَ في التَّأويلِ لهمْ، ويَنْصُرَهُمْ على مَنْ عاداهمْ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ، ثُمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يكفرُ بالطَّواغيتِ، فهذا لا يكونُ مؤمنًا باللهِ كافرًا بالطَّاغوتِ، وهُوَ مِنْ غرائبِ الأمورِ الَّتي يَشْتَدُّ لها العَجَبُ في هذا الزَّمانِ.  وأَعْجَبُ مِنْ ذلكَ أناسٌ يُصَوِّرُونَ - رهبةً أَوْ رغبةً - الكفرَ بالطَّواغيتِ ومعاداتَهمْ وبُغْضَهم والخروجَ عليهمْ على أَنَّهُ فتنةٌ يَجِبُ اجتنابُها،   وخروجٌ على وُلاةِ الأمرِ ويَعُدُّونَهُ بَغْيًا يستوجِبُ القتلَ ثُمَّ يتكلَّفونَ في لَيِّ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الَّتي قيلتْ في المسلمين وأئمَّةِ المسلمينَ ليحمِلوه على طواغيتَ اجتمعتْ فيهمْ جميعُ خِصالِ الكفرِ والنِّفاقِ، وفي ذلكَ منهمْ المأجورُ مِنَ الطَّواغيتِ الَّذينَ يَذُبُّ عنهمْ، ومنهمْ مَنْ يظُنُّ أنَّها قُربى يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بها، غباءً مِنْهُ وجهلا غَيْرَ معذورٍ فيهِ.  ولهؤلاءِ  ومَنْ راوَغَ رَوَغانَهمْ وزاغَ كَزَيْغِهِمْ نقولُ لهمْ انطلاقًا مِنْ معتقداتِهمْ وما يَدَّعُونَ مِنْ علمٍ وزُهدٍ وَوَرَعٍ: ما مِنْ نبيٍّ إلاَّ وقَدِ ابتلاهُ اللهُ تعالى بطاغوتٍ بَلْ طواغيتَ يقارِعُهمْ ويجاهِدُهمْ ويُبطِلُ شِرْكَهمْ وكفرَهمْ، ولِتَتَمايزَ بجهادِهمُ النُّفوسُ فيُعْرَفُ المجاهِدُ الصَّابرُ مِنَ المنافقِ القاعِدِ المتخاذِلِ، كما قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}محمد: 31  وقالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].  فَعَلامَ أنتمْ - دعاةَ الاقتداءِ بالأنبياءِ - كما تَزْعُمونَ ‍‍لا تريدونَ أَنْ يكونَ لكمْ طواغيتَ تُبْتَلَوْنَ بهمْ، وتُظْهِرونَ الحقَّ والتَّوحيدَ مِنْ خلالِ مقارَعَتِهمْ ومجاهدَتِهمْ؟  فَعَلامَ تريدونَ أَنْ تكونوا نَشازًا عَنِ الأنبياءِ وتابعيهمْ مِنْ علماءِ الأمَّةِ العامِلينَ، ليسَ لكمْ طواغيتُ تجاهدونَهمْ وتُبْتَلَوْنَ بِهِمْ عِلْمًا بأَنَّ الأرضَ تَعُجُّ بآلافِ الطَّواغيتِ الَّتي تُعْبَدُ - جِهارًا نهارًا - مِنْ دونِ اللهِ تعالى وأنتمْ تعلمونَ ذلكَ وتُجادلونَ فيهِ بغَيْرِ برهانٍ مِنَ اللهِ إلاَّ تأويلَكمُ الفاسدَ وتبديلَكمْ لمعاني المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟  تقولونَ  هُمْ أولوا أمرِكمْ، وتقولونَ كفرًا دونَ كفرٍ، وتقولونَ الدستورَ ينُصُّ  على أَنَّ الإسلامَ هُوَ دينُ الدَّولةِ، وتقولونَ... وتقولونَ... بُهتانًا وزورًا، ساءَ ما تحكمونَ، ستُكْتَبُ شهادَتُكمْ وتُسألونَ.  فَرَرْتُمْ مِنَ الفِتنةِ بزعمِكمْ، ولَكِنَّكمْ قَدْ وقعتمْ فيها ودخلتموها مِنْ أوسعِ أبوابِها وأنتمْ تدرونَ أَوْ لا تدرونَ. {وَمِنْهُمْ مَن يَّقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]. _______‎


بَعْدَ أَنْ عرفْتَ أَنَّهُ يَجِبُ عليكَ الكفرُ بالطَّاغوتِ، وأَنَّ إيمانَ المَرْءِ لا يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ الكفرِ بِهِ، يتعيَّنُ عليكَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الكفرِ بالطَّاغوتِ لتمارِسَهُ في واقِعِ حياتِكَ العمليَّةِ،
وحتَّى لا يكونُ كفرُكَ بِهِ مجرَّدَ دعوَى أَوْ زعمًا بالِّلسانِ مِنْ دُونِ عَمَلٍ، لا تَظهَرُ آثارُهُ على الجوارِحِ وفي واقِعِ الحياةِ، فيَطَالُكَ قولُهُ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].

أوَّلاً:

(معاداتُهمْ وبغضُهمْ والتبرُّؤُ منهمْ
_________________

أي الطواغيتِ - وممَّنْ يعبدونَهمْ مِنْ دونِ اللهِ).
قالَ تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا يْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة: 4].
تأمَّل قولَهُ {بَدَا} الَّذي يُفيدُ غايةَ الظُّهورِ والوضوحِ وتقديمَ العداوةِ الَّتي مَحِلُّها الجوارِحُ الظَّاهرةُ على البغضاءِ الَّتي مَحِلُّها القَلْبُ، وهذا يدلُّ على أهمِّيَّةِ إظهارِ العداوةِ والبراءَةِ منهمْ إظهارًا لا لَبْسَ فيهِ ولا مُوارَبَةَ ولا غموضَ، إِذْ لا يَكفي إضمارُ البغضاءِ لهمْ في القلبِ ثُمَّ نحنُ في الظَّاهرِ طائعونَ مُسَلِّمونَ متودِّدونَ لهمْ!
ثُمَّ تأمَّلْ تقديمَ البراءةِ مِنَ العابدينَ وشِرْكِهِمْ قِبَلَ المعبودينَ، وما ذلكَ إلاَّ للأهمِّيَّةِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ العابِدِ وشِرْكِهِ يقتضي البراءةَ مِنَ المعبودينَ دونَ العكسِ، فإِنَّ البراءةَ مِنَ المعبودينَ لا تستلزِمُ البراءةَ مِنْ عابديهمْ ومايُشركونَ.
وقالَ تعالى عَنْ الخليل إبراهيمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26].
وقالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العَالمِينَ (77)}[الشعراء: 75-77].
وقالَ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67].
هذهِ هِيَ الأُسوةُ الحسنةُ الَّتي أُمِرْنا بالاقتداءِ بها، وهذهِ هِيَ مِلَّةُ إبراهيمَ الَّتي لا يَرْغَبُ عنها إلاَّ مَنْ سَفِهَ نفسَهُ:
{وَمَن يَّرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: 130].

ثانيًا: (تكفيرُ الطواغيتِ).
_____________

قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، فلا بُدَّ مِنِ اعتقادِ كفرِهمْ بَلْ إِنَّهُ ركن في صِحَّةِ الإسلامِ. وقالَ تعالى: {وَمَن يَّقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالمِينَ} [الأنبياء: 29]، وهذا وعيدٌ بحقِّ الكافرينَ.

ثالثًا: (عدمُ التحاكُمِ إلى الطواغيتِ).
__________________

يكونُ الكفرُ بالطَّواغيتِ أيضًا بعَدَمِ التَّحاكُمِ إليهمْ بما يُشَرِّعونَ مِنْ قوانينَ ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ وعَدَمِ إقرارِهمْ على دساتيرِهمُ المزعومَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أَنَّ ذلكَ يكونُ عبادةً لهمْ مِنْ دونِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَّعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17].
وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 35].
وقالَ عَنْ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [مريم: 48]
وقالَ تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].

رابعًا: (البراءةُ منهم وعدمُ موالاتِهمْ).
___________________

ومِنْ اركان الكفرِ بالطَّواغيتِ انتفاءُ موالاتِهمْ أَوْ مُوَادَّتِهِمْ أَوِ الرُّكونِ إليهمْ أَوِ التَّحالُفِ معهمْ.
قالَ تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَّتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]. فهذا مستحيلٌ إلاَّ إذا آثَرَ عبادُ اللهِ الكفرَ وَأَنْ يكونوا غَيْرَ مؤمنينَ.
وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ...} [النساء: 144]
وقالَ تعالى: {وَمَن يَّتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].

وقالَ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].
وقالَ تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
وقالَ تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[هود: 113].

قالوا في الرُّكونِ: هوَ المَيْلُ اليسيرُ.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: {وَلا تَرْكَنُوا} قالَ: ولا تميلوا.

ولمَّاكانتِ الطواغيتُ على رأسِ الظالمينَ كانَ لِزَامًا على كلِّ مَنْ ينتسبُ للإسلامِ أنْ يكَفِّرَهُمْ ويجاهِدَهُمْ بقلبهِ وبِمَا استطاعَ مِنْ جوارِحِهِ.

قالَ تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

قالَ ابنُ مسعودٍ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبِقَلْبِهِ، وَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ؛ أَيْ عَابِسٍ مُتَغَيِّرٍ مِنَ الْغَيظِ والبُغْضِ.

هذهِ هِيَ صفةُ الكفرِ بالطَّواغيتِ، وهكذا يَجِبُ أَنْ تكونَ، أمَّا أَنْ يَبْسُطَ لهمْ في المُوالاةِ والتَّودُّدِ ويَركَنَ إليهمْ، ويذودَ عنهمْ، ويَتَوَسَّعَ في التَّأويلِ لهمْ، ويَنْصُرَهُمْ على مَنْ عاداهمْ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ، ثُمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يكفرُ بالطَّواغيتِ، فهذا لا يكونُ مؤمنًا باللهِ كافرًا بالطَّاغوتِ، وهُوَ مِنْ غرائبِ الأمورِ الَّتي يَشْتَدُّ لها العَجَبُ في هذا الزَّمانِ.

وأَعْجَبُ مِنْ ذلكَ أناسٌ يُصَوِّرُونَ - رهبةً أَوْ رغبةً - الكفرَ بالطَّواغيتِ
ومعاداتَهمْ وبُغْضَهم والخروجَ عليهمْ على أَنَّهُ فتنةٌ يَجِبُ اجتنابُها،

وخروجٌ على وُلاةِ الأمرِ ويَعُدُّونَهُ بَغْيًا يستوجِبُ القتلَ ثُمَّ يتكلَّفونَ في لَيِّ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الَّتي قيلتْ في المسلمين وأئمَّةِ المسلمينَ ليحمِلوه على طواغيتَ اجتمعتْ فيهمْ جميعُ خِصالِ الكفرِ والنِّفاقِ، وفي ذلكَ منهمْ المأجورُ مِنَ الطَّواغيتِ الَّذينَ يَذُبُّ عنهمْ، ومنهمْ مَنْ يظُنُّ أنَّها قُربى يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بها، غباءً مِنْهُ وجهلا غَيْرَ معذورٍ فيهِ.

ولهؤلاءِ

ومَنْ راوَغَ رَوَغانَهمْ وزاغَ كَزَيْغِهِمْ نقولُ لهمْ انطلاقًا مِنْ معتقداتِهمْ وما يَدَّعُونَ مِنْ علمٍ وزُهدٍ وَوَرَعٍ: ما مِنْ نبيٍّ إلاَّ وقَدِ ابتلاهُ اللهُ تعالى بطاغوتٍ بَلْ طواغيتَ يقارِعُهمْ ويجاهِدُهمْ ويُبطِلُ شِرْكَهمْ وكفرَهمْ، ولِتَتَمايزَ بجهادِهمُ النُّفوسُ فيُعْرَفُ المجاهِدُ الصَّابرُ مِنَ المنافقِ القاعِدِ المتخاذِلِ، كما قالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}محمد: 31

وقالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].

فَعَلامَ أنتمْ - دعاةَ الاقتداءِ بالأنبياءِ - كما تَزْعُمونَ ‍‍لا تريدونَ أَنْ يكونَ لكمْ طواغيتَ تُبْتَلَوْنَ بهمْ، وتُظْهِرونَ الحقَّ والتَّوحيدَ مِنْ خلالِ مقارَعَتِهمْ ومجاهدَتِهمْ؟

فَعَلامَ تريدونَ أَنْ تكونوا نَشازًا عَنِ الأنبياءِ وتابعيهمْ مِنْ علماءِ الأمَّةِ العامِلينَ، ليسَ لكمْ طواغيتُ تجاهدونَهمْ وتُبْتَلَوْنَ بِهِمْ عِلْمًا بأَنَّ الأرضَ تَعُجُّ بآلافِ الطَّواغيتِ
الَّتي تُعْبَدُ - جِهارًا نهارًا - مِنْ دونِ اللهِ تعالى وأنتمْ تعلمونَ ذلكَ وتُجادلونَ فيهِ بغَيْرِ برهانٍ مِنَ اللهِ إلاَّ تأويلَكمُ الفاسدَ وتبديلَكمْ لمعاني المُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟

تقولونَ

هُمْ أولوا أمرِكمْ، وتقولونَ كفرًا دونَ كفرٍ، وتقولونَ الدستورَ ينُصُّ

على أَنَّ الإسلامَ هُوَ دينُ الدَّولةِ، وتقولونَ... وتقولونَ... بُهتانًا
وزورًا، ساءَ ما تحكمونَ، ستُكْتَبُ شهادَتُكمْ وتُسألونَ.

فَرَرْتُمْ مِنَ الفِتنةِ بزعمِكمْ، ولَكِنَّكمْ قَدْ وقعتمْ فيها ودخلتموها مِنْ أوسعِ أبوابِها وأنتمْ تدرونَ أَوْ لا تدرونَ.
{وَمِنْهُمْ مَن يَّقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49].

الكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ وأَثَرُهُ في قبولِ لا إلهَ إلاَّ اللهُ

$
0
0
Photo: ‎الكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ وأَثَرُهُ في قبولِ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  اعلم أنَّ أعظمَ ركنٍ في الإسلامِ جاءتْ بِهِ الرُّسلُ هُوَ الإيمانُ باللهِ تعالى وحدَهُ والكفرُ بالطَّاغوتِ، وهُوَ غايةُ الرُّسلِ والرِّسالاتُ، وأوَّلُ ما يجِبُ على العبدِ القيامُ بِهِ نَحْوَ ربِّهِ قَبْلَ الصَّلاةِ والصِّيامِ والزَّكاةِ وحَجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ، وغيرِ ذلكَ مِنْ فرائضِ الإسلامِ،  فلا يَصِحُّ إيمانٌ إلاَّ بعدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ، ولا يُقبَلُ عَمَلٌ إلاَّ بعدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ، ولا يُعصَمُ دَمٌ ولا مالٌ إلاَّ بَعْدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ.  قالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [سورة النحل: 36].  فهِيَ المُهمَّةُ الأولى لجميعِ الرُّسلِ بلا استثناءٍ.  وقالَ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [ سورة البقرة: 256].  فتقديمُ الكفرِ بالطَّاغوتِ على الإيمانِ باللهِ تعالى، لَهُ دلالاتٌ عظيمةٌ  منها:عدمُ الاستهانةِ بقضيةِ الكفرِ بالطَّاغوتِ، وبيانُ أَنَّهُ أصلٌ هامٌ تُبنَى عليهِ بقيَّةُ أصولِ الدِّينِ وفروعِهِ  ومنها: أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْبِقَ الإيمانَ باللهِ الكفرُ بالطَّاغوتِ، ولَوْ قُدِّمَ الإيمانُ على الكُفرِ بالطَّاغوتِ فإِنَّ الإيمانَ لا يَنْفَعُ صاحبَهُ في شيءٍ إلاَّ بَعْدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ والتَّخلِّي عَنِ الشِّركِ.  - ومنها: أَنَّ الإيمانَ باللهِ والإيمانَ بالطَّاغوتِ لا يمكنُ اجتماعُهما في قَلْبِ امرِئٍ واحدٍ ولَوْ لبُرْهَةٍ واحدةٍ، فإِنَّ الإيمانَ بأحدِهما يستلزمُ انتفاءَ الآخَرِ، كما في الحديثِ: (لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَالْكُفْرُ في قَلْبٍ وَاحِدٍ). فإمَّا إيمانٌ باللهِ يسبِقُهُ كفرٌ بالطَّاغوتِ، وإمَّا إيمانٌ بالطَّاغوتِ وكفرٌ باللهِ تعالى، وافتراضُ اجتماعِهما هُوَ افتراضُ اجتماعِ الشَّيءِ وضدِّهُ في آنٍ واحدٍ.  وفي معنى {الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قالَ بعضُ أهلِ العلمِ: العروةُ الوُثقى تعني الإيمانَ. وقالَ بعضُهمْ: تعني الإسلامَ، وقالَ بعضُهمْ: تعني لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ... وهذهِ أقوالٌ متقاربةٌ كلُّها صحيحةٌ لا تَنافيَ بينَهاومفهومُ قولِ اللهِ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفَصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أَنَّ مَنْ آمنَ بِاللهِ وَلَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ، أَوْ كفرَ بالطَّاغوتِ ولَمْ يؤمنْ بِاللهِ لا يكونُ قَدِ استمسَكَ بِالعُروةِ الوُثقى وشَهِدَ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.  وفي الحديثِ: فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنَّهُ قالَ: (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ). رواهُ مسلمٌ  قالَ شيخُ الإسلامِ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  فقولُهُ: (وَكَفَرَ بِمَايُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ) تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ، فَلا يَكُونُ معصومَ الدَّمِ والمالِ إلاَّ بذلكَ، فلَوْ شكَّ أَوْ تردَّدَ لَمْ يُعْصَمْ دَمُهُ ومالُهُ]. واعلم أيضا أَنَّ الإنسانَ لا يصيرُ مسلمًاإلاَّ بالكفرِ بالطَّاغوتِ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فالرُّشدُ دينُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والغَيُّ دينُ أبي جهلٍ، والعُروةُ الوُثقى شهادةُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وهيَ متضمِّنةٌ للنَّفيِ والإثباتِ؛ تنفِي جميعَ أنواعِ العبادةِ عَنْ غَيْرِ اللهِ وتثبتُ جميعَ أنواعِ العبادةِ كلِّها للهِ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ. وهذا الأمرُ أعظمُ عروةً مِنَ عُرَى الإسلامِ، لا تُقبلُ صلاةٌ، ولا صيامٌ ولا زكاةٌ ولا حَجٌّ ولا جِهادٌ بَلْ ولا دعاءٌ إلاَّ بِهِ، ولا يمكنُ النَّجاةُ مِنَ النَّارِ دونَ التَّمسُّكِ بِهِ، إِذْ هُوَ العروةُ الوحيدةُ الَّتي ضَمِنَ اللهُ تعالى لنا ألاَّ تَنْفَصِمَ، أمَّا مَا سِواهَا مِنْ عُرَى الدِّينِ وشرائِعِهِ فلا تكفي وحدَها دونَ هذهِ العُروةِ للنَّجاةِ، قالَ تعالى: {قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا...}[البقرة: 256].  تأمَّلْ كيفَ قَدَّمَ اللهُ الكفرَ بالطَّاغوتِ واجتنابَهُ في الذِّكْرِ على الإيمانِ بِهِ والإنابةِ إليهِ سبحانَهُ، تمامًا كما قَدَّمَ النَّفيَ على الإثباتِ في كلمةِ التَّوحيدِ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وما ذلكَ إلاَّ تنبيهًا على هذا الرُّكنِ العظيمِ مِنْ هذهِ العُروةِ الوُثقى، فلا يَصِحُّ الإيمانُ باللهِ ولا يَنْفَعُ إلاَّ بالكفرِ بالطَّاغوتِ أوَّلاً.  حكم من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطواغيت: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إِنَّ مَنْ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ لكنَّهُ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ هُوَ كمَنْ يقولُ بالشَّيءِ وضِدِّهِ في آنٍ واحدٍ، وبالشَّيءِ وعَدَمِهِ لا تستقيمُ الأمورُ، فإِنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ تَتَضَمَّنُ الكفرَ بالطَّاغوتِ في جانِبِ النَّفيِ منها، فمَنْ لا يكفرْ بالطَّاغوتِ مَثَلُهُ كَمَثِلِ مَنْ يقولُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ ثُمَّ مِنْ جِهَةٍ أخرى - بلسانِ الحالِ أَوِ المَقَالِ – يقولُ : هناكَ إلهٌ مَعَ اللهِ وهذا في دعواهُ الإسلامَ كذَّابٌ ومنافقٌ وزِنديقٌ ومُستهزِئٌ بدينِ اللهِ، وهُو كافرٌ بَلْ لَمْ يدخلْ في الإسلامِ أصلاً ومُرْتَدٌّ عَنْهُ إِنْ كانَ قَدْ دخلَ فيهِ، وقَدْ تكونُ رِدَّتُهُ مُغَلَّظَةً مِنْ جهةِ تكرارِ رِدَّتِهِ وتهاوُنِهِ في ذلكَ، وإليكَ الأدلَّةُ على ذلكَ  -أمَّا كَوْنُهُ كذَّابًا: فَهُوَ لقولِهِ بالشَّيءِ وضِدِّهِ، فَمِنْ جِهَةٍ يَدَّعِي أَنَّهُ يكفرُ بالآلهةِ جميعِها إلاَّ اللهَ، ثُمَّ تراهُ يُؤمنُ بالطَّاغوتِ ويعبُدُهُ مِنْ دونِ اللهِ أَوْ مَعَهُ.  -وأمَّا كَوْنُهُ منافقًا، فَهُوَ لجَمْعِهِ بَيْنَ الشَّيءِ وضِدِّهِ، فمِنْ جِهَةٍ تراهُ يَزْعُمُ بلسانِهِ التَّوحيدَ، ثُمَّ هُوَ في المقابلِ يُضْمِرُ الكفرَ وعبادَةَ الطَّاغوتِ.  - وأمَّا كونُهُ زِنْديقًا: فهُوَ لجُحودِهِ وكفرِهِ وأَنَّهُ عابدٌ للطَّاغوتِ، وإذا ما أُقيمتِ الحُجَّةُ على كُفرِهِ، فهُوَ سُرعانَ ما يُنْكِرُ ويَتَمَلَّصُ بأَنَّهُ مُسلمٌ وأَنَّهُ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ متحصِّنًا بها كما زيَّنَ لَهُ شياطينُ الإنسِ ممَّنْ يُسَمَّوْنَ بالدُّعاةِ في هذ الزَّمانِ، فَهُمْ حقًّا دُعاةٌ ولَكِنْ دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّمَ مَنْ أجابَهمْ قذفوهُ فيها  -وأمَّا كونُهُ مستهزِئًا بدينِ اللهِ: فهُوَ لإعلانِهِ التَّوحيدَ مئاتِ المرَّاتِ بتلفُّظِهِ بلا إلهَ إلاَّ اللهُ – كما يَزْعُمُ - وفي كلِّ مرَّةٍ لا يبالي في أَنْ يأتيَ بما يَنْقُضُ التَّوحيدَ على مدارِ السَّاعةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ حَرَجًا في أَنْ يأتيَ بضدِّهِ وبما ينقُضُهُ في نفسِ الوقتِ. فأيُّ تلاعبٍ بدينِ اللهِ بعدَ هذا التَّلاعُبِ، وأيُّ استهانةٍ بَعْدَ هذهِ الاستهانةِ.  يقولُ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمَهُ اللهُ:  [دينُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التَّوحيدُ، وهُوَ معرفةُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ، والعَمَلُ بمُقتضاها، فإِنْ قِيلَ: كُلُّ النَّاسِ يقولونها، قِيلَ: منهمْ مَنْ يقولُها ويحسَبُ معناه أَنَّهُ لا يخلقُ إلاَّ اللهُ ولا يَرزُقُ إلاَّ اللهُ وأشباهُ ذلكَ، ومنهمْ لا يفهمُ معناها، ومنهمْ مَنْ لا يعملُ بمُقتضاها، ومنهمْ مَنْ لا يَعْقِلُ حقيقَتَها، وأَعَجْبُ مِنْ ذلكَ مَنْ عَرَفَها مِنْ وَجْهٍ وعاداها وأهلَها مِنْ وَجْهٍ! وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ أحبَّها وانتسَبَ إلى أهلِها ولَمْ يُفرِّقْ بَيْنَ أوليائِها وأعدائِها! يا سبحانَ اللهِ العظيمِ أَتكونُ طائفتانِ مختلفتانِ في دينٍ واحدٍ وكلُّهمْ على الحقِّ؟ كلا واللهِ، فماذا بَعْدَ الحقِّ إلاَّ الضَّلالُ؟]. (الرسائل) اهـ  وأمَّا كوْنُهُ كافرًا: لأنَّ الكفرَ بالطَّاغوتِ رُكن في صحَّةِ الإسلامِ كما قَدَّمْنا.  وأمَّا كونُهُ مرتدًّا: هُوَ ممَّا لا خَفاءَ فيهِ، حيثُ هُوَ بَعْدَ دخولِهِ الإسلامَ بشهادَةِ التَّوحيدِ الَّتي نَطَقَ بها – كما يظنُّ – لا يزالُ عاكفًا على عبادةِ آلهةٍ أخرى مَعَ اللهِ أَوْ مِنْ دونِهِ. فالشِّرْكُ مُحْبِطٌ للعملِ كليًّا، كما قالَ تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].  -وأمَّا كوْنُ ردَّتِهِ مغلَّظَةً لِتَلاعُبِهِ بالتَّوحيدِ وتِكْرارِ رِدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ اكْتراثٍ بما يَصْنَعُ. قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]. وقالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90].  قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ رحمِهُ اللهُ: ----------------------------------  [أخبرَ سبحانَهُ أَنَّ مَنِ ازدادَ كفرًا بَعْدَ إيمانِهِ لَنْ تُقبَلَ توبَتُهُ، وفرقٌ بَيْنَ الكفرِ المَزِيدِ كفرًا والكفرِ المجرَّدِ في قَبُولِ التَّوبةِ مِنَ الثَّاني دُونَ الأوَّلِ، فمَنْ زَعَمَ أَنَّ كلَّ كُفْرٍ بَعْدَ الإيمانِ تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوبةُ فَقَدْ خالَفَ نَصَّ القرآنِ]. (الصارم المسلول) اهـ  إذا تقرَّر هذا: فإِنَّ مَنْ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ لا تنفَعُهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، ولا سائرُ الأعمالِ الصَّالحةِ مِنْ صلاةٍ وزكاةٍ وصِيامٍ وحَجٍّ وغَيْرِ ذلكَ،لأنَّهُ يأتي بالتَّوحيدِ وبما يُكذِّبُهُ في آنٍ واحدٍ.  واعلم أنَّ العبوديَّةَ للهِ وحدَهُ والبراءَةَ مِنْ عبادَةِ الطَّاغوتِ والتَّحاكُمَ إليهِ سبحانَهُ مِنْ مُقتضَى شهادَةِ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأَنَّ محمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ بَلْ من اركان قَبُولِهَا.  فمَنْ نَصَحَ نفسَهُ وأهلَهُ وعِيَالَهُ، وأرادَ النَّجاةَ مِنَ النَّارِ، فَلْيعرِفْ شَهادةَ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ، فإِنَّها العُروةُ الوُثقى وكلمَةُ التَّقوى، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ عملاً إلاَّ بها، لا صلاةً ولا صوْمًا ولا حَجًّا ولا صدقةً ولا جميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ إلاَّ بمعرفةِ معناها والعملِ بمُقتضى هذهِ المعرفةِ، وهِيَ كلمةُ التَّوحيدِ وحَقُّ اللهِ على العباد. _____________________  الطـاغــوت وانواعه ــــــــــــــــــــــــــــ  اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم عبادة الله واجتناب الطاغوت، والدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}  واعلم أن الإنسان ما يصير مسلما مستمسكا بلا إله إلا الله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.  تعريف الطاغوت ــــــــــــــــــــ  يقول ابن القيم فى تعريف الطاغوت (والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله) (اعلام الموقعين)  ويقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب فى تعريف الطاغوت هو( كل ما عُبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله)  أنواع الطاغوت يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  فى بيان أنواع الطواغيت (والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:  (الأول): الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.  ( الثاني ): الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}.  ( الثالث ): الذي يحكم بغير ما أنزل الله (وهم ايضآ من ينفذون حكم الحاكم المبدل )، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}  ( الرابع ): الذي يدعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى:(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}  ( الخامس ): الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}..(مجموعة رسائل فى التوحيد)  أنواع الطواغيت فى زماننا إذا كان الطاغوت هو المعبود من دون الله ،وإذا كان للعبادة معنيان معنى النسك والشعائر ومعنى الطاعة فيكون الطاغوت كذلك نوعان طاغوت نسك وشعائر وطاغوت طاعة وحكم  أولا ؛ طاغوت النسك والشعائر وهو ممثل فى تلك الأضرحة والمشاهد التى يؤمها العباد من الصوفية والشيعة وغيرهم من العامة كثير لأداء الشعائر والنسك لها من طواف وذبح ونذر ودعاء  ثانيا ؛ طاغوت الطاعة والحكم وهو ممثل فى : 1- الدساتير والقوانين الوضعية التى يخضع الناس لها ويتحاكمون إليها ويعظمونها وينبذون شرع الله  2-المجالس التشريعية (البرلمانات) وهى رجال تختارهم الشعوب لسن القوانين لهم فهى فى حقيقتها مجالس أرباب  {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }  3-المحاكم الوضعية والمجالس العرفية وهم رجال من البشر يقضون بين الناس بما نصت عليه القوانين الوضعية أو الأحكام العرفية بمعزل عن شرع الله  4-الدعاة إلى الكفر والشرك كالدعاة إلى تقديس القوانين الوضعية وتحسينها وكذلك الدعاة إلى الديمقراطية أو الاشتراكية أو العلمانية وكلها مذاهب شركية يكفر فيها التابع والمتبوع  5-الشيطان وهو رأس الطواغيت جميعها والداعى إلى كل كفر وشر وكل الطواغيت تبع له وفرع {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يس: 60]  الصالحون لا يسمون طواغيت اعلم هداك الله أن الصالحين الذين عبدهم المشركون مع الله لا يسمون طواغيتا كعيسى حين عبدته النصارى وعزير حين عبده اليهود والحسين والحسن حين عبدهما الشيعة والصوفية ، لأنهم غير داعين لهذه العبادة غير راضين بها والذين يعبدونهم ويدعونهم هم فى الحقيقة يعبدون الجن والشياطين قال تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ )  الطاغوت لا يكون إلا شديد الكفر يقول ابن جرير الطبرى فى تعريف الطاغوت (أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أوكائنا ما كان من شئ).(تفسير الطبرى)  إذن فطغيان الطاغوت متجه إلى حق من حقوق الله لذا فالطاغوت لا يكون إلا كافرا شديد الكفر لأنه من الطغيان وهو مجاوزة الحد فى الكفر ، لأن طغيان الطاغوت يكون فى حق الله بادعائه حق من حقوقه كالتشريع أو علم الغيب ، أما الطغيان فى حق البشر فلا يسمى طاغوتا وإنما يسمى ظلما ،ولم يأت فى القرآن ولا فى السنة ولا فى أقوال العلماء إطلاق كلمة الطاغوت على المسلم الظالم ومن هنا تبين جهل وخطأ من فرق بين الكفر بالطاغوت وتكفيره ،إذ كيف يكون الطاغوت مسلما وقد أمرنا أن نكفر به لندخل فى الإسلام؟! _________  كيف نكفر بالطاغوت ___________  يقول محمد ابن عبد الوهاب (فأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم).(مجموعة رسائل فى التوحيد)  والكفر بالطاغوت فى زماننا يكون بالبراءة من كل طواغيت الطاعة والحكم بالبراءة من الدساتير والقوانين الوضعية ومن واضعيها بجحود طاعتها والخضوع لها أو احترامها أو التحاكم إليها ومن المتحاكمين إليها ،وبالبراءة من المذاهب الكفرية جميعها كالديمقراطية ومن اتباعها والدعاة إليها وبالبراءة من طواغيت النسك والشعائر بالبراءة من تلك المشاهد والأضرحة بجحود كونها تنفع أو تضر وبجحود استحقاقها لأى صور العبادة كالدعاء والذبح وعدم اعطائها أيا من صور تلك العبادة،كذلك بالبراءة من عابديها بتكفيرهم والبراءة من عملهم  إخبار الرسول عن عودة أمته إلى عبادة الطواغيت  قال رسول الله (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن)؟)(متفق عليه )   أخبر الرسول أن أمته ستتبع أهل الكتاب قبلهم وأخبرنا القرآن أن أهل الكتاب قد عبدوا الطواغيت قال تعالى (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) فيكون ذلك إخبار بأن أمته ستعبد الطواغيت. وعن أنس قال : (إنها ستكون ملوك ثم الجبابرة ثم الطواغيت ). ( مصنف ابن ابى شيبة)  أى أنه سيحكم الأمة بعد الخلفاء الراشدين ثلاث أصناف من الحكام  ،الصنف الأول الملوك وهم الذين تخلوا عن سيرة الخلفاء الراشدون فى الزهد والورع وتحرى العدل والرفق بالرعية والقيام بأمرها ،وتشبهوا بالملوك في سيرتهم وأخلاقهم وإسرافهم مع قيامهم بمنهج الله وعدم الخروج عليه وهؤلاء مسلمون مع مخالفاتهم  ،الصنف الثانى وهم الجبابرة وهم الذين أسرفوا فى القتل وظلم رعيتهم مع قيامهم أيضا بشرع الله وعدم تبديله وهؤلاء مسلمون أيضا وإن كانت هناك مظالم كبيرة ،  الصنف الثالث :الطواغيت وهم الحكام المبدلون لشرع الله الخارجون عليه الواضعون للناس القوانين من عند أنفسهم وهؤلاء كفار وإن لم يظلموا وإن تحروا العدل فى حكمهم وبين رعيتهم،كفار لأنهم قد وقعوا وأوقعوا الناس فى الظلم الأكبر وهو الشرك بالله بترك منهجه وتحكيم مناهج البشر،كحكام أهل زماننا ومن تبع شيئا من هذه الطواغيت فى الدنيا بتحاكم أو نصرة ،أمر بأن يتبعها يوم القيامة حتى يلقى فى جهنم   ففى الحديث أن الرسول قال (يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ . فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ ) ( صحيح البخارى) __________  ورود الطاغوت فى القرآن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ورد ذكر الطاغوت فى القرآن ثمان مرات ثلاث منها فى بيان حقيقة الدين وخمس فى بيان حقيقة الكفر وعلاقة الطاغوت بعابديه ،أما الثلاث التى بينت حقيقة الدين فأوجبت الكفر به واجتنابه للدخول فى الإسلام وهى  قوله تعالى(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(256)البقرة  (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ)النحل (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17))الزمر  أما الخمس التى بينت حقيقة الطاغوت وعلاقته بعابديه فهى ________________________________  1- (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة )يبين تعالى فى الآية الكريمة كيف يخرج الطاغوت أوليائه من نور التوحيد الذى ولدوا عليه إلى ظلمات الكفر الذى دعتهم إليه الطواغيت  2-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) النساء) يعجّب سبحانه نبيه من أهل الكتاب وقد أنزل الله عليهم وحيا ومنهجا فتركوا ذلك وآمنوا بالجبت والطاغوت. والجبت : كلمة جامعة لمعانى الكهانة والشعوذة والسحر ،والإيمان بالطاغوت يكون بالتحاكم إليه والقتال فى سبيله كما سيأتى فى الآيتين التاليتين  3-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)) النساء  4- (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (76)النساء  5- (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) يخبر تعالى عن لعنه ومسخه لبنى اسرائيل حين اعرضوا عن منهجه فعاقبهم بأن مسخهم قردة ومسخهم خنازير ومسخهم عبدا للطاغوت ،فعبادة الطاغوت مسخ للفطرة كالمسخ قردة وخنازير ___________________‎


اعلم أنَّ أعظمَ ركنٍ في الإسلامِ جاءتْ بِهِ الرُّسلُ هُوَ الإيمانُ باللهِ تعالى وحدَهُ والكفرُ بالطَّاغوتِ، وهُوَ غايةُ الرُّسلِ والرِّسالاتُ، وأوَّلُ ما يجِبُ على العبدِ القيامُ بِهِ نَحْوَ ربِّهِ قَبْلَ الصَّلاةِ والصِّيامِ والزَّكاةِ وحَجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ، وغيرِ ذلكَ مِنْ فرائضِ الإسلامِ،

فلا يَصِحُّ إيمانٌ إلاَّ بعدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ، ولا يُقبَلُ عَمَلٌ إلاَّ بعدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ، ولا يُعصَمُ دَمٌ ولا مالٌ إلاَّ بَعْدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ.

قالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [سورة النحل: 36].

فهِيَ المُهمَّةُ الأولى لجميعِ الرُّسلِ بلا استثناءٍ.

وقالَ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [ سورة البقرة: 256].

فتقديمُ الكفرِ بالطَّاغوتِ على الإيمانِ باللهِ تعالى، لَهُ دلالاتٌ عظيمةٌ

منها:عدمُ الاستهانةِ بقضيةِ الكفرِ بالطَّاغوتِ، وبيانُ أَنَّهُ أصلٌ هامٌ تُبنَى عليهِ بقيَّةُ أصولِ الدِّينِ وفروعِهِ

ومنها: أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْبِقَ الإيمانَ باللهِ الكفرُ بالطَّاغوتِ، ولَوْ قُدِّمَ الإيمانُ على الكُفرِ بالطَّاغوتِ فإِنَّ الإيمانَ لا يَنْفَعُ صاحبَهُ في شيءٍ إلاَّ بَعْدَ الكفرِ بالطَّاغوتِ والتَّخلِّي عَنِ الشِّركِ.

- ومنها: أَنَّ الإيمانَ باللهِ والإيمانَ بالطَّاغوتِ لا يمكنُ اجتماعُهما في قَلْبِ امرِئٍ واحدٍ ولَوْ لبُرْهَةٍ واحدةٍ، فإِنَّ الإيمانَ بأحدِهما يستلزمُ انتفاءَ الآخَرِ، كما في الحديثِ:
(لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَالْكُفْرُ في قَلْبٍ وَاحِدٍ). فإمَّا إيمانٌ باللهِ يسبِقُهُ كفرٌ بالطَّاغوتِ، وإمَّا إيمانٌ بالطَّاغوتِ وكفرٌ باللهِ تعالى، وافتراضُ اجتماعِهما هُوَ افتراضُ اجتماعِ الشَّيءِ وضدِّهُ في آنٍ واحدٍ.

وفي معنى {الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قالَ بعضُ أهلِ العلمِ: العروةُ الوُثقى تعني الإيمانَ. وقالَ بعضُهمْ: تعني الإسلامَ، وقالَ بعضُهمْ: تعني لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ... وهذهِ أقوالٌ متقاربةٌ كلُّها صحيحةٌ لا تَنافيَ بينَهاومفهومُ قولِ اللهِ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفَصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أَنَّ مَنْ آمنَ بِاللهِ وَلَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ، أَوْ كفرَ بالطَّاغوتِ ولَمْ يؤمنْ بِاللهِ لا يكونُ قَدِ استمسَكَ بِالعُروةِ الوُثقى وشَهِدَ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.

وفي الحديثِ: فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنَّهُ قالَ: (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ). رواهُ مسلمٌ

قالَ شيخُ الإسلامِ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقولُهُ: (وَكَفَرَ بِمَايُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ) تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ، فَلا يَكُونُ معصومَ الدَّمِ والمالِ إلاَّ بذلكَ، فلَوْ شكَّ أَوْ تردَّدَ لَمْ يُعْصَمْ دَمُهُ ومالُهُ]. واعلم أيضا أَنَّ الإنسانَ لا يصيرُ مسلمًاإلاَّ بالكفرِ بالطَّاغوتِ، والدَّليلُ قولُهُ تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فالرُّشدُ دينُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والغَيُّ دينُ أبي جهلٍ، والعُروةُ الوُثقى شهادةُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وهيَ متضمِّنةٌ للنَّفيِ والإثباتِ؛ تنفِي جميعَ أنواعِ العبادةِ عَنْ غَيْرِ اللهِ وتثبتُ جميعَ أنواعِ العبادةِ كلِّها للهِ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ.
وهذا الأمرُ أعظمُ عروةً مِنَ عُرَى الإسلامِ، لا تُقبلُ صلاةٌ، ولا صيامٌ ولا زكاةٌ ولا حَجٌّ ولا جِهادٌ بَلْ ولا دعاءٌ إلاَّ بِهِ، ولا يمكنُ النَّجاةُ مِنَ النَّارِ دونَ التَّمسُّكِ بِهِ، إِذْ هُوَ العروةُ الوحيدةُ الَّتي ضَمِنَ اللهُ تعالى لنا ألاَّ تَنْفَصِمَ، أمَّا مَا سِواهَا مِنْ عُرَى الدِّينِ وشرائِعِهِ فلا تكفي وحدَها دونَ هذهِ العُروةِ للنَّجاةِ، قالَ تعالى: {قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا...}[البقرة: 256].

تأمَّلْ كيفَ قَدَّمَ اللهُ الكفرَ بالطَّاغوتِ واجتنابَهُ في الذِّكْرِ على الإيمانِ بِهِ والإنابةِ إليهِ سبحانَهُ، تمامًا كما قَدَّمَ النَّفيَ على الإثباتِ في كلمةِ التَّوحيدِ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وما ذلكَ إلاَّ تنبيهًا على هذا الرُّكنِ العظيمِ مِنْ هذهِ العُروةِ الوُثقى، فلا يَصِحُّ الإيمانُ باللهِ ولا يَنْفَعُ إلاَّ بالكفرِ بالطَّاغوتِ أوَّلاً.

حكم من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطواغيت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إِنَّ مَنْ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ لكنَّهُ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ هُوَ كمَنْ يقولُ بالشَّيءِ وضِدِّهِ في آنٍ واحدٍ، وبالشَّيءِ وعَدَمِهِ لا تستقيمُ الأمورُ، فإِنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ تَتَضَمَّنُ الكفرَ بالطَّاغوتِ في جانِبِ النَّفيِ منها، فمَنْ لا يكفرْ بالطَّاغوتِ مَثَلُهُ كَمَثِلِ مَنْ يقولُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ ثُمَّ مِنْ جِهَةٍ أخرى - بلسانِ الحالِ أَوِ المَقَالِ – يقولُ : هناكَ إلهٌ مَعَ اللهِ
وهذا في دعواهُ الإسلامَ كذَّابٌ ومنافقٌ وزِنديقٌ ومُستهزِئٌ بدينِ اللهِ، وهُو كافرٌ بَلْ لَمْ يدخلْ في الإسلامِ أصلاً ومُرْتَدٌّ عَنْهُ إِنْ كانَ قَدْ دخلَ فيهِ،
وقَدْ تكونُ رِدَّتُهُ مُغَلَّظَةً مِنْ جهةِ تكرارِ رِدَّتِهِ وتهاوُنِهِ في ذلكَ، وإليكَ الأدلَّةُ على ذلكَ

-أمَّا كَوْنُهُ كذَّابًا:
فَهُوَ لقولِهِ بالشَّيءِ وضِدِّهِ، فَمِنْ جِهَةٍ يَدَّعِي أَنَّهُ يكفرُ بالآلهةِ جميعِها إلاَّ اللهَ، ثُمَّ تراهُ يُؤمنُ بالطَّاغوتِ ويعبُدُهُ مِنْ دونِ اللهِ أَوْ مَعَهُ.

-وأمَّا كَوْنُهُ منافقًا،
فَهُوَ لجَمْعِهِ بَيْنَ الشَّيءِ وضِدِّهِ، فمِنْ جِهَةٍ تراهُ يَزْعُمُ بلسانِهِ التَّوحيدَ، ثُمَّ هُوَ في المقابلِ يُضْمِرُ الكفرَ وعبادَةَ الطَّاغوتِ.

- وأمَّا كونُهُ زِنْديقًا:
فهُوَ لجُحودِهِ وكفرِهِ وأَنَّهُ عابدٌ للطَّاغوتِ، وإذا ما أُقيمتِ الحُجَّةُ على كُفرِهِ، فهُوَ سُرعانَ ما يُنْكِرُ ويَتَمَلَّصُ بأَنَّهُ مُسلمٌ وأَنَّهُ يقولُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ متحصِّنًا بها كما زيَّنَ لَهُ شياطينُ الإنسِ ممَّنْ يُسَمَّوْنَ بالدُّعاةِ في هذ الزَّمانِ، فَهُمْ حقًّا دُعاةٌ ولَكِنْ دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّمَ مَنْ أجابَهمْ قذفوهُ فيها

-وأمَّا كونُهُ مستهزِئًا بدينِ اللهِ:
فهُوَ لإعلانِهِ التَّوحيدَ مئاتِ المرَّاتِ بتلفُّظِهِ بلا إلهَ إلاَّ اللهُ – كما يَزْعُمُ - وفي كلِّ مرَّةٍ لا يبالي في أَنْ يأتيَ بما يَنْقُضُ التَّوحيدَ على مدارِ السَّاعةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ حَرَجًا في أَنْ يأتيَ بضدِّهِ وبما ينقُضُهُ في نفسِ الوقتِ. فأيُّ تلاعبٍ بدينِ اللهِ بعدَ هذا التَّلاعُبِ، وأيُّ استهانةٍ بَعْدَ هذهِ الاستهانةِ.

يقولُ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمَهُ اللهُ:

[دينُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التَّوحيدُ، وهُوَ معرفةُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ، والعَمَلُ بمُقتضاها، فإِنْ قِيلَ: كُلُّ النَّاسِ يقولونها، قِيلَ: منهمْ مَنْ يقولُها ويحسَبُ معناه أَنَّهُ لا يخلقُ إلاَّ اللهُ ولا يَرزُقُ إلاَّ اللهُ وأشباهُ ذلكَ، ومنهمْ لا يفهمُ معناها، ومنهمْ مَنْ لا يعملُ بمُقتضاها، ومنهمْ مَنْ لا يَعْقِلُ حقيقَتَها، وأَعَجْبُ مِنْ ذلكَ مَنْ عَرَفَها مِنْ وَجْهٍ وعاداها وأهلَها مِنْ وَجْهٍ! وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ أحبَّها وانتسَبَ إلى أهلِها ولَمْ يُفرِّقْ بَيْنَ أوليائِها وأعدائِها! يا سبحانَ اللهِ العظيمِ أَتكونُ طائفتانِ مختلفتانِ في دينٍ واحدٍ وكلُّهمْ على الحقِّ؟ كلا واللهِ، فماذا بَعْدَ الحقِّ إلاَّ الضَّلالُ؟]. (الرسائل) اهـ

وأمَّا كوْنُهُ كافرًا:
لأنَّ الكفرَ بالطَّاغوتِ رُكن في صحَّةِ الإسلامِ كما قَدَّمْنا.

وأمَّا كونُهُ مرتدًّا:
هُوَ ممَّا لا خَفاءَ فيهِ، حيثُ هُوَ بَعْدَ دخولِهِ الإسلامَ بشهادَةِ التَّوحيدِ الَّتي نَطَقَ بها – كما يظنُّ – لا يزالُ عاكفًا على عبادةِ آلهةٍ أخرى مَعَ اللهِ أَوْ مِنْ دونِهِ. فالشِّرْكُ مُحْبِطٌ للعملِ كليًّا، كما قالَ تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

-وأمَّا كوْنُ ردَّتِهِ مغلَّظَةً لِتَلاعُبِهِ بالتَّوحيدِ
وتِكْرارِ رِدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ اكْتراثٍ بما يَصْنَعُ. قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ
وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]. وقالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90].

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ رحمِهُ اللهُ:
----------------------------------

[أخبرَ سبحانَهُ أَنَّ مَنِ ازدادَ كفرًا بَعْدَ إيمانِهِ لَنْ تُقبَلَ توبَتُهُ، وفرقٌ بَيْنَ الكفرِ المَزِيدِ كفرًا والكفرِ المجرَّدِ في قَبُولِ التَّوبةِ مِنَ الثَّاني دُونَ الأوَّلِ، فمَنْ زَعَمَ أَنَّ كلَّ كُفْرٍ بَعْدَ الإيمانِ تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوبةُ فَقَدْ خالَفَ نَصَّ القرآنِ]. (الصارم المسلول) اهـ

إذا تقرَّر هذا: فإِنَّ مَنْ لَمْ يكفرْ بالطَّاغوتِ لا تنفَعُهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، ولا سائرُ الأعمالِ الصَّالحةِ مِنْ صلاةٍ وزكاةٍ وصِيامٍ وحَجٍّ وغَيْرِ ذلكَ،لأنَّهُ يأتي بالتَّوحيدِ وبما يُكذِّبُهُ في آنٍ واحدٍ.

واعلم أنَّ العبوديَّةَ للهِ وحدَهُ والبراءَةَ مِنْ عبادَةِ الطَّاغوتِ والتَّحاكُمَ إليهِ سبحانَهُ مِنْ مُقتضَى شهادَةِ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأَنَّ محمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ بَلْ من اركان قَبُولِهَا.

فمَنْ نَصَحَ نفسَهُ وأهلَهُ وعِيَالَهُ، وأرادَ النَّجاةَ مِنَ النَّارِ، فَلْيعرِفْ شَهادةَ أَن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ، فإِنَّها العُروةُ الوُثقى وكلمَةُ التَّقوى، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ عملاً إلاَّ بها، لا صلاةً ولا صوْمًا ولا حَجًّا ولا صدقةً ولا جميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ إلاَّ بمعرفةِ معناها والعملِ بمُقتضى هذهِ المعرفةِ، وهِيَ كلمةُ التَّوحيدِ وحَقُّ اللهِ على العباد.
_____________________

الطـاغــوت وانواعه
ــــــــــــــــــــــــــــ

اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم عبادة الله واجتناب الطاغوت، والدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}

واعلم أن الإنسان ما يصير مسلما مستمسكا بلا إله إلا الله
إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

تعريف الطاغوت
ــــــــــــــــــــ

يقول ابن القيم فى تعريف الطاغوت (والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله) (اعلام الموقعين)

ويقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب فى تعريف الطاغوت هو( كل ما عُبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله)

أنواع الطاغوت يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فى بيان أنواع الطواغيت (والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:

(الأول):
الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

( الثاني ):
الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}.

( الثالث ):
الذي يحكم بغير ما أنزل الله (وهم ايضآ من ينفذون حكم الحاكم المبدل )، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}

( الرابع ):
الذي يدعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى:(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}

( الخامس ):
الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}..(مجموعة رسائل فى التوحيد)

أنواع الطواغيت فى زماننا إذا كان الطاغوت هو المعبود من دون الله ،وإذا كان للعبادة معنيان معنى النسك والشعائر ومعنى الطاعة فيكون الطاغوت كذلك نوعان طاغوت نسك وشعائر وطاغوت طاعة وحكم

أولا ؛
طاغوت النسك والشعائر وهو ممثل فى تلك الأضرحة والمشاهد التى يؤمها العباد من الصوفية والشيعة وغيرهم من العامة كثير لأداء الشعائر والنسك لها من طواف وذبح ونذر ودعاء

ثانيا ؛
طاغوت الطاعة والحكم وهو ممثل فى :
1- الدساتير والقوانين الوضعية التى يخضع الناس لها ويتحاكمون إليها ويعظمونها وينبذون شرع الله

2-المجالس التشريعية (البرلمانات) وهى رجال تختارهم الشعوب لسن القوانين لهم فهى فى حقيقتها مجالس أرباب
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }

3-المحاكم الوضعية والمجالس العرفية وهم رجال من البشر يقضون بين الناس بما نصت عليه القوانين الوضعية أو الأحكام العرفية بمعزل عن شرع الله

4-الدعاة إلى الكفر والشرك كالدعاة إلى تقديس القوانين الوضعية وتحسينها وكذلك الدعاة إلى الديمقراطية أو الاشتراكية أو العلمانية وكلها مذاهب شركية يكفر فيها التابع والمتبوع

5-الشيطان وهو رأس الطواغيت جميعها والداعى إلى كل كفر وشر وكل الطواغيت تبع له وفرع {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يس: 60]

الصالحون لا يسمون طواغيت اعلم هداك الله أن الصالحين الذين عبدهم المشركون مع الله لا يسمون طواغيتا كعيسى حين عبدته النصارى وعزير حين عبده اليهود والحسين والحسن حين عبدهما الشيعة والصوفية ، لأنهم غير داعين لهذه العبادة غير راضين بها والذين يعبدونهم ويدعونهم هم فى الحقيقة يعبدون الجن والشياطين قال تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ )

الطاغوت لا يكون إلا شديد الكفر يقول ابن جرير الطبرى فى تعريف الطاغوت (أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أوكائنا ما كان من شئ).(تفسير الطبرى)

إذن فطغيان الطاغوت متجه إلى حق من حقوق الله لذا فالطاغوت لا يكون إلا كافرا شديد الكفر لأنه من الطغيان وهو مجاوزة الحد فى الكفر ، لأن طغيان الطاغوت يكون فى حق الله بادعائه حق من حقوقه كالتشريع أو علم الغيب ، أما الطغيان فى حق البشر فلا يسمى طاغوتا وإنما يسمى ظلما ،ولم يأت فى القرآن ولا فى السنة ولا فى أقوال العلماء إطلاق كلمة الطاغوت على المسلم الظالم ومن هنا تبين جهل وخطأ من فرق بين الكفر بالطاغوت وتكفيره ،إذ كيف يكون الطاغوت مسلما وقد أمرنا أن نكفر به لندخل فى الإسلام؟!
_________

كيف نكفر بالطاغوت
___________

يقول محمد ابن عبد الوهاب (فأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم).(مجموعة رسائل فى التوحيد)

والكفر بالطاغوت فى زماننا يكون بالبراءة من كل طواغيت الطاعة والحكم بالبراءة من الدساتير والقوانين الوضعية ومن واضعيها بجحود طاعتها والخضوع لها أو احترامها أو التحاكم إليها ومن المتحاكمين إليها ،وبالبراءة من المذاهب الكفرية جميعها كالديمقراطية ومن اتباعها والدعاة إليها وبالبراءة من طواغيت النسك والشعائر بالبراءة من تلك المشاهد والأضرحة بجحود كونها تنفع أو تضر وبجحود استحقاقها لأى صور العبادة كالدعاء والذبح وعدم اعطائها أيا من صور تلك العبادة،كذلك بالبراءة من عابديها بتكفيرهم والبراءة من عملهم

إخبار الرسول عن عودة أمته إلى عبادة الطواغيت

قال رسول الله (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن)؟)(متفق عليه )

أخبر الرسول أن أمته ستتبع أهل الكتاب قبلهم وأخبرنا القرآن أن أهل الكتاب قد عبدوا الطواغيت قال تعالى (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) فيكون ذلك إخبار بأن أمته ستعبد الطواغيت.
وعن أنس قال : (إنها ستكون ملوك ثم الجبابرة ثم الطواغيت ).
( مصنف ابن ابى شيبة)

أى أنه سيحكم الأمة بعد الخلفاء الراشدين ثلاث أصناف من الحكام

،الصنف الأول الملوك وهم الذين تخلوا عن سيرة الخلفاء الراشدون فى الزهد والورع وتحرى العدل والرفق بالرعية والقيام بأمرها ،وتشبهوا بالملوك في سيرتهم وأخلاقهم وإسرافهم مع قيامهم بمنهج الله وعدم الخروج عليه وهؤلاء مسلمون مع مخالفاتهم

،الصنف الثانى وهم الجبابرة وهم الذين أسرفوا فى القتل وظلم رعيتهم مع قيامهم أيضا بشرع الله وعدم تبديله وهؤلاء مسلمون أيضا وإن كانت هناك مظالم كبيرة ،

الصنف الثالث :الطواغيت وهم الحكام المبدلون لشرع الله الخارجون عليه الواضعون للناس القوانين من عند أنفسهم وهؤلاء كفار وإن لم يظلموا وإن تحروا العدل فى حكمهم وبين رعيتهم،كفار لأنهم قد وقعوا وأوقعوا الناس فى الظلم الأكبر وهو الشرك بالله بترك منهجه وتحكيم مناهج البشر،كحكام أهل زماننا
ومن تبع شيئا من هذه الطواغيت فى الدنيا بتحاكم أو نصرة ،أمر بأن يتبعها يوم القيامة حتى يلقى فى جهنم

ففى الحديث
أن الرسول قال (يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ . فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ )
( صحيح البخارى)
__________

ورود الطاغوت فى القرآن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ورد ذكر الطاغوت فى القرآن ثمان مرات ثلاث منها فى بيان حقيقة الدين وخمس فى بيان حقيقة الكفر وعلاقة الطاغوت بعابديه ،أما الثلاث التى بينت حقيقة الدين فأوجبت الكفر به واجتنابه للدخول فى الإسلام وهى

قوله تعالى(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(256)البقرة

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ)النحل
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17))الزمر

أما الخمس التى بينت حقيقة الطاغوت وعلاقته بعابديه فهى
________________________________

1- (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة )يبين تعالى فى الآية الكريمة كيف يخرج الطاغوت أوليائه من نور التوحيد الذى ولدوا عليه إلى ظلمات الكفر الذى دعتهم إليه الطواغيت

2-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) النساء) يعجّب سبحانه نبيه من أهل الكتاب وقد أنزل الله عليهم وحيا ومنهجا فتركوا ذلك وآمنوا بالجبت والطاغوت.
والجبت : كلمة جامعة لمعانى الكهانة والشعوذة والسحر ،والإيمان بالطاغوت يكون بالتحاكم إليه والقتال فى سبيله كما سيأتى فى الآيتين التاليتين

3-(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)) النساء

4- (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (76)النساء

5- (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) يخبر تعالى عن لعنه ومسخه لبنى اسرائيل حين اعرضوا عن منهجه فعاقبهم بأن مسخهم قردة ومسخهم خنازير ومسخهم عبدا للطاغوت ،فعبادة الطاغوت مسخ للفطرة كالمسخ قردة وخنازير

شبهـــات وردود..... أنتــم خــوارج وتكفيريون !!!

$
0
0
Photo: ‎شبهـــات وردود  ـــــــــــــــــــــــ  أنتــم خــوارج وتكفيريون !!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــ  تلك التهمة المعلبة والدعوى التي يدفَعُ بها من لا يُكفِّر الحاكم بغير ما أنزل الله في صدور النصوص ووجوه مخالفيهم، فإنَّهم يدَّعون أنَّ تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله، هو قول الخوارج ومذهبهم الذي أُنكِر عليهم، واجتمعَ السَّلَفُ على بُطلانه.  ولو تأمَّلتَ مقالاتهم، لم تجد لهُم دليلاً أقوى من هذا، ولا حجَّةً مثله، فالمرجئة وغلاته الخُلَّص، يستعملونه في إثبات مذهبهم الشركي الخبيث، وتقرير أنَّ الكُفرَ لا يكون بعملٍ، ولو سجد للأوثان، وذبح للصلبان، وعبد الشيطان،وبدل شرع الرحمن .  ومن حرَّرَ مذهب الخوارج، وعرفَه، لم يرد عليه هذا الإيراد، ولم يحتج إلى تَكَلُّفِ دفعِه.  فأصلُ مذهب الخوارج، أنَّهم يُكفِّرون بكُلِّ كبيرةٍ من الذنوب، وأهل السُّنَّة لا يُكَفِّرون بما ليس عِبادةً لغير الله، أو مناقضةً لعبادة الله، أو تركًا لعبادة الله أو ما لا يصحُّ أصلها إلاَّ به.  قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب . أهـ [مجموع الفتاوى،ط دار ابن حزم (3/221) ]  وقال الحافظ ابن حجر ـ في [ الفتح ،ج12 ص 297] : وحُكْمُ مرتكب الكبيرة عندهم حُكمُ الكافر.أهـ  فبالله عليكم يا منصفون هل نحن من هؤلاء ؟!!  هل كفرنا هؤلاء الحكام الطواغيت لأنهم زنوا ؟! أم كفرناهم لأنهم سرقوا ؟! أم كفرناهم لأنهم شربوا الخمر ؟!!  هل رددنا أحاديث الشفاعة - ؟؟  هل قلنا بخلود أهل المعاصي في النار ؟!  ( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ]  ومن أصول الخوارج أيضاً، ما ذكره الإمام الشهرستاني حين عدد فرقهم الضالة، فقال : وكبار الفرق منهم : المحكمة، والأزارقة والنجدات، والبهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية والباقون فروعهم.   ويجمعهم : القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ويقدمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون أصحاب الكبائر ( الملل والنحل ص54)  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا كفروا عثمان وعلياً وشيعتهما وكفروا أهل صفين الطائفتين، في نحو ذلك من المقالات الخبيثة . أهـ [ مجموع الفتاوى،ط دار ابن حزم (3/221) ]  فهل نحن كفرنا الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين   ( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ]  وَقَد أنكر الإمامُ أحمدُ إطلاق عبارة: لا نُكفِّر بذنبٍ، قال الخلاّل: أنبأنا محمد بن هارون أنَّ إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال: حضرتُ رجلاً سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله اجتماع المسلمين على الإيمان بالقدر خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم، قال: ولا نُكفّر أحداً بذنب؟ فقال أبو عبد الله: اسكت من ترك الصلاة فقد كفر ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر.  حيثُ يُتوهَّمُ منه المعنى العَامّ الذي يشمل فعل الشرك وقوله، وأهلُ السُّنَّةِ لا يُكفِّرون بذنبٍ دون الشِّركِ، وأمَّا الذَّنبُ الذي يعني دعاء غير الله، أو سبَّ الله ودينه، فإنَّ أهل السُّنَّة يُكفِّرُون به دون اختلاف، وما خالفَ إلا خُلَّص المرجئة.  ومن أطلق هذه العبارة "لا نكفر بذنب"، فإنَّما أراد المعنى الخاصَّ للذنب، وهو الكبائر التي لا تبلغ الشركَ، كما قال شيخ الإسلام [7/302]: (ونحنُ إذا قُلنا أهل السُّنَّة متّفقون على أنه لا يكفر بالذنب؛ فإنَّما نُريد به المعاصي كالزنا، والشرب).  وقال أبو الحسن الأشعري في المقالات [1/347] حاكيًا مذهب أهل الحديث: (ولا يُكفِّرون أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ، كنحو الزِّنا والسَّرقة، وما أشْبَهَ ذلك من الكبائرِ).  ومن مذهب الخَوارِج، تكفِيرُ عليِّ بن أبي طالبٍ وخلعُهُ بأن حكَّم الرجال في دين الله، وكانوا يحتجُّون بقوله تعالى: "إن الحكم إلا لله"، ولو تأمَّلتَ ما وَقَع لهم، وجدتَه من أبينِ الأدلةِ على أنَّ عليًّا ومن معه من الصحابة والتابعين، لم يكونوا يُخالفُون الخوارج في كُفر من نازع الله الحكم، بل كلُّ اختلافِهِم، في كون التَّحكيم نفسه مُخالفًا لقوله تعالى: {إن الحكم إلا لله}، ومن يدَّعي أنَّ الواقع من مُكفِّري الحكَّام اليوم كالواقع من الخوارج، يلزمُه اتَّهامُ عليٍّ أنَّه حكم بغير ما أنزل الله، ولا ريبَ أن الحقَّ مع علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فإنَّ من حكَّم من يحكم بحكم الله، أو يُصلحُ بما لا يُخالف شرع الله، ليس منازعًا لله في الحكم أصلاً، بل الَّذِي فعلَهُ عينُ حُكم الله في المسألة.   والخلاف بين عليٍّ والخوارج، إنَّما هو في كون الصورة الواقعة حكمًا بغير ما أنزل الله، فخلافُهم كما لو نهى رجلٌ عن التداوي عند طبيبٍ، وادّعى أنَّهُ يُخالف قوله تعالى: {وإذا مرضتُ فهو يشفين}، وقال؛ إنَّ المستغيث بالطبيب يعبده من دون الله، فهو كافرٌ، فقال من يردُّ عليه، بل التداوي سببٌ مباحٌ، وهو طريقٌ جعله الله يُجري به الشِّفاء، فالتداوي حقيقةً من اللجوء إلى الله، والتماسِ الشِّفاء منه بالطريق الذي أعلمَنَاه، وبيَّن له أنَّ العبادة تكون إذا طلبَ من غائبٍ أو ميتٍ، أو من حاضرٍ ما لا يقدرُ عليه إلا الله. فلو جاء ثالثٌ، فادّعى أن الخلاف بينهما هو في كفر المستغيثِ بغير الله، لكان أجهل من حمار أهله، لأنّ الطرفين اتّفقا على كفر المستغيث بغير الله، ولكنَّ من كفّر المتداوي، أخطأ في فهم تلك الصورة، وألحقها بالاستغاثة بغير الله. وكذا في الحكم بغير ما أنزل الله، فإنَّ الخوارج وعليًّا -رضي الله عنه- لم يختلفوا في كفر الحاكم بغير ما أنزل الله فيما نُقل عنهم، وإنَّما خلافهم فيما فعله عليٌّ هل هو من الحكم بغير ما أنزل الله أم لا؟ ولذا لا تجد عبارة لا لعليّ ولا لغيره في الرد على الخوارج يوم ذاك، يُنازعونهم في كفر الحاكم بغير ما أنزل الله بمعناه، مع أنَّها أصلُ مسألة النِّزاع على حدِّ زعمِ المُدَّعي، وما وقع من رد ابن عباس وأبي مجلز وغيرهما من السلف على الخوارج في مسألة الحكم إنَّما هو في المعاصي حيثُ كان الخوارج يلحقونها بالحكم بغير ما أنزل الله ويعدُّونها منه ومن ذكَر الآية من السلف في الرَّدِّ على الخوارجِ بعد ذلك، فإنَّما ردَّ عليهم مسألة الحكم في واقعةٍ معيّنةٍ، بدليل نسبتهم ذلكَ الأمر الذي عدُّوه من الحكم بغير ما أنزل الله إلى أُمراء وقتِهم.  ولهذا أيضًا: جاء علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بمصحفٍ كبير فوضعه أمامه ثم قال: أيُّها المصحف حدِّث الناس، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند لا بأس به، يردُّ بذلك على الخوارج الذين أنكروا أن يحكَّم رجلٌ وعدّوه من الحكم بغير ما أنزل الله، فأفهمهم أنَّ المصحف لا يُمكن أن يتكلَّم وإنَّما يحكم الحكَّام بما يأخذونه منه. ولهذا أيضًا: استدل علي بن أبي طالبٍ بآية التحكيم في قوله تعالى: {فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها}، وبالتحكيم في ثمن صيد الحرم كما قال تعالى: {يحكُم به ذوا عدلٍ منكُم}. فلو تأمَّلتَ هذا الوجه، لرأيتَ أن لو حكى حاكٍ الإجماع على كفر من حكم بغير ما أنزل الله معتمدًا عليه وحده لكان حقآ.  -ومن فروع الخوارج !!!  بالنسبة إلى فروع الخوارج ومجمل عقيدتها وضلالها، فهي كثيرة، نذكر منها ما يلي: • ذكر الإمام الشهرستاني أن من أقوال الخوارج : إسقاطهم الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره، وإسقاطهم حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.أهـ[ الملل والنحل ص58]  وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح الجزء 12 ص 297 ) : وعَظُمَ البلاء بهم، وتوسّعوا في معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رَجْمَ المحصن وقطعوا يد السارق من الإِبط. أهـ  وانكروا الاجماع والمسح علي الخف وغيره الكثير..  فهل نحن من عطلنا حدود الله ونحيناها واتهمنا من يطالب بها بالرجعية والتخلف والارهاب   ( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ] _______________________________  ثم نسألهم اخيرآ   هل نحن وافقنا الخوارج في اصولهم اوفي فروعهم ؟؟  وهل من وافق الخوارج في شيء من أصولهم أو فروعهم يكون خارجياً؟؟  يقول الشاطبي رحمه الله " ليس كل من اختلطت اقواله باقوال فرقة ما صح رميه بانه من اتباع تلك الفرقه اذ الضابط في الفرقة مااتفقت عليه الفرقة وليس مااختلفت فيه " اهـ   ولقد نص القاضي عبد الجبار على أن المرء لا يكون معتزلياً حتى يوافق المعتزلة في أصولهم الخمسة . أهـ   قال أبو الحسن الخياط في كتابه الانتصار : وليس أحد يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة فإذا جمع هذه الأصول فهو معتزلي.أهـ   وبرهان ذلك من السنة، ما رواه الشيخان في صحيحيهما : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )..   فمن توفرت فيه خصلة من هذه الخصال فهو ليس بمنافق حتى تكتمل فيه جميع خصال المنافق   _____________________  وبعد كل هذا لا تعجب أخي الموحد إن رماك مرجئة العصر بالكفر اوالخارجية   فمن سنن المرجئة التي شهد بها التاريخ عليهم، رميُ دُعاةِ التَّوحِيد بالخارجيَّة والتَّكفير بلا بيِّنة، ودون تحريرٍ لمذهبِ الخوارجِ ومعرفة به، فممن رُمِيَ به لتكفيره المستحقّ:   • إمام أهل السنة أحمد بن حنبلٍ، فنقل ابن تيمية عن الخلاّل في كتاب السُنّة قال: قال أبو عبد الله: بلغني أنَّ أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب فيعيبون قولنا، ويدّعون أنَّ هذا القول: أنَّه لا يُقال مخلوق وغير مخلوق، ويعيبون من يكفّر، ويقولون إنّا نقول بقول الخوارج، ثم تبسّم أبو عبد الله كالمغتاظ، ثم قال: هؤلاء قوم سوء.  • شيخ الإسلام ابن تيميَّة، كما تجده في كتب كثيرٍ من خصومِهِ من معاصريه وممن بعده، ولا تجده أوفى منه في كتب محمد زاهد الكوثري الجهمي الوثني القبوري، وتجد تردادها وتكرارها أكثر مما قيل في زمن الإمام أحمد لأن الإرجاء كان قد انتشر في زمن شيخ الإسلام بانتشار الأشعريَّة ونشرهم ضلالهم وباطلهم في مسألة الإيمان.  • شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب: وقد انتشرت هذه التهمة عنه أكثر مما قيلت في شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أنَّ أكثر خصومه لم يُخالفوه في حقيقة التوحيد، وإنَّما خالفوه في التكفير بذلك والجهادِ عليهِ، وقيلت لمن بعده أكثر مما قيلت له، وكُلَّما درس العلم وتأخَّر الزمان وازداد الإرجاء انتشرت هذه التُّهمة، ولا يزال موصومًا بها أهل السُّنَّة على لسان كلِّ مرجئٍ اليوم.  ولولا تأخُّرُ نشوءِ المُرجئَة، لسمَّوا أبا بكرٍ الصِّدِّيْقَ ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خَوَارجَ، بتكفيرهم المرتدِّيْنَ من العرب.  -وقال الشيخ أبو بطين رحمه الله  " بعد أن بين مذهب الخوارج : فإذا عرفت مذهب الخوارج، أن أصله التكفير بالذنوب وكفروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلوا قتلهم متقربين بذلك إلى الله، فإذا تبين لك ذلك تبين ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة في زعمهم أن محمداً بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وأتباعه خوارج، ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون فضلهم على من بعدهم ويوجبون اتباعهم ويدعون لهم ويضللون من قدح فيهم أو تنقص أحداً منهم، ولا يُكفرون بالذنوب ولا يُخرجون أصحابها من الإسلام، وإنما يُكفرون من أشرك بالله أو حسَّن الشرك، والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع، فكيف يجعل هؤلاء مثل أولئك، وإنما يقول ذلك معاند يقصد التنفير للعامة، أو يقول ذلك جاهلاً بمذهب الخوارج، ويقوله جهلاً منه . أهـ [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 2/175 ]‎

شبهـــات وردود
ـــــــــــــــــــــــ

أنتــم خــوارج وتكفيريون !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تلك التهمة المعلبة والدعوى التي يدفَعُ بها من لا يُكفِّر الحاكم بغير ما أنزل الله في صدور النصوص ووجوه مخالفيهم، فإنَّهم يدَّعون أنَّ تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله، هو قول الخوارج ومذهبهم الذي أُنكِر عليهم، واجتمعَ السَّلَفُ على بُطلانه.

ولو تأمَّلتَ مقالاتهم، لم تجد لهُم دليلاً أقوى من هذا، ولا حجَّةً مثله، فالمرجئة وغلاته الخُلَّص، يستعملونه في إثبات مذهبهم الشركي الخبيث، وتقرير أنَّ الكُفرَ لا يكون بعملٍ، ولو سجد للأوثان، وذبح للصلبان، وعبد الشيطان،وبدل شرع الرحمن .

ومن حرَّرَ مذهب الخوارج، وعرفَه، لم يرد عليه هذا الإيراد، ولم يحتج إلى تَكَلُّفِ دفعِه.

فأصلُ مذهب الخوارج، أنَّهم يُكفِّرون بكُلِّ كبيرةٍ من الذنوب، وأهل السُّنَّة لا يُكَفِّرون بما ليس عِبادةً لغير الله، أو مناقضةً لعبادة الله، أو تركًا لعبادة الله أو ما لا يصحُّ أصلها إلاَّ به.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب . أهـ [مجموع الفتاوى،ط دار ابن حزم (3/221) ]

وقال الحافظ ابن حجر ـ في [ الفتح ،ج12 ص 297] : وحُكْمُ مرتكب الكبيرة عندهم حُكمُ الكافر.أهـ

فبالله عليكم يا منصفون هل نحن من هؤلاء ؟!!

هل كفرنا هؤلاء الحكام الطواغيت لأنهم زنوا ؟! أم كفرناهم لأنهم سرقوا ؟! أم كفرناهم لأنهم شربوا الخمر ؟!!

هل رددنا أحاديث الشفاعة - ؟؟

هل قلنا بخلود أهل المعاصي في النار ؟!

( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ]

ومن أصول الخوارج أيضاً، ما ذكره الإمام الشهرستاني حين عدد فرقهم الضالة، فقال : وكبار الفرق منهم : المحكمة، والأزارقة والنجدات، والبهسية، والعجاردة، والثعالبة، والإباضية، والصفرية والباقون فروعهم.

ويجمعهم : القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ويقدمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون أصحاب الكبائر ( الملل والنحل ص54)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا كفروا عثمان وعلياً وشيعتهما وكفروا أهل صفين الطائفتين، في نحو ذلك من المقالات الخبيثة . أهـ [ مجموع الفتاوى،ط دار ابن حزم (3/221) ]

فهل نحن كفرنا الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين

( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ]

وَقَد أنكر الإمامُ أحمدُ إطلاق عبارة: لا نُكفِّر بذنبٍ، قال الخلاّل: أنبأنا محمد بن هارون أنَّ إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال: حضرتُ رجلاً سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله اجتماع المسلمين على الإيمان بالقدر خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم، قال: ولا نُكفّر أحداً بذنب؟ فقال أبو عبد الله: اسكت من ترك الصلاة فقد كفر ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر.

حيثُ يُتوهَّمُ منه المعنى العَامّ الذي يشمل فعل الشرك وقوله، وأهلُ السُّنَّةِ لا يُكفِّرون بذنبٍ دون الشِّركِ، وأمَّا الذَّنبُ الذي يعني دعاء غير الله، أو سبَّ الله ودينه، فإنَّ أهل السُّنَّة يُكفِّرُون به دون اختلاف، وما خالفَ إلا خُلَّص المرجئة.

ومن أطلق هذه العبارة "لا نكفر بذنب"، فإنَّما أراد المعنى الخاصَّ للذنب، وهو الكبائر التي لا تبلغ الشركَ، كما قال شيخ الإسلام [7/302]: (ونحنُ إذا قُلنا أهل السُّنَّة متّفقون على أنه لا يكفر بالذنب؛ فإنَّما نُريد به المعاصي كالزنا، والشرب).

وقال أبو الحسن الأشعري في المقالات [1/347] حاكيًا مذهب أهل الحديث: (ولا يُكفِّرون أحدًا من أهل القبلة بذنبٍ، كنحو الزِّنا والسَّرقة، وما أشْبَهَ ذلك من الكبائرِ).

ومن مذهب الخَوارِج، تكفِيرُ عليِّ بن أبي طالبٍ وخلعُهُ بأن حكَّم الرجال في دين الله، وكانوا يحتجُّون بقوله تعالى: "إن الحكم إلا لله"، ولو تأمَّلتَ ما وَقَع لهم، وجدتَه من أبينِ الأدلةِ على أنَّ عليًّا ومن معه من الصحابة والتابعين، لم يكونوا يُخالفُون الخوارج في كُفر من نازع الله الحكم، بل كلُّ اختلافِهِم، في كون التَّحكيم نفسه مُخالفًا لقوله تعالى: {إن الحكم إلا لله}، ومن يدَّعي أنَّ الواقع من مُكفِّري الحكَّام اليوم كالواقع من الخوارج، يلزمُه اتَّهامُ عليٍّ أنَّه حكم بغير ما أنزل الله، ولا ريبَ أن الحقَّ مع علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فإنَّ من حكَّم من يحكم بحكم الله، أو يُصلحُ بما لا يُخالف شرع الله، ليس منازعًا لله في الحكم أصلاً، بل الَّذِي فعلَهُ عينُ حُكم الله في المسألة.

والخلاف بين عليٍّ والخوارج، إنَّما هو في كون الصورة الواقعة حكمًا بغير ما أنزل الله، فخلافُهم كما لو نهى رجلٌ عن التداوي عند طبيبٍ، وادّعى أنَّهُ يُخالف قوله تعالى: {وإذا مرضتُ فهو يشفين}، وقال؛ إنَّ المستغيث بالطبيب يعبده من دون الله، فهو كافرٌ، فقال من يردُّ عليه، بل التداوي سببٌ مباحٌ، وهو طريقٌ جعله الله يُجري به الشِّفاء، فالتداوي حقيقةً من اللجوء إلى الله، والتماسِ الشِّفاء منه بالطريق الذي أعلمَنَاه، وبيَّن له أنَّ العبادة تكون إذا طلبَ من غائبٍ أو ميتٍ، أو من حاضرٍ ما لا يقدرُ عليه إلا الله.
فلو جاء ثالثٌ، فادّعى أن الخلاف بينهما هو في كفر المستغيثِ بغير الله، لكان أجهل من حمار أهله، لأنّ الطرفين اتّفقا على كفر المستغيث بغير الله، ولكنَّ من كفّر المتداوي، أخطأ في فهم تلك الصورة، وألحقها بالاستغاثة بغير الله.
وكذا في الحكم بغير ما أنزل الله، فإنَّ الخوارج وعليًّا -رضي الله عنه- لم يختلفوا في كفر الحاكم بغير ما أنزل الله فيما نُقل عنهم، وإنَّما خلافهم فيما فعله عليٌّ هل هو من الحكم بغير ما أنزل الله أم لا؟
ولذا لا تجد عبارة لا لعليّ ولا لغيره في الرد على الخوارج يوم ذاك، يُنازعونهم في كفر الحاكم بغير ما أنزل الله بمعناه، مع أنَّها أصلُ مسألة النِّزاع على حدِّ زعمِ المُدَّعي، وما وقع من رد ابن عباس وأبي مجلز وغيرهما من السلف على الخوارج في مسألة الحكم إنَّما هو في المعاصي حيثُ كان الخوارج يلحقونها بالحكم بغير ما أنزل الله ويعدُّونها منه ومن ذكَر الآية من السلف في الرَّدِّ على الخوارجِ بعد ذلك، فإنَّما ردَّ عليهم مسألة الحكم في واقعةٍ معيّنةٍ، بدليل نسبتهم ذلكَ الأمر الذي عدُّوه من الحكم بغير ما أنزل الله إلى أُمراء وقتِهم.

ولهذا أيضًا: جاء علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بمصحفٍ كبير فوضعه أمامه ثم قال: أيُّها المصحف حدِّث الناس، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند لا بأس به، يردُّ بذلك على الخوارج الذين أنكروا أن يحكَّم رجلٌ وعدّوه من الحكم بغير ما أنزل الله، فأفهمهم أنَّ المصحف لا يُمكن أن يتكلَّم وإنَّما يحكم الحكَّام بما يأخذونه منه.
ولهذا أيضًا: استدل علي بن أبي طالبٍ بآية التحكيم في قوله تعالى: {فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها}، وبالتحكيم في ثمن صيد الحرم كما قال تعالى: {يحكُم به ذوا عدلٍ منكُم}.
فلو تأمَّلتَ هذا الوجه، لرأيتَ أن لو حكى حاكٍ الإجماع على كفر من حكم بغير ما أنزل الله معتمدًا عليه وحده لكان حقآ.

-ومن فروع الخوارج !!!

بالنسبة إلى فروع الخوارج ومجمل عقيدتها وضلالها، فهي كثيرة، نذكر منها ما يلي:
• ذكر الإمام الشهرستاني أن من أقوال الخوارج : إسقاطهم الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره، وإسقاطهم حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.أهـ[ الملل والنحل ص58]

وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح الجزء 12 ص 297 ) : وعَظُمَ البلاء بهم، وتوسّعوا في معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رَجْمَ المحصن وقطعوا يد السارق من الإِبط. أهـ

وانكروا الاجماع والمسح علي الخف وغيره الكثير..

فهل نحن من عطلنا حدود الله ونحيناها واتهمنا من يطالب بها بالرجعية والتخلف والارهاب

( سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيم ) [ النور : 16 ]
_______________________________

ثم نسألهم اخيرآ

هل نحن وافقنا الخوارج في اصولهم اوفي فروعهم ؟؟

وهل من وافق الخوارج في شيء من أصولهم أو فروعهم يكون خارجياً؟؟

يقول الشاطبي رحمه الله "ليس كل من اختلطت اقواله باقوال فرقة ما صح رميه بانه من اتباع تلك الفرقه اذ الضابط في الفرقة مااتفقت عليه الفرقة وليس مااختلفت فيه "اهـ

ولقد نص القاضي عبد الجبار على أن المرء لا يكون معتزلياً حتى يوافق المعتزلة في أصولهم الخمسة . أهـ

قال أبو الحسن الخياط في كتابه الانتصار : وليس أحد يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة فإذا جمع هذه الأصول فهو معتزلي.أهـ

وبرهان ذلك من السنة، ما رواه الشيخان في صحيحيهما : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )..

فمن توفرت فيه خصلة من هذه الخصال فهو ليس بمنافق حتى تكتمل فيه جميع خصال المنافق

_____________________

وبعد كل هذا لا تعجب أخي الموحد إن رماك مرجئة العصر بالكفر اوالخارجية

فمن سنن المرجئة التي شهد بها التاريخ عليهم، رميُ دُعاةِ التَّوحِيد بالخارجيَّة والتَّكفير بلا بيِّنة، ودون تحريرٍ لمذهبِ الخوارجِ ومعرفة به، فممن رُمِيَ به لتكفيره المستحقّ:

• إمام أهل السنة أحمد بن حنبلٍ، فنقل ابن تيمية عن الخلاّل في كتاب السُنّة قال: قال أبو عبد الله: بلغني أنَّ أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب فيعيبون قولنا، ويدّعون أنَّ هذا القول: أنَّه لا يُقال مخلوق وغير مخلوق، ويعيبون من يكفّر، ويقولون إنّا نقول بقول الخوارج، ثم تبسّم أبو عبد الله كالمغتاظ، ثم قال: هؤلاء قوم سوء.

• شيخ الإسلام ابن تيميَّة، كما تجده في كتب كثيرٍ من خصومِهِ من معاصريه وممن بعده، ولا تجده أوفى منه في كتب محمد زاهد الكوثري الجهمي الوثني القبوري، وتجد تردادها وتكرارها أكثر مما قيل في زمن الإمام أحمد لأن الإرجاء كان قد انتشر في زمن شيخ الإسلام بانتشار الأشعريَّة ونشرهم ضلالهم وباطلهم في مسألة الإيمان.

• شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب: وقد انتشرت هذه التهمة عنه أكثر مما قيلت في شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أنَّ أكثر خصومه لم يُخالفوه في حقيقة التوحيد، وإنَّما خالفوه في التكفير بذلك والجهادِ عليهِ، وقيلت لمن بعده أكثر مما قيلت له، وكُلَّما درس العلم وتأخَّر الزمان وازداد الإرجاء انتشرت هذه التُّهمة، ولا يزال موصومًا بها أهل السُّنَّة على لسان كلِّ مرجئٍ اليوم.

ولولا تأخُّرُ نشوءِ المُرجئَة، لسمَّوا أبا بكرٍ الصِّدِّيْقَ ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خَوَارجَ، بتكفيرهم المرتدِّيْنَ من العرب.

-وقال الشيخ أبو بطين رحمه الله

"بعد أن بين مذهب الخوارج : فإذا عرفت مذهب الخوارج، أن أصله التكفير بالذنوب وكفروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحلوا قتلهم متقربين بذلك إلى الله، فإذا تبين لك ذلك تبين ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة في زعمهم أن محمداً بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وأتباعه خوارج، ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون فضلهم على من بعدهم ويوجبون اتباعهم ويدعون لهم ويضللون من قدح فيهم أو تنقص أحداً منهم، ولا يُكفرون بالذنوب ولا يُخرجون أصحابها من الإسلام، وإنما يُكفرون من أشرك بالله أو حسَّن الشرك، والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع، فكيف يجعل هؤلاء مثل أولئك، وإنما يقول ذلك معاند يقصد التنفير للعامة، أو يقول ذلك جاهلاً بمذهب الخوارج، ويقوله جهلاً منه . أهـ
[ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 2/175 ]

(نُصرة الطاغوت) وكفــر الولاء

$
0
0
Photo: ‎(نُصرة الطاغوت) وكفــر الولاء  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  -كفـــر الولاء  -الأدلة علي كفر أنصار الطاغوت  -الفرق بين الولاء المكفر والولاء المحرم  ___________________________  إن قضية الولاء والبراء من أكبر قضايا العقيدة بل إن العقيدة كلها والدين كله ماهو إلا ولاء وبراء وفيما يلى تأصيل للقضية بإيجاز .  أولا:ارتباط الولاء بتوحيد الربوبية ____________________  انفرد سبحانه بالولاية على خلقه وأنكر أن يكون لهم وليا غيره يقول تعالى(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ينكر تعالى فى أول الآية اتخاذ المشركين أولياء غيره (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) ثم يبين أنه وحده المتصف بالولاية(فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) لأنه سبحانه (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى) (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فمن اختص بإحياء الموتى والقدرة على كل شيئ هو المختص بالولاية وحده  ويقول تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)} يأمر تعالى نبيه أن يعلن للناس إنكار أن يكون له ولى غير الله (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) ويبين علة ذلك بأنه سبحانه (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ)   ثانيا ارتباط الولاء بتوحيد الألوهية : ______________________  إن توحيد الألوهية فى حقيقته ولاء وبراء ،فهو قائم على ركنين أحدهما ولاء والآخر براء  مثال ذلك(لا إله إلا الله) شقان الأول (لا إله) براءة من كل المعبودات (إلا الله) موالاة للإله الحق سبحانه بعبادته قوله تعالى{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أيضا شقان  الأول (يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) براءة من كل المعبودات الثانى(وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) ولاء للإله الحق بالإيمان به،وهكذا فى سائر النصوص التى بينت حقيقة توحيد الألوهية ومن ثم كان اتخاذ الله وليا توحيد وإسلام ،واتخاذ غيره وليا شرك قال تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يأمر تعالى نبيه أن يعلن للناس إنكار أن يكون له ولى غير الله ثم يبين أن اتخاذ الله وليا هو الإسلام (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) واتخاذ غيره وليا شرك (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)  ثالثا ارتباط الولاء بتوحيد الأسماء والصفات : ____________________________  من أسمائه سبحانه (الولى) (المولى) (النصير) والأسماء الثلاثة متضمنة لمعنى الولاء قال تعالى (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )  (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)  الولى :ولاية عامة للخلق بتدبير أمورهم ورعايتهم جميعا ،أوولاية عامة لفئة منهم بتدبير أمرها كله لما فيه صلاحها المولى :ولاية خاصة لفئة خاصة بعونها فى الرخاء والشدة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ )  ،أما النصير :فهو المعين على العدو (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)   وللولاء معانى كثيرة لغة وشرعا كالنصرة والمتابعة والمحبة والعبادة والرعاية والكفالة والميراث وسيقتصر البحث هنا على ثلاث وهى أشهر وأكبر مسائل الولاء وهى(النصرة والمتابعة والمحبة) أما باقى المعانى فلها موضع آخر فى (الكلمة السواء)إن شاء الله ومن الدلالة اللغوية لكلمة الولاء والاستعمال القرآنى يمكن تعريفه كالآتى  الولاء شرعا : هو النصرة والمتابعة والمحبة لله ولرسوله وللمؤمنين أى أن صور الولاء الرئيسة ثلاث (النصرة ـ المتابعة ـ المحبة ) الدليل على أن النصرة ولاء {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }  والدليل على أن المتابعة ولاء{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} والدليل على أن المحبة ولاء{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}  وهذه الصور الثلاث واجبة لله ولرسوله وللمؤمنين  أولا النصرة دليل نصرة الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ)  دليل نصرة الرسول {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] دليل نصرة المؤمنين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) (رواه البخارى)  ثانيا المتابعة دليل متابعة ما أنزل الله {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}  دليل متابعة الرسول { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] دليل متابعة سبيل المؤمنين {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115] واتباع ما أنزل الله يكون باتباع القرآن ، واتباع الرسول يكون باتباع سنته ، واتباع المؤمنين يكون باتباع منهج أهل السنة والجماعة فى معتقدهم وفى منهجهم فى الاستدلال ،وفيما أجمعوا عليه   ثالثا المحبة دليل محبة الله (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) دليل محبة الرسول قال رسول الله (لا يؤمن أحدُكُم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده وأهله والنّاس أجمعين)(رواه الشيخان)  دليل محبة المؤمنين قال رسول الله (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (متفق عليه )  وكما أوجب الله موالاته وموالاة رسوله والمؤمنين ، أوجب نفى ما يضادها وهى البراءة من الطاغوت ومن عابديه ومن عبادته (فلا تصلح الموالاة إلاّ بالمعاداة كما قال تعالي: عن إمام الحنفاء المحبين انه قال لقومه {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فإنهمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلاّ بتحقيق هذه المعاداة فإنه لا ولاء إلاّ لله ولا ولاء إلاّ بالبراءة من كل معبود سواه قال تعالي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وقال تعالي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فإنه سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الجواب الكافي لابن القيم] والبراءة من عبادة الطاغوت تكون ذلك بعدم نصرته وعدم متابعته وعدم محبته ، لأن نصرة الطاغوت لدينه أو متابعة قانونه أو محبته لباطله كل ذلك ولاء مكفر   دليل محبة الطاغوت {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة: 165]  دليل متابعته قال تعالى(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) وهذه من أبرز صور الولاء المكفر فى الواقع ولاء المتابعة ويتمثل فى متابعة قوانين البشر باتخاذ أولياء مشرعين ونبذ شريعة الله وولايته (وقد سبق الكلام عنه فى كفر الحاكمية)   ومن أبرز صور الولاء المكفر فى الواقع كذلك ولاء النصرة وهو نصرة الطاغوت على كفره بأداء الخدمة العسكرية أو ما فى معناها من المشاركة فى أحد السلطات الثلاث (التشريعية – القضائية – التنفيذية)  الأدلة من القرآن على كفر أنصار الطاغوت ____________________________  1- قوله تعالى(الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) حكم الله عليهم بالكفر بسبب قتالهم فى سبيل الطاغوت،فالقتال فى سبيل الطاغوت هو من صفات الكفار وأفعالهم   2-قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) يقرر سبحانه ويبين أن كل من كان جنديا للطاغوت كان مثله فى الجرم ،أى كان الجميع فى الإثم سواء القادة والجنود (كَانُوا خَاطِئِينَ ) وإثم الطاغوت هو الكفر فيكون إثم جنوده وأنصاره هو الكفر أيضا   3-قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } فى الآية الكريمة يحكم تعالى على من تولى الكفار بأنه منهم(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أى أنه كافر مثلهم ونصرة الطاغوت من أبرز أنواع الولاء المكفر  _____________________________  الدليل من السنة علي كفر أنصار الطاغوت هو حكم الرسول على عمه العباس بالكفر وأخذه الفداء منه لانضمامه لصفوف المشركين وخروجه معهم يوم بدر لقتال المسلمين مع أنه كان قد تكلم بالإسلام بمكة ،ولكن لما نصر المشركين على شركهم عومل معاملتهم وأخذ حكمهم (والقصة فى البخارى)  ________________________________  الدليل من الإجماع على كفر أنصار الطاغوت :هو إجماع الصحابة على كفر جنود مسيلمة والأسود العنسى وقتالهم قتال مرتدين وحين جاء فريق منهم لأبى بكر يريدون التوبة كان أحد شروط قبول توبتهم أن يقروا بأن قتلاهم فى النار ،ومعلوم أن أهل السنة لا يقطعون بالنار إلا لمن مات على الكفر ،أما عصاة المسلمين فيمكن أن تلحقهم الشفاعة أو المغفرة بعد مماتهم ،فيكون الحكم على قتلى أنصار الطاغوت حكما بالكفر لا بالمعصية  (والقصة فى البخارى)  _______________  الدليل من القواعد الفقهية قاعدة (الردء له حكم المباشر)  الردء :هو العون والنصير والمساعد ،وفى القرآن دعا موسى ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليكون ردءا له قال تعالى{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} وجنود الطاغوت هم ردء له سواء أحاربوا أم لا ، وبعضهم ردء لبعض عند القتال فالجميع فى الحكم سواء  يقول ابن تيمية (فإن الردء والمباشرة سواء )(السياسة الشرعية) (لأن المباشر إنما تمكن بمعاونه الردء له) (مجموع الفتاوى)  (وكذلك فى العقوبة يقتل الردء و المباشر من المحاربين عند جماهير الفقهاء) (مجموع الفتاوى)  (مذهب الجمهور إن قطاع الطريق يقتل منهم الردء والمباشر وعمر بن الخطاب رضى الله عنه قتل ربيئة المحاربين وهو الناظر الذى ينظر لهم الطريق فالمتعاونون على الظلم والعدوان تجب عليهم العقوبة ) (مجموع الفتاوى) (والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة وأن الردء والمباشر سواء وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ربيئة المحاربين والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء ولأن المباشر إنما يمكن من قتله بقوة الردء ومعونته والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب) (السياسة الشرعية ) وقد يعبر عن هذه القاعدة بأن (الفرد فى الطائفة الممتنعة له حكمها) يقول ابن تيمية (فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم ) (مجموع الفتاوى) وأشهر أدلة هذه القاعدة والتى قبلها من القرآن قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) ومن السنة معاملة الرسول لعمه العباس معاملة الكفار فى غزوة بدر مع تكلمه بالإسلام   أقوال العلماء فى كفر أنصار الطاغوت _________________________  يقول ابن حزم (وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا مُجَاهِدًا غَلَبَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الإِسْلاَمِ , وَأَقَرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عَلَى حَالِهِمْ , إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهَا , الْمُنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِي ضَبْطِهَا , وَهُوَ مُعْلِنٌ بِدِينٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ لَكَفَرَ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ كُلُّ مَنْ عَاوَنَهُ , وَأَقَامَ مَعَهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ ) (المحلى)   يقول شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب فى الناقض الثامن من نواقض الإسلام (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى:{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}   أما كون نصرة الطاغوت كفرا فلأن الطاغوت لا وزن لشخصه ولا نفاذ لأمره ولا استقرار لملكه ولا استمرار لقانونه وكفره إلا بالجنود والنصراء قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) الأوتاد أى الجنود والأتباع والنصراء الذين يثبتون ملكه كما تثبت الجبال الأرض لتستقيم حياة الناس عليها وتستمر قال تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) كذلك يثبت الجنود مملكة فرعون ليستقيم سلطانه وينفذ أمره ويستمر كفره ،فأوتاد الأرض هى الجبال وأوتاد فرعون هى الجنود  صور النصرة تكون بالقول والعمل والمعاونة ____________________________  يقول ابن حزم (مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَالسِّنْدِ، وَالصِّينِ، وَالتُّرْكِ، وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ، أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ، أَوْ لامْتِنَاعِ طَرِيقٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ) (المحلي)  ويقول ابن تيمية (من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا ان يقاتل بقوله او فعله )(مجموع الفتاوى)  ويقول أيضا (المحاربة نوعان: محاربة باليد ومحاربة باللسان والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد كما تقدم تقريره في المسألة الأولى ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد خصوصا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته فإنها إنما تمكن باللسان وكذلك الإفساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد) (الصارم المسلول)   الفرق بين الولاء المكفر والولاء المحرم  _________________________  ليس كل ولاء للكفار كفر ، فمولاة الكفار منها ما هو كفر ومنها ما هو حرام   أولا :الولاء المكفر مثل نصرتهم على دينهم كالقتال فى سبيل الطاغوت ،كذلك متابعتهم على دينهم وشرائعهم مثل اتخاذ قوانينهم الوضعية والحكم بها أو التحاكم إليها وقد سبق الكلام عن هذين النوعين ،كذلك محبتهم لدينهم أو حب دينهم كل ذلك ولاء مكفر  ثانيا:الولاء المحرم مثل اتخاذهم أصدقاء من غير محبة ولا مودة ،ومثل البشاشة لهم وطلاقة الوجه لهم ،ومثل التشبه بهم في أعيانهم لا في كفرياتهم ،ومثل مداهنتهم ومجاراتهم في غير المكفرات ، ومثل حضور أعيادهم الدنيوية لا الدينية ،ومثل إكرامهم، وتصديرهم المجالس وتقريبهم ،ومثل اتخاذهم بطانة، واستشارتهم من غير تولي ولا مظاهرة،ومثل اتخاذهم عمالة من غير ضرورة، وتكثير سوادهم في غير الصور المكفرة  فائدة :لم يطلق القرآن على الولاء المحرم ولاء أو موالاة وإنما سماها ركون أو نحوها ،لذا فصيغة ولاء الكفار فى القرآن كلها كفر والله أعلم   المعاملة بالبر والإحسان  ________________  يجوز معاملة الكفار غير المحاربين بالحسنى ولا يعد هذا ولاء أو حراما ودليله قوله تعالى( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)  وفى الحديث عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ) (متفق عليه ) (وصلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر فله دينه وللواصل دينه)(أحكام أهل الذمة)  المعاملة المباحة  ___________  معاملة الكفار جائزة كالبيع والشراء والإجارة ونحوها فيما ليس منهيا عنه ففى الحديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً قَالَ لَا بَلْ بَيْعٌ فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً) (متفق عليه) وفى الحديث الآخر (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) متفق عليه ـــــــــــــــــــــــــ‎
شُــــــــــــبهات وردود


-كفـــر الولاء
-الأدلة علي كفر أنصار الطاغوت
-الفرق بين الولاء المكفر والولاء المحرم
___________________________

إن قضية الولاء والبراء من أكبر قضايا العقيدة بل إن العقيدة كلها والدين كله ماهو إلا ولاء وبراء وفيما يلى تأصيل للقضية بإيجاز .

أولا:ارتباط الولاء بتوحيد الربوبية
____________________

انفرد سبحانه بالولاية على خلقه وأنكر أن يكون لهم وليا غيره يقول تعالى(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ينكر تعالى فى أول الآية اتخاذ المشركين أولياء غيره (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) ثم يبين أنه وحده المتصف بالولاية(فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) لأنه سبحانه (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى) (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فمن اختص بإحياء الموتى والقدرة على كل شيئ هو المختص بالولاية وحده
ويقول تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)} يأمر تعالى نبيه أن يعلن للناس إنكار أن يكون له ولى غير الله (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) ويبين علة ذلك بأنه سبحانه (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ)

ثانيا ارتباط الولاء بتوحيد الألوهية :
______________________

إن توحيد الألوهية فى حقيقته ولاء وبراء ،فهو قائم على ركنين أحدهما ولاء والآخر براء
مثال ذلك(لا إله إلا الله) شقان الأول (لا إله) براءة من كل المعبودات (إلا الله) موالاة للإله الحق سبحانه بعبادته
قوله تعالى{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أيضا شقان
الأول (يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) براءة من كل المعبودات الثانى(وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) ولاء للإله الحق بالإيمان به،وهكذا فى سائر النصوص التى بينت حقيقة توحيد الألوهية ومن ثم كان اتخاذ الله وليا توحيد وإسلام ،واتخاذ غيره وليا شرك قال تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يأمر تعالى نبيه أن يعلن للناس إنكار أن يكون له ولى غير الله ثم يبين أن اتخاذ الله وليا هو الإسلام (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) واتخاذ غيره وليا شرك (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

ثالثا ارتباط الولاء بتوحيد الأسماء والصفات :
____________________________

من أسمائه سبحانه (الولى) (المولى) (النصير) والأسماء الثلاثة متضمنة لمعنى الولاء قال تعالى (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )
(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)
الولى :ولاية عامة للخلق بتدبير أمورهم ورعايتهم جميعا ،أوولاية عامة لفئة منهم بتدبير أمرها كله لما فيه صلاحها
المولى :ولاية خاصة لفئة خاصة بعونها فى الرخاء والشدة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ )
،أما النصير :فهو المعين على العدو (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)

وللولاء معانى كثيرة لغة وشرعا كالنصرة والمتابعة والمحبة والعبادة والرعاية والكفالة والميراث وسيقتصر البحث هنا على ثلاث وهى أشهر وأكبر مسائل الولاء وهى(النصرة والمتابعة والمحبة) أما باقى المعانى فلها موضع آخر فى (الكلمة السواء)إن شاء الله
ومن الدلالة اللغوية لكلمة الولاء والاستعمال القرآنى يمكن تعريفه كالآتى
الولاء شرعا : هو النصرة والمتابعة والمحبة لله ولرسوله وللمؤمنين أى أن صور الولاء الرئيسة ثلاث (النصرة ـ المتابعة ـ المحبة ) الدليل على أن النصرة ولاء {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
والدليل على أن المتابعة ولاء{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
والدليل على أن المحبة ولاء{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}

وهذه الصور الثلاث واجبة لله ولرسوله وللمؤمنين

أولا النصرة دليل نصرة الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ)
دليل نصرة الرسول {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]
دليل نصرة المؤمنين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) (رواه البخارى)

ثانيا المتابعة دليل متابعة ما أنزل الله {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}
دليل متابعة الرسول { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]
دليل متابعة سبيل المؤمنين {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115] واتباع ما أنزل الله يكون باتباع القرآن ، واتباع الرسول يكون باتباع سنته ، واتباع المؤمنين يكون باتباع منهج أهل السنة والجماعة فى معتقدهم وفى منهجهم فى الاستدلال ،وفيما أجمعوا عليه

ثالثا المحبة دليل محبة الله (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
دليل محبة الرسول قال رسول الله (لا يؤمن أحدُكُم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده وأهله والنّاس أجمعين)(رواه الشيخان)
دليل محبة المؤمنين قال رسول الله (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (متفق عليه )

وكما أوجب الله موالاته وموالاة رسوله والمؤمنين ، أوجب نفى ما يضادها وهى البراءة من الطاغوت ومن عابديه ومن عبادته
(فلا تصلح الموالاة إلاّ بالمعاداة كما قال تعالي: عن إمام الحنفاء المحبين انه قال لقومه {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فإنهمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلاّ بتحقيق هذه المعاداة فإنه لا ولاء إلاّ لله ولا ولاء إلاّ بالبراءة من كل معبود سواه قال تعالي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وقال تعالي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فإنه سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الجواب الكافي لابن القيم]
والبراءة من عبادة الطاغوت تكون ذلك بعدم نصرته وعدم متابعته وعدم محبته ، لأن نصرة الطاغوت لدينه أو متابعة قانونه أو محبته لباطله كل ذلك ولاء مكفر

دليل محبة الطاغوت {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة: 165]

دليل متابعته قال تعالى(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) وهذه من أبرز صور الولاء المكفر فى الواقع ولاء المتابعة ويتمثل فى متابعة قوانين البشر باتخاذ أولياء مشرعين ونبذ شريعة الله وولايته (وقد سبق الكلام عنه فى كفر الحاكمية)

ومن أبرز صور الولاء المكفر فى الواقع كذلك ولاء النصرة وهو نصرة الطاغوت على كفره بأداء الخدمة العسكرية أو ما فى معناها من المشاركة فى أحد السلطات الثلاث (التشريعية – القضائية – التنفيذية)

الأدلة من القرآن على كفر أنصار الطاغوت
____________________________

1- قوله تعالى(الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) حكم الله عليهم بالكفر بسبب قتالهم فى سبيل الطاغوت،فالقتال فى سبيل الطاغوت هو من صفات الكفار وأفعالهم

2-قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) يقرر سبحانه ويبين أن كل من كان جنديا للطاغوت كان مثله فى الجرم ،أى كان الجميع فى الإثم سواء القادة والجنود (كَانُوا خَاطِئِينَ ) وإثم الطاغوت هو الكفر فيكون إثم جنوده وأنصاره هو الكفر أيضا

3-قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } فى الآية الكريمة يحكم تعالى على من تولى الكفار بأنه منهم(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أى أنه كافر مثلهم ونصرة الطاغوت من أبرز أنواع الولاء المكفر
_____________________________

الدليل من السنة علي كفر أنصار الطاغوت هو حكم الرسول على عمه العباس بالكفر وأخذه الفداء منه لانضمامه لصفوف المشركين وخروجه معهم يوم بدر لقتال المسلمين مع أنه كان قد تكلم بالإسلام بمكة ،ولكن لما نصر المشركين على شركهم عومل معاملتهم وأخذ حكمهم (والقصة فى البخارى)
________________________________

الدليل من الإجماع على كفر أنصار الطاغوت :هو إجماع الصحابة على كفر جنود مسيلمة والأسود العنسى وقتالهم قتال مرتدين وحين جاء فريق منهم لأبى بكر يريدون التوبة كان أحد شروط قبول توبتهم أن يقروا بأن قتلاهم فى النار ،ومعلوم أن أهل السنة لا يقطعون بالنار إلا لمن مات على الكفر ،أما عصاة المسلمين فيمكن أن تلحقهم الشفاعة أو المغفرة بعد مماتهم ،فيكون الحكم على قتلى أنصار الطاغوت حكما بالكفر لا بالمعصية
(والقصة فى البخارى)
_______________

الدليل من القواعد الفقهية قاعدة (الردء له حكم المباشر)
الردء :هو العون والنصير والمساعد ،وفى القرآن دعا موسى ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليكون ردءا له قال تعالى{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} وجنود الطاغوت هم ردء له سواء أحاربوا أم لا ، وبعضهم ردء لبعض عند القتال فالجميع فى الحكم سواء
يقول ابن تيمية (فإن الردء والمباشرة سواء )(السياسة الشرعية) (لأن المباشر إنما تمكن بمعاونه الردء له) (مجموع الفتاوى)
(وكذلك فى العقوبة يقتل الردء و المباشر من المحاربين عند جماهير الفقهاء) (مجموع الفتاوى)
(مذهب الجمهور إن قطاع الطريق يقتل منهم الردء والمباشر وعمر بن الخطاب رضى الله عنه قتل ربيئة المحاربين وهو الناظر الذى ينظر لهم الطريق فالمتعاونون على الظلم والعدوان تجب عليهم العقوبة ) (مجموع الفتاوى)
(والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة وأن الردء والمباشر سواء وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ربيئة المحاربين والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء ولأن المباشر إنما يمكن من قتله بقوة الردء ومعونته والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب) (السياسة الشرعية )
وقد يعبر عن هذه القاعدة بأن (الفرد فى الطائفة الممتنعة له حكمها) يقول ابن تيمية (فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم ) (مجموع الفتاوى) وأشهر أدلة هذه القاعدة والتى قبلها من القرآن قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) ومن السنة معاملة الرسول لعمه العباس معاملة الكفار فى غزوة بدر مع تكلمه بالإسلام

أقوال العلماء فى كفر أنصار الطاغوت
_________________________

يقول ابن حزم (وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا مُجَاهِدًا غَلَبَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الإِسْلاَمِ , وَأَقَرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عَلَى حَالِهِمْ , إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهَا , الْمُنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِي ضَبْطِهَا , وَهُوَ مُعْلِنٌ بِدِينٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ لَكَفَرَ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ كُلُّ مَنْ عَاوَنَهُ , وَأَقَامَ مَعَهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ ) (المحلى)

يقول شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب فى الناقض الثامن من نواقض الإسلام (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى:{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

أما كون نصرة الطاغوت كفرا فلأن الطاغوت لا وزن لشخصه ولا نفاذ لأمره ولا استقرار لملكه ولا استمرار لقانونه وكفره إلا بالجنود والنصراء قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) الأوتاد أى الجنود والأتباع والنصراء الذين يثبتون ملكه كما تثبت الجبال الأرض لتستقيم حياة الناس عليها وتستمر قال تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) كذلك يثبت الجنود مملكة فرعون ليستقيم سلطانه وينفذ أمره ويستمر كفره ،فأوتاد الأرض هى الجبال وأوتاد فرعون هى الجنود

صور النصرة تكون بالقول والعمل والمعاونة
____________________________

يقول ابن حزم (مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَالسِّنْدِ، وَالصِّينِ، وَالتُّرْكِ، وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ، أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ، أَوْ لامْتِنَاعِ طَرِيقٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ) (المحلي)

ويقول ابن تيمية (من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا ان يقاتل بقوله او فعله )(مجموع الفتاوى)

ويقول أيضا (المحاربة نوعان: محاربة باليد ومحاربة باللسان والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد كما تقدم تقريره في المسألة الأولى ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد خصوصا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته فإنها إنما تمكن باللسان وكذلك الإفساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد) (الصارم المسلول)

الفرق بين الولاء المكفر والولاء المحرم
_________________________

ليس كل ولاء للكفار كفر ، فمولاة الكفار منها ما هو كفر ومنها ما هو حرام

أولا :الولاء المكفر مثل نصرتهم على دينهم كالقتال فى سبيل الطاغوت ،كذلك متابعتهم على دينهم وشرائعهم مثل اتخاذ قوانينهم الوضعية والحكم بها أو التحاكم إليها وقد سبق الكلام عن هذين النوعين ،كذلك محبتهم لدينهم أو حب دينهم كل ذلك ولاء مكفر

ثانيا:الولاء المحرم مثل اتخاذهم أصدقاء من غير محبة ولا مودة ،ومثل البشاشة لهم وطلاقة الوجه لهم ،ومثل التشبه بهم في أعيانهم لا في كفرياتهم ،ومثل مداهنتهم ومجاراتهم في غير المكفرات ، ومثل حضور أعيادهم الدنيوية لا الدينية ،ومثل إكرامهم، وتصديرهم المجالس وتقريبهم ،ومثل اتخاذهم بطانة، واستشارتهم من غير تولي ولا مظاهرة،ومثل اتخاذهم عمالة من غير ضرورة، وتكثير سوادهم في غير الصور المكفرة

فائدة :لم يطلق القرآن على الولاء المحرم ولاء أو موالاة وإنما سماها ركون أو نحوها ،لذا فصيغة ولاء الكفار فى القرآن كلها كفر والله أعلم

المعاملة بالبر والإحسان
________________

يجوز معاملة الكفار غير المحاربين بالحسنى ولا يعد هذا ولاء أو حراما ودليله قوله تعالى( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

وفى الحديث عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ) (متفق عليه ) (وصلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر فله دينه وللواصل دينه)(أحكام أهل الذمة)

المعاملة المباحة
___________

معاملة الكفار جائزة كالبيع والشراء والإجارة ونحوها فيما ليس منهيا عنه ففى الحديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً قَالَ لَا بَلْ بَيْعٌ فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً) (متفق عليه) وفى الحديث الآخر (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) متفق عليه

لاعـذر بالجهــل في الشــرك الاكـبر

$
0
0
Photo: ‎لاعـذر بالجهــل في الشــرك الاكـبر  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  لقوله تعالي (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة )البينة 1-2 _______________________  الشاهد من الدليل أن الله سماهم مشركين قبل أن تأتيهم الحجة والبينة قبل الرسالة ,وقبل إقامة الحجة عليهم ,كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية ,والحجة هى الرسول صلى الله عليه وسلم ,وتقوم على الخلق بالبلوغ والسماع,فسماهم الله وحكم عليهم بالكفر والشرك قبل الرسالة وقبل أن تبلغهم الحجة ويأتيهم رسول , وهو اسم لازم لهم ووصف مطابق لحالهم,فكل من تلبس بالشرك يسمى مشركا قولا واحدا لا اختلاف فيه ...  جاء في تفسير البغوي - (ج 8 / ص 493)  _________________________  { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى ،  { وَالْمُشْرِكِينَ } وهم عبدة الأوثان، { مُنْفَكِّين } [منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة]: زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ، أي: انفصل، { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي: حتى أتتهم البينة، الحجة الواضحة، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم [ضلالاتهم] وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة).ا هـ   جاء في بحر العلوم للسمرقندي - (ج 4 / ص 427)  _______________________________  (قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } يعني : اليهود والنصارى { والمشركين } يعني : عبدة الأوثان { مُنفَكّينَ } يعني : غير منتهين عن كفرهم ، وعن قولهم الخبيث { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } يعني : حتى أتاهم البيان ، فإذا جاءهم البيان ، فريق منهم انتهوا وأسلموا ، وفريق ثبتوا على كفرهم . ويقال : لم يزل الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، حتى وجب في الحكمة علينا في هذا الحال ، إرسال الرسول إليهم . ويقال : معناه لم يكونوا منتهين عن الكفر ، حتى أتاهم الرسول والكتاب ، فلما آتاهم الكتاب والرسول ، تابوا ورجعوا عن كفرهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، والذين أسلموا من مشركي العرب . وقال قتادة : { البينة } أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقال القتبي : { مُنفَكّينَ } أي : زائلين يقال : لا أنفك من كذا أي : لا أزول ). ا هـ   يقول بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325 _____________________________________  (قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر)اهـ   فأين هذا من قول أصحاب الجهل كعذر فالجهل بالتوحيد قبل الرسالة وبعدها شرك وكفر بالله تعالي وهو مفهوم من الآيتين   قوله تعالي "(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) [التوبة/6]  وقوله تعالي (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) البينة1   ففي الأولي سماه الله مشرك قبل أن يسمع كلام الله وفي الثانية يصف الله المشركين وأهل الكتاب بالكفر قبل أن تأتيهم البينة   ويقول بن تيمية في مجموع الفتاوى ( 20/37-38) ______________________________  (" وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه[,,,, إن أنتم إلا مفترون] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر .فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة ,فانه يشرك بربه و يعدل به ويجعل معه آلهة أخرى و يجعل له أنددا قبل الرسالة ,ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ,كذلك اسم الجهل و الجاهلية,يقال جاهلية و جهلا قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا,و التولي عن الطاعة كقوله:[ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى] فهذا لا يكون إلا بعد الرسول  )ا هـ   ______________  فلعل القارئ الكريم قد تبين له الآن أن قول القائل ( أن المتلبس بالشرك أو الكفر الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) أن هذا القول الذي ادعوه بل ارتقوا به إلى إدعاء القول بأن ذلك ( قاعدة ) هو كلام عار عن الحقيقة من وجوه متعددة:   الوجه الأول - معارضته لصريح الأدلة الناصَّة على أن الكافر هو من تلبس بأعمال الكفر أو الشرك الأكبر ولو بكلمة أوبقت دنياه وآخرته , ولو لساعة من الزمان لم يندم عليها أو يتوب منها ، فهذا هو الكافر حقيقة فى المصطلح الشرعى وقواعد الاشتقاق حاكمة في ذلك ، من ناحية عدم جواز اشتقاق اسم فاعل حقيقة إلا لمن أتى بالصفة أو الفعل حقيقة وأما المجاز فلا يشتق منه اسم فاعل حقيقة ولا تصرف له أحكام الحقيقة .. وهكذا في سائر ما يتعلق باشتقاق اسم فاعل حقيقي ، فالزاني حقيقة هو من أتى بفعل الزنا وهكذا السارق والقاتل حقيقة.   والوجه الثاني - أن النصوص لم تفرق في اعتبار الكافر وحكمه , وسواء في ذلك من بلغته الدعوة أو لم تبلغه ، والفارق الوحيد بينهما أن من لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله قبل دعوته ، وأما من بلغته الدعوة فلا يشترط في قتاله ذلك ، وقد سبق بيان أدلة ذلك وأقوال العلماء في هذا الشأن على النحو الواضح الجلي ، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة ليس بكافرا أو يتوقف تكفيره على البلاغ أو البيان , بل جعلوا المرتد في حكم الكافر الذي بلغته الدعوة فلم يتوقف حكمه أيضا على البيان.  الوجه الثالث - أن الحجة هي ما أنزل الله به كتابه وما أرسل به رسوله ( فهي الكتاب والسنة ) وما يقرره الكتاب والسنه هو الأصول وهو القواعد الأساسية للدين وأي قاعدة لم يقررها الكتاب والسنة فليست بقاعدة ، وكل أصل لم يقل به الكتاب والسنة فليس بأصل ، فما سبق بيانه من أدلة ونصوص دالة على دعوة الكافر قبل قتاله - ولم يفرق في ذلك بين من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه حسبما دلت عليه النصوص وشرحه أهل العلم في مصنفاتهم وأن الكافر كافر في الحالتين ، ولم يتوقف حكمه أو القول بكفره على بيان من أحد , فذلك هو ماجاءت به النصوص ودلت عليه الآثار وأقوال أهل العلم ، فذلك هو القاعدة وليست القاعدة ما يخالف النصوص والأثار ،   قال ابن القيم رحمه الله: أما أن نقعد قاعدة ونقول: هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد أ.هـ   ولذا فإن قول القائل: أن من تلبس بالكفر الأكبر أو الشرك لايحكم بكفره حتى يبين له , من أبطل الباطل فإن المتلبس بالشرك هو المشرك , والمتلبس بالكفر هو الكافر , فإن الشرك من صناعة المشرك . قال تعالى: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات: 95 ]. وقال تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [ النجم: 23 ].   والقول بعدم تكفير من أتى بالشرك أو الكفر الأكبر , قول محدث مردود باطل معارض للنصوص الكثيرة الصريحة والقاطعة والمنتشرة في نصوص القرآن والسنة ، فأين في القرآن والسنه أن فاعل الكفر لا يكفر إلا بعد البيان ، وقد قال تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } التوبة. فقوله {حتى يسمع كلام الله } هو البيان ، وقوله { أحد من المشركين } هو الحكم الثابت لهذا المستحق للبيان ، ولم يرد بالنص خلاف ما ذكرنا من أن الذي لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله , وليس ما ادعاه أهل التحريف من القول بعدم جواز القول بكفره حتى يبين له وادعوا أن ذلك قاعدة ، وهي من أبطل ما تكون ويكفي ما فيها من الشك في كفر أهل الكفر والمرتدين أو تصحيح عقائدهم الشركية أو عدم تكفير من قطعت النصوص بكفرهم وما فى ذلك من الرضا بكفرهم ، وما في ذلك كله من مناقضة لأحكام الولاء والبراء الواجبة وعنصر المفاصلة مع أهل الشرك الذي هو أحد أخطر معالم عقيدة التوحيد لدى أهل الإسلام ومضمون ما أوجبته شهادة ( لا إله إلا الله ) وتضمنته.  ثم إن القول بعدم تكفير فاعل الكفر الأكبر أو الشرك إلا بعد البيان والتبيين له , هو قول يحتاج إلى وقفة مع القائل من حيث:  - أن البيان والتبيين إن قصد به بلاغ الرسالة وأداء الأمانه وحجة الله تعالى على عباده ، فقد كان ذلك على أبلغ ما يكون البيان والتبيين ، حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد قال ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ). وبالتالي فإن التلبس بأعمال الشرك الأكبر أو الكفر هو مخالفة صارخة لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وبلغه , ومناقضة لما أنزل به الكتاب من وجوب توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك به شيئا ، فاستحق صاحب ذلك الفعل الشركي أو الكفري أن ينسب إلى هذا الفعل الذي أتي به مناقضاً لأصل دينه وما التزمه من شهادة التوحيد التي تعد عهداً وميثاقا أن يوحد الله تعالى ولايشرك به شيئا ، ثم عاد ليشرك به مالم ينزل به سلطانا فصار من أولئك الذين قال الله فيهم:  { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ البقرة: 27 ].   • وأما إن قيل أن المقصود بالبيان والتبيين هو أقوال العلماء بحيث يقال أن فاعل الشرك أو الكفر الأكبر لا يحكم بكفره حتى يبين له العلماء حكم ذلك ، فإن هذا الادعاء فيه ما فيه من الفساد والبطلان ما لا يخفى على كل عاقل إنسان فضلاً أن يكون منسوبا إلى أهل العلم والبيان وذلك للآتي: أن قائل هذا الادعاء يقر بكون الفعل ذاته المخالف هو من الكفر فعلاً أو من الشرك الأكبر ولا يعد الفعل كذلك حقيقة إلا إذا كان فيه ما يناقض أركان الإيمان الأساسية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر أو يناقض أركان التوحيد الأساسية من توحيد الربوبية أو الإلهية ، ولأن تخلف ركن من أركان أي عبادة - عامة - هو في ميزان الشرع الحنيف بطلان لهذه العبادة فلا تصح عبادة مع تخلف ركن من أركانها الأساسية, كالصلاة تبطل إذا تخلف عنها أي ركن من أركانها الرئيسية مع القدرة ، وذلك من المعلوم من الدين بالضرورة وهكذا سائر العبادات ، والتوحيد أجل عبادة على الإطلاق لا يمكن القول بصحته مع تخلف ركن من أركان التوحيد أو مناقضته بل يبطل ادعاء التوحيد بذلك ويثبت في حق الشخص الحكم بخلافه ( أي الحكم بكفره ) وانتفاء الحكم بالتوحيد عنه مع هذا التخلف لشيء من أركانه أو التلبس بما يناقض هذه الأركان ويثبت في حقه الحكم بالكفر لذلك , شاء أم أبى ، لأن الأحكام في مثل ذلك لا تتوقف على رضا الشخص أو عدم رضاه ، فمن ارتكب الشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن من ارتكب القتل قاتل شاء أم أبي ، ومن ارتكب الزنى زان شاء أم أبي وهكذا  ( وهذا مقتضى قواعد الاشتقاق لغة وشرعا ) وعلى هذا فإذا أقر المدعي بهذه القاعدة المفتراة ( بعدم تكفير فاعل الكفر إلا بعد البيان ) نقول إذا أقر هذا المدعي بأن الفعل الصادر من هذا الشخص هو من الكفر أو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، فقد أقر شرعا أن أركان التوحيد عند هذا الشخص قد وقع بها الخلل مما يبطل ادعائه للتوحيد شاء أم أبى وصار من أهل الشرك بهذا ، وسواء جاءه بعد ذلك البيان من آخرين أو لم يأت ، وهذا بالضبط هو ما نصَّت عليه الآيات في محكم التنزيل كقوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف: 103/105 ].   قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود ، وقوله: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون ، وقوله: { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقامها على وحدانيته وصدق رسله وكذبوا بالدار الآخرة أ.هـ وهؤلاء بالضبط أيضا ممن قال الله فيهم: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [ الأعراف: 30 ].   قال ابن كثير رحمه الله: قال ابن جرير: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها ، لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق ، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامها في هذه الآية أ.هـ   الوجه السابع - أن هذا الشخص فاعل الشرك أو الكفر الأكبر , والذي ناقض ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك ، نقول: إذا قيل أنه لا يكفر لمجرد ذلك حتي يبين له من أحد العلماء ، فإذا خالف بعد هذا البيان يكفر. نقول: أن هذا القول فيه من الفساد أيضا ما لا يخفى ، إذ كيف يقال عن مثل هذا الشخص أنه لا يكفر بمخالفة النص ثم يقال بكفره إذا خالف بيان أحد العلماء ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، إن الفعل لا يعد مخالفة في ميزان الشريعة إلا إذا خالف ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا لمخالفة قول عالم من العلماء ، إن الحجة القائمة لله عز وجل على عباده أجمعين فيما أنزل به كتابه وأرسل به رسوله , وليست في قول أحد من الناس سوى ذلك كائنا من كان ، إن الأحكام الشرعية في الإسلام تثبت لمرتكب ما نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسوله صلي الله عليه وسلم وليس لمرتكب ما نهى عنه واحد من العلماء. أن القائل بعدم تكفير مرتكب الشرك الأكبر إلا بعد البيان جعل من بيان أحد الناس عالماً أو غيره هو الذي تدور عليه الأحكام إثباتا ونفيا ، وذلك من التقنص بمنزلة القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين التي عليها وبها أصول الثواب والعقاب , وبهما يعرف الصحيح أو الباطل من الأعمال - عبادات أو معاملات - وليس على قول أحد من الناس كائناً من كان ، وقد قال تعالى وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ الحجرات: 1/2 ].   وها هو الإمام مالك ينقل عنه قوله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به , ومالم يوافق الكتاب والسنه فاتركوه أ.هـ   وهذا مبدأ عند عامة أئمة السلف وليس عند الإمام مالك وحده ، وقد تكاثرت أقوالهم في ذلك. فكيف توقف أحكام القرآن والسنة الصحيحة الصريحة القاطعة على بيان من يعرض كلامه على القرآن والسنة ذاتهما ليتبين صحة قوله من عدمه ، هذا مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، فإذا علمنا أن القاعدة الشرعية تقضي بأن( لا اجتهاد مع النص ) أي الصريح الواضح ، تبين للقارئ الكريم أن هذا القول المدعي من  ( عدم تكفير فاعل كذا وكذا حتى يبين له ) قد يتعلق بالمسائل الخفية من الأحكام الشرعية التي يرد عليها الشبهة كشأن موضوع تأويل الصفات أو تعريف الإيمان الذي يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي , وهي جميعها مما يتعلق بالسنن لا بأصل الدين  ( وهو توحيد رب العالمين ، والبعد عما يناقضه من أعمال الشرك أو الكفر الأكبر المخرج من الملة ) وأما هذه السنن التي قد يرد عليها نوعاً من الشبهات والمتشابهات فهي التي تدرس في مصنفات مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذا النوع من العلم الشرعي مرتبة تلي مرتبة التوحيد كأصل هذا الدين - وهو شأن السنن دائما من حيث كونها تأتي في مرتبة تالية للأصل ,   وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن قول القائل ( أن مرتكب الكفر لا يكفر إلا بعد البيان أو بعد إقامة الحجة عليه أو مثل هذا ) هو من الأقوال العارية عن الصحة وعن الحق ، والحقيقة فيما يتعلق بموضوع توحيد رب العالمين بما يتضمنه من توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية , وأن مجال عمل هذا القول ( إن صح اعتباره ولا يكاد) في حدود المعاني التي موضع شبهة أو يرد عليها الشبهة ، إما لظنية الدليل من حيث الدلالة (كشأن الكيف في الصفات ) أو كشأن تعريف الإيمان لغة وشرعا ) أو لكون الدليل يرد عليه الشبهة من حيث الثبوت ، وجميع ذلك لا علاقة له بأحكام التوحيد كأصل هذا الدين العظيم وما يناقضه من شرك لما يتمتع به هذا الأصل من أدله هي أعلي ما تكون من الأحكام والقطعية فلا تقبل الشبهة ولا تعارض بشبهة ولا تقبل التأويل ولا تعارض بتأويل ولا تقبل الإجتهاد ولا تعارض باجتهاد )‎

لقوله تعالي (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة )البينة 1-2
_______________________

الشاهد من الدليل أن الله سماهم مشركين قبل أن تأتيهم الحجة والبينة قبل الرسالة ,وقبل إقامة الحجة عليهم ,كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية ,والحجة هى الرسول صلى الله عليه وسلم ,وتقوم على الخلق بالبلوغ والسماع,فسماهم الله وحكم عليهم بالكفر والشرك قبل الرسالة وقبل أن تبلغهم الحجة ويأتيهم رسول , وهو اسم لازم لهم ووصف مطابق لحالهم,فكل من تلبس بالشرك يسمى مشركا قولا واحدا لا اختلاف فيه ...

جاء في تفسير البغوي - (ج 8 / ص 493)
_________________________

{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى ،
{ وَالْمُشْرِكِينَ } وهم عبدة الأوثان، { مُنْفَكِّين } [منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة]: زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ، أي: انفصل، { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي: حتى أتتهم البينة، الحجة الواضحة، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم [ضلالاتهم] وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة).ا هـ

جاء في بحر العلوم للسمرقندي - (ج 4 / ص 427)
_______________________________

(قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } يعني : اليهود والنصارى { والمشركين } يعني : عبدة الأوثان { مُنفَكّينَ } يعني : غير منتهين عن كفرهم ، وعن قولهم الخبيث { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } يعني : حتى أتاهم البيان ، فإذا جاءهم البيان ، فريق منهم انتهوا وأسلموا ، وفريق ثبتوا على كفرهم . ويقال : لم يزل الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، حتى وجب في الحكمة علينا في هذا الحال ، إرسال الرسول إليهم . ويقال : معناه لم يكونوا منتهين عن الكفر ، حتى أتاهم الرسول والكتاب ، فلما آتاهم الكتاب والرسول ، تابوا ورجعوا عن كفرهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، والذين أسلموا من مشركي العرب . وقال قتادة : { البينة } أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقال القتبي : { مُنفَكّينَ } أي : زائلين يقال : لا أنفك من كذا أي : لا أزول ). ا هـ

يقول بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325
_____________________________________

(قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر)اهـ

فأين هذا من قول أصحاب الجهل كعذر فالجهل بالتوحيد قبل الرسالة وبعدها شرك وكفر بالله تعالي وهو مفهوم من الآيتين

قوله تعالي "(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) [التوبة/6]

وقوله تعالي (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) البينة1

ففي الأولي سماه الله مشرك قبل أن يسمع كلام الله وفي الثانية يصف الله المشركين وأهل الكتاب بالكفر قبل أن تأتيهم البينة

ويقول بن تيمية في مجموع الفتاوى ( 20/37-38)
______________________________

("وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه[,,,, إن أنتم إلا مفترون] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر .فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة ,فانه يشرك بربه و يعدل به ويجعل معه آلهة أخرى و يجعل له أنددا قبل الرسالة ,ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ,كذلك اسم الجهل و الجاهلية,يقال جاهلية و جهلا قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا,و التولي عن الطاعة كقوله:[ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى] فهذا لا يكون إلا بعد الرسول )ا هـ

______________

فلعل القارئ الكريم قد تبين له الآن أن قول القائل ( أن المتلبس بالشرك أو الكفر الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) أن هذا القول الذي ادعوه بل ارتقوا به إلى إدعاء القول بأن ذلك ( قاعدة ) هو كلام عار عن الحقيقة من وجوه متعددة:

الوجه الأول - معارضته لصريح الأدلة الناصَّة على أن الكافر هو من تلبس بأعمال الكفر أو الشرك الأكبر ولو بكلمة أوبقت دنياه وآخرته , ولو لساعة من الزمان لم يندم عليها أو يتوب منها ، فهذا هو الكافر حقيقة فى المصطلح الشرعى وقواعد الاشتقاق حاكمة في ذلك ، من ناحية عدم جواز اشتقاق اسم فاعل حقيقة إلا لمن أتى بالصفة أو الفعل حقيقة وأما المجاز فلا يشتق منه اسم فاعل حقيقة ولا تصرف له أحكام الحقيقة .. وهكذا في سائر ما يتعلق باشتقاق اسم فاعل حقيقي ، فالزاني حقيقة هو من أتى بفعل الزنا وهكذا السارق والقاتل حقيقة.

والوجه الثاني - أن النصوص لم تفرق في اعتبار الكافر وحكمه , وسواء في ذلك من بلغته الدعوة أو لم تبلغه ، والفارق الوحيد بينهما أن من لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله قبل دعوته ، وأما من بلغته الدعوة فلا يشترط في قتاله ذلك ، وقد سبق بيان أدلة ذلك وأقوال العلماء في هذا الشأن على النحو الواضح الجلي ، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة ليس بكافرا أو يتوقف تكفيره على البلاغ أو البيان , بل جعلوا المرتد في حكم الكافر الذي بلغته الدعوة فلم يتوقف حكمه أيضا على البيان.

الوجه الثالث - أن الحجة هي ما أنزل الله به كتابه وما أرسل به رسوله ( فهي الكتاب والسنة ) وما يقرره الكتاب والسنه هو الأصول وهو القواعد الأساسية للدين وأي قاعدة لم يقررها الكتاب والسنة فليست بقاعدة ، وكل أصل لم يقل به الكتاب والسنة فليس بأصل ، فما سبق بيانه من أدلة ونصوص دالة على دعوة الكافر قبل قتاله - ولم يفرق في ذلك بين من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه حسبما دلت عليه النصوص وشرحه أهل العلم في مصنفاتهم وأن الكافر كافر في الحالتين ، ولم يتوقف حكمه أو القول بكفره على بيان من أحد , فذلك هو ماجاءت به النصوص ودلت عليه الآثار وأقوال أهل العلم ، فذلك هو القاعدة وليست القاعدة ما يخالف النصوص والأثار ،

قال ابن القيم رحمه الله: أما أن نقعد قاعدة ونقول: هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد أ.هـ

ولذا فإن قول القائل: أن من تلبس بالكفر الأكبر أو الشرك لايحكم بكفره حتى يبين له , من أبطل الباطل فإن المتلبس بالشرك هو المشرك , والمتلبس بالكفر هو الكافر , فإن الشرك من صناعة المشرك .
قال تعالى: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات: 95 ]. وقال تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [ النجم: 23 ].

والقول بعدم تكفير من أتى بالشرك أو الكفر الأكبر , قول محدث مردود باطل معارض للنصوص الكثيرة الصريحة والقاطعة والمنتشرة في نصوص القرآن والسنة ، فأين في القرآن والسنه أن فاعل الكفر لا يكفر إلا بعد البيان ، وقد قال تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } التوبة. فقوله {حتى يسمع كلام الله } هو البيان ، وقوله { أحد من المشركين } هو الحكم الثابت لهذا المستحق للبيان ، ولم يرد بالنص خلاف ما ذكرنا من أن الذي لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله , وليس ما ادعاه أهل التحريف من القول بعدم جواز القول بكفره حتى يبين له وادعوا أن ذلك قاعدة ، وهي من أبطل ما تكون ويكفي ما فيها من الشك في كفر أهل الكفر والمرتدين أو تصحيح عقائدهم الشركية أو عدم تكفير من قطعت النصوص بكفرهم وما فى ذلك من الرضا بكفرهم ، وما في ذلك كله من مناقضة لأحكام الولاء والبراء الواجبة وعنصر المفاصلة مع أهل الشرك الذي هو أحد أخطر معالم عقيدة التوحيد لدى أهل الإسلام ومضمون ما أوجبته شهادة ( لا إله إلا الله ) وتضمنته.

ثم إن القول بعدم تكفير فاعل الكفر الأكبر أو الشرك إلا بعد البيان والتبيين له , هو قول يحتاج إلى وقفة مع القائل من حيث:

- أن البيان والتبيين إن قصد به بلاغ الرسالة وأداء الأمانه وحجة الله تعالى على عباده ، فقد كان ذلك على أبلغ ما يكون البيان والتبيين ، حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد قال
( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ). وبالتالي فإن التلبس بأعمال الشرك الأكبر أو الكفر هو مخالفة صارخة لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وبلغه , ومناقضة لما أنزل به الكتاب من وجوب توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك به شيئا ، فاستحق صاحب ذلك الفعل الشركي أو الكفري أن ينسب إلى هذا الفعل الذي أتي به مناقضاً لأصل دينه وما التزمه من شهادة التوحيد التي تعد عهداً وميثاقا أن يوحد الله تعالى ولايشرك به شيئا ، ثم عاد ليشرك به مالم ينزل به سلطانا فصار من أولئك الذين قال الله فيهم:
{ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ البقرة: 27 ].

• وأما إن قيل أن المقصود بالبيان والتبيين هو أقوال العلماء بحيث يقال أن فاعل الشرك أو الكفر الأكبر لا يحكم بكفره حتى يبين له العلماء حكم ذلك ، فإن هذا الادعاء فيه ما فيه من الفساد والبطلان ما لا يخفى على كل عاقل إنسان فضلاً أن يكون منسوبا إلى أهل العلم والبيان وذلك للآتي: أن قائل هذا الادعاء يقر بكون الفعل ذاته المخالف هو من الكفر فعلاً أو من الشرك الأكبر ولا يعد الفعل كذلك حقيقة إلا إذا كان فيه ما يناقض أركان الإيمان الأساسية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر أو يناقض أركان التوحيد الأساسية من توحيد الربوبية أو الإلهية ، ولأن تخلف ركن من أركان أي عبادة - عامة - هو في ميزان الشرع الحنيف بطلان لهذه العبادة فلا تصح عبادة مع تخلف ركن من أركانها الأساسية, كالصلاة تبطل إذا تخلف عنها أي ركن من أركانها الرئيسية مع القدرة ، وذلك من المعلوم من الدين بالضرورة وهكذا سائر العبادات ، والتوحيد أجل عبادة على الإطلاق لا يمكن القول بصحته مع تخلف ركن من أركان التوحيد أو مناقضته بل يبطل ادعاء التوحيد بذلك ويثبت في حق الشخص الحكم بخلافه ( أي الحكم بكفره ) وانتفاء الحكم بالتوحيد عنه مع هذا التخلف لشيء من أركانه أو التلبس بما يناقض هذه الأركان ويثبت في حقه الحكم بالكفر لذلك , شاء أم أبى ، لأن الأحكام في مثل ذلك لا تتوقف على رضا الشخص أو عدم رضاه ، فمن ارتكب الشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن من ارتكب القتل قاتل شاء أم أبي ، ومن ارتكب الزنى زان شاء أم أبي وهكذا
( وهذا مقتضى قواعد الاشتقاق لغة وشرعا ) وعلى هذا فإذا أقر المدعي بهذه القاعدة المفتراة ( بعدم تكفير فاعل الكفر إلا بعد البيان ) نقول إذا أقر هذا المدعي بأن الفعل الصادر من هذا الشخص هو من الكفر أو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، فقد أقر شرعا أن أركان التوحيد عند هذا الشخص قد وقع بها الخلل مما يبطل ادعائه للتوحيد شاء أم أبى وصار من أهل الشرك بهذا ، وسواء جاءه بعد ذلك البيان من آخرين أو لم يأت ، وهذا بالضبط هو ما نصَّت عليه الآيات في محكم التنزيل كقوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف: 103/105 ].

قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود ، وقوله: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون ، وقوله: { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقامها على وحدانيته وصدق رسله وكذبوا بالدار الآخرة أ.هـ وهؤلاء بالضبط أيضا ممن قال الله فيهم: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [ الأعراف: 30 ].

قال ابن كثير رحمه الله: قال ابن جرير:
وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها ، لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق ، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامها في هذه الآية أ.هـ

الوجه السابع - أن هذا الشخص فاعل الشرك أو الكفر الأكبر , والذي ناقض ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك ، نقول: إذا قيل أنه لا يكفر لمجرد ذلك حتي يبين له من أحد العلماء ، فإذا خالف بعد هذا البيان يكفر. نقول: أن هذا القول فيه من الفساد أيضا ما لا يخفى ، إذ كيف يقال عن مثل هذا الشخص أنه لا يكفر بمخالفة النص ثم يقال بكفره إذا خالف بيان أحد العلماء ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، إن الفعل لا يعد مخالفة في ميزان الشريعة إلا إذا خالف ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا لمخالفة قول عالم من العلماء ، إن الحجة القائمة لله عز وجل على عباده أجمعين فيما أنزل به كتابه وأرسل به رسوله , وليست في قول أحد من الناس سوى ذلك كائنا من كان ، إن الأحكام الشرعية في الإسلام تثبت لمرتكب ما نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسوله صلي الله عليه وسلم وليس لمرتكب ما نهى عنه واحد من العلماء. أن القائل بعدم تكفير مرتكب الشرك الأكبر إلا بعد البيان جعل من بيان أحد الناس عالماً أو غيره هو الذي تدور عليه الأحكام إثباتا ونفيا ، وذلك من التقنص بمنزلة القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين التي عليها وبها أصول الثواب والعقاب , وبهما يعرف الصحيح أو الباطل من الأعمال - عبادات أو معاملات - وليس على قول أحد من الناس كائناً من كان ، وقد قال تعالى وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ الحجرات: 1/2 ].

وها هو الإمام مالك ينقل عنه قوله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به , ومالم يوافق الكتاب والسنه فاتركوه أ.هـ

وهذا مبدأ عند عامة أئمة السلف وليس عند الإمام مالك وحده ، وقد تكاثرت أقوالهم في ذلك. فكيف توقف أحكام القرآن والسنة الصحيحة الصريحة القاطعة على بيان من يعرض كلامه على القرآن والسنة ذاتهما ليتبين صحة قوله من عدمه ، هذا مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، فإذا علمنا أن القاعدة الشرعية تقضي بأن( لا اجتهاد مع النص ) أي الصريح الواضح ، تبين للقارئ الكريم أن هذا القول المدعي من
( عدم تكفير فاعل كذا وكذا حتى يبين له ) قد يتعلق بالمسائل الخفية من الأحكام الشرعية التي يرد عليها الشبهة كشأن موضوع تأويل الصفات أو تعريف الإيمان الذي يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي , وهي جميعها مما يتعلق بالسنن لا بأصل الدين
( وهو توحيد رب العالمين ، والبعد عما يناقضه من أعمال الشرك أو الكفر الأكبر المخرج من الملة ) وأما هذه السنن التي قد يرد عليها نوعاً من الشبهات والمتشابهات فهي التي تدرس في مصنفات مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذا النوع من العلم الشرعي مرتبة تلي مرتبة التوحيد كأصل هذا الدين - وهو شأن السنن دائما من حيث كونها تأتي في مرتبة تالية للأصل ,

وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن قول القائل ( أن مرتكب الكفر لا يكفر إلا بعد البيان أو بعد إقامة الحجة عليه أو مثل هذا ) هو من الأقوال العارية عن الصحة وعن الحق ، والحقيقة فيما يتعلق بموضوع توحيد رب العالمين بما يتضمنه من توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية , وأن مجال عمل هذا القول ( إن صح اعتباره ولا يكاد) في حدود المعاني التي موضع شبهة أو يرد عليها الشبهة ، إما لظنية الدليل من حيث الدلالة (كشأن الكيف في الصفات ) أو كشأن تعريف الإيمان لغة وشرعا ) أو لكون الدليل يرد عليه الشبهة من حيث الثبوت ، وجميع ذلك لا علاقة له بأحكام التوحيد كأصل هذا الدين العظيم وما يناقضه من شرك لما يتمتع به هذا الأصل من أدله هي أعلي ما تكون من الأحكام والقطعية فلا تقبل الشبهة ولا تعارض بشبهة ولا تقبل التأويل ولا تعارض بتأويل ولا تقبل الإجتهاد ولا تعارض باجتهاد )



Photo: ‎لاعـذر بالجهــل في الشــرك الاكبر  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  لقوله تعالي (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون)التوبة 6  __________________  الشاهد من الدليل ,أن الله سماه مشركا قبل أن يسمع الحجة التى هى القرآن وهو كلام الله ,ثم بين الله تعالى أنه لاعذر له وأنه سماه مشركا مع جهله وعدم علمه والدليل قوله سبحانه (بأنهم قوم لايعلمون)  فثبت اسم المشرك عليه مع الجهل وعدم العلم   فسماه مشركا قبل سماع الحجة  قال الإمام الطبري :-  _____________  " يقول تعالى لنبيه وان استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك ، وهو القرآن الذي أنزله الله عليك فَأَجِرْهُ يقول : - فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ يقول : - ثم رده بعد سماع كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ بما تتلوه عليه من كلام الله فيؤمن ، إلى مأمنه ...  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ  يقول : - تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن ، وردك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم من أجل انهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا ، وما عليهم من الوزر والإثم لتركهم الإيمان بالله  وقال البغوي: _________  فيما له وعليه من الثواب والعقاب حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ  ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ  أي : لا يعلمون دين الله وتوحيده وقال الحسن : هذه الآية محكمة إلى قيام الساعة  تفسير ابن كثير : _____________  يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ( وإن أحد من المشركين ) الذين أمرتك بقتالهم ، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ، ( استجارك ) أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته ( حتى يسمع كلام الله ) أي : [ القرآن ] تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من [ أمر ] الدين تقيم عليه به حجة الله ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله ، وتنتشر دعوة الله في عباده .  جاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 151)  ___________________________  (وفي قوله : { ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } قولان . أحدهما : أن المعنى : ذلك الذي أمرناك به من أن يُعرَّفوا ويُجاروا لجهلهم بالعلم والثاني : ذلك الذي أمرناك به من ردِّه إلى مأمنه إذا امتنع من الإيمان ، لأنهم قوم جهلة بخطاب الله ). ا هـ  جاء في تفسير الرازي - (ج 7 / ص 462)  ____________________________  (المسألة الرابعة : اعلم أن هذه الآية تدل على أن التقليد غير كاف في الدين وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافياً ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له إما أن تؤمن ، وإما أن نقتلك فلما لم يقل له ذلك ، بل أمهلناه وأزلنا الخوف عنه ووجب علينا أن نبلغه مأمنه علمنا أن ذلك إنما كان لأجل أن التقليد في الدين غير كاف ، بل لا بد من الحجة والدليل فأمهلناه وأخرناه ليحصل له مهلة النظر والاستدلال . إذا ثبت هذا فنقول : ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون ولعله لا يعرف مقداره إلا بالعرف ، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالباً للحق باحثاً عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضاً عن الحق دافعاً للزمان بالأكاذيب لم يلتفت إليه والله أعلم .   المسألة الخامسة : المذكور في هذه الآية كونه طالباً لسماع القرآن فنقول : ويلتحق به كونه طالباً لسماع الدلائل ، وكونه طالباً للجواب عن الشبهات ، والدليل عليه أنه تعالى علل وجوب تلك الإجارة بكونه غير عالم لأنه قال ذلك بأنهم قوم لا يعلمون وكان المعنى فأجره ، لكونه طالباً للعلم مسترشداً للحق وكل من حصلت فيه هذه العلة وجبت إجارته .   المسألة السادسة : في قوله : { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } وجوه : قيل : أراد سماع جميع القرآن ، لأن تمام الدليل والبينات فيه ، وقيل : أراد سماع سورة براءة ، لأنها مشتملة على كيفية المعاملة مع المشركين ، وقيل : أراد سماع كل الدلائل . وإنما خص القرآن بالذكر ، لأنه الكتاب الجاري لمعظم الدلائل .  وقوله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } معناه أوصله إلى ديار قومه التي يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ثم بعد ذلك يجوز قتالهم وقتلهم .  المسألة السابعة : قال الفقهاء : والكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام كان مغنوماً مع ماله ، إلا أن يدخل مستجيراً لغرض شرعي كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة . فإن دخل بأمان صبي أو مجنون فأمانهما شبهة أمان ، فيجب تبليغه مأمنه . وهو أن يبلغ محروساً في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولاً فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالاً في دار الإسلام ولماله أمان فأمان له والله أعلم ). ا هـ   جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 329)  ______________________________  (والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه. وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.) ا هـ   ومن الملاحظ من الآية امور منها _____________________  1-سمي الله من يفعل الشرك مشركا قبل أن يصله البلاغ { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } لان التقليد غير كاف في الدين وفي ذلك رد لكل الأباطيل التي تزعم أنه لا يسمي مشركا من فعل الشرك الأكبر إلا بعد البلاغ من عالم مجتهد    فالشاهد من الدليل ,أن الله سماه مشركا قبل أن يسمع الحجة التى هى القرآن وهو كلام الله ,ثم بين الله تعالى أنه لاعذر له وأنه سماه مشركا مع جهله وعدم علمه والدليل قوله سبحانه (بأنهم قوم لايعلمون)  ,وفى الآية فوائد أخرى وأحكام كثيرة غير هذا منها :  1- جواز إجارة المشرك والكافر الأصلي طمعا فى إسلامه ,بعد إسماعه الهدى والقرآن خلافا للمرتد فإنه يقتل مع القدرة عليه,فإن تاب قبل القدرة قبلت توبته   2- أن الحجة الرسالية تقوم على الخلق بمجرد البلوغ والسماع ولا يشترط الفهم فى المسائل الظاهرة والتوحيد ومعرفة الله تعالى  3- أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل غير مخلوق ,خلافا للمعتزلة والإباضية   4- ثبوت اسم المشرك لكل من تلبس بشرك وإن كان يجهل ولا يعلم فإن الجهل المعتبر يرفع العقوبة ولا يرفع الإسم ,فلا تلازم بين الإسم والعقوبة‎



لاعـذر بالجهــل في الشــرك الاكبر لقوله تعالي (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون)التوبة 6
__________________

الشاهد من الدليل ,أن الله سماه مشركا قبل أن يسمع الحجة التى هى القرآن وهو كلام الله ,ثم بين الله تعالى أنه لاعذر له وأنه سماه مشركا مع جهله وعدم علمه والدليل قوله سبحانه (بأنهم قوم لايعلمون)

فثبت اسم المشرك عليه مع الجهل وعدم العلم

فسماه مشركا قبل سماع الحجة

قال الإمام الطبري :-
_____________

"يقول تعالى لنبيه وان استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك ، وهو القرآن الذي أنزله الله عليك فَأَجِرْهُ يقول :
- فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ يقول :
- ثم رده بعد سماع كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ بما تتلوه عليه من كلام الله فيؤمن ، إلى مأمنه ...
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ
يقول :
- تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن ، وردك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم من أجل انهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا ، وما عليهم من الوزر والإثم لتركهم الإيمان بالله

وقال البغوي:
_________

فيما له وعليه من الثواب والعقاب حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ
أي : لا يعلمون دين الله وتوحيده
وقال الحسن : هذه الآية محكمة إلى قيام الساعة

تفسير ابن كثير :
_____________

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ( وإن أحد من المشركين ) الذين أمرتك بقتالهم ، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ، ( استجارك ) أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته ( حتى يسمع كلام الله ) أي : [ القرآن ] تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من [ أمر ] الدين تقيم عليه به حجة الله ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله ، وتنتشر دعوة الله في عباده .

جاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 151)
___________________________

(وفي قوله : { ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } قولان . أحدهما : أن المعنى : ذلك الذي أمرناك به من أن يُعرَّفوا ويُجاروا لجهلهم بالعلم والثاني : ذلك الذي أمرناك به من ردِّه إلى مأمنه إذا امتنع من الإيمان ، لأنهم قوم جهلة بخطاب الله ). ا هـ

جاء في تفسير الرازي - (ج 7 / ص 462)
____________________________

(المسألة الرابعة : اعلم أن هذه الآية تدل على أن التقليد غير كاف في الدين وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافياً ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له إما أن تؤمن ، وإما أن نقتلك فلما لم يقل له ذلك ، بل أمهلناه وأزلنا الخوف عنه ووجب علينا أن نبلغه مأمنه علمنا أن ذلك إنما كان لأجل أن التقليد في الدين غير كاف ، بل لا بد من الحجة والدليل فأمهلناه وأخرناه ليحصل له مهلة النظر والاستدلال . إذا ثبت هذا فنقول : ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون ولعله لا يعرف مقداره إلا بالعرف ، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالباً للحق باحثاً عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضاً عن الحق دافعاً للزمان بالأكاذيب لم يلتفت إليه والله أعلم .

المسألة الخامسة : المذكور في هذه الآية كونه طالباً لسماع القرآن فنقول : ويلتحق به كونه طالباً لسماع الدلائل ، وكونه طالباً للجواب عن الشبهات ، والدليل عليه أنه تعالى علل وجوب تلك الإجارة بكونه غير عالم لأنه قال ذلك بأنهم قوم لا يعلمون وكان المعنى فأجره ، لكونه طالباً للعلم مسترشداً للحق وكل من حصلت فيه هذه العلة وجبت إجارته .

المسألة السادسة : في قوله : { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } وجوه : قيل : أراد سماع جميع القرآن ، لأن تمام الدليل والبينات فيه ، وقيل : أراد سماع سورة براءة ، لأنها مشتملة على كيفية المعاملة مع المشركين ، وقيل : أراد سماع كل الدلائل . وإنما خص القرآن بالذكر ، لأنه الكتاب الجاري لمعظم الدلائل .
وقوله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } معناه أوصله إلى ديار قومه التي يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ثم بعد ذلك يجوز قتالهم وقتلهم .
المسألة السابعة : قال الفقهاء : والكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام كان مغنوماً مع ماله ، إلا أن يدخل مستجيراً لغرض شرعي كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة . فإن دخل بأمان صبي أو مجنون فأمانهما شبهة أمان ، فيجب تبليغه مأمنه . وهو أن يبلغ محروساً في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولاً فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالاً في دار الإسلام ولماله أمان فأمان له والله أعلم ). ا هـ

جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 329)
______________________________

(والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه. وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.) ا هـ

ومن الملاحظ من الآية امور منها
_____________________

1-سمي الله من يفعل الشرك مشركا قبل أن يصله البلاغ { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } لان التقليد غير كاف في الدين وفي ذلك رد لكل الأباطيل التي تزعم أنه لا يسمي مشركا من فعل الشرك الأكبر إلا بعد البلاغ من عالم مجتهد

فالشاهد من الدليل ,أن الله سماه مشركا قبل أن يسمع الحجة التى هى القرآن وهو كلام الله ,ثم بين الله تعالى أنه لاعذر له وأنه سماه مشركا مع جهله وعدم علمه والدليل قوله سبحانه (بأنهم قوم لايعلمون)

,وفى الآية فوائد أخرى وأحكام كثيرة غير هذا منها :

1- جواز إجارة المشرك والكافر الأصلي طمعا فى إسلامه ,بعد إسماعه الهدى والقرآن خلافا للمرتد فإنه يقتل مع القدرة عليه,فإن تاب قبل القدرة قبلت توبته

2- أن الحجة الرسالية تقوم على الخلق بمجرد البلوغ والسماع ولا يشترط الفهم فى المسائل الظاهرة والتوحيد ومعرفة الله تعالى
3- أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل غير مخلوق ,خلافا للمعتزلة والإباضية

4- ثبوت اسم المشرك لكل من تلبس بشرك وإن كان يجهل ولا يعلم فإن الجهل المعتبر يرفع العقوبة ولا يرفع الإسم ,فلا تلازم بين الإسم والعقوبة

"لاعذر بالجهل في أصل الدين "

$
0
0
Photo: ‎" لاعذر بالجهل في أصل الدين "      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  لقوله تعالي( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير) [الحج/-71]  جاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 399) ________________  { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا } حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } للمشركين، { مِنْ نَصِيرٍ } مانع يمنعهم من عذاب الله.)اهـ  وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 453) ___________________  (يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني: حجة وبرهانا، كقوله: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون: 117 ]. ولهذا قال هاهنا: { مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال)ا هـ.  وجاء في تفسير الرازي - (ج 11 / ص 151) _________________  ( فبين أن عبادتهم لغير الله تعالى ليست مأخوذة عن دليل سمعي وهو المراد من قوله : { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } ولا عن دليل عقلي وهو المراد من قوله : { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } وإذا لم يكن كذلك فهو عن تقليد أو جهل أو شبهة ، فوجب في كل قول هذا شأنه أن يكون باطلاً ، فمن هذا الوجه يدل على أن الكافر قد يكون كافراً ، وإن لم يعلم كونه كافراً ، ويدل أيضاً على فساد التقليد ).ا هـ  وهو مايقوله بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325  (قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر) ا هـ  وهو ما جاء في الدرر السنية في الكتب النجدية [2-23] قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب _________________________  (فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك: معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:116],)ا هـ  وهو ما قاله ابن تيميه في الصارم المسلول ج1 ص184 (و بالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك و إن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله) ا هـ‎

لقوله تعالي( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير) [الحج/-71]

جاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 399)
________________

{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا } حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } للمشركين، { مِنْ نَصِيرٍ } مانع يمنعهم من عذاب الله.)اهـ

وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 453)
___________________

(يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني: حجة وبرهانا، كقوله: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون: 117 ]. ولهذا قال هاهنا: { مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال)ا هـ.

وجاء في تفسير الرازي - (ج 11 / ص 151)
_________________

( فبين أن عبادتهم لغير الله تعالى ليست مأخوذة عن دليل سمعي وهو المراد من قوله : { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } ولا عن دليل عقلي وهو المراد من قوله : { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } وإذا لم يكن كذلك فهو عن تقليد أو جهل أو شبهة ، فوجب في كل قول هذا شأنه أن يكون باطلاً ، فمن هذا الوجه يدل على أن الكافر قد يكون كافراً ، وإن لم يعلم كونه كافراً ، ويدل أيضاً على فساد التقليد ).ا هـ

وهو مايقوله بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325
(قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر) ا هـ

وهو ما جاء في الدرر السنية في الكتب النجدية [2-23]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
_________________________

(فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك: معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بالله الذي قال الله فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:116],)ا هـ

وهو ما قاله ابن تيميه في الصارم المسلول ج1 ص184
(و بالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك و إن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله) ا هـ
Viewing all 472 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>